دراسة حديثة: القادة الحقيقيون يعرفون حدود قدراتهم بدقة

4 دقيقة
الخبرة الحقيقية

يمكن أن تكون قدرة المدير على تقييم معرفته بدقة، ولا سيما الأمور التي يجهلها، عاملاً حاسماً في نجاحه أو فشله.

على سبيل المثال، وجدت دراسة شملت 36 ألف شركة في تسعينيات القرن العشرين أن رواد الأعمال الذين غامروا ودخلوا مجالات جديدة أبدوا ثقة مفرطة بالنفس، فلم يرقَ أداؤهم إلى مستوى توقعاتهم من حيث نمو المبيعات وعمليات التوظيف. من السهل أن نتصور رئيساً تنفيذياً شجعته نجاحاته السابقة في مجال السلع الاستهلاكية على دخول قطاع التكنولوجيا ليكتشف بعد ذلك انهيار قيمة شركته بسبب عدم تقديره الصعوبات والتحديات المرتبطة بتطوير البرمجيات، وعلى نحو مماثل، فكر في عدد عمليات الاندماج والاستحواذ التي فشلت بسبب اعتقاد القادة أن فهمهم للأسواق أو التكنولوجيات أعمق مما هو عليه في الواقع، وليس بسبب تفكير غير منطقي أدى إلى هذه القرارات.

يقول وارن بافيت في إحدى عباراته الشهيرة: "اعرف حدود كفاءتك ولا تتجاوزها، لا يهم حجم هذه الكفاءة؛ لكن معرفة حدودها أمر ضروري وأساسي". في الواقع، إن معرفة حدود الكفاءة ليست بالأمر السهل. وتكشف دراستنا الأخيرة أن الشعور بامتلاك الخبرة يمكن أن يدفع الفرد إلى المبالغة في تقدير حدود معرفته وكفاءته، وجدنا أيضاً أن امتلاك الخبرة الحقيقية يعزز القدرة على تحديد هذه الحدود بدقة أكبر.

المبالغة في تقدير المعرفة وخطر تصور الفرد لخبراته

ما هو مستوى معرفتك المالية؟ إذا سألك أحدهم عن مفهوم "الائتمان السنوي" (Annualized Credit) مثلاً، فماذا ستقول؟ ربما يبدو هذا المصطلح مألوفاً بعض الشيء. في الواقع، على الرغم من أن هذا المصطلح يبدو تقنياً ومنطقياً، فإنه يقع خارج حدود كفاءتك، أو كفاءة أي شخص آخر، لأنه غير موجود أصلاً في المجال المالي؛ إذ إننا اختلقناه لهذه الدراسة.

في إحدى دراساتنا، أضفنا 3 مصطلحات وهمية إلى قائمة المصطلحات المالية الحقيقية التي طلبنا من المشاركين تقييم معرفتهم بها. إن تأكيد معرفة مصطلحات غير حقيقية ولا وجود لها، التي تكون بالطبع خارج حدود كفاءات أي شخص، هي ظاهرة يسميها الخبراء "المبالغة في تقدير المعرفة". زعم 91% من المشاركين في الدراسة أنهم يمتلكون بعض المعرفة حول مصطلح وهمي واحد على الأقل، وأشار 60% منهم إلى أنهم يعرفون بعض المعلومات عن المصطلحات الثلاثة جميعها. من المفاجئ أن الأشخاص الذين صنّفوا أنفسهم على أنهم خبراء ماليون أظهروا مستوى أعلى من الثقة في معرفتهم بالمصطلحات الوهمية.

تسلّط هذه النتائج الضوء على فجوة بالغة الأهمية، وهي أن الشعور بامتلاك الخبرة لا يعني بالضرورة أن يكون الشخص خبيراً بالفعل. إن شعور الفرد بامتلاك الخبرة في مجال معيّن يتأثر جزئياً بعوامل لا علاقة لها بالمعرفة الحقيقية، مثل خبرة نظرائه حوله ومستوى تعليمه ومعرفته للكلمات والمصطلحات المستخدمة في المسائل التي يواجهها. عندما يشعر الفرد بأنه يمتلك الخبرة، يصبح أكثر عرضة للادّعاء بمعرفته بموضوعات لا يعرف عنها شيئاً.

قيمة الخبرة الحقيقية

الثقة بالنفس هي سمة مهمة وقيّمة، لكن يجب أن تكون قائمة على أسس واقعية ومعرفة حقيقية. تُظهر أبحاثنا أن الخبرة الحقيقية، التي تستند إلى المعرفة والخبرة الفعلية، تعزز كفاءة الفرد في مجال معين وتحسّن قدرته على إدراك حدود هذه الكفاءة، وعلى الرغم من أن اعتقاد الفرد بامتلاكه الخبرة يشجعه على المبالغة في تقدير معرفته، فإننا نجد أن مَن يمتلك الخبرة الحقيقية التي تظهر من خلال أدائه المتميز في اختبارات المعرفة تقل احتمالات وقوعه في هذا الفخ.

لاحظنا نمطاً مماثلاً عندما طلبنا من المتخصصين في المجال الطبي تقييم مدى معرفتهم بقائمة من المصطلحات الطبية، بعضها حقيقي والبعض الآخر وهمي. كان الأطباء الممارسون الذين يتمتعون بخبرة حقيقية وعملية واسعة أقل ميلاً إلى ادّعاء معرفة دواء وهمي أو حالة مرضية مختلقة، مقارنةً بطلاب الطب الجامعيين. على نحو مماثل، أفاد أساتذة علم نفس النمو أنهم لم يكونوا على دراية كبيرة بالمصطلحات الزائفة في علم النفس، على عكس ما فعله طلابهم الجامعيون.

لكن هناك تحذير واحد: إن قدرة الخبرة الحقيقية على الحماية من المبالغة في تقدير المعرفة ضئيلة مقارنة بالثقة الكبيرة التي يولدها تصور الفرد لخبراته، فالخبراء هم أقل عرضة للإفراط في تقدير معرفتهم بالمصطلحات الوهمية وإدراجها ضمن حدود كفاءتهم، لكنهم غير محصنين تماماً من هذا الخطر.

كيف تحدد خبرة الآخرين الحقيقية؟

لا يمكن لأي شخص أن يكون خبيراً في المجالات كافة، ويدرك القائد الفعال ذلك تماماً. عندما تواجه مسألة تتجاوز حدود معرفتك، يصبح من الضروري الاعتراف بذلك والبحث عمن يمتلكون خبرات أوسع والاستعانة بهم. عبّر رائد الأعمال الخيرية، أندرو كارنيغي، عن ذلك بطريقة مثالية عندما قال: "أتمنى أن تكتبوا على شاهدة قبري: هنا يرقد رجل حكيم عرف كيف يستفيد من خبرات من يملكون معرفة أكبر". لكنّ اختيار الخبراء المناسبين يمكن أن يكون أمراً صعباً.

تخيّل أنك عضو في لجنة توظيف، وعليك الاختيار بين مرشحَين نهائيَين لشغل منصب تقني؛ يدخل المرشح الأول الغرفة بثقة ويتحدث بطلاقة عن إنجازاته السابقة، أما المرشح الثاني، الذي يتمتع نظرياً بالمؤهلات نفسها، فهو أكثر تحفظاً ويصمت أحياناً للتفكير قبل الإجابة.

ينجذب الكثير منّا إلى المرشح الأول؛ إذ نرى أن ثقته بنفسه هي إشارة مقنعة وقوية على كفاءته. على الرغم من ذلك، فإن دراستنا تشير إلى أن الثقة بالنفس يمكن أن تدفع الفرد إلى تخطي حدود كفاءتهم ومعرفتهم إذا لم تكن مدعومة بخبرة حقيقية.

لذلك، يجب التركيز على الإنجازات الفعلية، وليس على الأقوال فقط، فقد يغطي حديث المرشح الأول وبلاغته على ضعف خبرته وعدم ملاءمته للمنصب، وفي الوقت نفسه، قد يمتلك المرشح الهادئ إنجازات سابقة يمكن أن تكون مؤشراً جيداً على نجاحه في هذا المنصب. يقول كارنيغي: "مع تقدمي في السن، أصبحت أقل اهتماماً بما يقوله الناس، فأنا أركز فقط على أفعالهم".

في الممارسة العملية، يعني ذلك تقييم المستشارين أو أعضاء الفريق أو الشركاء على أساس نتائجهم الملموسة وإنجازاتهم الفعلية لا على أساس ثقتهم بأنفسهم أو فصاحتهم؛ فالإنجازات السابقة هي مؤشر على الأداء المستقبلي. يوضح كتاب "كرة المال" (Moneyball) الذي تحول إلى فيلم هذه الفكرة ببلاغة؛ إذ يتحدث عن الاعتماد على الإحصاءات لاختيار لاعبي البيسبول لفريق "أوكلاند أثليتكس" (Oakland A’s)، فكان اللاعب الجامعي الذي يتمتع بإحصائيات جيدة في سجلات مسيرته في اللعب خياراً أفضل من لاعب شاب في المرحلة الثانوية يتمتع بمظهر جذاب لكن ليس لديه سجل جيد يمكن تقييمه على أساسه.

في مجال الإدارة، تحدث عملية صنع القرارات غالباً في ظروف عالية المخاطر ومعقدة وغير مؤكدة، لذلك قد تؤدي المبالغة في تقدير كفاءتك إلى أخطاء باهظة الثمن. لضمان الالتزام بمقولة بافيت، يجب عليك التمييز بين الخبرة الحقيقية والخبرة الزائفة، سواء عند تقييم نفسك أو عند تقييم الآخرين.

إنها مهمة صعبة جداً. ومن النصائح التي يمكن تقديمها لك أن تحرص على عدم الاعتماد على الثقة، حتى إن كانت ثقتك بنفسك. وبدلاً من ذلك، اختبر نفسك والآخرين للكشف عن الخبرة الحقيقية. اعتمد على بيانات سجل الإنجازات المثبتة أو اطرح أسئلة مفصّلة تتطلب تفسيرات عميقة. اعترف بحدود كفاءتك ومعرفتك من خلال تحدي افتراضاتك وتقييم قدراتك باستمرار. إن معرفة حدود كفاءتك تعني فهم ما تعرفه حقاً وتحديد المجالات والجوانب التي تحتاج إلى تطوير والبحث عمن أثبتوا خبرتهم في هذه المجالات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي