وثّقت البحوث أن القادة المتميزين يمنحون أنفسهم وقتاً للتأمل، فنجاحهم يتوقف على قدرتهم على الوصول إلى منظورهم الفريد ووضعه في متناول قراراتهم وفهمهم للأمور في كل يوم. فكيف يمكنك أن تصبح قائداً استثنائياً؟
وللقيادة الاستثنائية مؤهلات عدة هي جزء متأصل فيها: الرؤية قبل أن يرى الآخرون، والفهم قبل أن يفهم الآخرون، والتحرك قبل أن يتحرك الآخرون. مع أن المنظور الفريد للقائد مصدر مهم للإبداع وميزة تنافسية له، إلا أن واقع حياتنا السريعة والمجنونة لا يترك لنا وقتاً للاستماع بعناية لأنفسنا.
كيف تصبح قائداً استثنائياً؟
ليس الولوج إلى ما في داخلك من خلاصات ورؤى أمراً صعباً، كل ما تحتاجه هو الالتزام بالتأمل يومياً. اعتماداً على البحث (بحثي وبحوث الآخرين) وعلى سنوات عديدة أمضيتها مستشاراً وأستاذاً في الإدارة العالمية مع قادة أعمال عالميين، أنا أوصي بالانتظام على أمر بسيط هو كتابة المذكرات:
1. اشترِ دفتر مذكرات
لا توفر الكتابة على الإنترنت مزايا الكتابة باليد نفسها. لذا اشترِ دفتر مذكرات حقيقي. لقد ابتكرتُ شخصياً مذكراتٍ أسميتها "رؤى القيادة"، وهي تتضمن صفحات فارغة ولوحات فنية وأسئلة تحريضية للفكر مصممة خصيصاً للقادة. أي دفتر مذكرات تحصل عليه سيفي بالغرض.
2. التزم بالتأمل لمدة خمس عشرة دقيقة في اليوم
هذه هي الخطوة الأصعب. إذا رأيت استحالة قدرتك على الالتزام لخمس عشرة دقيقة في البداية، فابدأ بثلاث دقائق. المهم أن تبدأ.
3. اعثر لنفسك على مكان هادئ لا يقاطعك فيه أحد
4.اختر الوقت المناسب، وهو أفضل ما يكون في الوقت الذي لا تتعرض فيه لمقاطعات عادة
اختر أي وقت تراه مناسباً، فقط احرص على حماية هذه الدقائق الخمس عشرة باعتبارها موعداً بينك وبين نفسك.
5. اكتب أي شيء يخطر على بالك
تدعوك الصفحات البيضاء للمذكرة لتطلق حواراً صادقاً مع نفسك يومياً. يمكنك في المذكرة قول أي شيء، لذا امنح نفسك الإذن بالجري وراء سيل أفكارك دون رقابة أو إطلاق أحكام أو محاولة التحكم في أين ستقودك أفكارك. أنا شخصياً أشعر في أفضل جلسات تأملي كأنني أختلس النظر من وراء يدي منتظراً اكتشاف الكلام التالي الذي سأكتبه. ولا تقلق بشأن اتباع القواعد اللغوية، فطريقة تعبيرك عن نفسك جيدة مهما كانت.
6. لا تشارك مذكراتك مع أي أحد
تأملاتك ملك لك، وليست للآخرين. هي تستحضر لك ما لا يستطيع كل الخبراء والاستشاريين والمدربين التنفيذيين في العالم إحضاره: منظورك الفريد للأمور.
اقرأ أيضاً: لست بحاجة إلى الكاريزما لتكون قائداً مُلهِماً للآخرين
نصائح لكتابة المذكرات
إن وجدت نفسك لا تعرف من أين تبدأ بينما تواجه الصفحات البيضاء للمذكرة، فإليك هذه النصائح:
سل نفسك سؤالاً محرضاً للتفكير وسجل إجابتك. إليك هنا أسئلتي المفضلة:
كيف أشعر الآن؟
كيف هو شعوري حيال قيادتي؟
ما يستحق اهتمامي الشديد..
في قيادتي؟
في حياتي؟
في العالم حولي؟
ما الفكرة الأكثر جنوناً (أو مرحاً أو غرابة) التي سمعتها خلال 24 ساعة الماضية؟ ما الذي أعجبني فيها؟
ما المبادرة الأكثر إثارة التي سمعت عنها هذا الأسبوع خارج مجال صناعتي أو في مكان بعيد من العالم؟
ما أكثر ما جلب لي السعادة هذا الأسبوع (أو جلب السعادة للناس؟) كيف يمكنني الحصول على المزيد من السعادة في حياتي؟
دع الفن يشعل خيالك. يدعو الفن القادة إلى النظر لما وراء انشغالاتهم الحياتية المستعرة، فالتأمل في لوحة فنية أو أي أشكال أخرى من الفنون فرصة لاختبار منظورات مختلفة. ماذا أرى إذا كنت أركز فعلاً على لوحة ما؟ وما الآراء الجديدة التي تظهرها لي اللوحة إذا ربطت ما أراه بوضعي الحالي؟
قد يبدو هذا خيالاً متكلفاً، لكن التلاحم المباغت بين اللوحة وتحديات العالم الواقعي غالباً ما يكشف عن ديناميكيات مخفية ورؤى مفاجئة جديدة. على سبيل المثال، وجدت "جامعة ييل" (Yale University)، أن الأطباء الشباب أصبحوا أفضل بكثير في التشخيص بعد أن حضروا دروساً في التاريخ. لماذا؟ لأن النظر في الفن يعلم الناظر- سواء كان فناناً أو طبيباً أو رئيساً تنفيذياً- أن يفهم التعقيدات التي تحملها لوحة غنية بالألوان، ويساعدنا جميعاً على فهم العالم بدقة وإبداع أكثر، وفي الوقت نفسه يغرس التواضع الذي يجعلنا ندرك أن التفسيرات الحالية ليست سوى وجهة نظر واحدة من وجهات نظر متعددة عن العالم.
اقرأ أيضاً: كيف تكون قائداً مُلهِماً للآخرين؟
تحفيز الفن المعتمد على التأمل
اتبع الخطوات التالية لتستخدم الفن محفزاً على التأمل. يمكنك فعل هذا التدريب الآن باستخدام لوحة من أحدث المعارض التي زرتها:
اختر لوحة (أو أي عمل فني آخر)
دع عيناك تستريحان على عمل فني يجذب انتباهك لأي سبب من الأسباب (لأنك تحبه أو تكرهه أو لسبب غير معروف لك).
تمعن في اللوحة دون انقطاع لثلاث دقائق على الأقل
وقّت لنفسك. فقد تكون ثلاث دقائق وقتاً طويلاً.
عزز من قدرتك على الرؤية
صف اللوحة: ما الذي تراه؟ كيف تتغير نظرتك لها مع تمعك فيها؟ ما الذي تمكنت من رؤيته في نهاية الدقائق الثلاث ولم تكن تلاحظه عندما اخترت اللوحة في البداية؟
سل أسئلة تقرّب الفهم
ما المفاهيم الجديدة التي تظهرها اللوحة؟ على سبيل المثال: ما أوجه الشبه بين الوضع الحالي للاقتصاد (أو لشركتي أو لفريقي) وهذه اللوحة؟ كيف يعكس تعقيد اللوحة التعقيدَ الخفي في الاندماج الأخير للشركات الثلاث من القارات الثلاث؟ كيف تظهر اللوحة فرصاً نحن نفتقدها في الاقتصاديات الانتقالية؟ فاجئ نفسك بما يتكشف من رؤى.
ارتبط بهدف
لدى أكثر القادة تخمة في الفرص لكنهم يعانون شحاً في فهم معناها. سيتعمق شعورنا بأنه لدينا غاية نحن مرتبطون بها إن سألنا أسئلة تعيدنا إلى ما يحمل معنى حقيقياً لنا شخصياً وما نراه مهماً للمجتمع أو الكوكب. فقد تسأل مثلاً: ما هو عملي اليومي؟ ما هو عملي في الحياة؟
اقرأ أيضاً: إذا كنت تطمح لأن تكون قائداً عظيماً فاحرص على أن تكون حاضراً
أقوال القادة عن أهمية التأمل
ويمكن للتأمل في أقوال ملهمة من قادة عالميين أو أقوال مأثورة أن يكون كالترياق ضد السطحية وضيق الأفق. إليك هنا بعضاً من الأقوال المفضلة لدي:
"استمع. كلما استمعت بصدق لصوتك الداخلي، ستسمع أفضل ودون خوف إلى الأصوات الآتية من الخارج".
داغ هامرسجولد، اقتصادي والأمين العام لـ "لأمم المتحدة"، 1953- 1961.
"لدينا مسؤولية في عصرنا، مثلما كان لغيرنا مسؤولية في عصرهم، بألا نكون سجناء للتاريخ، بل أن نرسم التاريخ." مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية، 1997-2001.
تُذكرنا مثل هذه الرؤى أنه لا يكفي أن تكون القيادة ناجحة بل يجب أن تكون مؤثرة، وأن الاستراتيجية والتكتيكات تبقى عديمة الجدوى في غياب الغاية الكبرى.
مهما كانت الأسئلة التي تبدأ منها مثل سؤالك عن كيف تصبح قائداً استثنائياً، دع تأملك يأخذك في رحلة تكون أنت فيها المسافر، وليس منظم الرحلة. سوف يمنحك استخدام المذكرات بانتظام الشجاعة لترى وتفهم العالم بشكل مختلف، وتقود بطرق جديدة ومطلوبة.
اقرأ أيضاً: في مديح القائد غير الكامل