ما الفرق بين القائد المحارب والقائد المتعاون؟

7 دقيقة
القائد المحارب
ميراج سي/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: في عالم الشركات الحالي السريع الوتيرة، يسعى معظم القادة المخضرمين عند انضمامهم إلى مؤسسة ما إلى ترك بصمة مؤثرة وإحداث تغيير هادف، لكن النهج الذي يتبنونه في طرح الأفكار الجديدة هو ما يحدد نجاحهم أو فشلهم. للأسف، يشعر بعض القادة عندما يواجهون مقاومة بالإحباط والانفصال أو قد يقررون ترك المؤسسة؛ فتحقيق تغيير دائم ليس مسعى فردياً بل هو جهد جماعي في الأساس، وهو يتطلب تبني عقلية تعاونية تقدّر وجهات النظر المتنوعة وتأخذها بعين الاعتبار، وتحافظ على التركيز الاستراتيجي وتتعامل بصبر مع تعقيدات الديناميكيات المؤسسية. لا يتعلق الأمر بالتخلي عن شغفك أو قضيتك بل بالاستفادة منهما بطريقة أكثر شمولاً واستراتيجية وفعالية في النهاية، توصي المؤلفة بتحويل نموذجك الذهني من نموذج القائد المحارب إلى نموذج القائد المتعاون.

كانت كاثي، وهي عميلة سابقة لأحد مؤلفي هذه المقالة (لويس)، تطمح إلى إحداث أثر بعد تعيينها نائبة رئيس تنفيذي في شركة ناشئة للتكنولوجيا المالية. لاحظت جوانب قابلة للتحسين وكانت لديها أفكار حول كيفية تغييرها، وكانت متحمسة للمضي قدماً في إجراء تلك التغييرات. كانت كاثي مدفوعة بشغفها بما تؤمن به، واتبعت نهجاً في التغيير أشبه بعقلية المحارب، إذ كانت تعبّر عن أفكارها بحماس وتلقي خطابات حماسية خلال اجتماعات الفريق، ولم تتردد في الإشارة إلى الأخطاء واقتراح حلول للتحسين، ولأنها معروفة بشجاعتها في "قول الحقيقة للسلطة" فقد أخذت على عاتقها الدفاع عن أعضاء الفريق الأقل جرأة وخبرة. في حين أن هذه الطروحات كانت تنجح أحياناً وأدت إلى تغييرات قصيرة المدى، كانت تشعر بالإحباط الشديد في أغلب الأحيان بسبب قلة الإجراءات المتخذة، والأسوأ هو أن نهجها أدى إلى زيادة عزلتها داخل المؤسسة ما خلق حلقة مفرغة سلبية عاقت قدرتها على إحداث التغيير الذي كانت تطمح إليه.

في عالم الشركات الحالي السريع الوتيرة، يسعى معظم القادة المخضرمين عند انضمامهم إلى مؤسسة ما إلى ترك بصمة مؤثرة وإحداث تغيير هادف، لكن النهج الذي يتبنونه في طرح الأفكار الجديدة هو ما يحدد نجاحهم أو فشلهم. للأسف، يشعر بعض القادة عندما يواجهون مقاومة بالإحباط والانفصال أو قد يقررون ترك المؤسسة؛ تظهر الأبحاث أن ذلك ينطبق خصوصاً على القادة الذين وُظفوا أساساً ليكونوا "وكلاء التغيير". علاوة على ذلك، لاحظت شركة ليدرشيب آي كيو (Leadership IQ)، المتخصصة في التدريب والأبحاث في مجال القيادة، أن 46% من المسؤولين التنفيذيين المعينين حديثاً يفشلون في غضون أول 18 شهراً.

أدركت كاثي حاجتها إلى نهج تحولي يسمح لها بالدفاع عن أفكارها دون تنفير الآخرين منها، فكان عليها تغيير نموذجها الذهني من نموذج المحارب إلى نموذج القائد المتعاون.

نهج القائد المحارب: متحمس لكنه يعزل الآخرين

المحارب هو أسلوب قيادة موصوف في كتاب "مُصمم ليَنمو" (Built for Growth)، ويتميز بالدفاع بحماس عن رؤاه وقيمه وأهدافه. يتخذ أصحاب هذا النهج قراراتهم بناءً على مجموعة أساسية من المعتقدات والقيم، ويتعاملون مع التغيير بأسلوب مباشر وحازم، مدفوعين بإحساس عميق بالغاية يغذي استعدادهم للتعبير عن آرائهم حتى عندما يواجهون معارضة.

قد يغرس هذا النهج الثقة والكفاءة الذاتية في البداية حيث يرى القائد التأثير الإيجابي القصير المدى لأفكاره، لكنه غالباً ما يؤدي إلى نتائج عكسية على المدى الطويل. يُنظر إلى القائد المحارب غالباً على أنه منغلق الذهن وغير مرن ومفرط في الحماس، وعلى الرغم من أن الحماس سمة إيجابية، فهو يصبح ضاراً عندما يترافق مع سلوكيات سلبية متوقعة، إذ يميل القائد المحارب إلى:

  • التحدث دائماً أمام الجموع وبعنف إلى درجة الهيمنة على المحادثات أحياناً.
  • مقاطعة الآخرين أو الإجابة عن الأسئلة من وجهة نظره الخاصة، بعبارة أخرى، لا يستمع دائماً بقصد الفهم.
  • يجاهر بآرائه، وغالباً ما يركز على تنفيذ خطته في العمل دون مراعاة وجهات النظر الأخرى.
  • يظهر إحباطاً واضحاً ومتكرراً عندما يواجه مقاومة، ويكثف جهوده لتسويغ نهجه أو الدفاع عنه، وغالباً ما يفترض أن المعارضة تنشأ عن الجهل وليس عن اختلاف حقيقي في الرأي.

هل أنت قائد محارب؟

قد تلاحظ بعض سمات القائد المحارب إذا ما فكرت ملياً في أسلوب قيادتك. على الرغم من أنه لا يمكن تحديد سبب محدد لتبنّي أي قائد هذا الأسلوب، فقد يكون ناتجاً عن عدة عوامل مختلفة ولكل منها عواقبه الخاصة. من المهم أن تتأمل نفسك ملياً وتفهم السبب الأساسي لأسلوب القيادة الذي تتبعه وأثره حتى تتمكن من تبني أسلوب أكثر توازناً. إليك بعض المؤشرات الرئيسية على نهج المحارب:

يسيطر شغفك عليك

قد يُظهر القائد المتحمس لقضية ما سلوكاً يمكن أن يُساء فهمه على أنه افتقار إلى المرونة واتخاذ موقف دفاعي. غالباً ما تكون لديه خبرة كبيرة في مجال معين ويؤمن بشدة بأن نهجه هو الطريق الأمثل للمضي قدماً، ما يجعله أقل انفتاحاً على وجهات النظر البديلة. لكن ذلك يؤدي إلى الإعياء، إذ أثبتت الأبحاث أن إعطاء الأولوية للشغف على حساب كل شيء آخر يمكن أن يكون عديم الفعالية وضاراً.

الإحباط من بطء وتيرة التغيير

يرى القائد المحارب أنه مضطر إلى بذل جهد كبير بمفرده لإحراز تقدم، ويتبنى نهجاً شديد التركيز يفقده فرصة استقطاب المؤيدين والمتعاونين لمساعدته على إحداث تغيير دائم، ولا تشاركه المجموعة التي يحاول التأثير عليها إحساسه بالضرورات المُلحة في العمل.

نجحت بأسلوب المحارب في الماضي

يلجأ بعض القادة إلى أسلوب المحارب تلقائياً لأنهم شهدوا نتائجه الفورية في مواقف سابقة؛ إذ رأوا كيف يمكنهم تحقيق نتائج باهرة باتباعه، فقد تغلبوا على المعارضة وعززوا قدرتهم على اتخاذ القرارات المطلوبة على المدى المنظور. لكن هذا الأسلوب يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية على المدى الطويل ويقوّض قدرة القائد المحارب على تحقيق تغيير دائم.

كيف تتحول من قائد محارب إلى قائد متعاون؟

ثمة نهج أكثر فعالية لتحفيز التغيير في مكان العمل يعتمد على تبني عقلية المتعاون؛ فبدلاً من المعاندة في التمسك بوجهة نظر محدودة، يركز القائد المتعاون على بناء العلاقات وفهم الديناميكيات التنظيمية وأسباب المقاومة، ويستفيد من هذه المعرفة لطرح التغيير بطريقة استراتيجية مشتركة. إليك 6 طرق لتصبح قائداً متعاوناً:

افهم الثقافة المؤسسية

يعتمد أثرنا في النهاية على من نريد التأثير فيهم، سواء أحببنا ذلك أو لا، كما أن التأثير يعتمد إلى حد كبير على السياق. فبدلاً من التمسك بمعتقداتك وفرض نفسك دون فهم السياق الذي تعمل فيه، من الأفضل أن تتعلم أولاً كيفية سير الأمور في مؤسستك؛ ابحث عن مؤشرات للأساليب الفعالة والأساليب العديمة الفعالية، وانتبه في الاجتماعات إلى السلوكيات التي تحظى بالتقدير والسلوكيات غير الفعالة، وراقب القادة الأكثر فعالية في المؤسسة وفكر في سؤالهم عن كيفية تعاملهم مع موقف معين: هل يختلف نهجهم عن نهجك؟ عندما تفهم "قواعد" اللعبة، ستكون في وضع أفضل بكثير للعبها.

ركّز جهدك على ما يستحق

غالباً ما يدعو القائد المحارب إلى تغييرات كبيرة معقدة تتطلب تحالفاً قوياً داعماً، ما يثير إحباطه، وفي بعض الأحيان قد لا يكون هو الشخص المناسب لإجراء هذه التغييرات. على سبيل المثال، لنفترض أنك مدير في شركة برمجيات ولاحظت أوجه قصور في كل من عملية تطوير البرمجيات واستراتيجية التوظيف في الشركة؛ في حين قد يدفعك شغفك وتصميمك إلى معالجة المشكلتين كلتيهما، فقد يكون إصلاح استراتيجية التوظيف أكثر تعقيداً ويتطلب جهوداً تعاونية وتحالفاً واسعاً لمعالجتها بفعالية، ويمكن أن يؤدي خوض معركة لإصلاح استراتيجية التوظيف إلى الإحباط والاحتراق الوظيفي وتآكل المصداقية إذا لم تتحقق التغييرات بسرعة، وعلى الأرجح، سيتخذ فريق التوظيف موقفاً دفاعياً تجاه مبادرتك. بدلاً من ذلك، ركز طاقتك ومواردك على تحسين عملية تطوير البرامج، وهو مجال يمكنك فيه تحقيق أثر كبير وهادف بالنظر إلى خبرتك.

التمس الآراء

غالباً ما يرانا الآخرون بموضوعية أكبر مما نرى أنفسنا. لقد أثبتت الأبحاث أن الأشخاص لا يدركون غالباً كيف يتصرفون في مواقف معينة، أو أنهم لا يتذكرون أفعالهم بدقة، ما يؤدي إلى تصور منحرف لذاتهم. وقد يغفل القائد المحارب المستغرق في رؤيته في كثير من الأحيان، عن تفاصيل أو وجهات نظر مهمة، ما يؤدي إلى عدم فهمه للموقف تماماً.

اسعَ بجدّ لطلب الملاحظات والاقتراحات كي تفهم بصورة أوضح كيف يرى الآخرون نهجك وما يمكنك تغييره في المرة المقبلة لتصبح أكثر فعالية. هذه خطوة تحويلية (ورصينة غالباً) بالنسبة لقائد محارب ينتقل إلى أسلوب قيادة تعاوني، فهي لا تعزز الوعي الذاتي فحسب، بل تمنحك أيضاً فهماً شاملاً لعواقب أفعالك وآثارها السلبية المحتملة على ديناميكيات الفريق والمعنويات والإنتاجية.

تنمية العلاقات والاستفادة منها

من الضروري بناء تحالف مؤثر وتعزيزه يضم أفراداً يمكنهم دعم أفكارك. تخيّل المؤسسة مثل عربة ثقيلة يصعب إيقافها أو توجيهها نحو اتجاه مختلف من الخارج. بدلاً من أن يحاول القائد دفع العربة أو سحبها بمفرده، عليه أن يصعد إليها ويعمل مع السائقين لتوجيهها من الداخل. يتطلب هذا النهج من القائد بناء العلاقات والتحالفات داخل المؤسسة لكسب الدعم لأفكاره وخلق شعور بالمسؤولية المشتركة.

ثمة طريقة سهلة "للصعود إلى العربة"، وهي مواءمة أفكارك مع أفكار الآخرين لكسب المؤيدين والحلفاء. على سبيل المثال، لنفترض أنك مدير قلق بشأن معدلات دوران الموظفين المرتفعة، وخلال أحد الاجتماعات يناقش زميل من قسم الموارد البشرية هدفه المتمثل في تعزيز مشاركة الموظفين. بدلاً من طرح مخاوفك على نحو مستقل بشأن استبقاء الموظفين، يمكنك اقتراح مشروع تعاوني يعالج المشكلتين معاً؛ على سبيل المثال، برنامج تجريبي في قسمك يتضمن استراتيجيات لتحسين مشاركة الموظفين وقد يقلل معدلات دوران الموظفين في الوقت نفسه. وبذلك توائم مبادراتك مع احتياجات زميلك في قسم الموارد البشرية واهتماماته، ما يسهل على الآخرين دعم مقترحك ومقترحه.

كن منفتحاً على وجهات نظر أخرى

كي تتمكن من التأثير يجب أن تتقبل تأثير الآخرين عليك أيضاً. في الواقع، لا يرغب أحد في "التفاوض" مع شخص غير منفتح على وجهات النظر المتنوعة ولا يمكنه إدراك العالم إلا من خلال وجهة نظره الضيقة. لذا، حاول أن تنمّي فضولاً حقيقياً حول وجهات النظر الأخرى عن التحديات والحلول؛ بدلاً من المعاندة في التمسك بنهجك المفضل أو إعادة صياغته بطريقة أخرى، اطرح أسئلة مفتوحة على الزملاء الذين لديهم وجهات نظر مختلفة وحاول اكتشاف وجهات النظر المشتركة. قد ترى مساراً مباشراً من المشكلة إلى الحل بناءً على وجهة نظرك وخبرتك، لكن الآخرين قد لا يرون هذا المسار بالوضوح نفسه وسيجدون صعوبة في تنفيذ الاستراتيجية المطلوبة نتيجة لذلك. يمكن أن يؤدي حتى القرار الصائب إلى نتيجة خاطئة إذا فشلت في إنشاء فهم مشترك حول كيفية تنفيذ التغيير بنجاح.

ركز على الأهداف البعيدة الأجل

يتطلب إحداث تغيير دائم التركيز على الهدف الطويل الأجل، من الضروري والمناسب في بعض الأحيان أن تتصرف مثل القائد المحارب، خاصة عندما تكون هناك حاجة إلى اتخاذ إجراء عاجل ولديك السلطة لإجراء التغيير. مع ذلك، فهذه المواقف نادرة ومتباعدة. إذا كنت تتطلع إلى تحقيق تغيير دائم وطموح، فمن غير المرجح أن يحدث ذلك على الفور، وفي الغالب لن تتمكن من تحقيقه بمفردك.

واجه ذاتك المحارِبة بهذه الأسئلة الثلاثة: هل أنا الشخص المناسب لحل هذه المشكلة؟ هل يجب أن أحلها بمفردي؟ هل يجب حلها على الفور؟ من خلال هذا التركيز، ستتمكن من وضع الاستراتيجية الطويلة المدى المناسبة للتعامل مع المسائل المهمة حقاً، وهي تشمل الاستعداد لعدم المشاركة في كل معركة تواجهها.

التغيير حاجة لا مفر منها في أي مؤسسة، ولكن النهج المتبع في إحداث التغيير هو ما يحدد نجاحه أو فشله، مثلما أدركت كاثي، المحاربة المتحمسة. فتحقيق تغيير دائم ليس مسعى فردياً بل هو جهد جماعي في الأساس، وهو يتطلب تبني عقلية تعاونية تقدّر وجهات النظر المتنوعة وتأخذها بعين الاعتبار، وتحافظ على التركيز الاستراتيجي وتتعامل بصبر مع تعقيدات الديناميكيات المؤسسية. لا يتعلق الأمر بالتخلي عن شغفك أو قضيتك بل بالاستفادة منهما بطريقة أكثر شمولاً واستراتيجية وفعالية في النهاية،

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .