كيف تعمل العيادات الصحية التابعة لشركات التجزئة وما هي عوامل نجاحها؟

5 دقيقة
سلاسل متاجر التجزئة
مصدر الصورة: جيه آتش في إي فوتو/غيتي إميدجيز

قبل عام واحد فقط، اشتهرت العيادات الصحية التابعة لشركات البيع بالتجزئة، التي تديرها شركات مثل سي في إس هيلث (CVS Health) ووول مارت (Walmart) ووولغرينز (Walgreens)، ولاقت رواجاًَ كبيراً في الولايات المتحدة. وأدى ضخ استثمارات إضافية في هذه العيادات والتوسُّع في إنشائها على مستوى البلاد إلى ازدياد الحماس حول مستقبل هذا النموذج من تقديم الرعاية بفعل الافتراضات المبنية على رغبة المستهلكين في تلقي الرعاية الأولية بسرعة، وهو ما تزعم العيادات التابعة لشركات البيع بالتجزئة القدرة على تقديمه. ووصل عدد هذه العيادات على مستوى الولايات المتحدة في ذروته مطلع عام 2024 إلى 1,800 عيادة.

ومنذ ذلك الحين تغير الوضع تماماً؛ فقد أثارت الإعلانات الأخيرة الصادرة عن شركات سي في إس هيلث ووول مارت ووولغرينز بإغلاق مئات العيادات الصحية التجارية على مستوى البلاد، وخروج وول مارت من هذا النشاط كلياً، تساؤلات حول الجدوى المالية لهذا النوع من تقديم الرعاية الأولية وشعبيته الكبيرة.

وإليك الأخطاء التي وقعت فيها هذه المؤسسات عند دخول مجال الرعاية الصحية، وما يجب أن تفعله المؤسسات الراغبة في إعادة تنظيم صفوفها وهيكلة عملياتها بما يضمن لها النجاح في مجال الرعاية الأولية.

اعتبار الرعاية الأولية من ضمن أعمالها الأساسية

لا تعتبر سلاسل متاجر التجزئة الرعاية الصحية الأولية خط أعمال أساسياً، وهذه مشكلة بالنسبة للعيادات التابعة لها؛ إذ لا تريد شركتا وول مارت وكروغر (Kroger) تصنيفهما ضمن شركات الرعاية الصحية، وتفضِّل شركتا وولغرينز وسي في إس هيلث دخولهما ضمن هذا التصنيف، لكنهما تظلان ضمن سلاسل الصيدليات من حيث المبدأ، وهذا يعني أن العيادات التابعة لشركات البيع بالتجزئة الحالية، في أفضل الأحوال، تعمل باعتبارها سلع لاجتذاب العملاء لا تكمن قيمتها المحتملة في الأرباح التي تولدها بل في تعزيزها الجوانب الأخرى من أعمال شركاتها ودعم الولاء لعلاماتها التجارية عموماً.

يؤدي اعتبار العيادات التابعة لشركات البيع بالتجزئة خط أعمال رئيسياً أوسع نطاقاً ضمن مجال الرعاية الأولية إلى تعزيز أهميتها الاستراتيجية داخل هذه الشركات، ما يسهم في تحفيز ضخ الاستثمارات المالية في هذه العيادات وجعل الانتقال إلى تقديم الرعاية الأولية المعقدة والمدرة للربح خياراً استراتيجياً منطقياً، علاوة على تحفيز الابتكار المطلوب في أسلوب تقديم العيادات للخدمات وإرغام هذه الشركات على التحلي بمزيد من الصبر حتى تستقر الأمور وتؤتي أعمال العيادات ثمارها، لكن إذا عملت العيادات التابعة لشركات البيع بالتجزئة في المقام الأول باعتبارها سلع لاجتذاب العملاء، فسيصبح تقليص حجمها خياراً تجارياً منطقياً بسبب انكماش أرباحها واقتصار علاقتها بعملائها على التعاملات التجارية فقط وتعذُّر التنبؤ بتكاليفها التشغيلية والعجز عن توسيع أعمالها بسهولة وبتكلفة معقولة.

التوسع في المجتمعات الريفية والضواحي

تقع 96% من العيادات التابعة لشركات البيع بالتجزئة على مستوى الولايات المتحدة في المناطق الحضرية والمدن الكبرى، وأستطيع أن أؤكد بحكم عملي في بوسطن أن التجول في المدينة طوال فترة الظهيرة بحثاً عن عيادة يمكنك الدخول إليها ورؤية الطبيب بسرعة في أثناء استراحة الغداء أمرٌ غير مريح مطلقاً، وأتصور أن معظم العاملين في المدن لا يغادرون مبانيهم في أثناء النهار، وإن غادروها فإنهم يذهبون إلى المطعم على الرصيف المقابل.

إذاً، هل زيارة العيادات التابعة لشركات البيع بالتجزئة مريحة وسهلة حقاً، خاصة إذا لم تكن تقدّم الرعاية الافتراضية؟ ومَن الذي يزورها بانتظام في المدن؟ أضف إلى ذلك أن الكثير من الوظائف اليوم باتت هجينة، حيث يعمل المرء من المنزل يومين أو 3 أيام في الأسبوع، ما يعني خلو مناطق وسط المدينة من المارة جزئياً، إذاً من الطبيعي أن نتساءل عن حجم الطلب على نموذج يكتفي حالياً بتقديم خدمات الرعاية الأولية الأساسية في المناطق الحضرية.

ثمة لغز محيّر في عدم إقدام سلاسل متاجر التجزئة على إنشاء المزيد من العيادات في المناطق الريفية والضواحي؛ صحيحٌ أن المناطق الريفية غير مزدحمة بالسكان، لكنها تتميز بكثافة الطلب على خدمات الرعاية الأولية سواء البسيطة أوالمعقدة، كما أن الكثير من الموظفين الذين يعملون الآن في وظائف هجينة يمضون معظم أيام الأسبوع في الضواحي بصحبة أسرهم. إن هذا النمو في مناطق جغرافية متنوعة بدعم من أدوات الخدمات الصحية الرقمية يسهم في خلق فرص إضافية لنجاح نموذج العيادات التابعة لشركات البيع بالتجزئة في توسيع نطاق خدمات الرعاية الأولية، ومنها بعض الخدمات الأكثر ربحية، كما يسهم في زيادة جاذبية سلاسل متاجر التجزئة بوصفها شركاء فعالين لشركات التأمين وأنظمة المستشفيات وعيادات الرعاية الأولية القائمة على الأطباء.

الانتقال إلى الرعاية المعقدة التي تحقق هوامش ربح أعلى

إذا سألت أطباء الرعاية الأولية الذين يمتلكون عياداتهم الخاصة عما إذا كان المقابل المادي مناسباً للعديد من الخدمات التي يقدمونها، فسيجيب معظمهم بالنفي التام. الحقيقة أن المقابل المادي للعديد من خدمات الرعاية الأولية الأساسية منخفض. والطريقة الوحيدة لمحاولة تعويض النفقات العامة لعيادات شركات التجزئة في أغلب الأحيان هي زيادة عدد المرضى الذين يزورونها إلى أكبر حد ممكن. تتصف العيادات الطبية التقليدية بارتفاع مصاريفها التشغيلية، وإن أردت التوسُّع من خلال إضافة خدمات الرعاية الأولية ذات الأجر الأعلى، مثلما تصورت شركات التجزئة، فعليك أن تضيف خدمات مخابر التحاليل الطبية وتعيّن موظفين معاونين مؤهلين جيداً وتزيد عدد الأطباء العاملين بالعيادة، ما سيكلفك الكثير من المال. تستغرق هذه الاستثمارات وقتاً وتستلزم التحلي بالصبر.

إذا استمرت سلاسل متاجر التجزئة في مجال الرعاية الأولية، فعليها تعويض الرعاية العرَضية غير المربحة التي تقدمها في الغالب للحالات الحادة المنخفضة المستوى، مثل التهاب البلعوم، برعاية أولية أكثر تعقيداً تحقق هوامش ربح أعلى، مثل خدمات متابعة الأمراض المزمنة طوال حياة المريض، كما أن الرعاية الأولية العرَضية في حد ذاتها لا تعزز ولاء المرضى ولا تعني تكرار الأعمال بكثافة على غرار أنواع الرعاية القائمة على العلاقات التي توفرها الرعاية الأولية الكاملة الخدمات التي تعتمد على الأطباء.

الشراكة مع مقدمي خدمات آخرين

توقفت أنا وأسرتي عن محاولة الذهاب إلى إحدى عيادات شركات التجزئة لأن فترات الانتظار أصبحت طويلة للغاية، وفي المرات القليلة التي ذهبنا فيها إليها كان الموظفون يشتكون باستمرار من قلة عدد العاملين في ذلك اليوم. وخلال هذه الأوقات، طلبوا منا أيضاً التسجيل للزيارة ثم الانتظار في المنزل حتى وصول رسالة نصية في غضون ساعتين تخبرنا بموعد الحضور للفحص. باختصار، لم تتوفر سُبل الراحة وسرعة الخدمة التي من المفترض أن تمنح هذه الأماكن ميزتها التنافسية في سوق الرعاية الأولية. يؤدي هذا إلى إرباك المستهلكين؛ لأنه إذا كانت العيادات التابعة لشركات البيع بالتجزئة عاجزة عن تحقيق هذه الأهداف، فما هي غايتها في السوق؟

ليس سراً أن السوق تعاني شُّح أطباء الرعاية الأولية أو الممرضين الممارسين اللازمين لاستيعاب النمو الذي تصورته هذه الشركات الكبيرة لعياداتها بسهولة. وأدى انخفاض هوامش الربح إلى تعيين هذه العيادات عدداً محدوداً من الكوادر المؤهَّلة، وبالتالي فهي لا تتمتع بالمرونة اللازمة للتعامل مع الضغط الناجم عن غياب أحد الموظفين أو زيادة عدد المرضى في أحد الأيام. أضف إلى هذا أن الكثير من عيادات شركات التجزئة لم تتمكن بعد من تقديم خدمات متكاملة أو التعاون مع عيادات أطباء الرعاية الأولية المحلية أو استخدام منصات الرعاية الافتراضية لاستقبال المرضى. ونتيجة لذلك تعمل العيادات الموجودة في معظم المجتمعات كما لو كانت جزراً منعزلة تقدم رعاية أولية لا تتمتع بطاقة استيعابية كافية ولا يمكنها الحصول على الدعم من باقي مكوِّنات منظومة تقديم الرعاية الصحية المحلية.

ولكن هذا الدعم ضروري؛ إذ تعتمد قدرة سلاسل متاجر التجزئة على توليد الأرباح من الرعاية الأولية في المستقبل على نماذج الرعاية التي تتجاوز نظام الدفع مقابل الخدمة وتستند إلى ترتيبات الدفع الاستباقية التي تحقق الذكاء المالي من خلال تشجيع التركيز على تقديم رعاية شاملة ومستمرة للمرضى، وتعزيز الوقاية من الأمراض، وتوجيه الرعاية نحو الفئات السكانية المحددة، وإدارة الرعاية الصحية بفاعلية. وإذا أرادت سلاسل متاجر التجزئة أن تقدم هذا النوع من الرعاية الأولية الشاملة، فعليها أن تتعاون مع الجهات الأخرى في مجال الرعاية الصحية، مثل أنظمة الخدمات الصحية أو الرعاية الأولية المحلية، والتخلي عن محاولة السيطرة على مختلف جوانب المنظومة.

لا غنى عن التعاون مع أطباء الرعاية الأولية؛ لأنهم يحظون بولاء المرضى ويمتلكون المعرفة الطبية الأساسية اللازمة لضمان سير العمل على نحو فاعل ومُرضٍ للمرضى، كما يمتلكون معرفة واسعة حول كيفية تقديم الرعاية الأولية المعقدة وتكوين علاقات دائمة مع المرضى. يمكن أن يشمل هذا التعاون كلاً من العيادات التابعة لشركات البيع بالتجزئة وأطباء الرعاية الأولية الذين يتشاركون بيانات السجلات الصحية الإلكترونية عن المرضى أنفسهم الذين يقدمون لهم الخدمات، والعيادات التابعة لشركات البيع بالتجزئة التي توافق على فحص مرضى أطباء الرعاية الأولية ليلاً وفي عطلات نهاية الأسبوع عندما تكون عيادة طبيب الرعاية الأولية مغلقة، والعيادات التابعة لشركات البيع بالتجزئة التي تقدّم خدمات إضافية مهمة، مثل الصحة السلوكية والعافية، والتي قد تكون باهظة التكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً مقارنة بعيادة طبيب الرعاية الأولية.

بمقدور سلاسل متاجر التجزئة النجاح في قطاع الرعاية الصحية، لكن هذا يتطلب منها اتخاذ بعض الخطوات الجريئة، وعلينا أن ننتظر لنرى إن كانت لديها الجرأة الكافية لاتخاذها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي