من الأقوال المشهورة في بريطانيا التي تصف نوعين من رؤساء الوزراء الكبار الذين قادوا البلاد: "إذا قابلت العظيم وليم غلادستون رئيس وزراء بريطانيا، فإن مقابلته ستترك في نفسك انطباعاً بأنه أذكى شخص في العالم، فيما تجعلك مقابلة نظيره بنجامين دزرائيلي تشعر بأنك أذكى الناس".
هناك قادة يجففون ذكاء المحيطين بهم وكفاءتهم. ويصرّون على أن يكونوا محور التركيز في الحديث، وإثبات أنهم الأذكى، فيكون لهم تأثير "مُضعِف" على من حولهم. فلكي يكونوا أذكياء لا بد أن يكون الآخرون أغبياء أو أقل ذكاء. لقد صنعوا طاقة تمتص طاقة كل شخص وكل شيء من حولهم، وبمجرد دخولهم إلى الغرفة ينخفض معدل الذكاء لدى الآخرين. بينما استخدم قادة آخرون ذكاءهم بصفته أداة مساعدة لإطلاق ذكاء الآخرين وتحفيزهم لتقديم أفضل ما لديهم. وعندما يتجول هؤلاء القادة في الغرفة تبدأ رؤوس الناس بالإضاءة كالقناديل. بهذه الكلمات تصف الكاتبة ليز وايزمان هذين النوعين في كتابها "المضاعِفون"، إذ تقسم القادة إلى نوعين: "مُضعِفون" (Diminishers) وعكسهم "مُضاعِفون" (Multipliers)، فإلى أي النوعين تنتمي بصفتك قائداً أو مديراً؟ أو إلى أي النوعين تصنف انتماء مديرك؟
ومن القصص التي تشرح عملياً الفرق بين النوعين من القادة، قصة مديرين مشهورين في شركة إنتل، الأول كان يُطلق عليه بين الموظفين اسم "صانع العبقرية"، والثاني مدير آخر كانوا يلقبونه بـ "العبقري"، الأول كان الموظفون يقولون عنه كما تنقل الكاتبة وايزمان بأنه كان أشبه بالمخرج السينمائي الذي يصنع النجوم، ويشعل العبقرية والنجومية بداخلهم، وكان لا يتكلم في أي اجتماع بما لا يزيد على 10%، بينما كان الثاني ذكياً ذكاء جباراً وهو عالم في مجاله، لكنه يقوم بالتفكير وحده، لدرجة أن المحيطين به كانوا في طريقهم للانطفاء، وكانوا يشعرون أنه يغتال أفكارهم. وكان مسيطراً على الاجتماعات بنسبة لا تقل عن 30% من الكلام والتعليقات في كل اجتماع.
صنّاع العبقرية
"المضاعِفون" هم صانعو العبقرية، بينما "المضعِفون" هم العباقرة الذين يعتمدون الفردية ولا يسهمون في خلق مؤسسة مفكرة وذكية. وفي دراسة قامت بها ميدانياً ليز وايزمان تقول إن القادة المضاعِفين كانوا يرفعون ذكاء الأشخاص الذين يعملون معهم بنسبة تصل إلى 120%، أي أنهم يسهمون في رفع مستوى الذكاء لدى مرؤوسيهم بنسبة تزيد على توقعاتهم لقدراتهم.
ومن أفضل ما يقوم به "المضاعفون" هو قدرتهم على استغلال الموارد لخدمة هدف العمل، وعدم إهدار أي جزء، وهو المبدأ الذي أكده رائد الأعمال ومرافق رواد الأعمال الناجحين جون دوير في كتابه "قم بقياس المهم" الذي ترجمته مجرة. إذ أورد أن الوصفة الموحدة للشركات الناجحة على مستوى العالم، هي أنها تحدد هدفاً ثم توظف كل صغيرة وكبيرة في الشركة لتعمل على تحقيق هذا الهدف. وذكر الكاتب أن آندي غروف الذي كان يرأس شركة إنتل، وهو الأب الروحي للنظام الذي أطلق عليه "الأهداف والنتائج الرئيسية" (OKR)، كان يعتقد أن كثيرين من الموظفين يعملون بجهودهم أكثر من عقولهم، وكانت مهمته تفعيل عقولهم، وكان يقول: "يوجد الكثير من الأشخاص الذين يعملون بجهد كبير، ولا ينجزون سوى القليل". وكان آندي غروف حسب الكاتب "قاسياً" وقد يبدو متعجرفاً ولا يطيق الأغبياء، وكان لديه ختم مطاطي في مكتبه يحمل كلمة بمعنى كلمة "هراء" باللغة الإنجليزية، ويختم به على المقترحات التي يعتقد أنها لم تُطرح بذكاء. وتنقل صحيفة نيويورك تايمز حسب كتاب "قم بقياس المهم" أن مدراء شركة إنتل كانوا يتركون ألقابهم الوظيفية خارجاً عندما يدخلون غرفة الاجتماعات، لأنهم يريدون مناقشة حرة ليس فيها سلطة لمدير. وكان السبيل الوحيد لتحظى باحترام غروف هو الاختلاف معه والدفاع عن رأيك، والسبيل الأفضل هو إظهار أنك على صواب في نهاية الأمر.
طريقة تيم كوك
ومن الأمثلة المشهورة على القادة المضاعِفين تيم كوك، الرئيس التنفيذي الحالي لشركة آبل. ومن القصص المشهورة عنه التي تنقُلها ليز وايزمان أن تيم كوك عندما كان مديراً للعمليات في آبل، وفي جلسة لمناقشة موازنة العام الجديد، كان المدراء يناقشون خطة لزيادة الإيرادات، وكان تيم كوك يرى إمكانية مضاعفة الإيرادات دون الحاجة إلى زيادة عدد الموظفين، بينما كان بعض كبار المدراء يرون أن زيادة الإيرادات لا تتم دون زيادة الموظفين، واستمر الجدل بين الطرفين لأشهر، حيث كان تيم كوك يتحدث بعقلية المضاعِف، بينما يتحدث الآخرون بعقلية المدير التقليدي الذي يضيف موظفين ليتمكن من إضافة رقم للإيرادات.
وتشبّه ليز وايزمان قضية استغلال الموارد بمنظر الأطفال عندما ينقضّون على طعام البوفيه المفتوح، حيث يجهزون على الطعام، لكنهم يتركون الكثير منه متبقياً في أطباقهم. وهكذا هم المضعِفون، فهم يتوقون إلى الإجهاز على الموارد وربما ينجزون المهمة، لكنهم يتركون الكثير من الأشخاص غير المستغلين وتهدر كفاءتهم. وما يقوم به المضاعِفون هو البحث عن الموارد غير المستغلة وتصحيح العمليات والاستفادة من ذكاء الفريق، وهو ما فعله تيم كوك في القصة التي ذكرناها، حيث نجح كوك في تحقيق مضاعفة للموارد دون زيادة في عدد الموظفين، بل قرر إعادة توزيع اللاعبين المهرة والعباقرة في الشركة، واستغرقوا أسبوعاً في دراسة المشكلة والهدف، وغيّروا نماذج المبيعات والعمليات، واستطاعوا فعلاً تحقيق إيرادات مضاعفة بعدد الموظفين نفسه.
الأنماط السلوكية الخمسة
الفرق بين عقلية المضعِف والمضاعِف هو في تقديره لذكاء الآخرين، فالمضعِف يرى أن الذكاء نخبوي ونادر ولا يثق بوجوده لدى الكثيرين، لذلك فهو يعتبر مشاركة الآخرين آراءهم والنقاش معهم نوعاً من تضييع الوقت، بينما يرى المضاعِف أن الموظفين أذكياء وسيجدون حلاً، وما عليك إلاّ القيام بدور المنسق الذي يمنحهم الثقة والحرية في التفكير.
وفي هذا الجدول تظهِر الكاتبة ليز وايزمان مقارنة بين عقلية "المضعِف" و"المضاعِف":
كيف | المضعِف لن يجدوا حلاً من دوني | المضاعِف الموظفون أذكياء وسيجدون حلاً |
---|---|---|
تدير المواهب | أستخدمها | أطورها |
تتعامل مع الأخطاء | ألوم الآخرين على ارتكابها | أكتشفها |
تحدد الاتجاه | أخبر الآخرين بها | أضع التحديات |
تتخذ القرارات | أقررها | أستشير بها |
تنجز الأشياء | أتحكم فيها | أدعم الآخرين لإنجازها |
وتعتبر الكاتبة ليز وايزمان أن للقائد المضاعف خمسة أنماط سلوكية، فهو:
- مغناطيس الموهبة: يجذب المواهب ويحسِن استغلالها.
- المحرر: يطلب أفضل تفكير ممكن عند الأشخاص.
- المتحدي: يطلق التحديات ويوسع آفاقها.
- صانع النقاش: يناقش القرارات.
- المستثمر: يغرس المساءلة.
وبالنتيجة، يحصل المضاعِفون على ضعف ما يحصل عليه المضعِفون. فإلى أي النوعين تنتمي أو ينتمي مديرك؟ وكيف يمكن أن تتدرب على هذه الأنماط الخمسة لتنتقل إلى صفة "المضاعِف"؟
ملاحظة: سألت تشات جي بي تي عن قادة عرب يتصفون بعقلية "المضاعِف" فأعطاني محمد بن راشد.
اذكر أسماء قادة مؤسسات وشركات تصنّفهم على أنهم "مضاعفون" وشاركنا قصصهم.