القائد الجيد لا يخشى أن يكون شخصاً لطيفاً

3 دقيقة
صفات القائد الجيد

لم أكن بحاجة إلى أكثر من ثلاث ثوانٍ لكي أقرر ما هي الثياب التي سأرتديها خلال ترسيمي مديراً للاستراتيجيات في شركة "جينيوين انتراكتيف" (Genuine Interactive)، وهي وكالة للتسويق الرقمي. فقد قررت ارتداء بنطال من الجينز وقميص كتان مجعد. لكن قراري بتحديد الكتب التي سأصطحبها معي كان أصعب نوعاً ما.

في النهاية، قررت أصطحاب كتاب واحد فقط هو: "قوة الأسلوب اللطيف: كيف تسيطر على عالم الأعمال من خلال الأسلوب اللطيف" (The Power of Nice: How to Conquer the Business World with Kindness)، من تأليف ليندا كابلان ثالير وروبن كوفال. لا شك أن المبادئ المتعلقة بصفات القائد الجيد مثل اللطف، والمطروحة في الفصل الأول من الكتاب عظيمة، لكن الجزء الأكثر إثارة في الكتاب – خاصة بالنسبة لشخص مسؤول عن قيادة الاستراتيجية - هو ما يرد في الفصل الثامن بعنوان: "أغلق فمك واصغِ"

غالباً ما يشعر الاستراتيجيون (زملاء وشركاء وأصدقاء وأفراد في عائلة واحدة)، برغبة عارمة في مشاركة الآخرين الأفكار والآراء التي يعتقدون أنها مذهلة ورائعة إلى درجة أنهم يختصرون الكلام ويضيعون الجانب المهم من تفاعل ما أو علاقة مع شخص معيّن.

اقرأ أيضاً: كيف تكون قائداً مُلهِماً للآخرين؟

وفي عالم مليء بالوكالات، والتي تقدم معظمها الخدمات ذاتها وبالأسعار نفسها تقريباً، فإن الفرق الأساسي بين النجاح والفشل يكمن في رغبة الناس بالعمل مع فرقك أم لا. والأمر ذاته يصح داخل الشركات. فقد اعتادت تارا باك، مديرتي السابقة والرئيسة الجديدة لمختبر التجارب في "جوجل"، أن تقول: "إن نجاحك في أي وكالة يتمثل في رغبة الجميع في ضمك إلى فرقهم".

وفي نصيحة مقدمة إلى المتخصصين في موضوع تجارب الزبائن الذين يبحثون عن وكالة، تقول "فورستر ريسيرتش" (Forrester Research)، وهي شركة أبحاث: "عليكم أن تأخذوا دائماً في الاعتبار مدى قدرة الوكالة على تقديم نصيحة معينة قد تكون مؤلمة لكن ضرورية، أو مدى ارتياحكم في العمل مع الوكالة عندما لا تحدث الأمور كما هو مرسوم لها في الخطة". وهنا يأتي دور اللطف. فكل الناس لطيفون عندما تسير الأمور وفق أهوائهم، لكن إلى أي مدى ستحافظ على لطفك عندما تجد نفسك في وضع صعب؟

بحسب تجربتي الشخصية، القسوة واللطف قد يتعايشان معاً. فأكثر الاستراتيجيين نجاحاً يتصفون بالقسوة وهم يتمتعون بفضول كبير: إنهم مثل صحفيي الجرائد الصفراء لكن دون لمسة الخسة الموجودة لدى هؤلاء الصحفيين. وتُعتبر الأهداف الخمسة الواردة في الفصل الثامن من الكتاب المذكور بمثابة عناصر موجهة مفيدة لي لأتذكرها دائماً وأنا أضع الاستراتيجية مع فريقي الجديد أثناء قيادتهم:

دع الشخص الآخر يبدو أذكى

فالشخص الذي يحاول يائساً أن يبدو الأذكى في الغرفة سيظهر في نهاية المطاف على أنه الشخص الأقل ذكاءً. خلال إحدى جلسات تقديم العروض إلى أحد الزبائن والتي كنت جزءاً منها، قال الزبون لأحد الاستراتيجيين من أعضاء فريقي بأنه يذكّره بشخصية كليف كلافن، وهو ساعي البريد الذي يعرف كل شيء في المسلسل التلفزيوني "تشيرز" (Cheers). (ولم ننجح في كسب تلك الصفقة). أعلم أن هذا التوازن صعب – ولا سيما بالنسبة للشباب في مطلع حياتهم المهنية والذين يريدون إظهار ذكائهم. وهنا يأتي دور الإرشادات والنصائح البسيطة من المشرفين الجيدين.

حافظ على بساطة الأشياء

الحياة فيها ما يكفي من التعقيدات. كما أن زبائننا وزملاءنا يتوقعون منا أن نكون خبراء بما يكفي لإبقاء الأشياء بسيطة وسهلة الفهم. وأنت تجد نفسك في حالة صراع داخلي دائم لتركز على القصة التي تحاول سردها عوضاً عن التركيز على ما هو مكتوب في الشرائح التي تعرضها. ولكن إذا ذكّرت نفسي وفريقي أننا نجلس مع الزبون لخوض محادثة لطيفة، فقد نتمكن من تجنب أن نبدو من نمط الناس الذين يعقّدون المسائل بشكل مفرط أو الذين يتصرّفون بطريقة توحي أنهم أشخاص مهمّون.

سل ولا تتكلم

حتى لو كنت تعتقد أنك تعرف الإجابة أصلاً، قد يكون من المفيد أن تطلب من شخص آخر أن يشرحها لك، وقد تحصل على مفاجأة سارة بما ستسمعه. فبحسب تجربتي، هذا الأمر ينطوي على مكسب إضافي يتمثّل في إبداء الاحترام للعمل المنجز وللناس الذين قاموا به.

لا تجادل كثيراً

فعلاً. لا تجادل كثيراً. فلكل أسلوبه وطريقته في فهم مشروع معين وفي الإسهام فيه. ولكن بحسب خبرتي الشخصية، إذا تحولت من شخص يتحدى الآخرين لإظهار أفضل ما لديهم إلى شخص مُجادل، فإن فرص اختيارك لتكون جزءاً من فريق أو مشروع تهبط هبوطاً كبيراً.

كل إنسان يستحق أن نصغي إليه

لكن لا تخلط بين هذه الفكرة والفكرة القائلة بأن كل إنسان يستحق ميدالية، فبعض الأفكار أفضل من بعضها الآخر. ولكن جميع الأفكار تقريباً تستحق أن نصغي إليها قبل أن نتبناها ونتصرف على أساسها.

هناك الكثير من الأشخاص الذين يوافقونني آرائي: فالجميع من ريتشارد برانسون إلى باري بيرغمان قالوا إن لطف المرء لا يتعارض على الإطلاق مع النجاح في قطاع الأعمال. هل تحتاجون إلى إثبات؟ ستجدون الإثبات في كتاب جديد هو: "عودة الشخصية اللطيفة: السبب الحقيقي الذي يجعل القادة وشركاتهم يفوزون" (Return On Character: The Real Reason Leaders and Their Companies Win)، وقد صدر هذا الكتاب للتو وعرِضت نبذة عنه في عدد هذا الشهر من "هارفارد بزنس ريفيو". وهو يستند إلى دراسة استغرقت 7 سنوات وشملت 84 رئيساً تنفيذياً و8,000 موظف. وتقوم فكرته الأساسية على أن القادة الذين يظهِرون الاستقامة والنزاهة والتعاطف والقدرة على التسامح والنسيان وقابليتهم للمحاسبة – وهم الأشخاص الذين يعتبرهم معظمنا أشخاصاً لطيفين – يقدمون عائداً على الأصول يبلغ خمسة أضعاف ما يقدمه نظراؤهم الذين لا يُظهرون هذه الخصال أبداً أو نادراً ما يبدونها.

وبالتالي، عندما أتولى وظيفتي الجديدة، سأحاول دائماً تذكر الفكرتين التاليتين المتعلقتين بصفات القائد الجيد: بوسعك بناء شخصية مميزة إذا أعطيتها الأولوية، والأشخاص اللطفاء عادة ما ينجزون المهمة أولاً.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي