من الجوانب المزعجة في وظيفة المدير هو أن تضطر إلى التعامل مع موظفين يرتكبون مخالفاتٍ تستحق العقاب، كأن ينسب الموظف الفضل لنفسه على عملٍ نفذه غيره، أو يوبخ شخصاً آخر على خطأ كان هو سبباً فيه، أو أزعج أحد الزملاء، أو خالف سياسة الشركة. ومن بين الإجراءات التأديبية المعتادة نقل الموظف أو تغيير مهامه الوظيفية أو إيقافه عن العمل، وكتابة تقرير رسمي عن الأداء، والحرمان من المكافآت، وربما يصل الأمر إلى الفصل من العمل. يعلم المدير الجيد بأن تلك الأنواع من التبعات لا تكون فعالة إلا عندما تصل إلى قدر المخالفة. لو كانت التبعات أخف بدرجة كبيرة فلن تدلل بما يكفي على جسامة المخالفة، سواءً للموظف الذي خالف القواعد أو لزملائه الذين يتابعون الأمر. ولو كانت أقسى بدرجة كبيرةٍ فذلك يخلق بيئة تتسم بعدم الإنصاف وتخالف توقعات الجميع فيما يتعلق بالعدالة.
لدينا جميعاً رغبة في الاعتقاد بأننا قضاةٌ منصفون، وبأننا سنكون موضوعيين عند اتخاذ تلك الإجراءات. ولكن هناك عامل مهم سيقوّض من قدرتك على أن تكون عادلاً؛ ألا وهو النوم. أردت أنا وزميلَيّ في البحث - كيونغمين تشو "جامعة واشنطن" وكريستيانو غوارانا من "جامعة فرجينيا" – التقصي حول تلك الصلة. تشير أبحاثي السابقة إلى أن الحرمان من النوم يعيق الحكم والسلوك الأخلاقيين. وتشير المؤلفات البحثية أيضاً إلى أن الحرمان من النوم يؤدي إلى أخطاء عند صنع القرار لا يعيها صُناع القرار. وكما ناقشت في حواري في مؤتمر "تيديكس" (TEDx)، يعاني المحرومون من النوم إعاقة دون أن يدركوا ذلك.
بدأتُ أنا وزميلاي هذا البحث على أساس أن الحرمان من النوم يمكن أن يفاقم ردات الفعل السلبية على المخالفات. حيث إن الذين يعانون من حرمان النوم من المرجح أن يفسروا المحفز على المخالفة بصورة سلبية. ويشير ذلك إلى أن الأفراد سوف يدركون المخالفات بصورة أكثر سلبية عندما يعانون من حرمان النوم. وعلاوة على ذلك، فإن الحرمان من النوم يزيد من صعوبة التحكم في المشاعر السلبية. ومن الممكن أن يجعل ذلك المحرومين من النوم أكثر عُرضةً للغضب أو الانفعال، وهو ما يجعلهم بدوره أكثر ميلاً للرد بسلبية تجاه من يرتكبون سلوكيات تستحق العقاب. ولقد افترضنا أن مَن يعانون من حرمان النوم يزيد لديهم احتمال إصدار عقوبات أشد.
ولأننا أردنا اختبار تلك الفرضية على أرض الواقع، فقد بحثنا عن بعض أهم العقوبات التي يتم النطق بها في الولايات المتحدة؛ وتلك هي أحكام السجن التي يصدرها القضاة. وتتابع لجنة إصدار الأحكام في الولايات المتحدة فترة أحكام السجن التي يتم إصدارها (والتي تقاس بالأشهر). وتمكنّا من الحصول على بيانات عن المدة من عام 1992 إلى عام 2003، مما قدم لنا مقياساً مفيداً لتلك العقوبة.
لم يكن بمقدورنا معرفة مقدار الوقت الذي نامه كل قاضٍ قبل النطق بالحكم. لكننا استطعنا فعل أمر يقارب ذلك؛ حيث استفدنا من الأثر الناتج عن تغيير التوقيت. تشير الأبحاث السابقة إلى أنه في يوم الاثنين الذي يلي تطبيق تغيير التوقيت (عند تقديم الساعة بمقدار ستين دقيقة) يذهب الأفراد إلى العمل وينامون أربعين دقيقة أقل من المعتاد في الأيام. على الرغم من أن الساعة تتغير تلقائياً عند الساعة الثانية صباح يوم الأحد، فإن المرونة في تحديد المواعيد خلال عطلة نهاية الأسبوع تعني أن غالبية التغييرات في نشاط الأشخاص تحدث مساء الأحد، مما يؤدي إلى ما أطلق عليه "يوم الاثنين الناعس"، يشعر الناس، في المتوسط، بالحرمان من النوم أكثر قليلاً من المعتاد. وتوضح الأبحاث السابقة أن يوم "الاثنين الناعس" له تأثيرات يمكن قياسها على إصابات العمل، والتقاعس عن العمل، والوعي الأخلاقي، إضافة إلى تأثيراته الأخرى المتعددة خارج مكان العمل.
واستناداً إلى تلك التجربة العملية الطبيعية، قارنا بين الأحكام التي أصدرها القضاة في يوم "الإثنين الناعس" مع تلك التي صدرت في يومي الإثنين السابق واللاحق. ثم أضفنا "متغيرات التحكم الإحصائي" (statistical control variables) الخاصة بسنة إصدار الحكم، والسجل الجنائي ودرجة الجريمة ونوع المحاكمة، وعدد الإدانات والسن والنوع والعرق، ومستوى تعليم الجاني، وجميعها كانت عوامل تنبؤ مهمة بالأحكام الصادرة. وبخلاف تأثير متغيرات التحكم تلك، اكتشفنا أن الأحكام الصادرة في يوم "الإثنين الناعس" كانت مدة السجن فيها أطول بمقدار 5% عن تلك الصادرة يومي في الإثنين الآخرين. وهكذا، فإن نقص نوم القاضي بمقدار صغير نسبياً قد ارتبط بإصدار عقوبةٍ أشد بكثير.
ونظراً إلى تركيز القضاة على مبدأ العدالة، فمن الممكن بدرجة كبيرة أن يُظهر المدراء في سياقات العمل درجة أكبر من حيث التأثر بقلة النوم. وعلاوة على ذلك، فإننا نعتقد بأن ذلك يعكس تأثيراً أوسع من تأثير تغيير التوقيت المحدد، حيث إن الحرمان من النوم عموماً يدفع الأفراد إلى إصدار عقوبات أشد ضد المخالفين.
وبناءً على هذا الاكتشاف، ننصح المدراء بأن يتنبهوا لهذا التأثير المحتمل في أحكامهم. فعند ارتكاب أحد المرؤوسين لمخالفةٍ تستوجب العقاب، في يوم نلت فيه قدراً أقل من النوم، فمن المحتمل أنك ستصدر عقوبة أشد مما ينبغي، مما يسهم في خلق بيئة عمل مُجحفة.
هناك طريقتان لعلاج هذا الأمر، إما أن تؤجل إصدار قرار الإجراء العقابي حتى تتمتع بنوم أفضل، أو أن تخفف عمداً من الإجراء الذي تصدره لتُوازن تأثير حرمانك من النوم. إذا كنت ترغب في أن تصبح مديراً أفضل، فعليك أن تضع نصب عينيك الحصول على 8 ساعات من النوم على الأقل كل ليلة.