ملخص: يركز معظم النقاش الذي يدور منذ زمن طويل حول الفرق بين المدير والقائد على اسمَي كل منهما في الوقت الذي كان يجب فيه أن يركز على أفعالهما. يحتاج الجميع إلى "القيادة" و"الإدارة" في عملهم، ويوازن المسؤولون التنفيذيون الناجحون بينهما. لقد استقصى المؤلف على مدار السنوات الـ 15 الماضية آراء ألف مسؤول تنفيذي حول الفرق بين القيادة والإدارة ووثّق إجاباتهم. من المهم في الواقع التمييز بين القيادة والإدارة، ولكن من الأفضل النظر إليهما معاً كتوازن يسعى كل فرد لتحقيقه بدلاً من السعي لامتلاك مجموعتين مختلفتين من المهارات أو الأدوار داخل المؤسسة.
لقد كان الفرق بين القادة والمدراء موضوعاً مطروحاً للنقاش منذ زمن طويل. تكلّم رواد العصر الكلاسيكي، مثل أفلاطون، كثيراً عن الصفات المختلفة للقادة، بينما كتب رواد عصر النهضة، مثل نيكولو مكيافيلي، عن الاختلافات بين القادة والمدراء. وقد قدم أحد أعلام الفكر التنظيمي، وارن بينيس، خلال مسيرته المهنية الطويلة ملاحظاته في هذا الشأن:
يركز المدير على المحصلة النهائية، أما القائد فإنه يتطلع إلى أفق المؤسسة وتطويرها.
يسأل المدير عن "كيف" و"متى"؛ بينما يسأل القائد عما حدث ولماذا.
للمدير رؤية قصيرة المدى، بينما للقائد منظور بعيد المدى.
يشير ما سبق إلى أن القادة والمدراء أشخاص مختلفون، لكن هذه الرؤية قاصرة في الواقع. يجب على الجميع، مسؤولين تنفيذيين أو موظفين، أن يكونوا مستعدين للقيادة أو الإدارة عندما تكون هناك حاجة إلى ذلك. في كثير من الأحيان تفرض علينا بعض التحديات التحلي بمهارات قيادية قوية لتوجيه الفريق، في حين قد يتطلب بعضها الآخر العمل بجد والتركيز على التنفيذ. بدلاً من أن تعيّن الشركات موظفين متخصصين للتعامل مع الصورة الكبيرة، مثل التخطيط الاستراتيجي ووضع رؤية الشركة، وتوظف آخرين للتعامل مع التفاصيل والتنفيذ، يتعين على كل فرد الموازنة بين مجموعتي المهارات هذه والتفكير فيها كفعل (قيادة وإدارة) وليس كأسماء (قادة ومدراء). تحقيق هذا التوازن هو أهم ما يمكن للمؤسسة القيام به، إذا لم يتم تحقيق هذا التوازن، فإن "القادة" في قمة المؤسسة سيحددون اتجاه المؤسسة دون أخذ التفاصيل التشغيلية بعين الاعتبار، بينما يقوم "المدراء" في المنتصف بالتنفيذ دون إلهام أو استراتيجية أو حتى الاعتراض إذا ما اقتضت الضرورة
لاستكشاف هذه الفكرة بعمق أكبر، استطلعتُ آراء أكثر من ألفٍ من كبار المسؤولين التنفيذيين من 17 دولة على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية باستخدام سؤال مقارنة تناظري بسيط، طالباً منهم ملء الفراغات من وجهة نظرهم: "القيادة هي ____ بينما الإدارة هي ____".
من بين آلاف الإجابات التي تلقيناها، نعرض هنا عيّنة صغيرة ولكنها نموذجية، قسمناها إلى 3 فئات. تُظهر هذه العينة من الإجابات الافتراضات التي نضعها حول كيفية تفاعل وظيفة القائد والمدير إحداهما مع الأخرى:
- الرؤية؛ قائد/مدير: رؤية ذاتية/موضوعية؛ عاطفية/منطقية؛ رؤية ناعمة تركز على الإلهام والتحفيز/صلبة تركز على تحديد الأهداف وفرض القواعد؛ تستند إلى قيم الشركة/تستند إلى الحقائق والبيانات؛ رؤية رومانسية/عقلانية؛ تستخدم لغة شاعرية/لغة أكثر مباشرة وعملية؛ تركز على الرؤية العامة واتجاه المؤسسة/تركز على المهام والعمليات اليومية؛ رؤية فنية/علمية؛ نوعية/كمية؛ صورة/ألوان.
- الإجراءات؛ قائد/مدير:يضع الاستراتيجية/يتابع العمليات؛ يُحدث التغييرات/يحافظ على النتائج؛ يشرح الخطوات/يحللها ويعمل على تنفيذها؛ يركز على الغاية/يضع الخطة لتحقيقها؛ يتطلع إلى الغد/يركز على اليوم؛ يقدم إجراءات مستمرة/يقوم بالإجراء مرة واحدة؛ يضع الخطة/يشرف على التنفيذ؛ يقدم المبادرات/يعطي الزخم لها؛ يعطي رؤية/يضع الخطط لتنفيذها؛ الابتكار/الإنتاج؛ البوصلة/الجي بي إس؛ الهندسة/المقاولات؛ يصمم حديقة/يتولى أعمال البستنة؛ التدريب/التدرب.
- العلاقات؛ قائد/مدير: علاقة إلهام/علاقة تحفيز؛ يعتبر الموظفين تلاميذ/يعتبرهم موظفين؛ يعمل لأجل الشغف/لأجل الأجر؛ يطلق العنان لموظفيه/يشرف على موظفيه؛ يحول العمل (يطور)/ يؤدي العمل؛ يعتبر العمل شخصاً/يعتبر العمل مكاناً؛ يتعامل مع الفرد/يتعامل مع الموقف؛ قائد واحد/مدراء كثر؛ يعتبر نفسه مرشداً/يعتبر نفسه موظفاً؛ يقود/يتبع؛ يعمل بأقصى سرعة لفترة قصيرة/يعمل بوتيرة محددة لفترة طويلة؛ يعشق عمله/يستلطف عمله.
تغري هذه التقسيمات بقبول فكرة أنه يجب أن يكون للقادة والمدراء أدوار مميزة في المؤسسة بحيث يكون القادة في أعلى المخطط التنظيمي والمدراء في الوسط. على الرغم من أني لا أرى مشكلة في التمييز بين القيادة والإدارة عبر هذه التقسيمات، لكن المشكلة تكمن في فصل المهارتين والأسلوبين إلى مناصب منفصلة. في الحقيقة، يتعين على الرؤساء التنفيذيين الجمع بين القيادة والإدارة على حد سواء، ويحتاج المدراء في الوسط إلى مهارات القيادة أيضاً.
لقد قال بنيس ذات مرة: "يركز القادة على اتخاذ القرارات الصائبة، بينما يركز المدراء على تنفيذها بأكثر الطرائق فعالية". هناك مشكلة واضحة في التمييز بين القائد والمدير في هذا الاقتباس: لا بأس من التمييز، ولكن لا تقل إن مسؤوليات كل منهما منفصلة، فلا فائدة من اتخاذ القرار الصائب إذا كان تنفيذه سيئاً، وبالمثل، لا فائدة من التنفيذ الصحيح إذا كان القرار في الأساس خاطئاً. يقود المسؤولون التنفيذيون الناجحون ويديرون، فهم لا يفوضون الإدارة أو القيادة إلى أحد آخر.
لمساعدة المسؤولين التنفيذيين على التحول من عقلية القائد/المدير إلى عقلية القيادة/الإدارة وتحقيق التوازن بين المهارتين، نعرض هنا بعض الاقتراحات:
- استخدم كل قناة اتصال داخلية ممكنة للتعبير عن فكرة التوازن بين مجموعتي المهارات، بما في ذلك بيانات الرؤية والرسالة للشركة ومنشوراتها ورسائل البريد الإلكتروني العامة والبيانات العامة والمحادثات الجانبية. استخدم لغة بسيطة ولكنها فعالة لوصف كيفية تداخل القيادة والإدارة وأهمية الموازنة بينهما. اشرح كيف أن للقيادة والإدارة نفس القدر من الأهمية والمكانة، وكيف يمكن استخدام كل منهما عند الضرورة، وأن على الجميع أن يتماشى معهما بشكل وثيق.
- أجرِ حواراً منتظماً حول هذه القضية مع أصحاب المناصب التنفيذية العليا والمسؤولين الآخرين. حاول ردم الفجوات في المهارات من خلال التدريب المركّز والتدرب وأشكال الدعم الأخرى. يعتقد المسؤولون التنفيذيون غالباً أن وظيفتهم تقتصر على القيادة، لكن عليهم إدراك أن إدارة عملية ما قد تتطلب التخلي عن القيادة والسماح لمرؤوسيهم بتولي زمام الأمور أحياناً، وهذه هي الطريقة التي يتم من خلالها تطوير الموظفين. فالتخلي عن السيطرة ليس علامة ضعف، بل هو عمل من أعمال القيادة من خلال الثقة.
- ليكن النقاش حول هذه الفكرة جزءاً من المحادثات في الاجتماعات وأثناء تقييمات الأداء. اطلب من أعضاء فريقك ذكر أمثلة عن الوقت الذي كانوا فيه يقودون ومتى اضطروا إلى الإدارة. شدد على أهمية هذه الأمثلة، مع التأكيد أن التوازن بين القيادة والإدارة دقيق ويتطلب يقظة مستمرة على جميع مستويات المؤسسة.
- اضرب أمثلة مفيدة عن قصص تظهر متى كانت القيادة أفضل من الإدارة وبالعكس، وعن عواقب كلا الموقفين. وبالمثل، تكلم عن القصص الناجحة التي تم خلالها المواءمة بين القيادة والإدارة.
- روج للفكرة بين المساهمين والعملاء من خلال حثّهم على التفكير بشكل خلاق حول معادلة القيادة-الإدارة وقيمتها داخل المؤسسة وخارجها. يحتاج المساهمون، الكبار منهم والعاديون، إلى فهم أن المؤسسة تبتكر من خلال القيادة لكنها تفعل ذلك بشكل مدروس من خلال الإدارة.
- وضّح لمجلس الإدارة الفرق الوظيفي بين القيادة والإدارة، مع توصيف العناصر الحاسمة، وكن حريصاً كي تكسب دعمه نظراً لدوره الفعال في جعل هذه الفكرة جزءاً من ثقافة المؤسسة.
يعد الرئيس التنفيذي الراحل لشركة ساوث ويست إيرلاينز، جيمس باركر، الذي تولى القيادة بعد مؤسس الشركة، هيرب كيلهير، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول، مثالاً جيداً على ذلك. إليك كيف رد على سؤالٍ حول ماهية القيادة:
القيادة هي تحديد الرسالة وتوصيلها؛ تقديم إرشادات حول كيفية تحقيقها؛ توفير الأدوات المناسبة (المعلومات، التدريب، إلخ) للموظفين؛ تحفيز الآخرين وإلهامهم من خلال التفاني واحترام الآخرين؛ تقديم تقييمات إيجابية وسلبية، بما في ذلك تقدير الإنجاز؛ وفي النهاية، إفساح الطريق ومنح الآخرين القدرة والسلطة لتحقيق رسالة الشركة، مع منحهم الثقة الكاملة في أنهم سيحصلون على الدعم.
إنه بلا شك وصف رائع يتضمن القيم السامية للقيادة (الإلهام، الرسالة) وجوهر الإدارة (التقييم، التفويض، التدريب). يجب أن يحقق الرؤساء التنفيذيون الناجحون هذا التوازن، وبفضله ستكون مؤسساتهم وموظفوهم أفضل حالاً. العبارة التي لا يُعرف قائلها حول بعض المؤسسات بأنها "تفرط في الإدارة وتفتقر إلى القيادة" صحيحة، ولكن الحل لا يكمن في تجاهل التفاصيل وتولي الدور المقدس للقائد، إذ يتطلب الأمر القيادة والإدارة، وتحميل المسؤولية وتحمّلها، لإيجاد التوازن.