الفصول الأربعة للتطور المهني: كيف تقود مسيرتك على طريقة الطبيعة؟

7 دقيقة
الفصول المهنية
(مصدر الصورة: هارفارد بزنس ريفيو، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: تطمح بالتأكيد إلى تطوير مسارك المهني، لكن هل فكرت في أن حياتك المهنية عبارة عن 4 فصول، تماماً مثل الطقس؟ وأنك بحاجة إلى التكيف والنمو في مواجهة التحديات؟ في كتابي "أنت في فصول" أُوضح كيف يمكننا التعامل مع الفصول المهنية والخروج منها أكثر نجاحاً. والفصول هي: 1) التخطيط؛ الذي يركز على الوعي الذاتي وأهمية تحديد الصفات والمزايا التي تجعلك مميزاً، ثم التأكد من أن مسارك المهني يعزز هذه الصفات. 2) الغرس؛ وهي المرحلة التي تتطلب منك أن تكون في حالة تعلّم مستمر لاكتساب مهارات جديدة والاستثمار في نفسك، والبحث عن فرص لتطبيق ما تعلمته في حياتك المهنية. 3) الحصاد: تبدأ في هذه المرحلة جني ثمار جهدك الطويل، لذا خصص وقتاً للاحتفال بإنجازاتك وضع خطة للتطور المستمر. 4) الرعاية: بعد أن وصلت إلى قمة نجاحك حافظ عليه من خلال الاستثمار في نفسك وصحتك. واطلب مساعدة المتخصصين لفهم احتياجات جسمك ولتحقيق أقصى استفادة من قدراتك الجسدية والعقلية.

نطمح دائماً إلى مسيرة مهنية ناجحة ذات غاية ومعنى، ولكننا قد نغفل عن التفكير فيما يعنيه التطور المهني لنا، أو التحديد الدقيق للمعايير التي تقودنا إلى النجاح الحقيقي والهادف. فالحياة المهنية تمر بمنعطفات وتحديات تبدو أنها عقبات كبيرة في وجه التطور المهني، مثل غياب الإنجازات الشخصية أو التسريح المؤقت من العمل. لكن الأجدى اعتبارها مكامن للفرص وتعزيز القدرة على مواجهة عدم اليقين والتغيير.

عند ذكر مصطلح التغيير، هل خطر في ذهنك تقلبات الطقس بين ربيع وصيف وخريف وشتاء؟ هل فكرت في قدرتك على التأقلم مع تغيّر الفصول وكيف يمكن أن تستفيد منها في التكيف والنمو لمواجهة التحديات المهنية؟ أستعرِض في كتابي "أنت في فصول"، كيف يمكن أن تقودنا حكمة الطبيعة إلى تحسين حياتنا المهنية. ويستكشف الكتاب الفصول المهنية التي نمر بها ويقدم استراتيجيات قابلة للتطبيق للتغلب على التحديات وتحقيق النجاح.

فصل التخطيط: البذور التي تحتاج إلى غرسها بعناية

في رحلة التخطيط المهني، فإن فهم الذات خطوة أساسية تساعد على تحديد المسار الصحيح. وقد سلطت الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، الضوء على نقطة جوهرية تتعلق بالقبول والتأكيد الذاتي. تقول أوبرا: "أبرز ما يشترك فيه كل ضيوفي على اختلاف انتماءاتهم أو مناصبهم أو أعمارهم، هو الرغبة في الحصول على القبول والتأكيد." وتضيف: "معظم الأشخاص الذين قابلتهم كانوا يطرحون دائماً الأسئلة نفسها: كيف كان أدائي؟ هل كنت جيداً؟ هل كنت مقنعاً؟ ما هو رأيك فيما قلت؟ كيف كان صوتي؟". الجميع بمن فيهم أوبرا نفسها، يبحثون عن التأكيد والقبول، وكأننا مرآة لما نراه في عيون الآخرين. لكن الحقيقة، كما تشير أوبرا، تكمن في أن الأهم من أن يحبنا الآخرون هو أن يفهمونا، وأن نفهم أنفسنا قبل كل شيء. علينا أن نفهم أسباب تصرفاتنا وردود أفعالنا وأن ندرك القيم والمبادئ التي نتمسك بها والمشاعر التي تسيطر علينا تجاه المواقف والأشخاص.

وعلى الرغم من أن معظم الناس يعتقدون أنهم يدركون أنفسهم، فإن الوعي الذاتي الحقيقي هو صفة نادرة، فقد وجدت دراسة أجرتها هارفادر بزنس ريفيو، أن 10 إلى 15% فقط من الأشخاص الذين شملتهم الدراسة تنطبق عليهم معايير الوعي الذاتي الحقيقي.

في المقابل، توصلت   أجرتها مؤسسة غالوب أن نحو 85% من النجاح في الحياة المهنية يعتمد على مهارات التواصل الجيد والفهم الذاتي. وأن الأفراد الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الوعي الذاتي والتواصل الفعّال مع الآخرين هم أكثر قدرة على وضع خطط فعّالة تتماشى مع قدراتهم وطموحاتهم المهنية.

لذا، في مرحلة التخطيط لمسارك المهني، اسأل نفسك: ماذا أعرف عن نفسي؟ إلى أي درجة أعرف نفسي؟ ما هي صفاتي؟ ما هي الجوانب التي تجعلني فريداً؟ كيف أبدو عندما أكون في أفضل حالاتي؟ كيف يتفاعل الآخرون معي؟ كيف يصف الآخرون شخصيتي؟ ما هي صفاتي الإيجابية؟ ما هي الأمور التي يجب أن أنتبه لها؟ هل هناك جوانب تحتاج إلى تحسين؟

يساعدك التفكير في هذه الأسئلة على تحديد الصفات والمزايا التي تجعلك مميزاً، ثم يقودك إلى السؤال الأهم: هل يعزز مساري المهني الحالي هذه الصفات؟ يكشف هذا السؤال مدى الانسجام بين خططك المهنية والقيم التي تؤمن بها.

فصل الغرس: استثمار في نفسك وفي مستقبلك

أنت الآن في المرحلة الثانية: مرحلة الغرس. تخيل أنك تحمل مفاتيح النجاح، لكن الباب أمامك مغلق. هنا تأتي أهمية استثمار الوقت والجهد في تعلم مهارات جديدة أو تطوير قدرات حالية. هناك العديد من الشخصيات التي أثبتت أن الاستفادة من اللحظات الحرجة يمكن أن تكون نقطة انطلاق لنجاح غير متوقع. أبرزها إيلون ماسك. ففي عام 2016 وبينما كان يقود سيارته في أحد شوارع لوس أنجلوس، علق في زحام مروري خانق بسبب حفرة في الشارع. بدلاً من الشكوى أو الاستسلام لليأس، كتب تغريدة قال فيها: "حركة المرور تقودني إلى الجنون، سأذهب لحفر نفق". بعد ساعتين فقط، كتب تغريدة أخرى: "سأجعل الأمر واقعاً". وبعدها كانت ولادة بورينغ كامبني، وهي شركة متخصصة في البنى التحتية وحفر الأنفاق. هذه القصة هي مثال رائع على كيفية تحويل موقف مليء بالملل والإحباط إلى فرصة ريادية استثنائية. وتذكّرنا بمقولة ستيف جوبز: "الأشخاص الذين لديهم ما يكفي من الجنون للاعتقاد أنهم قادرون على تغيير العالم، هم الذين يفعلون ذلك".

إن المنافسة الشديدة في بيئة الأعمال اليوم تفرض علينا أن نبقى في حالة من التعلم المستمر لاكتساب مهارات جديدة تعزز نمونا المهني وتطور مسارنا الوظيفي. وتشير الدراسات إلى أن انخراط الموظفين في التعليم المستمر يؤثر تأثيراً إيجابياً على أدائهم ويحسّن إنتاجيتهم.

لذا فإن مرحلة الغرس هنا ليس مجرد تعلم، بل هي استثمار طويل الأمد في نجاحك المهني، اسأل نفسك: هل تعلمتُ شيئاً جديداً مؤخراً؟ هل أشعر بأن هناك مهارات أحتاج إلى تحسينها لتفتح الباب أمام فرص جديدة؟ إذا كان جوابك: "لا"، فخصص 30 دقيقة يومياً لتعلم شيء جديد. سواء كان ذلك دورة تدريبية عبر الإنترنت أو قراءة مقالات متخصصة. استثمر دائماً في نفسك، ابحث عن فرص لتطبيق ما تعلمته في حياتك المهنية.

فصل الحصاد: الاحتفاء بالإنجازات وتربية الروح

في هذه المرحلة من حياتك المهنية، تبدأ جني ثمار جهدك الطويل. الحصاد ليس مجرد تتويج للنجاح، بل هو أيضاً وقت للتأمل والاحتفال بما حققته. ولا يمثّل النجاح نهاية الرحلة، بل إنه بداية لمرحلة جديدة تتطلب منك الاستمرار في تطوير نفسك. إن تربية روحك في هذه المرحلة أمر بالغ الأهمية. كما تقول الكاتبة والشاعرة مايا أنجلو: "الشجاعة هي أسمى فضيلة، ومن دونها لا يستطيع أي إنسان المثابرة على ممارسة أي فضيلة." الشجاعة هنا لا تتعلق فقط بالقيام بأعمال جديدة، بل تتعلق أيضاً بمواجهة الأسئلة الصعبة والتعامل مع المخاوف التي قد تعترض طريقك. قد تجد نفسك تتخذ قرارات بدافع الخوف، ما يؤدي إلى مشاعر سلبية مثل الغضب أو الغيرة. ولكن إذا اتخذت القرارات بناءً على الحب والامتنان فسوف تفتح لنفسك أبواباً من السعادة والصبر والتقدير.

وجدت   أجرتها هارفارد بزنس ريفيو أن الشركات التي تواصل الابتكار بعد تحقيق النجاح تحافظ على نمو مستدام بنسبة 25% أكثر من تلك التي تتوقف عند النجاح. وهذا الأمر لا ينطبق على المؤسسات فقط، بل ينطبق أيضاً على الأفراد. فالأشخاص الذين يستمرون في التطور حتى بعد تحقيق إنجازات مهمة يحافظون على تحفيزهم وينمون مهنياً وروحياً. وتشير الأبحاث أيضاً إلى أن التأمل الذاتي والاحتفال بالإنجازات يعزز الشعور بالرضا والامتنان، ما يزيد من قدرة الفرد على اتخاذ قرارات واعية تؤدي إلى تحقيق نمو مستدام.

لذا خصص وقتاً للاحتفال بإنجازاتك، ولكن لا تتوقف عند هذا الحد. ضع خطة للتطور المستمر. فكر في كيفية تنمية روحك جنباً إلى جنب مع مسيرتك المهنية، واستمر في طرح الأسئلة الصعبة: ما الذي يمنع من أن أكون واعياً في قراراتي؟ لماذا لا أختار دائماً طرق المحبة والصبر والسعادة؟ وكيف يمكن أن تتحول طاقتي إلى تعبير حقيقي عن الحكمة والخير في محيطي؟

وعندما تسعى للقيام بأمر صعب أو مهم، تذكّر دائماً 3 عناصر: الشجاعة والوقت والالتزام. هذه العناصر تجعلنا نضع قلوبنا وأرواحنا في صلب ما نفعله، وتخلق رؤية تتجاوز الرغبات المادية والحواس الخمس. إنها رؤية تنبع من الوعي الحقيقي بقيمة وجودنا على هذا الكوكب، وهي رؤية تغذي الإبداع والإلهام في كل خطوة نخطوها.

وضع في اعتبارك أن الشجاعة ليست مجرد الإقدام على المخاطر، بل هي القدرة على مواجهة التحديات العاطفية والروحية التي تعترض طريقك.

فصل الرعاية: الحفاظ على النجاح من خلال الاستثمار في نفسك وصحتك

تتطلب مرحلة الرعاية منك الاستمرار في رعاية ما زرعته وحصدته. ولا نعني بالرعاية هنا الاهتمام فقط بالأمور المهنية أو العلاقات مع الآخرين؛ بل أيضاً الاستثمار في صحتيك الجسدية والعقلية. فأهم استثمار يمكنك التفكير فيه، خاصة في هذه المرحلة من حياتك، هو الاستثمار في صحتك. الأمر لا يتعلق فقط بالانضمام إلى نادٍ رياضي أو ممارسة نشاط بدني تحبه، بل يتعلق بتخطيط حركة جسمك وفقاً لاحتياجاته الخاصة وبمساعدة متخصصين في مجال التدريب الرياضي. هذا النوع من الاستثمار يمكن أن ينقلك إلى مستويات جسدية وعقلية متقدمة. لقد تعلمت، من خلال تجربتي الشخصية، أن كل نشاط نقوم به يحدث مرتين: المرة الأولى في تصورات الدماغ لما سيتطلبه هذا النشاط، والمرة الثانية عندما نقوم بالنشاط فعلياً. فالتصورات التي تخلقها في دماغك حول قدرتك على التحمل أو الألم الذي قد تواجهه تؤثر كثيراً في أدائك، لكن مَن ينتصر على عقله، لن يهزمه أي شيء في الخارج. بدأت أكرر هذه الرسالة لنفسي في كل مرة أشعر فيها بالرغبة في الانسحاب من تمرين رياضي.

قد يظن البعض أن التقدم في السن قد يحرمهم من بعض الإنجازات التي تمنوا تحقيقها في سن أصغر، لكنني اكتشفت العكس، فكلما تقدمت في السن أصبحت أكثر نضجاً ووعياً، وزادت معرفتك بقدرات جسدك وعقلك. هذا الفهم هو الأساس لاتخاذ القرارات التي تساعد على تحسين صحتك وزيادة طاقتك ودرجة مقاومتك، ما يجعلك في حالة من التناغم التام بين العقل والجسد. ما حدث لي كان بسبب ألم بدأ يلم بي عندما أجبرتني الظروف على الانقطاع عن النشاط البدني، كما كانت حالتي النفسية تتراجع يوماً بعد يوم. فاتخذت قراراً بالبحث عن نادٍ رياضي قريب من منزلي. كان اليوم التجريبي صعباً لكنه مليء بالتحديات، وكانت الشروط التي شاركتها مع مدربتي الشخصية بسيطة: لا أجهزة، ولا أثقال، ولا تمارين مملة. اكتشفت أن الجهل بأنواع التمارين الرياضية وتأثيرها على جسدي، إلى جانب مخاوفي من التكرار والملل، كانت الأسباب الرئيسية في تجنبي لهذه الرياضات. لكن مع الإصرار والشجاعة لمواجهة هذه الافتراضات، تمكنت من تغيير نمط حياتي واستعادة طاقتي.

وبالانتقال من تجربتي الشخصية إلى تجارب الأعمال، وجدت دراسة أجرتها ماكنزي آند كومباني أن القادة الذين يركّزون على بناء فِرق قوية وملتزمة يزيدون إنتاجية شركاتهم بنسبة 30%. فالرعاية هنا تعني القيادة الشاملة، حيث تهتم بتطوير نفسك وفريقك على حد سواء. كما أن الاستثمار في صحتيك الجسدية والعقلية ينعكس على مستوى أدائك المهني، ما يجعلك أكثر قدرة على التعامل مع التحديات اليومية.

لذا، فكّر في كيفية الحفاظ على نجاحك المهني وتطويره، وخصص وقتاً لرعاية نفسك وصحتك بانتظام. واعمل مع متخصصين لفهم احتياجات جسمك ومساعدتك على تحقيق أقصى استفادة من قدراتك الجسدية والعقلية. وتذكّر أن التحديات لا تنتهي أبداً. كن دائماً على استعداد للتكيف مع التغيرات والاستمرار في التطوير، ليس فقط في حياتك المهنية، بل أيضاً في صحتك العامة.

بعد تعمّقي في فكرة اكتشاف الذات وتطويرها وجدت أن كل معرفة قابلة للاستدعاء والتطبيق في أي مجال نريده، إذا تعلمنا قراءة الأنماط المختلفة، وسد الثغرات، وإعادة ابتكار المعاني. ومن خلال كتابي "أنت في فصول" أدعوك لإعادة النظر في الأفكار التي تجاهلتها حتى اللحظة لأسباب مختلفة، وتحديد في أي فصل من فصول حياتك المهنية أنت الآن؟ وما هي الخطوات التي يمكنك اتخاذها للتطور والنمو؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي