ملخص: في دراسة استقصائية أجريت مؤخراً على أكثر من 1,600 موظف، قال معظم المشاركين (58%) إنهم قلقون بشأن إجراء المحادثات الصعبة حول العودة إلى المقرّ المكتبي، وقال ثلثهم تقريباً (29%) إنهم أصبحوا يفضلون بشدة مواصلة العمل عن بُعد، وإنهم قلقون بشأن رغبة شركاتهم أو مدرائهم بالعودة إلى المقرّ المكتبي. من المنطقي أن يبلغ كثير من المشاركين في الدراسة عن مستوى معين من القلق بشأن التعامل مع مواضيع مشحونة مثل موضوع اللقاحات والأمان والمرونة، لذا يقدم المؤلفان ثلاثة مبادئ لتهدئة القلق والتعبير بثقة واحترام عن مخاوفك بشأن العودة إلى العمل من المقرّ المكتبي.
تنتاب المخاوف كثيراً من الموظفين مع بدء شركات كثيرة في الولايات المتحدة بإعادة موظفيها إلى المقارّ المكتبية. أظهرت الدراسة الاستقصائية التي أجريناها مؤخراً على 1,697 موظفاً أن الكثير منهم قلقون ليس بشأن العودة إلى المقر المكتبي فحسب، بل وبشأن التحدث إلى زملائهم في العمل ومدرائهم ومرؤوسيهم عن تفضيلات العمل والقلق بشأن العودة إليه. قال معظم الموظفين المشاركين في الدراسة (58%) إنهم قلقون بشأن إجراء هذه المحادثات المحرجة والهامة، وقال ثلثهم تقريباً (29%) إنهم أصبحوا يفضلون بشدة العمل عن بُعد وإنهم قلقون بشأن تفضيل شركاتهم أو مدرائهم العودة إلى المقارّ المكتبية.
لم تكن أسباب قلق هؤلاء الموظفين بشأن إجراء هذه المحادثات مفاجئة، وفيما يلي بعض الردود التي تلقيناها:
- "لدي مرؤوسان مباشران لا يرغبان في تلقي اللقاح، وهما يعارضان ارتداء الكمامة أيضاً. وفقاً لسياستنا ليس بإمكانهم العودة إلى المقرّ المكتبي، لكني أعلم أننا سنضطر لخوض حوار مستمر حول هذا الأمر، وأنا لا أتطلع إليه".
- "لدي زميلة في العمل لم تتلقّ اللقاح. قالت لي إنها تنوي الحضور إلى العمل من دون ارتداء كمامة. هل يحقّ لي مناقشة مثل هذه الأمور معها؟"
- "أنا مستاء من الاضطرار إلى الإفصاح عن معلومات شخصية فيما يتعلق بتلقي اللقاح، فأنا لا أعتقد أنه من الممكن مطالبة أي أحد بذلك. لدي آرائي الشخصية حول هذه المسألة وأعتقد أن كل شخص يتمتع بالحق في امتلاك آرائه الخاصة".
- "يعظ المسؤولون التنفيذيون بإتاحة ’المرونة‘ و’التعاطف‘، لكنهم يجبروننا نحن مدراء الإدارة الوسطى على نقل رسائل لا تتماشى مع هذه القيم، مثل إرغام الجميع على العودة إلى نظام يوم العمل الكامل في المقرّ المكتبي".
- "تقول مديرتي إنه بإمكاننا مواصلة العمل من المنزل، لكني سمعت أنها قالت لأحدهم: ’الموظفون المفعمون بالنشاط هم الذين يريدون العودة إلى المقرّ المكتبي حيث يمكنهم بناء العلاقات الهامة وإنجاز المزيد من العمل‘!"
من المنطقي أن يبلغ كثير من المشاركين في الدراسة عن مستوى معين من القلق بشأن التعامل مع مواضيع مشحونة مثل موضوع اللقاحات والأمان والمرونة. فهذه المحادثات تنطوي على مخاطر عالية وآراء متعارضة ومشاعر قوية، وإذا لم تسر على نحو جيد أو لم تُجرى على الإطلاق فستؤثر على العلاقات والنتائج. يمكن أن تسخّر هذا القلق لصالحك إذا تعاملت معه على أنه دعوة للاستعداد، وكي تتمكن من التعبير عن مخاوفك بثقة واحترام ضع قائمة بالمحادثات التي قد تنخرط فيها ثم استخدم مبادئ تهدئة القلق التالية استعداداً لها.
اعرف أولوياتك
القلق (وشكله المكتمل المتمثل بالخوف) هو استجابة لتهديد متصور لقيمة عزيزة. على سبيل المثال، قد تعرّض وظيفتك للخطر إذا طلبت مواصلة العمل من المنزل، أو قد تتعرض للتهميش الاجتماعي (أو ما هو أسوأ) إذا جابهت مديراً لم يتلقّ اللقاح ويرفض ارتداء الكمامة. نتسبب بإدامة قلقنا عن غير قصد عندما نرفض قبول أن هذه المخاطر تستدعي مفاضلة القيم، وسيهدأ قلقنا في اللحظة التي نتخذ فيها قراراً بشأن منح الأولوية لإحدى القيمتين بتحديد القيمة ذات الأهمية الأكبر منهما. على سبيل المثال، عليك أن تقرر أيهما أهم، هذه الوظيفة أم مرونة العمل؟ العلاقة المريحة مع رئيسك في العمل أم المخاطر الصحية المتزايدة؟
إذا رفضت اتخاذ قرارات الأولوية هذه، فستخاطر بتحويل قلقك إلى استياء، وستبدأ بإلقاء اللوم على الآخرين لعدم منحك العالم الذي تريده بدلاً من تحمل مسؤوليتك في مجابهة العالم الذي تعيش فيه. في الماضي كان بإمكانك العمل مع مدير ودود والتمتع بالأمان البدني ضمن مقرّ العمل في آن معاً، أما في عالمنا الجديد فقد لا يكون ذلك ممكناً. إن إنكار حقيقة وضعك يؤدي إلى الشعور بالاستحقاق، وهذا الشعور يولد الاستياء.
في حين يؤدي القبول الناضج للواقع إلى تهدئة قلقك في التعامل مع المفاضلات التي تفرضها الحياة عليك. قد تتوفر طرق إبداعية لتجاوز المفاضلة وحماية القيمتين اللتين تفاضل بينهما، لكن شعورك بالسلام النفسي يبدأ بقبول ضرورة تحديد الأولويات.
ضع خطة للمخاطر
الشعور باستحقاق امتيازات معينة هو الطريقة الأولى لتضخيم مخاوفنا من دون داع، والطريقة الثانية هي الإهمال، عندما لا نتحمل مسؤولية التخطيط لمخاطر التصرف وفقاً لأولوياتنا. على سبيل المثال، إذا كنت تعتقد أن اللقاح خطير لكن شركتك تطالبك بأخذه فستعيش في حالة تخوف مستمرة من المواجهة، بيد أن خوفك سيتلاشى بصورة ملموسة عندما تضع خطة للعواقب الحتمية لانتهاك سياسة شركتك؛ إذا كانت أولويتك هي تجنب التطعيم فأنت مسؤول عن العثور على شركة توافق على آرائك أو العمل على نحو استباقي مع شركتك الحالية للتوصل إلى ترتيب يتلاءم مع معتقدك.
عندما نهمل مسؤوليتنا عن قيمنا يتجلى شعورنا بالذنب في إلقاء اللوم على الآخرين، وننخرط في محادثات حاسمة ساخنة لأننا غير مستعدين للاعتراف بإهمالنا وشعورنا بأننا نستحق امتيازات معينة. إذا كنت متخوفاً من الصراع مع الآخرين فمن المحتمل أنك تتجاهل الصراع داخل نفسك؛ أنت تعلم أنه كان عليك حمل مسؤولية احتياجاتك وأولوياتك لكنك لم تفعل ذلك، والآن حين ظهرت العواقب الحتمية بتّ تلوم الآخرين على بؤسك الذي كان من الممكن تجنبه. في معظم الأحيان، ستعيش في لحظات اليقظة التي تسبق هذه المواجهة الصعبة حالة من الغضب الاستباقي تجاهها، ليس بسبب مطالب الآخرين غير المعقولة وإنما لأنك ترفض تحمل مسؤولية احتياجاتك أنت، والتخطيط لمخاطر الأولويات التي اخترتها سيهدئ هذا القلق.
تهيأ لبداية المحادثة
ينجم جزء كبير من قلقنا بشأن المحادثات الصعبة عن عدم تيقننا من طريقة بدئها، وسيكون شعورنا بالراحة أسهل إذا كانت لدينا خطة لبداية الحوار، أي ما سنقوله في أول 30 ثانية تقريباً من المحادثة، ولحسن الحظ لا تثير طريقة بناء هذه الخطة كثيراً من الجدل، وقضيت مع زملائي عقوداً من الزمن في دراسة طرق التعامل مع "نصف الدقيقة الخطيرة" هذه.
مهمتك الأولى ليست حلّ المشكلة، بل خلق الأمان النفسي في الحوار. عندما يشعر الآخرون بالأمان معك فسيصبح بإمكانهم الاختلاف معك على نحو مثمر ومن دون انفعال، أما إذا انعدم الشعور بالأمان فستصبح "الحبّة" "قبّة" لا يمكن تجاوزها. يمكنك منح الآخرين شعوراً بالأمان النفسي إذا حرصت على طمأنتهم من ناحيتين: 1) أنك تهتم باحتياجاتهم ومخاوفهم و2) أنك تحترمهم. وأفضل طريقة للقيام بالأمرين هي الإقرار بالقيم التي يحملونها.
على سبيل المثال إذا كنت مستاءً لأن مديرك غير المحصن باللقاح والرافض لارتداء الكمامة يشارك في الاجتماعات الشخصية التي تتم وجهاً لوجه فلا تبدأ المحادثة بمطالبته بارتداء كمامة، بل ابدأ بإقرار القيم التي ربما يكون قد بنى قراره عليها: "أعلم أن لديك مشاعر قوية تجاه مسألة الكمامة واللقاح، وأنا أحترم حقك في اتخاذ هذه القرارات. وأنا أيضا بحاجة إلى صنع قراراتي بنفسي، لكني لست واثقاً من أن احتياجاتي تتوافق مع احتياجاتك. هل من الممكن أن نتحدث عن ذلك؟"
إذا اتخذ مديرك موقفاً عدائياً أو دفاعياً في أثناء المحادثة فذكر نفسك بأنّ سلوكه يتعلق بالأمان النفسي وليس بالمشكلات التي لا يمكن مناقشتها، وحاول إعادة شعوره بالأمان النفسي عن طريق الإقرار بقيمه وتأكيد احترامك لها من جديد. وتذكر أن الإقرار بقيمه واحترامها لا يعنيان اتفاقك معها. لا نقول إن عليك أن تتظاهر بالاتفاق مع آراء الآخرين، وإنما أن تدرك حقهم الثابت في أن يفكروا ويتخذوا قراراتهم الخاصة ويعيشوا حياتهم على النحو الذي يرونه مناسباً من دون أن تحكم عليهم أو تسخر منهم.
أفضل ما يمكنك فعله استعداداً لنصف الدقيقة الخطيرة هو التخطيط بطريقة ما لنصّ يولد أماناً نفسياً ويمهّد الطريق لخوض حوار صحي.
ستتمكن من تهدئة قلقك بشأن العودة إلى المقرّ المكتبي بدرجة كبيرة عن طريق الإقرار بضرورة المفاضلة بين القيم والاستعداد للمخاطر وصياغة نصّ يساعدك في خلق الأمان النفسي اللازم لخوض المحادثة. ونأمل أن تخرج من المحادثة وأنت تترقب بتفاؤل رؤية من تكنّ لهم الإعجاب والاستمتاع برفقتهم من جديد.