القادة الصارمون هم الأكثر تعرضاً للعقاب على أخطائهم

5 دقائق
القادة الصارمون

إليكم هذه القصة التي تتحدث عن القادة الصارمين حول العالم. في عام 2009، رشّح رئيس الولايات المتحدة آنذاك باراك أوباما كلاً من تيموثي جايثنر لمنصب وزير الخزانة وتوم داشل وزيراً للصحة والخدمات الاجتماعية. كان جايثنر قائداً معروفاً في المجال المالي، وكان له دور محوري في تجاوز الأزمة المالية في عامَي 2007 و2008، بصفته رئيساً للبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. أما داشل فكان شخصية معروفة على الساحة السياسية، ذلك أنه شغل منصب سيناتور فترة طويلة عن ولاية داكوتا الجنوبية، وكان زعيماً لكل من الأقلية والأغلبية في مجلس الشيوخ. وتزامن ذلك تقريباً مع اتهام كل منهما بتقديم إقرارات ضريبية غير صحيحة.

اقرأ أيضاً: العلم الذي يقف وراء تواصل القادة الناجحين مع فرقهم

وذكر كل من غايتنر وداشل أن ذلك كان خطأ غير مقصود من طرفهما. وعلى أي حال، كانت تبعات ذلك بالنسبة إلى المرشحَين مختلفة تماماً. واصل غايتنر مشواره بنجاح حتى أصبح وزير الخزانة رقم خمسة وسبعين. واضطر داشل إلى سحب ترشيحه نتيجة لردود الأفعال المتزايدة على تلك الادعاءات. كان الاثنان يحظيان بالمستوى نفسه من النفوذ في مجالَيهما، ووُجِّهت إليهما تهم بتجاوزات متشابهة، وقدّما توضيحات متشابهة، ولكن أحدهما فقط عانى من العقوبة. ما الذي يفسر هذا الاختلاف؟

في أحسن الظروف، يجب ألا يكون ثمة اختلاف في العقوبة المترتبة على انتهاكات متشابهة، ولكن الأمر ليس على هذه الحال دائماً. نحن نرى أيضاً هذا النمط في أوساط قادة الأعمال. فعلى سبيل المثال، حُكم على مدير التمويل في مجموعة "بايو هيدج فاند غروب" (Bayou Hedge Fund Group) بالسجن مدة 20 عاماً بسبب الاحتيال على العملاء بمبلغ يزيد على 400 مليون دولار. ولكن المسؤولين التنفيذيين في شركة "أوليمبوس" (Olympus) الذين واجهوا تهماً بارتكاب عمليات احتيال مشابهة على المستوى المؤسسي بقيمة 1.7 مليار دولار تجنبوا أي عقوبة بالسجن بسبب أعمالهم.

لماذا يواجه بعض القادة ردود أفعال أعنف، ويتلقون عقوبات أكثر قسوة، في حين يُلتمس العذر للآخرين ويفلتون من العقاب؟ يشير بحثنا المنشور مؤخراً في "مجلة أكاديمية الإدارة" (Academy of Management Journal) إلى أن ذلك يتعلق بكيفية تحقيق القائد لمكانته.

فما نظريتنا عن ذلك، وكيف اختبرناها؟

ثمة نظرية في علم النفس الاجتماعي تصف كيفية تحقيق القادة مكانتهم وتمتعهم بالتأثير في أوساط المجموعات. ببساطة توجد طريقتان: إما من خلال فرض الهيمنة أو من خلال الوجاهة الاجتماعية. ونقترح أن مدى العقوبة التي تقع على القادة نتيجة سلوكهم قد يعتمد على أي طريقة من هاتين الطريقتين جاءت بهم إلى مكانتهم.

اقرأ أيضاً: القادة العظماء يدركون أهمية الإيماءات الصغيرة

يُحقق القادة مكانتهم على أساس فرض الهيمنة من خلال كونهم حازمين وأقوياء في إيصال آرائهم، ومن خلال عدم التردد في التأثير في الآخرين بأساليب القمع أو الترهيب. ويعتبرهم الآخرون مفيدين لنجاح المجموعة نظراً لسلوكياتهم الاستباقية واستعدادهم لاتخاذ القرارات بحزم. كان ستيف بالمر، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "مايكروسوفت"، يُعرف بأنه قائد متشدد، وهو نموذج واضح على القائد الذي يفرض هيمنته.

وفي المقابل، يُحقق القادة مكانتهم على أساس الوجاهة الاجتماعية من خلال التصرف بصفتهم معلّمين ومشاركة معارفهم ومهاراتهم وخبراتهم مع الآخرين في المجموعة. ويُنظر إليهم على أنهم مفيدون لنجاح المجموعة لأنهم يساعدون أفراد المجموعة في التعلم وتطوير خبراتهم. فمثلاً ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي الحالي لشركة مايكروسوفت، معروف بنهجه التعاوني والراسخ، وهو مثال جيد على قائد يعتمد على وجاهته الاجتماعية.

اقترحنا أنه فيما يتعلق بالتجاوزات أو الأخطاء التي يكون فيها الخطأ مبهماً (في حالة الإقرارات الضريبية غير الصحيحة مثلاً، يمكن أن يكون سبب ذلك أن الفرد لم يشأ دفع الضرائب أو لأن قوانين الضرائب معقدة)، سيتحمل القادة الذين تعتمد مكانتهم على فرض الهيمنة مسؤولية أكبر وعقاباً أشد قسوة، في حين تُخلَق المبررات للقادة من أصحاب المكانة المعتمدة على الوجاهة الاجتماعية من أجل الإفلات من العقاب. ويوجد سببان لذلك. السبب الأول يتعلق بكيفية نظرة أشخاص متعمدين إلى ذلك التجاوز. ولأن الناس ينظرون إلى القادة الذين يفرضون هيمنتهم على أنهم أنانيون وغير أخلاقيين، فإن ذلك يجعل من الصعب التصديق بأن التجاوز كان خطأ غير مقصود وليس خطأ متعمداً. ولأن القادة أصحاب الوجاهة الاجتماعية يُنظر إليهم على أنهم أقل تركيزاً على مصلحتهم الشخصية، يثق فيهم الناس عندما يرتكبون خطأ صغيراً ويعلنون أنه خطأ غير مقصود.

السبب الثاني، أن القادة الصارمين أصحاب الوجاهة الاجتماعية معروفون بسلوكهم الإيثاري وامتلاكهم بوصلة أخلاقية. ومن ثَم، إذا نُظر إلى أي إساءة لأحد من أصحاب الوجاهة الاجتماعية وفُسّرت على أنها سلوك خطأ أوغير أخلاقي أو منافٍ للآداب، يكون ذلك بدرجة أقل، لامتلاكهم تاريخاً من الاستقامة. وبتعبير بسيط، يمكن وصف هذا بامتلاك الشخص رصيداً كافياً من الأخلاقيات في حساب الادخار في البنك، ما يحمي الفرد من التجاوزات الغامضة. ولا يُمنح القادة المعتمدون على فرض الهيمنة تلك المؤهلات الأخلاقية، ما يؤدي إلى الحكم على أفعالهم على أنها أكثر إساءة وغير أخلاقية.

اقرأ أيضاً: القادة العظام يتمتعون بفكر ثاقب وعميق ولا يتسرعون في ردود أفعالهم

وقد أدت بنا هذه الأفكار إلى الاعتقاد أن القادة الذين يفرضون هيمنتهم سيكونون أكثر تعرضاً للعقاب على "الأخطاء غير المقصودة" مقارنة بالقادة أصحاب الوجاهة الاجتماعية. وقد اختبرنا هذه النظرية في عديد من الدراسات: كانت دراستنا الأولى بين لاعبي هوكي الجليد في دوري الهوكي الوطني (NHL). وتناولنا في الدراسة احتمال تعرض لاعب للعقوبة على خطأ صغير. يصعب الحكم في كثير من الأحيان على العقوبات الصغيرة ويجري إصدارها في لحظات، ما يفسح المجال لانحياز الحكّام تبعاً لسمعة لاعب ما. وخلال موسمَين كاملين من البيانات على مستوى اللاعبين، مع قرابة 1,300 ملاحظة، وجدنا لاعبي هوكي ذوي مكانة مرتفعة (بأجور عالية) ممن يعتمدون على فرض هيمنتهم، تلقوا العقوبات الثانوية من الحكّام بمعدل أكبر، في حين عوقب المرتبطون بالوجاهة الاجتماعية على نحو أقل بكثير جداً. (كانت نسبة الاختلاف في العقوبة تقريباً 13%، ما زاد دقائق العقوبة للاعبين المعتمدين على فرض الهيمنة بـ 4.33 دقائق على مدار الموسم).

وقدّمت تجربة مخبرية مركّزة دعماً إضافياً لتوقعنا، ذلك أن ممثلاً متمرساً قاد مجموعة مكونة من 5 إلى 6 أشخاص في مهمة لحل مشكلة ما. وفي نهاية المهمة، اكتشف أعضاء المجموعة خطأ ربما قد نتج عن خلل في الكمبيوتر أو من القائد الذي كسر القوانين لمصلحته الشخصية. وبغضّ النظر عن ذلك، عاقب أعضاء المجموعة القائد (من خلال عدم التعاون معه) عندما كان معتمداً على فرض الهيمنة بدلاً من الوجاهة الاجتماعية (وهو شيء كرّسناه من خلال مجموعات معالجة مختلفة).

وكشفت كثير من الدراسات التجريبية الأخرى عن أن القادة الصارمين المعتمدين على فرض الهيمنة كان يُنسب إليهم قدر أكبر من التعمد في أفعالهم ويمنحون مؤهلات أخلاقية أقل بالمقارنة مع نظرائهم أصحاب الوجاهة الاجتماعية. كما أجرينا دراسة مع إحدى القائدات لاستثناء أي اختلافات مبنية على نوع الجنس. وبقيت النتائج التي توصلنا إليها ثابتة، ما يشير إلى أن العقوبات المتشابهة تنطبق على القائدات اللواتي اعتمدت مكانتهن على فرض الهيمنة أو الوجاهة الاجتماعية. وعلى أي حال، فإن المقارنة في هذه الدراسة لم تكن حسب نطاق نوع الجنس ولكن حسب نمط مكانة القائد. وأظهر بحث آخر أن القائدات غالباً ما يواجهن عقوبات أقسى على أخطاء مشابهة أو قرارات سيئة مقارنة بالرجال. ولكن عملنا يسلط الضوء على أن التجاوزات الغامضة مكلفة أكثر بالنسبة إلى القادة الذين يفرضون هيمنتهم.

يمكن أن تكون تأثيرات العالم الحقيقي لهذه النتائج كبيرة جداً. على سبيل المثال، جيمس بيرك الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة "جونسون آند جونسون" وحاز على إعجاب الكثيرين، عُفي عنه فيما يتعلق بأزمة عقار تايلينول القاتل، وأشادوا به على الطريقة التي تعامل فيها مع هذه الأزمة. وفي المقابل، أصبح توني هايوارد الرئيس التنفيذي لشركة "بريتيش بتروليوم" (British Petroleum) هدفاً للمتابعة النقدية من الجمهور ووسائل الإعلام لطريقة تعامله مع انسكاب النفط من الشركة، ذلك أنه كان صريحاً جداً ويفتقر إلى التعاطف ويهتم بمصالحه الشخصية بشكل أكبر. وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى استقالته.

دروس مستفادة للمؤسسات والقادة

أولاً، تخبرنا هذه النتائج عن نوع القادة الصارمين الأكثر تعرضاً لردود الأفعال العكسية جراء أخطائهم. غالباً ما يثبت أن الاتهامات بسوء التصرف داخل شركة ما ضارة، وتؤثر في شعبية الشركة وسعر الأسهم والأرباح المستقبلية. كما تضع كثير من الشركات قادتها دائماً في مكان الصدارة للدفاع عن سمعة الشركة. ولكن عملنا يشير إلى أن فاعلية هذه الاستراتيجية ربما تتوقف على نمط القائد الذي يُعتمد عليه.

ثانياً، يقدم بحثنا إطار عمل مفيداً حول ما يمكن للمؤسسات التي تمتلك قادة يفرضون هيمنتهم، فعله عندما تعصف الأزمات. إذا أمكن، تستطيع الشركات محاولة الاستعانة بقائد معتمد على الوجاهة الاجتماعية بشكل أكبر لمواجهة الأزمة لتفادي ردة فعل عكسية محتملة. إضافة إلى ذلك، يمكن لهذه المؤسسات الاستجابة بوتيرة أسرع، وتقديم الاعتذار الصريح، وإعطاء المبررات المطلوبة لتوضيح سلوكها.

وفي نهاية الحديث عن القادة الصارمين حول العالم، تعد نتائجنا مهمة للهيئات الرقابية، ومسؤولي الانضباط، والمحققين في شكاوى الشركات، الذين عادة ما يكونون مسؤولين عن التأكد من تطبيق العقوبة بعد سوء التصرف. ويجب على تلك الجهات مراعاة الطريقة التي قد تؤثر فيها مزايا القائد غير الملحوظة، مثل نمط مكانته، في قدرته على اتخاذ قرار بدون تحيّز.

اقرأ أيضاً: القادة الحقيقيون يظهرون في الأزمات

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي