أمام حشد من طلاب وخريجي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، وقفت فيفيان مينغ تتحدث بأسلوبها الخاص. "رحبوا بـ"السيبورج" cyborgs، وهو الإنسان المتخيل في المستقبل، وهو مكون من جزئين: بشري وآلي ولديه قدرات خاصة". قالت بصوت عال وهي تنقر إحدى مفاتيح جهاز الصور الشفافة لتظهر صورة أثارت الدهشة حتى في هذا الحشد المختص بالتكنولوجيا. وتابعت: "حقيقة، بعد 15 إلى 25 عاماً من الآن، سيغيّر علم الأطراف الاصطناعية العصبية الذي يعتمد على إدراك الشخص وليس على مجرد الإحساس والحركة تعريف كلمة إنسان تغييراً جذرياً".
تتحدث مينغ عن العمل الذي هو محور اهتمامها هذه الأيام، كأحد مؤسسي شركة سوكوس (Socos) للتعلم الآلي، وكباحثة زائرة في مركز العلوم العصبية النظري في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. (إذاً، هل يمكنني فعلاً حشو دماغك بالمعلومات وجعلك أكثر ذكاء؟ إذا كنتم تشعرون بالفضول لمعرفة الإجابة فهي، نعم بالتأكيد). لكن الحديث تعدى أموراً أخرى كثيرة، إذ تطرقت مينغ إلى العديد من المبادرات والشركات الناشئة التي تشارك فيها، والتي تعمد جميعها لمعالجة المشاكل التي تظهر عند تقاطع (نقطة التقاء) التكنولوجيا المتقدمة والتعلم والاقتصاد المبني على العمل.
تلعب مينغ أدواراً قيادية عدة، فهي رائدة أعمال، ورئيسة تنفيذية، ومعلمة. ولكن عندما نسألها عن أسلوب قيادتها، تتردد لبرهة ثم تقول: "ما تعلمته عن نفسي كقائدة وكمسؤولة تنفيذية، هو (وسأكون صريحة معكم) أنني مجرد مديرة متوسطة المستوى. أحاول أن أقوم بالأمور الصحيحة، لكنني أركز على المشاكل أكثر مما أركز على الناس، وهذا ليس بأمر صحي دائماً". على الرغم من ثقتها الكبيرة بنفسها، إلا أنها لا تعتبر نفسها رائدة في الإدارة. وتفضّل أن تعتبر نفسها عالمة بيانات، ومهووسة كمبيوتر. وهي تحب الحديث عن التعديلات التي قامت بها - مثل التعديلات التي أدخلتها على الأجهزة الطبية لطفلها المصاب بمرض السكري، لتتمكن من دمج جميع بيانات تلك الأجهزة وصنع نموذج يتنبأ بأي تذبذبات في معدل السكري قبل حدوثها. وعليه، أصبحت حالياً تتلقى تنبيهاً قبل ساعة من حدوث أي ارتفاع أو هبوط مفاجئ لمعدل الغلوكوز في دمه، إنه أمر غير مسبوق وقيّم جداً. تقول ضاحكة: "اتضح أنني كنت سوف أخالف عدة قوانين فيدرالية لو أني فعلت ذلك للمرضى بصفتي شركة أجهزة طبية".
تُعتبر مينغ أحد المتفائلين بالتكنولوجيا، وتعتقد أنّ جميع أنواع المشاكل التي كانت تعتبر في ما مضى مستعصية سيتم حلها عبر التكنولوجيا عندما يتم تطوير الأدوات اللازمة لمعالجتها. وقررت أنّ أفضل طريقة لمساهمتها في هذا التقدم هي الاستمرار بشحذ مهاراتها الفردية كمساهمة بذلك. تقول مينغ: "حاولت لفترة طويلة أن أفعل كل شيء بنفسي. بذلت الكثير من الجهد للحرص على رعاية الجميع، والقيام بكل الأمور اللازمة لفريقي. ثم أدركت أني إذا استطعت استخدام بعض الأشخاص الذين يجيدون القيام بالأمور التي لا أجيدها، يمكنني عندها التركيز على نقاط قوتي. وقوتي هي في إيجاد حلول خلّاقة للمشاكل، وصولاً إلى استخدام ’الكود‘ code بنفسي".
لا يرسم التوجه الذي تتبناه مينغ في الحقيقة الصورة التقليدية لقائد المؤسسة، أو لِمَ يتم تدريسه عادة في برامج تنمية المهارات القيادية. ومع ذلك، لا يمكن الإنكار أنّ أموراً مذهلة يتم إنجازها بفضل قدرات مينغ في رؤية الاحتمالات وجمع المواهب. ولعل ذلك هو السبب الذي جعل مركز القيادة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) يوجه لها دعوة لإلقاء محاضرة بالمركز. ونعتقد أنّ أسلوبها في تلقف المشاكل الكبيرة والتعامل معها سيلقى ترحيباً كبيراً لدى هذا الحشد.
طوال العام الماضي، حاولنا، كمدير للكلية وكرئيس تنفيذي لمركز القيادة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن نضع تعريفاً أكثر دقة لأسلوب متميز من القيادة لا ننفك نراه في كل مكان حولنا. لم نكن واثقين إذا ما كان سبب ذلك أننا قضينا الكثير من الوقت مع أشخاص مدربين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أو لأن تحولاً كبيراً واسع النطاق على وشك الحدوث. لكن الأشخاص الذين رأيناهم يتبنون مبادرات مؤثرة وثورية، لم يبدوا كأشخاص من مدرسة القيادة القديمة - ولا بدا أنهم يريدون أن يكونوا كذلك. وبحذر شديد، أطلقنا عليها اسم "قيادة تحركها المشاكل" ، وانطلقنا في جمع المقابلات، ودراسة الحالة، ومراجعة الكتابات التي تتعلق بمشروع بحثي حول القيادة.
ولكي ألخص النتيجة، وجدنا عدة نقاط مشتركة في عمل القادة الذين تحركهم المشاكل. أكثر ما يلفت الانتباه هو أنّ أياً من أولئك القادة لم يكن يتوقع أن يجتذب "أتباعاً" بشكل شخصي – أي من خلال جاذبيتهم أو وضعهم في التسلسل الهرمي أو قدرتهم للوصول إلى مصادر العون. وعوضاً عن ذلك، كان أسلوبهم يقتصر على جعل الآخرين يشعرون بالحماس حيال أية مشكلة قد يواجهونها واعتبارها جاهزة ليتم حلها بطريقة غير مسبوقة. وبعد التآلف مع المشكلة، كانوا يتولون القيادة، ولكن على مضض، وفقط للفترة التي تلزم لحل تلك المشكلة. وكما تقول مينغ عن مشاريعها الريادية: "السبب الوحيد الذي يدفعني للقيام بها هو أنها طريقة فعّالة جداً للتأثير على العالم".
إنّ مسألة "قيادة المشكلة" تلك، تبعها اختلافات أخرى. وأصبحت القيادة نشاطاً يجري التناوب عليه، حيث يتقدّم الأشخاص الذين يتمتعون بحماس وخبرة للعمل عندما تدعو الحاجة، ويتنحون جانباً عندما يتقدم (وفقاً لاحتياجات المشروع) شخص من فريق آخر يفوقهم خبرة ومعرفة في المجال المطلوب. وبدلاً من أن يكونوا أشخاصاً يتمتعون بمعرفة عامة فقط، يثابر القادة على تعزيز خبراتهم فيما يكتسبون معرفة كافية عن مجالات المعرفة الأخرى، والتي تمكنهم من القدرة على بناء شبكة التواصل اللازمة مع الآخرين. لا أحد يفترض أنّ العمل مع أي فريق، أو حتى أي مؤسسة سيستمر معه حتى نهاية حياته. ولذلك فالجميع يتقوقعون أن يشاركوا في سلسلة من المبادرات مع زملاء آخرين، بحيث يجتمعوا ويفترقوا بسلاسة. وعليه فإنّ معرفة كيفية تشكيل فريق هي موهبة أساسية في القيادة. يحتاج القادة لمعالجة مشكلة ما أن يجدوا المواهب المناسبة للمشاركة في الفريق، وأن يُقنعوا هؤلاء الموهوبين بأنّ النجاح في هذا المشروع سيتيح لهم الفرصة ليكونوا جزءاً من حدث غير مسبوق.
وبالعودة إلى فيفيان مينغ. لقد ُطلِب منها من جديد وبعد إصرار عليها، في مقابلة بعد محاضرتها، أن تصف الدور الذي تلعبه في مشاريعها الطموحة، فتوقفت عن الكلام لبرهة لتفكر ثم قالت: "أقود عبر اتباع مهاراتي القيادية"، غير أنها خشيت أن "يبدو ذلك نوع من التفرد الذاتي" فسارعت موضحة ما تعنيه: "أذهب إلى حيث المشاكل وأحلها. وآمل أن يدفع ذلك زملائي إلى القيام بالشيء ذاته".
إنها القيادة التي لا تجرؤ على تسميتها باسمها. لقد سمعنا عن هذا الانزعاج من استعمال ذاك التعبير مرات عديدة لدرجة أننا أصبحنا الآن نسمي أشخاصاً مثل مينغ بـ"القادة المناهضين للقيادة". وفي حين كنا بدأنا نعتقد أنّ هذا الأسلوب هو "أسلوب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، تبين لنا الآن أنه أسلوب بات يظهر في العالم بشكل عام، أو على الأقل في الأماكن التي تشجع وتحث على الابتكار. إذ تخصص له جائزة. يمكن إيجاد أشخاص مثل فيفيان مينغ في العديد من الأماكن، أشخاص يركزون على الفرص، ويقومون بتزويد الآخرين بالطاقة والتنظيم، ويقومون بحل المشاكل. سمّهم ما شئت، لكن ما يقومون به هو دور قيادي.