لطالما قيل للقادة الطموحين إن شرط النظر في تعيينهم بالمناصب الإدارية العليا، خصوصاً المناصب التنفيذية، هو إثبات تمتعهم بما يدعى "الحضور التنفيذي" (Executive Presence). في معظم بيئات الشركات، يتلخص الحضور التنفيذي عادةً في ثلاث سمات: الهيبة، ومهارات التواصل القوية، والمظهر "المناسب". لكن ماذا عن الحضور التنفيذي اليوم؟ بعد عِقد من التقلبات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية العاصفة، مثل التهديدات المناخية وجائحة كوفيد-19 والحرب في أوروبا والشرق الأوسط، وحركة "أنا أيضاً" (#MeToo) وحركة "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter) والحركات المطالبة بحقوق الأقليات وتفاقم الاستقطاب السياسي ونهضة التفاعلات الافتراضية على منصتي زووم (Zoom) وإنستغرام (Instagram) وغيرهما، كيف تغيرت التوقعات بشأن سمات القيادة المثالية؟
تظهر نتائج استطلاعات الرأي التي أجريتها في عامي 2012 و2022 قصة التحولات المهمة المتضمنة في استمرارية تنفيذ الأعمال (يمكنك الاطلاع على الشكل التوضيحي بعنوان "إعادة تعريف الحضور التنفيذي"). ركز استطلاع الرأي في 2012 على 286 مسؤولاً تنفيذياً في شركات أميركية يشغلون منصب مدير إدارة أو أعلى في مختلف القطاعات؛ أما عدد المشاركين الذين استهدفهم استطلاع الرأي عام 2022 فقد بلغ 73 شخصاً. طلبنا من المشاركين في الاستطلاعين ترتيب أهمية 25 سمة قيادية وفقاً لأهميتها.
حافظت سمتا الثقة والحزم على مكانة جيدة، فما زالتا أكثر سمتين مرغوبتين تمنحان القائد صفة الهيبة، وهي الأهم بين عناصر الحضور التنفيذي. ولكن أسلوب القيادة الشاملة بكل تجلياته –مثل احترام الآخرين والإصغاء بهدف التعلم والتعبير عن الأصالة- ارتفع من حيث الأهمية ليدخل قائمة العناصر الأهم لأبعاد الحضور التنفيذي الثلاثة جميعها. يعكس هذا التغيير الأهمية التي اكتسبتها مبادئ التنوع والمساواة والشمول مؤخراً في استراتيجية الأعمال،
فنحن نشهد منذ فترة طويلة تآكل النموذج المثالي القديم الذي صاغه الرؤساء التنفيذيون في الشركات الأميركية والأوروبية وجسدوه خلال مطلع هذا القرن. أسعى من خلال مشاركة نتائج أحدث أبحاثي هنا إلى إلقاء الضوء على نموذج القيادة المفضل حالياً؛ إذ لم يعد لزاماً على النساء والأقليات التكيف ضمن قوالب لا تناسبهم، غير أن عليهم تنمية شخصية واثقة وحاسمة ومتألقة وقيادية، دون أن يخشوا مخالفة المعايير الاجتماعية المتحيزة التي تعاقبهم عند اجتيازهم الحدود المفروضة عليهم. في هذه الأثناء، لم يعد بإمكان المسؤول التنفيذي الذي يلبي تماماً المعايير القديمة للحضور التنفيذي أن يكتفي بأمجاد الماضي، مفترضاً أن الحضور التنفيذي التقليدي ما زال قادراً على منحه نفوذه المعهود، وسيجد نفسه مضطراً إلى التكيف مع معايير جديدة وتوقعات متطورة تطالبه بأن يكون "حقيقياً" -سواء عبر الإنترنت أو شخصياً- وأن يضمن في الوقت نفسه أن يشعر أفراد فريقه جميعاً بأنهم محل اهتمام وأن آراءهم مسموعة ويحظون بالتقدير.
نقدم فيما يلي دليلاً حول القواعد الجديدة للحضور التنفيذي، وهو لمحة عن السمات التي أصبحت ذات أهمية متزايدة، وبعض الطرق لتنميتها، ومجموعة من الأمثلة الحالية عنها.
ينجذب الناس حالياً إلى القادة الذين يصغون إلى الآخرين ويستمدون المعلومات منهم قبل اتخاذ القرارات.
الهيبة
السمة: الشمول
كي تتمتع بالشمول، يجب ألا تكتفي بتوظيف أفراد من خلفيات مختلفة وتقديم فرص عادلة لجميع الموظفين في صعود السلم الوظيفي فحسب، بل يجب أيضاً أن تضمن شعور جميع موظفيك بالتقدير والدعم، وبهذا ستُبرز قيمة موظفيك وفريقك ومؤسستك.
الأسلوب: إظهار التعاطف المبني على المعلومات.
عندما بدأت شركة منتجعات إم جي إم ريزورتس إنترناشيونال (MGM Resorts International) تعيد افتتاح فنادقها وملاهيها في شتاء 2020-2021، أراد الرئيس التنفيذي بيل هورنباكل رفع معنويات الموظفين الذين كانوا يعانون مآسي كوفيد-19 وقلاقله. بدأ هورنباكل حياته المهنية نادلاً في خدمة الغرف في نادي جوكي كلوب (Jockey Club)، ولهذا كان مدركاً للمتطلبات المفروضة على موظفيه، وكان يعرف أن شركة إم جي إم يمكن أن تحسن تجربة العمل لديها مع ترسيخ مكانتها بين أفضل الشركات من حيث بيئة العمل، وذلك مع عودة قطاع الضيافة إلى نشاطه واشتداد الضغط على سوق العمالة. وبعد عمل مكثف لتقصي الحقائق وجمع البيانات بالاعتماد على مجموعات التركيز، أطلق هورنباكل مع فريقه ما أسموه بـ
"ثقافة نَعَم". كان الأمر كله يتعلق بمنح الموظفين صلاحيات الموافقة على طلبات النزلاء (أي أن يقولوا لهم: نعم)، ومنح المدراء صلاحيات الموافقة على طلبات الموظفين، سواء الراغبين في العمل ثلاثة أيام في الأسبوع، أو العمل في ورديات قصيرة، أو القدرة على الانتقال من نظام العمل بالساعة إلى العمل في وظيفة إدارية. وقد أوضح لي هورنباكل قائلاً: "نمنحهم القدرة على تحقيق التميز في العمل وتحسين آفاقهم المستقبلية، وهي أهم ما عبروا عن رغبتهم فيه، فأصبحوا يرون أننا -نحن القادة- نتمتع بمستوى أعلى من التفهم والتعاطف".
الأسلوب: تطوع بتقديم "قيمة مضافة".
عندما كان تود سيرز مساعداً لنائب الرئيس في شركة ميريل لينش (Merrill Lynch)، عرض على مديرته الإدارية سوبها باري فكرة عمل تركز على تقديم خدمات أفضل موجهة لفئات الأقليات التي ينتمي إلى إحداها، إذ كان يدرك أن معظم شركات إدارة الثروات كانت مخصصة لخدمة فئة الأكثرية، ولم تعرض سوى عدد قليل للغاية من المنتجات والخدمات المصممة على وجه الخصوص لتلبية احتياجات أشخاص من الأقليات مثله. فمثلاً، لما كانت الأقليات العرقية تواجه غالباً تحديات فريدة وتجارب مختلفة عن الأكثرية، فأفرادها يظهرون اهتماماً بالأعمال الخيرية ومبادرات المساواة والعدالة الاجتماعية أكبر من اهتمامهم بمسائل أخرى مثل حسابات تأمين المنازل والسيارات. إضافة إلى ذلك، كان سيرز ذائع الصيت بين شرائح الأقليات نظراً إلى نشاطه في الدفاع عن حقوقها، فتمكن من جلب شركاء متحمسين للعمل مع شركة ميريل في هذا المجال. لم تكن باري على صلة بأي من هذه الشرائح والشخصيات، ولهذا كانت متحمسة بشأن الاستفادة من سوق جديدة وزيادة مستوى الشمول في شركة ميريل، وعلى مدى سنوات عدة، بنت بالتعاون مع سيرز فريقاً أدار أكثر من ملياري دولار من الأصول التي يستثمرها عملاء من الأقليات.
السمة: احترام الآخرين
تتطلب سمة القائد الذي يكنّ الاحترام للآخرين أكثر بكثير من مجرد معاملة الجميع باحترام، فهي تتضمن اكتساب معرفة كافية لفهم التجارب التي عاشها من يختلفون عنك من حيث الهوية أو الإرث. لذلك بادر إلى استشارة الخبراء والتعمق في البحث وعزز فريقك بأشخاص يمتلكون وجهات نظر متنوعة، وإذا بذلت جهوداً تتجاوز مجرد المشاركة الوجدانية والتعاطف مع الآخرين، فقد تكتسب معلومات قيمة يمكن أن تقوّي شركتك.
الأسلوب: وظف كفاءات متنوعة واستفد منها.
تعتبر رئيسة قسم شؤون الموظفين في شركة دايسون (Dyson)، لورا غارزا، أن احترام الآخرين هو عنصر حيوي في نجاح شركتها. وقد تعمدت الشركة التكنولوجية المشهورة بتصنيع المكانس الكهربائية وغيرها من الأدوات المنزلية توظيف أشخاص يتحدرون من بلدان وخلفيات مختلفة. قالت لي غارزا: "تعترف الشركة بأن الكفاءات المتنوعة القادمة من مختلف أنحاء العالم تشكل مصدراً للابتكارات المزعزعة. فأنا مثلاً امرأة مكسيكية سمراء، ما يجعلني مؤهلة لاستيعاب تعقيدات سوق العمل العالمية". لكن غارزا ليست الوحيدة؛ إذ تمثل النساء حالياً نصف قوام فريق القيادة التنفيذية لشركة دايسون، وقد ترعرعت نسبة %60 منهن خارج بريطانيا (حيث انطلقت الشركة)، ويتفق الجميع على أن القوة العاملة متعددة الجنسيات والأعراق حفزت تطوير بعض المنتجات الناجحة للغاية. لنأخذ مجففات الشعر مثالاً، ففي الصين واليابان، غالباً ما تغسل النساء شعورهن ليلاً ويطبقن طقوس العناية بالشعر من أجل "الاسترخاء"، فهن يرغبن في أن ينعمن بالهدوء والسكينة. وعلى النقيض التام من ذلك، تغسل معظم النساء البريطانيات والأميركيات شعورهن في الصباح وهنّ في عجلة للذهاب إلى العمل أو توصيل الأطفال إلى المدرسة، أي أنهن حريصات على السرعة. فطُوِّرَ مجفف الشعر سوبرسونيك من دايسون لتلبية احتياجات كلتا الشريحتين من العميلات، وتحول إلى أحد أفضل المنتجات في آسيا من حيث المبيعات، لأنه آمن وصوته منخفض جداً ومن دون شفرات أو فرش، وفي أوروبا والولايات المتحدة أيضاً، لأنه أخف وأسرع مجفف شعر في السوق. أسهم هذا النجاح الساحق في تحقيق نمو كبير لشركة دايسون، إذ حققت زيادة حادة في الإيرادات بوتيرة متسارعة جداً في النصف الأول من 2023.
الأسلوب: ركز على المهارات الفعلية وانظر إلى ما هو أبعد من الأصول الاجتماعية والعرقية.
التزمت جيني روميتي خلال عملها في منصب الرئيسة التنفيذية لشركة آي بي إم (IBM) من عام 2012 إلى عام 2020 بمجموعة من السياسات والممارسات المصممة لدعم الشباب المتحدرين من فئات اجتماعية مهمشة من خلال مساعدتهم على استكمال الدراسة الثانوية، ونيل درجات علمية تتطلب دراسة سنتين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، والحصول على وظائف برواتب جيدة في شركة آي بي إم وغيرها. استلهمت روميتي سياسة تطوير العاملين من الفئة المسماة موظفي "الياقات الجديدة" (New Collar) من عدة مصادر، ومنها والدتها التي أنجبت أربعة أطفال ولم تتجاوز في تعليمها المرحلة الثانوية واضطرت إلى العثور على وسيلة لإعالة أطفالها بعد أن فقدت زوجها، والد روميتي. كان الوضع عصيباً، تقول روميتي: "أمي لم ينقصها الذكاء، لكنها لم تستطع الوصول إلى الموارد المناسبة، وقد علقت هذه الفكرة في ذهني على الدوام". أدت جهودها في شركة آي بي إم إلى نتائج جيدة؛ ففي عام 2020، شكل موظفو الياقات الجديدة نسبة %15 من العاملين الجدد في الشركة في الولايات المتحدة، وساعدوا الشركة على تحمل فترات نقص العمالة والنجاح في الانتقال إلى تكنولوجيات جديدة. أثبتت هذه الشريحة من الكفاءات أيضاً أنها أكثر إخلاصاً للشركة وأكثر حماساً للبقاء فيها من الموظفين الذين تخرجوا من الكليات المرموقة التي تدوم الدراسة فيها أربعة أعوام.
التواصل
السمة: إتقان العمل على زووم
سرّعت جائحة كوفيد-19 النقلة للتواصل الافتراضي، وقد أخبرني الكثير من المسؤولين التنفيذيين الذين أجريت معهم مقابلات في عام 2022 أنهم واجهوا صعوبات في إتقان فن القيادة عبر منصات زووم (Zoom) وتيمز (Teams) وسلاك (Slack) وغيرها من المنصات الإلكترونية، لكن هذا ضروري جداً للحضور التنفيذي اليوم.
الأسلوب: أتقن المؤثرات البصرية.
كان الرئيس التنفيذي لشركة آبل وأحد مؤسسيها، ستيف جوبز، يتمتع بمهارة أسطورية فيما سماه "المؤثرات البصرية"، كانت هذه المهارة وسيلته الفريدة لمد مهندسيه بالإلهام وتحفيز الملايين من المستخدمين الجدد للتكنولوجيا، سواء بحضوره الشخصي أو عبر الفيديو، وهي تتلخص في إلغاء كل الزوائد والأشياء غير الضرورية، فكان أسلوبه في الكلام بسيطاً وواضحاً ومختصراً، واستخدم الستائر الخلفية الخالية من أي أشكال أو زخارف، وارتدى ملابس بسيطة للغاية تعبر عن أناقة عصرية دون تشتيت الانتباه. والأهم من ذلك أن جوبز لم يكن يستخدم الملاحظات المكتوبة وشاشات التلقين وملفات باور بوينت، وكان يركز على التواصل البصري فقط؛ كان ينظر مباشرة في عيني من يتحدث إليه، سواء أكان الحديث شخصياً أم عبر الكاميرا. كانت مؤثراته البصرية تحمل طابعاً خاصاً لأنها تعتمد على البساطة في النواحي الجمالية وعلى قيم فلسفة التأمل العميق والوعي الذاتي التي تميل إلى البساطة والتلقائية والهدوء، وهي العناصر الأساسية في شخصيته وفي عمل شركته.
الأسلوب: الإدارة الاستباقية للاجتماعات الافتراضية.
لنأخذ مثالاً من شركة ريين (Reginn) للعقارات في آيسلندا التي يتوزع عملاؤها في أنحاء العالم كافة، إذ أصبحت رئيستها التنفيذية للشؤون المالية، روزا غومونزدوتر، بارعة في إدارة الاجتماعات الافتراضية ذات التأثير القوي باتباع بضع قواعد بسيطة: أولاً، تشرف على عملية تحقق مسبقة وسريعة للنواحي التقنية حتى تضمن عدم وقوع المشكلات. ثانياً، توزّع جدول عمل الاجتماع مع بعض النصوص المتعلقة بموضوعه قبله بست ساعات على الأقل. ثالثاً، تبدأ الاجتماعات بتقديم أي شخص جديد إلى المجموعة، مع الحرص على إبراز مجموعة مهاراته أو خبراته ذات الصلة بالموضوع المطروح. رابعاً، خلال الاجتماع، تطلب مشاركة الحاضرين جميعهم في النقاش، وتشجع الصامتين على مشاركة أفكارهم حول مسألة رئيسية معينة. وأخيراً، تطلب في نهاية الاجتماع من أحد الزملاء كتابة ملخص للقرارات المتخذة والخطوات التالية وتوزيعه على الجميع بسرعة، وتعمد إلى تكليف أفراد فريقها بهذه المهمة بالتناوب لضمان مشاركة الجميع.
السمة: التوجه نحو "الإصغاء بهدف التعلم"
كان إظهار القوة على رأس قائمة سمات التواصل الأكثر رواجاً في 2012، لكنه لم يعد يشغل هذه المكانة حالياً؛ إذ ينجذب الموظفون حالياً إلى القادة الذين يصغون إلى الآخرين ويستمدون المعلومات منهم قبل اتخاذ القرارات، وهي سمة تُعَد بالغة الأهمية لتنمية الأسواق والحفاظ على أفضل الكفاءات.
الأسلوب: التواصل البصري.
عندما تولى يورغن فيغ نودستروب قيادة شركة ليغو (Lego)، كانت الشركة في وضع لا تحسد عليه، كانت نظريته حول سبب تردّي وضع الشركة تقول إن الشركة انحرفت كثيراً عن مهمتها الأساسية نتيجة لتنويع المنتجات التي تحمل علامة ليغو التجارية، مثل الملابس والمتنزهات والمجوهرات وألعاب الفيديو، لكنه أراد اختبار هذه الفرضية أولاً قبل التصرف على أساسها بما أنه رئيس تنفيذي جديد قادم إلى الشركة من الخارج. وعلى مدى 12 شهراً، التقى موظفين من الفئات جميعها في ليغو، ومنهم المهندسون في قسم التصميم والعاملون في المصنع والمسؤولون التنفيذيون في المناصب التنفيذية العليا، بهدف الحصول على المعلومات والتوجيه. إضافة إلى ذلك التقى بعض الأطراف الخارجية من أصحاب المصلحة، مثل العملاء وتجار التجزئة والمختصين بالتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، ووصل به الأمر حتى إلى قضاء ثلاثة أيام في مؤتمر مخصص لعشاق ليغو من البالغين في واشنطن العاصمة، حيث اختلط بالحضور وأصغى إلى اهتماماتهم. اكتشف من خلال رحلة الإصغاء هذه دعماً كبيراً لشركة ليغو يدعوها للعودة إلى التركيز على قطعها التركيبية المميزة المصممة لتعزيز قدرات الأطفال على حل المشكلات وملكاتهم الإبداعية، وبالنتيجة بادر نودستروب إلى دمج الإصغاء الشخصي والمباشر في ثقافة الشركة.
على سبيل المثال، تطلب ليغو سنوياً مشاركة الآلاف من عملائها بصفة "مصممين متطوعين" لتقديم المشورة بشأن تحديثات المنتجات، تمثل هذه العملية الاستشارية المتواصلة أحد أهم أسباب عودة الشركة إلى مسار النمو.
الأسلوب: تجاوز منطقة راحتك.
تصنع شركة يونيليفر (Unilever) مئات المنتجات الاستهلاكية وتسوّقها في 190 دولة، وتأخذ الإصغاء على محمل الجد إذ تطلب من القادة الحاليين والمستقبليين الذين تختارهم أن يمضوا بعض الوقت خارج نطاق خبراتهم العادية في برنامج يسمي "غيتس" (GITS) وهو اختصار بالإنجليزية لعبارة "Get Inside the Skin" (استكشف ما تحت القشور). صُمِّم برنامج غيتس لتعليم القادة كيفية تحسين التعاطف مع عملاء الشركة الذين يبلغ عددهم 3 مليارات على اختلاف مشاربهم. كان رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي السابق نيال فيتزجيرالد قد ساعد على إنشاء برنامج غيتس، وكان أحد المشاركين فيه حين تطوع في منظمة جيش الخلاص (Salvation Army) في كرواتيا حيث تفاعل مع المشردين؛ يصف لقاءه "برجل أشعث لم يحظ بأي عناية" يتحدر من بلدته في إيرلندا، ويستذكر قائلاً: "عاش كل منا حياة وتجارب وظروفاً مختلفة جداً عن الآخر، لقد علمني هذا الرجل بطريقة تعجز عنها أي تجربة أخرى أهمية الإصغاء بصدر رحب دون إطلاق الأحكام". أمضى موظفون آخرون من يونيليفر بعض الوقت في مستشفى ريفي في المكسيك وعيادة للإيدز في إيرلندا وسجن في ألمانيا، وعلى غرار فيتزجيرالد، يعمل هؤلاء القادة جاهدين على فهم عملائهم جميعاً بصورة أفضل.
انتقلت الأصالة حديثاً إلى مكانة متقدمة. ومن المتوقع من المسؤولين التنفيذيين اليوم إن أرادوا أن يجسدوا معنى القيادة الحقيقي أن يظهروا جوهرهم الحقيقي لا أن يقلدوا نموذجاً مثالياً بائداً.
المظهر الخارجي
السمة: الأصالة
يمثل المظهر الخارجي أقل العوامل أهمية في الحضور التنفيذي، لكنه الأكثر تغيراً منذ 2012 حتى 2022، فقد انتقلت قيمة الأصالة التي لم تظهر بين إجابات المشاركين في استطلاعات الرأي منذ عشره أعوام إلى مكانة متقدمة حالياً، ومن المتوقع من المسؤولين التنفيذيين إن أرادوا تجسيد معنى القادة الحقيقيين أن يُظهروا جوهرهم الحقيقي لا أن يقلدوا نموذجاً مثالياً بائداً.
الأسلوب: عبّر عن جذورك وقيمك.
تنقلت ثاسوندا براون دوكيت عبر حياتها المهنية الطويلة في القطاع المالي الأميركي من متدربة في شركة فاني ماي (Fannie Mae) وصولاً إلى مناصب عليا في شركة جي بي مورغان تشيس (JPMorgan Chase) ومنصب الرئيسة التنفيذية لشركة تي آي أيه أيه (TIAA). وخلال هذه المسيرة أظهرت شخصيتها الحقيقية، فهي امرأة داكنة البشرة تعرضت للعنصرية وانعدام الاستقرار الاقتصادي خلال نشأتها بولاية تكساس في كنف أب من الطبقة العاملة في مجال الأعمال اليدوية وأم تعمل بالتدريس. كانت مدركة تماماً لتطلعات والديها القوية لامتلاك منزل، ما جعلها تنجذب إلى مجال الرهن العقاري والإقراض، وهي حالياً تقود مؤسسة تقدم استشارات حول الاستثمار والتقاعد والخدمات المصرفية لموظفي قطاع الرعاية (التعليم والخدمات الحكومية والرعاية الصحية والمؤسسات اللاربحية). لطالما كانت دوكيت صريحة بشأن أصولها وقيمها، وقدمت العديد من الأمثلة في مقابلة أجرتها مع صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) في 2019: إذ أخبرت عميلاً ذات مرة أنها غير مستعدة على الإطلاق للذهاب في رحلة صيد معه، لكنها تقبل الخروج لتناول السوشي بكل سرور؛ وفي مرة أخرى خاضت حواراً مع رب عملها وقبلت ترقية كبيرة ولكن بعد تذكيره أنها حامل وستأخذ إجازة أمومة لثلاثة أشهر؛ وفي حادثة أخرى، قدمت إجابة داعمة لفتاة أميركية من أصول إفريقية في إحدى الفرق عندما طلبت الفتاة نصيحتها حول كيفية تصفيف شعرها استعداداً لعرض تقديم مهم، فسألتها دوكيت، التي غالباً ما تصفف شعرها على شكل جدائل طويلة: "ما التسريحة التي تجعلك تشعرين بأنك جميلة؟"؛ وفي مثال آخر، بدأت حواراً دام ساعة كاملة مع زملائها في العمل حول الأعراق بقولها: "اليوم أنا امرأة داكنة البشرة وغاضبة" وأوضحت أن أحدهم نادى ابنها في المدرسة مستخدماً كلمة مسيء. وقالت للصحيفة: "أحاول دائماً أن أقدم أفضل نسخة من نفسي، أفضل ما يجسدني بالكامل أمام الجميع، لأنني أرغب من الجميع أن يفعلوا الشيء نفسه".
الأسلوب: ارتدِ ملابس تلائم الوضع الطبيعي الجديد.
أصبح مكان العمل الهجين يبعث على الحيرة بشأن اختيار الملابس المناسبة له، سواء بالنسبة للقادة المخضرمين أو الجدد. فقد اختار معظم الموظفين الإداريين المحترفين، ممن كانوا يعملون عن بعد خلال فترة الجائحة، ارتداء ملابس غير رسمية ومريحة. إلا أن "الأناقة" ما زالت السمة الأكثر رواجاً فيما يتعلق بالمظهر الخارجي. يبدو أن الرئيس التنفيذي لشركتي ألفابت (Alphabet) وجوجل، سوندار بيتشاي، أحد المسؤولين التنفيذيين الذين أتقنوا اختيار الملابس وفق المعايير الجديدة. إذ تشتهر شخصيات وادي السيليكون بارتداء الملابس البسيطة، لكن بيتشاي ميز نفسه عن الآخرين من خلال أسلوب متاح للجميع ولكنه احترافي في الوقت نفسه، ويمكن للجميع في أي قطاع محاكاته؛ ففي معظم الأحيان، وحتى في المقابلات والعروض التقديمية، يرتدي بيتشاي سترة جلدية قصيرة أو سترة رياضية مع سروال جينز داكن اللون وقميص وحذاء رياضي فاخر، معبراً عن تمازج سلس بين العمل والحياة الشخصية. كما أنه حذق بما يكفي لتعديل ملابسه كي تتوافق مع الأجواء المختلفة، ما يشير إلى أنه مواطن عالمي مدرك للاختلافات وقادر على تضييق هوتها. على سبيل المثال، عندما مثل للشهادة أمام الكونغرس الأميركي، ارتدى بدلات رسمية كي يتوافق مظهره مع مظهر المشرعين الذين يوجهون الأسئلة إليه. لكن عندما التقى بالرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، ارتدى قميصاً بألوان ترابية تشبه أنماط زخارف بتقنية "الإيكات" الشهيرة في منطقة جنوب شرق آسيا، في بادرة تقول التقارير إنها لاقت استحسان الجمهور.
السمة: الحضور شخصياً وعبر الإنترنت
الحضور القيادي المميز في 2024 يتطلب الظهور سواء عبر الإنترنت أو شخصياً.
الأسلوب: استخدم وسائل التواصل الاجتماعي من أجل صياغة علامتك التجارية.
قررت شيريل ساندبيرغ أن إرثها مسألة مهمة جداً وتستحق أن تصوغها بنفسها، لا أن تتركها في أيدي كتّاب السير الذاتية والمؤرخين. تسعى ساندبيرغ إلى أن يراها الجميع بوصفها مؤلفة الكتاب الأفضل مبيعاً "تقدمي للأمام" (Lean In) ومدربة تساعد النساء على تحقيق طموحاتهن واعتلاء أعلى المراتب، لا سيدة الأعمال الصعبة المراس التي أمضت 14 عاماً في تنمية منصة فيسبوك وحمايتها. ولهذا، ومنذ أن تخلت عن منصب الرئيسة التنفيذية للعمليات في شركة ميتا (Meta) في يونيو/حزيران من عام 2022، بدأت تستخدم حضورها على منصات التواصل الاجتماعي للتركيز على النساء اللواتي تبوأن مراكز قيادية. على سبيل المثال، خصصت منشوراتها الحديثة على إنستغرام للاحتفال بإنجازات مالكات الشركات، مثل رائدة أعمال من ذوات البشرة الداكنة تدير شركة حلويات حققت نجاحاً هائلاً في مدينة تولسا بولاية أوكلاهوما، ومالكة مطاعم لبنانية افتتحت مقهى راقياً في مدينة مونتريال وحولته إلى وجهة ذائعة الصيت تدر الكثير من الأرباح.
الأسلوب: احرص على بناء علاقاتك شخصياً.
يشغل تايغر تايغاراجان منصب الرئيس التنفيذي لشركة الخدمات التجارية، جينباكت (Genpact)، التي يعمل فيها 115 ألف موظف، وقد حظي بإعجاب كبير لنجاحه في تمكين النساء ذوات الأداء الممتاز؛ فقد رفع نسبة النساء في المناصب العليا من %1 إلى %38 خلال المدة الواقعة بين عامَي 2011 و2023. وفي عام 2022، مع تراجع آثار الجائحة، لاحظ أن الرجال كانوا أكثر استعداداً من النساء للعودة إلى المكاتب. لم يشأ إجبار الجميع على العودة، لكنه شعر بالقلق بشأن احتمال تراجع فرص ترقية النساء اللواتي واصلن العمل عن بعد بالكامل، لأن "البعيد عن العين بعيد عن القلب" كما يقال. ولهذا، أصدر تعليماته إلى المسؤولين التنفيذيين لجمع فرقهم كل ستة أسابيع في معتكفات ضمن مقر الشركة على مدى يومين، قال لي: "نلتقي في مكاتب جينباكت، ونقيم في الفنادق المحلية، ونتناول الطعام معاً فيما نناقش التحديات والفرص المقبلة. تؤدي هذه الاجتماعات إلى إطلاق طاقات هائلة والعمل بحيوية عالية المستوى، إضافة إلى الكثير من الأفكار الجديدة، كما لها أثر إيجابي رائع من حيث بناء العلاقات. وتمثل هذه الاجتماعات وسيلة رائعة تتيح للنساء اللواتي يعملن من المنزل الإسهام في عمل الشركة على قدم المساواة مع الآخرين".
يقول كينيدي إيهيزي، وهو أحد النجوم الصاعدة في شركة التأمين العملاقة أيه آي جي (AIG): "القواعد الجديدة للحضور التنفيذي مرهقة وممتعة في الوقت نفسه". من الصعوبة بمكان إبداء الثقة والحزم مع القيادة الشاملة والاحترام، وإحداث التوازن بين الخطاب المؤثر والحضور المهيب من جهة والإصغاء والتعلم من جهة أخرى، وتجسيد الأناقة والأصالة معاً. لكن القادة الذين يتمكنون من تحقيق هذه المهمة يستطيعون إلهام موظفيهم لتحقيق إنجازات أكبر ومساعدة مؤسساتهم على الازدهار بحق.
نظراً للمخاطر العالية، أود تقديم معلومة مشجعة. تشير أبحاثي في عامي 2012 و2022 إلى أن الحضور التنفيذي قابل للتعلم، فهو ليس لغزاً، ويكفي ببساطة أن تتصرف وتتكلم وتظهر بطرق تبرز أنك قائد. يبدأ هذا بمعرفة السلوكيات الأعلى قيمة في مؤسستك ومجال عملك والتماس التوجيه من الجهات الراعية، وبعد ذلك التزام العمل الجاد لتجسيد هذه السمات والتعبير عنها بطريقتك الخاصة. يجب أن تتذكر أيضاً أنه ليس من الضروري أن تكون متقناً لكل سمة قيادية مهمة تقع ضمن نطاق الهيبة والتواصل والمظهر الخارجي، فجيني روميتي لا تتمتع بهذه الصفات جميعها بصورة مثالية، ولا سوندار بيتشاي؛ قد ينبع النجاح ببساطة من تطوير نقاط قوتك الحقيقية والتفوق في كفاءتين أو ثلاث في كلٍ من فئات عناصر الحضور التنفيذي، لكنني أرجو منك أن تحرص على التركيز على سمة قيادية واحدة على الأقل من السمات الصاعدة حالياً.