ملخص: تشهد بعض الأماكن تخفيف القيود المفروضة بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا، ويجب على الشركات أن تغتنم هذه الفرصة النادرة للحفاظ على الممارسات المفيدة التي اعتمدتها خلال الأزمة عند العودة إلى مكاتب العمل. وللنجاح في هذا المسعى، يجب على القادة التأني في تحديد الممارسات التي حققت النجاح المنشود والتروي في ضمان استمرارية التغييرات المستجدة. يقدم مؤلفو هذه المقالة إطار عمل يتألف من 4 خطوات لمساعدة القادة على تحديد التغييرات التي لاقت نجاحاً ملموساً في العام الماضي والحفاظ عليها وضمان استمراريتها. أولاً: حدد الممارسات الجديدة التي لاقت نجاحاً ملموساً وأسباب نجاحها والظروف التي من المتوقع أن يتواصل النجاح في ظلها. ثانياً: قلّل من تأثير الرموز المرتبطة بالممارسات القديمة. ثالثاً: أقبل بصدر رحب على مناقشة الخلافات والمفاهيم المغلوطة حول الإجراءات الجديدة واعمل على حلها. رابعاً، وأخيراً: حوّل الممارسات الجديدة إلى عادات.
سيتضاءل أثر جائحة "كوفيد-19" على حياة الناس وبيئة الأعمال تدريجياً بمرور الوقت مع تواصل طرح اللقاحات في الأسواق وتطعيم الأفراد بها. لا شك في أن هذا التغيير سيكون موضع ترحيب من جانب الجميع، لكن يجب على المؤسسات مقاومة العودة إلى كل الممارسات التي كانت تتبعها قبل الجائحة.
ففي حين أن الأزمة فرضت قيوداً مشددة على الحياة بشكل عام وبيئة الأعمال على وجه الخصوص، فقد وفرت أيضاً فرصة فريدة لإجراء آلاف التجارب والابتكار من خلال اتباع ممارسات جديدة، بعضها مفيد في كل الأزمنة، سواءً كانت أو لم تكن هناك جائحة. بالإضافة إلى ذلك، فقد أسفرت الأزمة عن الحد من مقاومة التغيير، وبالتالي ساعدت المؤسسات على التخلص من الممارسات الراسخة والاختلالات الوظيفية التي يصعب التخلص منها في الأحوال العادية.
فقد تم إجبار الكثير من المؤسسات على فعل أشياء كانت تعتبر من المستحيلات منذ زمن ليس ببعيد. فبالإضافة إلى عمليات التحول الرقمي التي نفذها الكثير من الشركات بنجاح منقطع النظير والتوسع في تطبيق استراتيجيات العمل عن بُعد، فقد بدأت المحاكم في تحقيق العدالة عبر الإنترنت، وتحول مقدمو الرعاية الصحية إلى ممارسة الطبابة عن بُعد لمعالجة الكثير من الأمراض البسيطة، وصرفت البنوك القروض دون مقابلة العملاء شخصياً، وأجرى المدققون عمليات تدقيق افتراضية للشركات دون زيارة مقراتها المكتبية.
لكن ماذا سيحدث لهذه الممارسات بمجرد انتهاء الجائحة؟ أثبت بحثنا حول "حل الصناديق الثلاثة" أن التغييرات المؤسسية المتواصلة لا تعتمد فقط على اكتشاف الممارسات الجديدة واعتمادها بصفة مبدئية، ولكنها تعتمد أيضاً على ضمان عدم عودة المدراء والموظفين إلى الإجراءات القديمة عندما يزول الدافع للتغيير. وسيسهم إطار العمل التالي المكون من 4 خطوات في مساعدة القادة على تحديد التغييرات المفيدة التي تم اتخاذها خلال العام الماضي والحفاظ عليها وضمان استمراريتها.
الخطوات الأربع لنموذج العمل المتبع بعد العودة إلى مكاتب العمل
1. حدد الممارسات الجديدة التي يجب العمل على استمراريتها
اضطرت الشركات تحت وطأة الظروف في الأيام الأولى للجائحة إلى الاستجابة للظروف المستجدة واللجوء إلى تجريب عدة حلول بطرق سريعة وعملية. واتبع معظم الشركات مقولة واحدة واضحة وضوح الشمس: "عليكم مواكبة الأحداث وبذل ما في وسعكم للبقاء على قيد الحياة". أما الآن فقد حان الوقت لإفساح المجال للتفكير المتأني.
ويجب على الشركات كخطوة أولى أن تحدد الممارسات الجديدة التي لاقت نجاحاً ملموساً، وتتعرف على أسباب نجاحها والظروف التي من المتوقع أن يتواصل النجاح في ظلها. وسيتم على الأرجح الحفاظ على الممارسات الجديدة والعمل على استمراريتها إذا حرص المدراء والموظفون على تحديدها وإدراكها عن وعي تام، ومن ثم ترسيخها. أجر استقصاء للموظفين لفهم ما فعلوه بشكل مختلف خلال الأزمة، ثم أجر مناقشات تكميلية حول ما لمسوا وما لم يلمسوا فيه النجاح. واستخلص الجهود التي حققت نجاحاً ملموساً، وحوّلها إلى إجراءات مؤسسية مشتركة، وترجمها إلى وثائق رسمية، وأعلن عنها أمام الموظفين باعتبارها ممارسات جديدة متوقعة منهم.
2. قلّل من تأثير الرموز المرتبطة بالممارسات القديمة
نحن مخلوقات سيئة السمعة فيما يخص التعامل مع العادات. فإذا تم تخييرنا بين أمرين، فسنختار أكثرهما شيوعاً بكل تأكيد. ولا يمكن اعتبار العادات القديمة وإشاراتها متأصلة في أدمغتنا فحسب، ولكنها متأصلة أيضاً في بيئتنا المحيطة. ومن هنا كانت اللغة والتشكيلات الفراغية والقواعد وأنظمة العمل هي عوامل حفظ المعرفة في المؤسسات والتي يمكن أن تؤدي إلى الانتكاس. ويؤدي التلاعب بهذه الرموز أو التخلص منها إلى تسهيل التغيير المستمر.
فعلى الرغم من النجاح الملموس الذي لاقاه التعليم عن بُعد في الجامعات خلال الموجة الأولى من الجائحة، على سبيل المثال، (على الأقل بالنسبة لبعض المواد أو المناهج الدراسية)، فهناك دعوات قوية للعودة كلياً إلى قاعات المحاضرات بعد صيف هذا العام. ويواجه مسؤولو الجامعات ضغوطاً من جانب مجالس الأمناء لتبرير وجود بنية تحتية جامعية ضخمة، ومن الطلاب وأولياء أمورهم لاستئناف التعليم بالطرق التقليدية المتعارف عليها أو خفض الرسوم. نتيجة لذلك، بدأ الكثير من الإداريين في إجبار المحاضرين على الالتزام بحد أدنى من شرح المناهج الدراسية في قاعات المحاضرات، بغض النظر عما إذا كان الوجود في القاعات الجامعية ضرورياً أم لا.
لكن ثمة حلاً أفضل يتمثل في التحديد الدقيق للمناهج التي تسهل الإبداع المشترك للمعرفة وتستلزم تفاعلات شخصية والتقارب البدني، وبالتالي تتطلب حضور الطلاب والمدرسين إلى الفصول الدراسية ذاتها في الوقت نفسه، مقارنة بالمناهج النظرية التي تستلزم شرح المحاضرات بصورة فردية فقط من جانب المعلمين ومن الأفضل أن يتم تدريسها عبر الوسائل الافتراضية. قد لا تكون الإجراءات الجامعية القديمة بالضرورة أفضل الممارسات لكافة المناسبات التعليمية. بيد أن الجامعات تحتفظ بالرموز التي تسهل العودة إلى العادات القديمة من فصول دراسية ومذكرات ورقية وتحديد مواعيد الحضور والانصراف وساعات العمل، وغير ذلك.
ونحن نشجع المؤسسات على التخلص من الممارسات المختلة من خلال الحد من تأثيرات هياكل المعرفة القديمة التي يمكن أن تعيق تبني أخرى جديدة. وهذا يتطلب اتخاذ 3 خطوات بالترتيب:
- طرح الأسئلة وإعادة النظر في المعايير المباشرة والضمنية التي يتم من خلالها تقييم الموظفين، مثل رصد ما إذا كانوا يأتون إلى المقر المكتبي بانتظام وفي الوقت المحدد.
- تدقيق الأنشطة التي كانت تعتبر في السابق معياراً للتقييم ولكنها لم تعد مطلوبة واستبعادها، مثل الاجتماعات الصباحية اليومية التي تُعقد في غرفة الاجتماعات بالمقرات المكتبية.
- تحديد المحفزات التي تجعل الأشخاص يعودون إلى الأعراف القديمة وتغييرها. فعلى سبيل المثال، إذا كان لديك تقليد لتناول البيتزا على الغداء الجماعي يوم الاثنين، فاستضفه في غرفة مزودة بأدوات مؤتمرات الفيديو حتى يتمكن الموظفون الذين يعملون من المنزل من الانضمام إليكم والمشاركة فيه.
3. أقبل بصدر رحب على مناقشة الخلافات والمفاهيم المغلوطة حول الإجراءات الجديدة واعمل على حلها
يحرص الموظفون على التمسك بالافتراضات المتجذرة في أذهانهم حول الإجراءات الروتينية والممارسات الموروثة من الحقبة السابقة حتى بعد تنفيذ التغييرات المطلوبة. وما دامت هذه الافتراضات التليدة متأصلة في الإطار المعرفي للأفراد وهناك خلافات حولها في المستقبل، فإن خطر الفشل يظل قائماً بقوة.
فعلى سبيل المثال، دشنت إحدى الشركات التي نجري فيها أبحاثاً تجريبية حواراً بين الموظفين حول فرض سياسة العمل من المنزل التي تم تنفيذها في أثناء الجائحة. والآن وبعد أن أصبحت الظروف مواتية للعودة إلى المقرات المكتبية، تناقش الشركة إقرار سياسة العمل عن بُعد بصفة دائمة.
حددنا 3 مجموعات متباينة من الموظفين بناءً على تصوراتهم للتغيير الأساسي. كانت إحدى المجموعات متحمسة له وطالبت باستمراريته. بينما شعرت المجموعة الثانية بالارتياح للتغيير نظراً للظروف الاستثنائية، لكنها كانت ترى أنه يجب التخلص منه بمجرد انتهاء الجائحة. أما المجموعة الثالثة فلم تكن تريد التغيير وتنتظر العودة إلى أسلوب العمل القديم بفارغ الصبر. وعلى الرغم من تنفيذ التحول إلى العمل عن بُعد في البداية على مستوى المؤسسة ككل، فلم تكن الإدارة على دراية بالفوارق في تصورات الأشخاص الخافية عنهم. وقد أسهم الكشف عن الاختلاف بين هذه المجموعات الثلاث وتباين افتراضاتها في مساعدة المؤسسة على التفكير في توقعات موحدة ومناقشتها بشفافية ورصدها بطريقة تعاونية، وهو ما سمح للمؤسسة بوضع سياسات أكثر دقة للعمل من المنزل، بحيث توازن بين احتياجات المجموعات الثلاث.
وحينما تتخلى المؤسسات عن مسؤوليتها وتترك وجهات النظر المختلفة تتصادم مع بعضها بعد تنفيذ التغيير، فسيكون ضرر هذا التغيير أكبر من نفعه. وإذا أردت استمرارية التغيير، فيجب أن يكون لدى كل شخص فهم مشابه، إن لم يكن متماثلاً، لأسباب الإجراءات الجديدة ومزاياها والعقوبات المترتبة على مخالفتها والمكافآت المرتبطة بالامتثال لها. فعلى سبيل المثال، إذا قررت المؤسسة حظر عقد الاجتماعات داخل المقرات المكتبية في الأيام التي يُسمح فيها للموظفين بالعمل من المنزل، فعليها أن توضح ذلك. وإذا كان عقد اجتماع وجهاً لوجه في أحد تلك الأيام أمراً لا مفر منه، فاحرص على إبلاغ الموظفين بأنهم لن يتعرضوا لأي عقوبات نظير مشاركتهم في هذا الاجتماع عبر الوسائل الافتراضية. وحينما يتم طرح مختلف الآراء والتصورات على الطاولة ومناقشة الافتراضات المتباينة بصراحة تامة وتسويتها، فإن هذا سيسهم في تحقيق المواءمة بين هذه التوقعات.
4. حوّل الممارسات الجديدة إلى عادات
لا يمكن أن تستمر الممارسات الجديدة إلا إذا تم تحويلها إلى عادات. وتقتضي الخطوة الأخيرة من إطار عملنا أن تبذل المؤسسات كل ما في وسعها لضمان ترسيخ الممارسات الجيدة في الواقع المؤسسي.
حيث يزداد الحنين إلى العودة إلى الروتين الراسخ يوماً بعد آخر. لذا من المهم تجاوز المراحل الأولية وجلسات المعلومات لتعزيز الممارسات الجديدة بانتظام. ينطوي ذلك ضمنياً على تذكير الأفراد بالإجراءات الجديدة حتى يشعروا بأنها لم تعد جديدة عليهم. ويمكن تشبيه هذا الأمر بتذكير السائقين بالمطبات الصناعية الجديدة على الطرق وتغيير الحارات المرورية لفترة من الزمن حتى يعتادوا على التغييرات المستحدثة. وبدلاً من الانتظار على أمل أن يستوعب الموظفون التغييرات تلقائياً وينظروا إليها باعتبارها إجراءات روتينية جديدة، يجب على المؤسسات الإعلان بشكل متكرر عن مزاياها وتوفير الحوافز لتبنيها والعقوبات المحتملة لمخالفتها. وهكذا ستصبح الإجراءات الروتينية الجديدة مألوفة، وسيستمر التغيير بعد عدة تجارب.
تشهد بعض الأماكن تخفيف القيود المفروضة بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا، ويجب على الشركات أن تغتنم هذه الفرصة النادرة للحفاظ على الممارسات المفيدة التي اعتمدتها خلال الأزمة عند العودة إلى مكاتب العمل. وللنجاح في هذا المسعى، يجب على القادة التأني في تحديد الممارسات التي حققت النجاح المنشود والتروي في ضمان استمرارية التغييرات المستجدة.