كيف تستخدم الفكاهة لتحسين خدمات الرعاية الصحية؟

3 دقائق
الفكاهة
دنيس غالانتي/غيتي إميدجيز

ملخص: وجد تحليل لتعليقات المرضى المقيمين ومرضى العيادات الخارجية استُخدم فيه الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية أن الفكاهة قد تكون أداة تواصل فاعلة، إذ إنها قد تساعد على إبراز مدى تعاطف مقدم الرعاية وعطفه واستعداده لتقديم المساعدة واهتمامه ولطفه. ومع ذلك، إذا استُخدمت الفكاهة بطريقة فظة أو ساخرة، فقد تتزايد التصورات السلبية لدى المرضى حول مقدمي الرعاية، ويشعرون بالإهانة إلى جانب آلامهم.

 

لماذا تُحدث الفكاهة في مكان العمل تأثيرات سحرية أحياناً وكارثية أحياناً أخرى؟ الإجابة ليست بسيطة في الواقع، كأن نقول: "بعض النكات أفضل من غيرها"، أو "بعض الأفراد يتمتعون بحس الفكاهة في حين يفتقدها آخرون"، بل الحقيقة هي أن إلقاء تعليقات مبهجة في التفاعلات المهنية دائماً ما ينطوي على مخاطر. ويمكن استخلاص إرشادات حول الوقت الذي يستحق عناء المجازفة بتلك المخاطر التي قد تنطوي على فوائد عظيمة من تحليلات البيانات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية والمستخلصة من واحدة من أكثر البيئات المهنية المشحونة عاطفياً، ألا وهي بيئة الرعاية الصحية.

ظهر اهتمامنا بالفكاهة في قطاع الرعاية الصحية على نحو غير متوقع في أثناء دراسة مجموعة بيانات كبيرة من تعليقات المرضى التي تهدف إلى فهم ما يقدّره المرضى عند حصولهم على الرعاية. واستخدمنا الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية لاستخلاص رؤى ثاقبة إيجابية وسلبية من 988,161 رداً على الاستقصاءات التي أجاب عنها المرضى حول تجاربهم في جميع أنحاء الولايات المتحدة خلال عام 2020. اشتملت تلك العينة على 17% من المرضى المقيمين و83% من مرضى العيادات الخارجية، ومن المحتمل أن تكون بعض الردود مكررة من نفس المرضى.

واستخلصت تقنيتنا التحليلية من تلك التعليقات 1,270,000 رؤى ثاقبة، بعد ذلك صُنفت الرؤى الثاقبة الإيجابية والسلبية في موضوعات رئيسية وموضوعات فرعية. تساعد تلك التقنية على تحديد القضايا المهمة للمرضى التي قد يصعب استخلاصها من خلال أسئلة الاستقصاء الموحدة، مثل: "كم مرة شرح طبيبك مشكلتك الصحية بطريقة يمكنك فهمها؟" يقدم هذا السؤال نظرة ثاقبة حول ما إذا كان الأطباء المعالجون يشاركون المعلومات الصحية مع مرضاهم، لكنه لا يبيّن أثر تلك المعلومات في المرضى بعد ذلك.

وعلى حد علمنا، لا تستفسر أسئلة الاستقصاء من المرضى عما إذا كان الأطباء أو الممرضون يمتلكون حس الفكاهة أو لا. لكن عندما حلّلنا تعليقات المرضى، ظهر عامل الفكاهة مراراً وتكراراً عند وصفهم تجاربهم الإيجابية مع أطبائهم (انظر الشكل التوضيحي آخر هذه المقالة). علّق المرضى على كيفية تفاعل أطبائهم المعالجين معهم، وبغض النظر عن أسئلة الاستقصاء التي طُرحت عليهم، نظروا إلى قدرة الطبيب على استخدام الفكاهة في اللحظات الصعبة كعامل معزز للرعاية.

وتشير تحليلاتنا إلى أن الفكاهة ليست العامل الرئيسي عندما يتعلق الأمر بتقديم الرعاية لكنها إحدى الإضافات القيّمة التي يمكن توظيفها. في حين تتمثّل العوامل الرئيسية الفعلية التي يقدرها المرضى في المجاملة والاحترام والموضوعات الفرعية ذات الصلة. لا يلاحظ المرضى المهارة التقنية للأطباء في كثير من الأحيان، لكن تعليقاتهم تشير إلى تقدير عميق لجوانب التعاطف واللطف والمساعدة والصبر. وعندما يذكر المرضى أن الحصول على الرعاية التي تشتمل على تلك السمات كانت مصحوبة بالفكاهة، تكون الفكاهة موضع ترحيب دائماً (انظر الشكل التوضيحي لتقرأ بعض الأمثلة).

يتطلب استخدام الفكاهة بتلك الطريقة اهتماماً شديداً بالوضع الصحي للمريض والمصداقية في نقل الرعاية. وذلك يعني أنه يجب أن يركز الأطباء المعالجون بالدرجة الأولى على أن يكونوا متعاطفين ولطيفين بصدق وأن يحاولوا تقديم أكبر قدر من المساعدة، أي إظهار السلوكات الموصوفة في العمود الأول من الشكل التوضيحي. إذا كان المرضى على ثقة من أن تلك السلوكات تميز الرعاية التي يحصلون عليها، فمن المرجح أن يرحبوا بمحاولات الأطباء المعالجين اللطيفة بناء العلاقات معهم من خلال الفكاهة.

من ناحية أخرى، عندما يدرك المرضى غياب المجاملة والاحترام، فإن استخدام الفكاهة من قبل مقدمي الرعاية يسفر عن شعور المرضى بالإهانة إلى جانب آلامهم (انظر الشكل التوضيحي لتقرأ بعض الأمثلة). باختصار، الفكاهة ليست أحد الأصول أو الالتزامات القائمة بذاتها، بل تفيد في تعزيز الإشارات الإيجابية أو السلبية التي يستخلصها المرضى من الأطباء والممرضين.

أمثلة على أثر الفكاهة في تقديم الرعاية

قد تساعد الفكاهة في نقل:التعليقات
التعاطف والعطف"الممرضة التي قدّمت لي الرعاية كانت مذهلة... أبدت اهتماماً كاملاً بي وأجابت عن جميع أسئلتي... وكانت تتمتع بروح الفكاهة و[أنا] أحب ذلك".
اللطف"عاملني كل ممرض وممرضة كأنني صديقتهم المقربة، كانوا يستجيبون لطلباتي بسرعة كبيرة، حتى إنهم جلسوا للتحدث معي وهو ما جعلني أضحك كل يوم".
تقديم المساعدة"كان طبيب التخدير رائعاً، لقد شرح لي خطوات العملية الجراحية وجعلني أضحك، وشعرت براحة كبيرة".
الاهتمام"كان [الدكتور  إكس] دقيقاً دائماً وخبيراً في تقديم العلاج، قدّم لي تفسيرات شاملة وسهلة الفهم لحالتي، إضافة إلى أنه عرض عليّ خيارات العلاج وقدّم توصياته والخيارات المستقبلية وما إلى ذلك، وكان لطيفاً في حديثه، إلى جانب تمتعه بحس الفكاهة وإبدائه التعاطف!".
الصبر"كان [الدكتور  واي] يقدم دائماً تفسيرات كاملة غير مألوفة، كأن يلقي دروساً تشريحية حول الأسباب المحتملة للإصابة (بطريقة مثيرة للاهتمام وفكاهية حتى)، كما أنه يجيب عن كل أسئلة المريض بدقة دون أي شعور بالاستعجال أو أنه تحت ضغط الوقت".
المرح"كان لدى مقدّم الرعاية مهارة جيدة في التعامل مع المرضى. جعلني أضحك عدة مرات عندما كنت متوترة بشأن موعد المعاينة".
توفير الراحة العاطفية"كان لدى مقدّم الرعاية مهارة جيدة في التعامل مع المرضى. جعلني أضحك عدة مرات عندما كنت متوترة بشأن موعد المعاينة".
المصدر: تحليل شركة "برس غاني" (Press Ganey) لاستقصاءات تجارب المرضى المقيمين ومرضى العيادات الخارجية والتعليقات عبر الإنترنت ©HBR.org

أمثلة على النتائج العكسية للفكاهة

قد تعكس الفكاهة نقصاً في:التعليقات
التعاطف والعطف"كان هو الطبيب الوحيد الذي لم يُبد أي احترام، حتى إنه استهزأ بسؤال كنت قلقاً حياله".
اللطف"عندما وصلت إلى غرفة الفرز، كان ماء الجنين قد تسرّب منذ 6 ساعات تقريباً. أخبروني أن طبيبي سيبدأ تطبيق حقنة بيتوسين لتحفيز الرحم. وأخبرت الممرضة أنني لا أرغب في أخذ حقنة بيتوسين، لكنها قدمت تعليقاً ساخراً على غرار "سنرى".
تقديم المساعدة"قادت والدتي سيارتها مدة ساعة ونصف ساعة إلى [المدينة] لرؤية [الطبيب كيو] للتساؤل عن سبب وجودها في مستشفى إعادة التأهيل لفترة طويلة، لكنه أجابها: "لماذا أتيت إلى هنا؟" أرادت أمي أن تنهض وتغادر. حتى إنه أدلى بتعليق "أنا أنظر الآن إلى أشعة التصوير المقطعي، يبدو أن دماغك لا يزال في مكانه! وألاحظ وجود صدع على الجمجمة، ربما ما زلت تعانين من الصداع لهذا السبب". وعادت والدتي إلى المنزل دون أن تعرف أي سبب واضح لصداعها، فضلاً عن التوتر الذي شعرت به.
الاهتمام"لم يستمع طبيب تخريج المرضى إلي ولم يسألني أي سؤال، حاول أن يبدو مضحكاً، لكنه لم يكن كذلك. ينبغي أخذ عملية التخريج من المستشفى على محمل الجد".
الصبركان الممرضون والممرضات في فترة التعافي يسخرون من المريض بصوت عالٍ".
المرح"أنا لاتيني. شعرت كما لو أن لديهم صورة نمطية عني. عندما سألت الطبيب عن سبب مشكلات النفق الرسغي التي أتعرض لها، أجابني بأن أمتنع عن تناول البوريتو (طبق مكسيكي). كان الطبيب متغطرساً للغاية".
الراحة العاطفية"كانت مجموعة من الممرضين يروون النكات والقصص المضحكة ويضحكون بصوت عالٍ ومستمر. واستمر هذا [السلوك] لأكثر من ساعتين".
المصدر: تحليل شركة "برس غاني" (Press Ganey) لاستقصاءات تجارب المرضى المقيمين ومرضى العيادات الخارجية والتعليقات عبر الإنترنت ©HBR.org

على الرغم من أن بياناتنا تأتي من قطاع الرعاية الصحية، نعتقد أن هذا النهج الأساسي قابل للتعميم على بيئات أخرى. غالباً ما تكون الفكاهة المقدمة دون أي هدف سوى تشتيت الانتباه مزعجة. وقد يُنظر إلى الفكاهة في غياب المجاملة والاحترام الواضح على أنها تجاهل ولا مبالاة. لكن عندما تكون الفكاهة عنصراً فرعياً للتفاعلات الهادفة بين الأطباء المعالجين والمرضى، فقد تكسر الحاجز الذي يفصل بينهما. وعندما يضحك الأطباء والمرضى معاً، يشعر المرضى أن هناك من يستمع ويصغي إليهم وأن هناك من يشعر بمعاناتهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي