ما الذي يفعله المدراء العظماء بطريقة مختلفة في بيئة العمل عن بُعد؟

7 دقائق
الفهم التفصيلي
سيرجن/غيتي إميدجيز

ملخص: لم يتوقع أحد التحول الضخم إلى العمل عن بُعد الذي حدث في عام 2020 مع ظهور الجائحة. استطلعت دراسة جديدة آراء المدراء والموظفين لمعرفة ما نجح معهم وما لم ينجح في أثناء تنقلهم ما بين إدارة مرؤوسيهم وإدارة رؤسائهم لهم عن بُعد. كان الاستنتاج الرئيسي الذي خلصت إليه الدراسة هو حدوث تحول طفيف ولكنه مهم في توقعات الموظفين حول طريقة عمل مدرائهم معهم. فقد أرادوا أن يكون مدراؤهم حاضرين ونشطين ومتيقظين من الناحية التشغيلية دون أن يكونوا متطفلين. ولا يريدون أن يمارس مدراؤهم الإدارة التفصيلية، بل يريدونهم أن يفهموا عملهم بشكل تفصيلي. يشرح المؤلف ما هو الفهم التفصيلي، ويذكر أمثلة عليه من أرض الواقع، ويحدد 3 مواقف يكون فيها بالغ الأهمية: تحديد الأولويات وتوضيح المهمات، وحل المشكلات، والاطمئنان على الأحوال وإبداء التعاطف.

 

قال لاري عندما سألته عن تجربة الانتقال إلى قيادة موظفين يعملون عن بُعد: "الأمر يشبه تعلم القيادة على الجانب الخطأ من الطريق، إذ عليك أن تصل إلى الوجهة نفسها ولكن لديك الآن إشارات وضوابط مختلفة، والاعتياد على ذلك يحتاج إلى بعض الوقت بالتأكيد!".

لم تتوقع المؤسسات ولا الموظفون هذا الانتقال السريع إلى العمل عن بُعد الذي حدث في مارس/آذار عام 2020. ولذلك ليس من الغريب أن يُظهر استطلاع أجرته هارفارد بزنس ريفيو في الأيام الأولى للجائحة أن 40% من القادة لم يكونوا مستعدين لإدارة الموظفين عن بُعد وأن 41% كافحوا لكي يظل أعضاء فريقهم الذين يعملون عن بُعد مندمجين في العمل. وبالمثل، أفاد 40% فقط من الموظفين الذين يعملون من المنزل بأنهم شعروا أن رؤساءهم يدعمونهم.

بعد مرور عامين ونصف العام، من الواضح أن العمل عن بُعد سيظل مستمراً. فقد جعل عبء إدارة أداء أعضاء الفريق، الذين يعملون من المنزل والمكتب وفي مناطق زمنية مختلفة، العديد من المدراء غير متأكدين أي من الطرق تُعد الأفضل لإنجاز العمل. ليس من المستغرب أن يفضل العديد من المدراء عودة موظفيهم إلى المكتب، ما قوبل بالمعارضة بل وحتى بالثورة.

درستُ كيف قام المدراء الناجحون بتحفيز الموظفين ودفع الأداء عندما كانوا يعملون من المنزل في عامي 2021 و2022. وكان الاستنتاج الرئيس الذي توصلت إليه هو حدوث تحول طفيف ولكنه مهم في توقعات الموظفين حول طريقة عمل مدرائهم معهم. فقد أرادوا أن يكون مدراؤهم حاضرين ونشطين ومتيقظين من الناحية التشغيلية دون أن يكونوا متطفلين. بعبارة أخرى، لا يريد الموظفون أن يمارس مدراؤهم الإدارة التفصيلية، بل يريدونهم أن يفهموا عملهم بشكل تفصيلي.

الإدارة التفصيلية مقيِّدة، فالتدخل الإداري الكبير يقوض الثقة ويُضعِف إمكانات الموظفين، ويتجلى في مراجعات الأداء الشاملة وقوائم المراجعة ومستويات الحصول على الموافقة، من بين أمور أخرى. أما الفهم التفصيلي فيتعلق بدمج نفسك على نحو أفضل في تدفق أعمال فريقك وحل المشكلات عن بُعد. إذ يمكن للمدير الذي يفهم كل شيء تفصيلياً تحديد نقاط الضعف ورصد مواضع الاضطرابات المحتملة. يتمحور الفهم التفصيلي حول الثقة ولكن مع التأكد من عدم وجود أي عقبات غير متوقعة، والتفويض مع الحرص على أن يكون المدير موجوداً على الدوام لمنعهم من التعثر، والتحلي بالمرونة ولكن مع الانتباه دائماً إلى الإشارات التحذيرية.

المدراء عناصر تمكين وليسوا هيئات إنفاذ

سواء كان العمل عن بُعد أو من المكتب، يظل دور المدير كما هو في جوهره: تحفيز الموظفين وتنظيم الموارد لتحقيق التميز في الأداء. وبذلك فإن ما يفعله المدراء يظل كما هو، وما يتغير هو كيفية فعله. يشعر العديد من المدراء بالقلق حيال كيفية إدارة موظفيهم وهم لا يستطيعون رؤيتهم. إذ غالباً ما يُفترض أن الحضور إلى مكان العمل، أو الحديث وجهاً لوجه، ضروري للإنتاجية. ومع ذلك، أظهرت بيانات حول الإنتاجية في أثناء الجائحة أن الأشخاص يمكنهم الأداء بالمستوى نفسه دون مراقبة الوقت الذي يمضونه في العمل أو الحضور إلى مكان العمل.

أظهرت دراستي أن الموظفين بدؤوا تقدير دور المدير بشكل أكبر في أثناء العمل من المنزل بدوام كامل في عام 2020. فقد كان وجود المدير مفيداً، شريطة أن ينتقل من إدارة الوقت أو النشاط أو الحضور الشخصي إلى إدارة النتائج. علاوة على ذلك، اعتبر الموظفون أن المدراء عنصر أساسي لإنجاز العمل عن بُعد. ويتوقعون أن يكرس مدراؤهم المزيد من الوقت والجهد لإزالة العوائق التي تقف أمام العمل والتعامل بين الأفراد، والتنسيق بين العديد من أصحاب المصلحة، بالإضافة إلى تدريبهم وتنظيم أدائهم. كما قال ليام، أحد المجيبين على الاستطلاع: "لقد عزز مديري قوة آليات التشغيل خلال الأشهر القليلة الماضية، فقد كان يعقد اجتماعات بانتظام لمناقشة أهدافنا وإنجازاتنا وثغراتنا حتى نكون جميعاً متفقين بشأن ما يجب القيام به. فقد رفع مستوى القدرة على التنبؤ وحقق التوافق، وهو أمر ضروري نظراً إلى أننا لم نعد نتمكن من التواصل آنياً بسهولة". في البيئات الافتراضية، يعمل المدراء كعناصر تمكين وليس كهيئات إنفاذ.

الإشراف دون مبالغة

تحتاج الإدارة عن بُعد إلى تحقيق توازن حساس. يُتَّهم القادة بممارسة الإدارة التفصيلية عندما يبالغون في الإشراف. لاحظت إحدى المشاركات في دراستي أن مديرها يصرُّ على إعادة كل الأعمال التي تقوم بها لدرجة أنها لم تعد في النهاية تحرص على إخراج العمل بأفضل شكل. قالت: "ونتيجة لذلك، انفصلت عن العمل ذهنياً وعاطفياً".

من ناحية أخرى، قد تؤدي المراقبة غير الكافية إلى قائد يتبع سياسة عدم التدخل، وهذا يمثل مشكلة أيضاً. لاحظت جانين (من المشاركات في دراستي): "يختفي مديري لأسابيع. ودائماً ما يبدو مشغولاً في الاجتماعات، كأنه يعتبر أننا غير موجودين. وانهار فريقنا لأن كل عضو في الفريق قام بعمله دون تنسيق من المدير!".

كلا نوعي القادة يضعفان إنتاجية الموظفين ويثبطان معنوياتهم. وهنا يأتي دور الفهم التفصيلي. فالأمر يشبه أن تكون مدرباً منخرطاً للغاية في جميع تفاصيل اللعبة ولكنك لا تنزل إلى أرضية الملعب.

يحقق القائد "الموجود" نتائج مؤسسية أفضل ويزيد من اندماج الموظفين في بيئة العمل الافتراضية. ويستلزم هذا "الوجود" أن يكون من السهل الوصول إليك ورؤيتك وأن تكون منتبهاً وأن تعقد لقاءات فردية وجماعية باستمرار، وأن تكون أيضاً خبيراً مفيداً يلجأ إليه الموظفون لإنجاز مهماتهم.

أخبرتني ماري (من المشاركات في الدراسة):

انضممت إلى شركتي في أثناء الجائحة ولم أقابل أي شخص وجهاً لوجه. كانت مديرتي تحرص على الاتصال بي كل مساء للاطمئنان على أحوالي ولسؤالي إن كنت بحاجة إلى أي شيء، وكانت تشير دائماً إلى الأشياء المهمة لي، ووصّلتني بالعديد من الأشخاص الذين كنت بحاجة إلى التعرف عليهم، وكانت تدعوني إلى حضور اجتماعات لا علاقة لها بعملي ولكنها ساعدتني على استيعاب العمل. لم أشعر قَطّ أنني أعمل بمفردي، فقد كانت موجودة دائماً لمساعدتي وداعمة لي للغاية. ولم أشعر قط أنها تراقبني، بل كنت أشعر دائماً أنها الخبير الذي يمكن أن ألجأ إليه.

فيما يلي بعض الأمثلة للمواقف التي يكون فيها الفهم التفصيلي ضرورياً:

تحديد الأولويات وتوضيح المهمات

تتطلب بيئة العمل عن بُعد ترتيب الأولويات بصرامة. يحتاج كل عضو في الفريق إلى فهم ما يجب القيام به، ومتى يجب القيام به، ومَن الذي يجب أن يقوم به. ينطوي الفهم التفصيلي على فهم كيفية عمل الأولويات التفصيلية معاً لإنتاج المنتج المستهدف في الوقت المحدد وبالمستوى المطلوب من الكفاءة. وضعت مديرة من المشاركات في الدراسة نظاماً تشغيلياً أسبوعياً للعاملين من مختلف أنحاء العالم. وقد أخبرتني:

كل صباح يوم ثلاثاء، أجري مكالمة مع جميع مدراء سلاسل التوريد. ونستخدم لوحة متابعة تتيح لنا رؤية أهداف الإنتاج معاً ونعمل على تحقيق الأهداف المتأخرة عن موعد إنجازها ونتحقق من نوع الدعم الذي يحتاج إليه الأشخاص لإنجازها. وفي حالة المشكلات الكبيرة، كنا نتابع العمل على حلها من خلال إجراء مكالمات فردية. فقد أتاح لي هذا النظام معرفة التقدم الذي أحرزه كل شخص في تحقيق أهدافه. وساعدتني هذه المكالمات على توقُّع الجانب الذي سأواجه فيه مشكلات، والفِرق التي بحاجة إلى مساعدة أو تدريب، وما أحتاج إلى إبلاغ قادتي به حتى لا تكون هناك مفاجآت. تمكنت من ترتيب الأولويات وإعادة التوجيه وتوضيح المهمات بشكل آني. كانت خطوة بسيطة، لكننا لم نكن نتبع هذا النظام قبل تفشي الجائحة، وأخطط لمواصلة العمل به بشكل دائم.

حلّ المشكلات

في سياق العمل عن بُعد، ينطوي حل المشكلات على وضع آليات تحذير من المشكلات المحتملة ومعالجتها في الوقت المناسب حال ظهورها. وهذا يعني أنه يجب على المدراء اكتساب قدرة على الفحص المستمر ومعرفة نقاط الضعف والعقبات على الفور. تعامل ديفيد (مدير) مع هذا الأمر بطريقة مبتكرة من خلال تشجيع فريقه على الدعوة لعقد اجتماع كلما شعروا بحدوث خطأ أو وجود خطر. وكان يطلق على هذه الاجتماع أسماء مختلفة: كان اجتماع مشكلة "البعوض" يعني ضمناً أن هناك مشكلة صغيرة ولكنها مزعجة ولذلك يجب حلها على الفور، وكان اجتماع مشكلة "الرمال المتحركة" استغاثة لطلب المساعدة للخروج من مأزق، واجتماع مشكلة "التنين" يعني أن هناك مشكلة خطيرة يجب تصعيدها. كان من مسؤولية عضو الفريق الدعوة لعقد الاجتماع والتأكد من حضور كل شخص ذي صلة بموضوع الاجتماع لتقديم المساعدة. وكان دور المدير هو تقديم الدعم والمساعدة في حل المشكلة، لكن الموظف هو مَن تولى زمام الأمور. قال: "عندما عملنا وجهاً لوجه، كانت مسؤولية تنظيم الاجتماعات تقع على عاتقي، ولكن بعد أن أصبح العمل عن بُعد، لم أكن أعرف في كثير من الأحيان ما هي المشكلة. لذلك فإن نقل هذه المسؤولية إلى أعضاء الفريق سمح لي بالرجوع خطوة إلى الوراء وملاحظة أنماط المشكلات التي يجب الانتباه إليها على وجه التحديد".

الاطمئنان على الأحوال وإبداء التعاطف

يؤدي الاطمئنان على أحوال الآخرين إلى تعزيز الثقة والعلاقات بين الأفراد. يفتقر العمل عن بُعد إلى فرص التواصل والتدريب العفوية، لذلك ثمة حاجة إلى خلق تلك الفرص. بينما كان الاطمئنان على أحوال الآخرين شائعاً في الأيام الأولى للجائحة، فقد تراجعت أهميته ووتيرته بمرور الوقت، حيث شعر المدراء بالإرهاق نتيجة لما يتسبب به من استنزاف عاطفي. ومع ذلك، فإن الاطمئنان على أحوال الموظفين ضروري في بيئة العمل عن بُعد لأن معظم الموظفين ينظرون إلى مدرائهم المباشرين على أنهم أهم رابط بينهم وبين مؤسستهم.

غالباً ما يُطلب من المدراء، شاؤوا أم أبوا، تقديم الإسعافات الأولية العاطفية للموظفين في أوقات الشدة. وفي الغالب ينتهي الأمر بالمدراء غير المهرة بجعل الاطمئنان على أحوال موظفيهم يبدو كأنه فحص طبي، ما يجعل الموظفين يشعرون أنهم يخضعون للمراقبة. وهناك آخرون لا يُبدون تفهمهم وتعاطفهم ويولدون شعوراً بالعزلة لدى موظفيهم. وأسوأ نوع من المدراء هو المدير الذي يُظهر مرونة زائفة. قال لي أحد المشاركين في الدراسة: "اتصل بي مديري وسألني عن سبب عدم أخذ استراحة في فترة ما بعد الظهيرة في الصيف وفقاً للسياسات المرنة الجديدة للشركة. فسألته بصراحة: 'حسناً، سآخذ استراحة ولكن هل ستمدد الموعد النهائي لتسليم العمل؟' وبإحراج قال إن بإمكاني الاستمتاع باستراحة ما بعد الظهيرة يوم الخميس ما دمت سأتمكن من تسليم العمل بحلول صباح يوم الأحد التالي". وهذا ما أسميه "المرونة الزائفة".

أعرب العديد من المشاركين في الدراسة عن تقديرهم لتواصل مدرائهم معهم. على سبيل المثال، أدى إرسال رسالة نصية عشوائية في وقت متأخر من المساء يقول فيها المدير "أشعر بالامتنان لأنك عضو في فريقي" إلى تعزيز الثقة بشكل أكبر بكثير من أي برنامج رسمي. وبالمثل، ضاق الموظفون ذرعاً بسبب إجبارهم على الاستمتاع بوقتهم، مثل إرغامهم على لعب لعبة بينغو يوم الخميس، بينما أعربوا عن تقديرهم لبدء الاجتماعات الرسمية بالإشادة بإنجاز حققه أحد الموظفين أو الاحتفال بأعياد الميلاد. إن إضفاء الصبغة الإنسانية على مكان العمل عن بُعد هو نوع فريد من الفن بالنسبة للقائد الذي يعمل عن بُعد، وهو يحدث بطرق غير واضحة ولكنها واعية.

تعرقل الإدارة التفصيلية الموظف، أما الفهم التفصيلي فهو ثروة له. ومع استمرار تغيُّر العالم جذرياً، يقدم الفهم التفصيلي نموذجاً جديداً لقيادة الموظفين الذين يعملون عن بُعد من أماكن متفرقة. وسيساعد المدراء على تعلُّم القيادة على الجانب الآخر من الطريق ليصبح هو "الجانب الأيمن الجديد".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي