5 مبادئ للقيادة التكيّفية تساعدك في مواجهة الأزمات

6 دقائق
القيادة التكيفية
سنسور سبوت/غيتي إميدجيز

ملخص: تتطلب الاستجابة لحالة عدم اليقين قيادة تكيفية، وتُعرّف بأنها القدرة على توقع الاحتياجات المستقبلية والتعبير عن هذه الاحتياجات لبناء الدعم والتفاهم الجماعي وتكييف استجاباتك بناءً على المستجدات المستمدَّة من التعلُّم المستمر وإظهار القدرة على تحمّل المسؤولية من خلال الالتزام بالشفافية في عملية صناعة القرار المتبعة في مؤسستك. وللاستفادة من القيادة التكيفية الناجحة، اتبع 5 مبادئ مشتركة لتوجيه استجابتك وتشكيل خطط التعافي على المدى البعيد.

 

جعلت جائحة كوفيد-19 القادة مضطرين إلى مواجهة عدم القدرة على التنبؤ وغياب المعلومات والخوض في غمار المجهول والحاجة إلى تحديد الاستجابات المطلوب اتخاذها بأسرع ما يمكن؛ كل ذلك مع الاعتراف بتعدُّد أبعاد الأزمة (على المستويات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية).

وقد علمتنا الجائحة كيفية الاستجابة للأزمة من خلال وجود قيادة تكيفية، وهي القيادة التي تنطوي على ما نشير إليه باسم الركائز الأربع:

  • توقُّع الاحتياجات والاتجاهات والخيارات المستقبلية المحتملة.
  • توضيح هذه الاحتياجات وشرحها لبناء فهم جماعي ودعم الإجراءات المتخذة.
  • التكيف بطريقة تعزز التعلم المستمر مع تعديل الاستجابات حسب ما تقتضيه الضرورة.
  • تحمّل المسؤولية، بما في ذلك توخي أقصى قدر من الشفافية في عمليات صناعة القرار والانفتاح على التحديات والآراء النقدية.

تتميز هذه الركائز الأربع كلها بوضوح أثرها في أنجح الاستجابات لتداعيات الجائحة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة أسترازينيكا (AstraZeneca) للأدوية؛ فبفضل أنشطتها المكثَّفة في الصين، علِم القائمون على الشركة بأمر الفيروس في مرحلة مبكرة، وبدؤوا العمل على توقُّع الاحتياجات والقضايا المستقبلية، مع الاستجابة أيضاً لحالات عدم اليقين والخوض في غمار المجهول. وأوضحوا هذه الاحتياجات لشريحة واسعة من أصحاب المصالح داخل الشركة وخارجها للحصول على دعمهم ومساندتهم، وصاغوا عدداً من نماذج العمل التكيفية والشراكات الجديدة لتلبية احتياجات كوفيد-19 الأكثر إلحاحاً بشكل فعَّال، وعلى رأسها تطوير اللقاح، إضافة إلى تطوير طرق الاختبار وإجراء الفحوصات والعمل على تطوير المرافق الصحية واستخدام الذكاء الاصطناعي لدعم عمليات التشخيص الطبي وإدارة الحالات المَرَضية. ولعل أبرزها إقدام الشركة على وضع نهج شامل لتحمّل المسؤولية، مع الالتزام بدعم الاستجابة العالمية لجائحة كوفيد-19 اقتصادياً وبصورة مُنصفة قدر الإمكان، بما في ذلك إبرام العديد من الاتفاقيات لإنتاج أي لقاح يُثبِت نجاحه وتوزيعه على نطاق واسع دون السعي لتحقيق أي أرباح خلال فترة تفشي الجائحة.

وقد استطعنا من واقع خبراتنا في وضع خُطط استجابة منظمة الصحة العالمية لجائحة كوفيد-19 (ديفيد)، وتقديم المشورة لرؤساء الحكومات الوطنية (أركيبي) ومسؤوليها، والقيادة وتقديم المشورة بشأن نظم الصحة والرعاية المعقدة والضخمة (روث)، ودعم الاستجابة للأزمات في كلٍّ من الدول المتقدمة والنامية وكذلك الأوضاع الإنسانية (بن وليني)، تحديد 5 مبادئ مشتركة لتوجيه هذا النوع من القيادة التكيفية عبر الاستجابة لجائحة كوفيد-19.

1. ضمان التعلُّم والتكيف القائمان على الأدلة

تعني القيادة التكيفية أن الفِرق والمؤسسات بحاجة إلى تقييم إجراءاتها باستمرار، مع إدراك أنه يتعين عليها تكرار الإجراءات التدخلية وتكييفها باستمرار في أثناء اتضاح النتائج المترتبة على قراراتها. ويتطلب هذا النوع من القيادة إرساء عمليات واضحة لتحديد أفضل خيارات الإجراءات المتاحة، وجمع الأدلة وتفسيرها والتصرف بناءً عليها، بما في ذلك تحديد مجموعة من التدابير الرئيسية للوقوف على أسباب النجاح أو الفشل، وضمان الجمع المستمر للبيانات ذات الصلة من الناحية التشغيلية، ووضع عملية واضحة لبيان كيفية تغيُّر البيانات والاتجاهات وأثرها على تغيير الإجراءات المتخذة.

وقد تبين أن وضع التعلُّم الاجتماعي والتكيف الاجتماعي في صميم الاستجابة الفعّالة عنصر حاسم في إدارة تفشي الأمراض الناتجة عن الأوبئة التي داهمت العالم في الآونة الأخيرة، وعلى الأخص في التعامل مع فيروس إيبولا في غرب إفريقيا. وقد أثبت تحليل النجاح في القضاء على مرض الجدري أن النجاح يُعزى إلى عمليات التكيف الاستراتيجي والتعلُّم أكثر من أي عامل آخر.

يجب أن تكون عملية التعلُّم هذه منفتحة ومتنوعة لكي تكون فعَّالة. على سبيل المثال، استعانت الحكومة الألمانية ليس فقط بنصيحة علماء الأوبئة والأطباء، بل أيضاً بنصيحة علماء الاجتماع والفلاسفة ومؤرخي العلوم والحقوقيين في أثناء محاولاتها الحثيثة لتحقيق التوازن الأخلاقي الدقيق المتمثل في إعادة فتح المجتمع مع الحفاظ على صحة الجمهور.

2. اختبار النظريات والفرضيات والمعتقدات الأساسية

مثلما تخضع المؤسسات الكبرى، مثل البنوك، بانتظام لاختبارات القدرة على تحمُّل الضغوط لضمان قدرتها على التعامل مع الأزمات المستقبلية، فإن الفرضيات التي توجه الاستجابة التكيفية تحتاج إلى الخضوع للتفكير المتأني والمراجعة الدقيقة والصارمة، كما يحدث في عملية محاكاة مختلف السيناريوهات المستقبلية المحتملة.

وقد تم تطوير أحد أكثر الأساليب منهجية وصرامة لتخطيط تصورات السيناريوهات المتوقَّع حدوثها خلال أزمة كوفيد-19 بواسطة شركة بوسطن كونسلتينغ غروب (Boston Consulting Group). وبالاعتماد على الأساليب العسكرية للتعلُّم الاستراتيجي، فإنهم يدعون الشركات إلى إنشاء نموذج متكامل يقوم على "التوقُّع وجمع المعلومات والاستجابة" ويمكن الاعتماد عليه لدعم عملية صناعة القرار في مجال الأعمال. وقد تم تطوير سيناريوهات مختلفة باستخدام هذا النهج لاستخدامها في قطاعات السيارات والأزياء والسلع الفاخرة. وتأخذ هذه السيناريوهات في الحسبان حالات عدم اليقين الحرجة فيما يخص الصحة العامة وتأثير التدابير الحكومية والبيئة الاقتصادية بمفهومها الأوسع وتوقعات الطلب ذات الصلة بالأعمال التجارية، وتستفيد من رصد المشكلات في الوقت الحقيقي كأساس لاتخاذ القرارات.

3. تبسيط عملية صناعة القرار التشاوري

يتمثل التحدي الرئيسي الذي يواجه القادة في أن البيانات المتعلقة بجائحة كوفيد-19 تتغير طوال الوقت وتتصف بالتناقض في أغلب الأحيان. وكلما شعر صنّاع القرار بالخطر، عادوا على الأرجح إلى الاستجابات الفردية التي ترمي إلى تجنب المخاطر لضمان درجة من الأمان تنتج عن أهداف محددة بدقة.

لذا يحتاج صنّاع القرار على مختلف المستويات إلى توخي أقصى درجات الوضوح بشأن ما يستندون إليه في فرضياتهم. فهم بحاجة إلى شرح ما يتم فعله ولماذا، وكيف تم اتخاذ القرار، بحيث إذا تم تحديد الأخطاء، فسيكون من الممكن الحفاظ على الثقة في هذه العملية.

وقد استخدمت الاستجابات الوطنية الأكثر نجاحاً في كوريا الجنوبية وتايوان وألمانيا؛ وفي المبادرات الأقل شهرة، كما هي الحال في فيتنام وإثيوبيا؛ وفي الجهود الإقليمية، مثل ولاية كيرالا في الهند، الجائحة كمحفز لتحويل عملية السياسات، وجعلها أكثر انفتاحاً وديناميكية وذكاء. وقد أدت هذه الاستجابات أيضاً إلى تحسين التكامل عبر الأنظمة المختلفة، بدايةً من الرعاية الصحية مروراً بالنقل والطاقة، ما أدى إلى التخطيط وتبادل المعلومات والتنسيق بمستويات غير مسبوقة.

4. تعزيز الشفافية والشمول وتحمّل المسؤولية

بات الناس في جميع أنحاء العالم مطالبين بإجراء تغييرات سلوكية جذرية، وهو ما يؤثر بقوة على كلٍّ من المجتمعات والشركات والحكومات. ولأن أمراً كهذا تترتب عليه مخاطر كبيرة جداً، فهناك حاجة ماسة إلى دراسة كيفية صناعة القرارات في السابق، مع مراعاة المعلومات المتاحة في ذلك الحين. هناك حاجة إلى إجراء تقييم مستمر في الوقت الحقيقي لكيفية الاستجابة للأحداث من أجل تحقيق أقصى قدر ممكن من التعلُّم. وينبغي أن تشمل هذه التقييمات أصحاب المصالح ذوي الصلة كلهم، بداية من المهنيين وصولاً إلى السكان المتأثرين بالأزمة.

وقد أدرك أفضل القادة قدرةً على التكيُّف، بدايةً من قادة الشركات مروراً بواضعي السياسات ومسؤولي الجهات التنظيمية في منظومة العمل، أن ارتكاب الأخطاء أمر وارد، ولم يتقاعسوا عن استغلالها لتحديد فرص التعلُّم المشتركة. على سبيل المثال، أجرت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة (UK’s National Health Service) حواراً مفتوحاً وصادقاً وصعباً في الوقت نفسه حول التحيزات المؤسسية في التعامل مع فيروس كوفيد-19 وكيف أدت إلى ارتفاع مستويات الشعور بالألم والمعاناة بين المرضى والموظفين الذين ينتمون إلى الأقليات السود والعرقية، على حد سواء. وأسفر هذا الحوار عن اعتراف على أعلى المستويات بأنه على الرغم من صعوبة هذه العملية، فيجب أن يُنظر إليها على أنها "نقطة انعطاف أساسية" لواحد من أكبر مقدمي الرعاية الصحية في العالم.

وقد دعا المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (European Centre for Disease Control and Prevention) إلى استخدام مراجعات ما بعد العمل والعمليات المماثلة لتقييم كيفية صناعة القرارات الماسة بالصحة العامة في نقاط مختلفة وعلى أي أساس. وفي ضوء النظر إلى الاستجابة لتداعيات الجائحة باعتبارها سباقاً ماراثونياً طويلاً، وليس سباق سرعة، فمن الضروري تقييم ما حدث حتى الآن وتحديد الأولويات الاستراتيجية وتبادل الدروس المستفادة. وهذا يعني أن القادة بحاجة إلى الالتزام بتبادل أفكارهم في كل مرحلة والتصرف بطريقة منفتحة تراعي أعلى معايير الشفافية ووضع مقياس معياري لكيفية التعامل مع الفئات المستهدفة وأصحاب المصالح مع تطوُّر مسار الجائحة. والأهم من ذلك أنه يتعين على قادة الشركات الاعتراف بقابليتهم للخطأ، وبالتالي يخلقون بيئة تشجّع على المصارحة وتعزز الشعور بالأمان النفسي والثقة المتبادلة، وهو أمر بالغ الأهمية للاستجابة الفعالة للأزمات.

5. حشد العمل الجماعي

لا يمكن اعتبار أزمة كوفيد-19 مجرد أزمة عابرة ترتبط بالصحة العامة، بل هي أيضاً أزمة تمس النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛ إذ تمثّل مشكلة ذات "أبعاد معقدة" تتطلب تغييرات في السلوكيات والحوافز وفي العلاقات بين مختلف المجموعات والمؤسسات، لذا ينبغي أن تستند الاستجابات الفعّالة إلى التعاون بين مختلف القطاعات والصناعات والمهنيين وبين المستويات الدولية والوطنية والمحلية، وهو طموح أثبتت الأحداث صعوبة تنفيذه على أرض الواقع.

وقد يتخذ العمل الجماعي في هذا الصدد شكل عمل تنسيقي (بين المؤسسات التجارية مثلاً)، أو شراكات بين مختلف مجموعات المصالح (مثل المؤسسات التجارية والمجتمعات المحلية)، أو إجراء حوار بين مجموعة من أصحاب المصالح. وتؤدي القيادة التكيفية دوراً حاسماً في المساعدة على تحديد جوانب التوافق المشترك حول الأهداف النهائية ونطاق العمل الجماعي عبر مختلف الصوامع المنعزلة ومستويات الاستجابة. وتسهم مثل هذه التفاعلات في إثراء النقاش، وتتميز بشمولها وقدرتها على تحسين السيطرة على القرارات المتخذة وتحمُّل مسؤولية تنفيذها.

تجدر الإشارة إلى أنه قد تم اتخاذ إجراءات رائعة على مستوى قطاعات متعددة تغطي القدرات العامة والخاصة وغير الهادفة للربح بهذه الطريقة بالضبط؛ ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، كان الوعي المشترك بقدرة الرعاية الصحية الحالية بمثابة اتفاق تاريخي لتكليف مستشفيات القطاع الخاص كلها بالعمل تحت مظلة هيئة الخدمات الصحية الوطنية، بسعر التكلفة، ما أدى إلى تسريع عملية زيادة عدد الأسرَّة والمعدات المتاحة. كما أدى المجتمع المدني ومجموعات المواطنين دوراً محورياً في تنفيذ منهجيات شاملة لمواجهة الجائحة، لا سيما في البيئات المحدودة الموارد. وقد ظهرت الاستجابات المحلية في شكل توفير الدعم المجتمعي للفئات الأكثر احتياجاً في مدينة بوبال بالهند، وإعادة استخدام القدرة التصنيعية لتوفير معدات الحماية الشخصية المنتجة محلياً في شتى أنحاء الولايات المتحدة؛ وتعزيز منهجيات "الاقتصاد الاجتماعي" لإعادة بناء الاقتصادات الأكثر تأثراً، بداية من المستوى الأساسي فصاعداً في كندا والعديد من الدول الأوروبية.

وكل ما اتخذناه من إجراءات على سبيل الاستجابة للأزمة سيتمخض عن تداعيات ستتواصل تبعاتها لسنوات وعقود مقبلة. ولا تشكّل هذه المبادئ الخمسة للقيادة التكيفية مسألة حيوية لتوجيه استجاباتنا الفورية فحسب، بل ستكون حيوية أيضاً لصياغة خطط التعافي والقدرة على التحمل على المدى البعيد. قد يكون مستقبلنا الجماعي مشوباً بحالة من عدم اليقين، لكن هذه الحالة الضبابية نفسها تخلق مناخاً ملائماً للإبداع البشري.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي