ربما من الضروري التفكير بهذه الطريقة أحياناً إذا ما كان هناك موقف عاجل يتعين عليك التعامل معه أو حدث ينبغي التحضير له مثل مؤتمر سنوي، ولكن وجدتُ بناءً على خبرتي بصفتي مدربةً في مجال إدارة الوقت أن الاعتماد على هذا المنطق غالباً ما يكون ستاراً جميلاً يغطي على جهلنا لكيفية العمل بذكاء أكبر، وبذلك ينتهي الأمر بنا إلى العمل بجدّ أكبر والتضحية بأولوياتنا الشخصية في دوامة الحياة. ولكن إهمال التفكير فيما قد تندم عليه لاحقاً لا يؤثر سلباً في سعادتك المستقبلية فحسب، بل يُقلل من فعاليتك وقدرتك على الاستمتاع في الوقت الحاضر أيضاً.
أناقش في كتابي الإلكتروني "كيف تستثمر وقتك مثلما تستثمر المال" (How to Invest Your Time Like Money)، أن التحسن في أداء المهام الصغيرة اليومية يختلف تماماً عن التحسّن الكلي بصفته مقياساً للنجاح. على سبيل المثال، عندما تتوقف عن محاولة إنجاز المهام جميعها، من الرد على جميع رسائل البريد الإلكتروني إلى عدم تفويت أيّ اجتماع، وتبدأ التفكير في الأنشطة الأهم، يمكنك إنجاز المزيد من الأعمال الأهم بالنسبة لك الآن وتجنُّب الندم لاحقاً.
إذا كنت ترغب في التوقف عن اتخاذ خيارات استثمار الوقت دون وعي مستنداً إلى المهام الأكثر إلحاحاً أو تطلباً، والبدء باستثمار وقتك بصورة مدروسة في الأمور الأهم، فابدأ بفهم سيناريوهات الندم السبعة الشائعة وتجنبها، بحيث يمكنك بعد 20 عاماً من الآن الافتخار بطريقة استثمار وقتك بدلاً من الحسرة على ما فاتك والندم عليه.
1. عدم الانتباه إلى الطريقة التي تقضي بها وقتك
إذا لم تعلم كيف تستثمر وقتك، فمن المرجح أنك لا تستثمره في أولوياتك القصوى مثل أهدافك وقيَمك، ما قد يجعلك تشعر بفداحة الخسارة عندما تدرك أن سنوات ثمينة من حياتك مرت دون أن تعيشها على أكمل وجه، ولا يمكن تعويضها، ولم تحقق فيها سوى القليل من الإنجازات أو التجارب المفيدة. لمعالجة هذه المشكلة، أقترح البدء بإنشاء سجل لما تفعله من خلال تدوين الأنشطة الرئيسية في جدول مواعيدك أو استخدام تطبيق لتتبع الوقت، لتتمكن بذلك من فهم كيفية تخصيص وقتك وتحديد المجالات التي قد تكون فيها التعديلات ضرورية.
2. السماح للآخرين بسرقة وقتك
تعمل جحافل من خبراء التسويق ليلاً ونهاراً في البحث عن طرق للاستحواذ على انتباهك، وسيسعدون بالاستيلاء على أكبر قدر ممكن من وقتك لتفكر في منتجاتهم أو خدماتهم. ويمكن أن يسرق من حولك وقتك أيضاً؛ قد يستنزف العديد من الأفراد وقتك من خلال طلب مشاركتك في مشروع جديد أو التطوع في لجنة ما أو الانضمام إلى أنشطة اجتماعية مثل تناول طعام الغداء معهم وما إلى ذلك، واعتماداً على وضعك المهني، قد يكون لديك دافع قوي للعمل ساعات أطول والسفر أكثر. ربما يكون النشاط على وسائل الإعلام وقضاء الوقت مع الآخرين والعمل بحد ذاته أشياءَ رائعة، ومع ذلك، إذا سمحت باستمرار للقوى الخارجية بأن تحدد لك كيفية استثمار وقتك، فأنت تسمح للآخرين بسرقة وقتك. لذلك من الضروري التدرب على رفض الأنشطة التي لا تتماشى مع أولوياتك كي تتمكن من الاستثمار فيما يهمك حقاً.
3. عدم إعطاء الأولوية للعائلة والأصدقاء
قد تبدو العودة إلى المنزل لتناول العشاء مع العائلة أو حضور حفلة موسيقية أو الخروج مع زوجتك في نزهة أو التواصل مع والديك أو الأصدقاء أقل أهمية في خضم انشغالك بالمواعيد النهائية والطلبات الكثيرة التي ترد إليك من جهات مختلفة. على الرغم من أن هذه الأنشطة ليست مُلحّة بالدرجة نفسها في نواحٍ كثيرة، فهي أهم مما تعتقد في كثير من الأحيان. في الواقع، لا تتدهور العلاقات الأسرية غالباً بسبب حدث كبير بحد ذاته، بل نتيجة لسلسلة من الخيارات التي نتخذها وتمنعنا من إعطاء الأولوية للأشخاص الذين يحبوننا. يمكن أن يؤدي التفاعل مع الأصدقاء والعائلة إلى جعل الحياة ممتعة ومرضية أكثر، كما يوفر قدراً كبيراً من الدعم في الأوقات الصعبة. إذاً ضع هذه الأنشطة على جدول أعمالك حتى توضح التزاماتك الثابتة. في كل مرة تقضي فيها وقتاً مع شخص تهتم لأمره، فإنك تعمِّق علاقتك به.
4. تخطّي الإجازات
يمكن أن تمنحنا الإجازات والابتعاد عن روتيننا اليومي فرصة لخوض تجارب جديدة والتواصل مع العائلة والأصدقاء، وهي بالإضافة إلى ذلك تساعدنا على تقليل التوتر واكتساب منظور جديد للحياة. وفي هذا السياق، تظهر الدراسات أن تخطي الإجازات قد يعرضك لخطر أعلى للإصابة بأمراض القلب والنوبات القلبية، إذ وجدت دراسة امتدت 9 سنوات وشملت 12 ألف رجل معرِّض بدرجة كبيرة لخطر الإصابة بأمراض القلب التاجية أن عدم أخذ إجازاتهم السنوية زاد خطورة تعرضهم للإصابة بنوبات قلبية بنسبة تصل إلى 32%، وزاد خطورة الوفاة بأسباب أخرى بنسبة 21%. يجب أن يكون أخذ وقت للراحة والعناية بنفسك أولوية، ومن الضروري التخطيط لها مسبّقاً. من الأفضل طلب إجازة في بداية العام بدلاً من الانتظار لوضع خطة لاحقاً، وإلا فلن تتمكن من أخذها في وقت لاحق؛ إذ ستجد نفسك منغمساً في العمل مجدداً لأنك تشعر دائماً أن هناك مهام كثيرة عليك إنجازها. بعد 20 عاماً على هذه الحال، سينتهي الأمر بك إلى الندم على ما لم تفعله بدلاً من أن تملك حياة غنية بالتجارب والقصص والذكريات الجميلة.
5. تجاهل الاهتمام بصحتك
يزيد نيل قسط كافٍ من النوم وتناول الأطعمة الصحية وممارسة الرياضة بانتظام سعادتك اليومية إلى حد كبير، وفي غضون 20 عاماً، ستشعر بسعادة أكبر وستكون في حالة أفضل كثيراً. سيساعدك الاهتمام بصحتك في تجنب زيارة المستشفى وتناول الأدوية والخضوع للعمليات الجراحية والألم المزمن، وبالتالي ستكون قادراً على الاستمتاع بحياتك بدلاً من المعاناة فيها. اتخذ الآن قراراً لبناء عادات صحية مثل ممارسة الرياضة واتباع نمط حياة صحي، فاستثمار قدر ضئيل من الوقت والجهد في هذه الأنشطة يمكن أن يؤدي إلى مكاسب كبيرة في المستقبل.
6. إضاعة الوقت في توفير المال
على الرغم من أهمية توفير المال، فهناك حالات يمكن أن يؤدي فيها إنفاق القليل من المال الإضافي إلى توفير قدر كبير من الوقت الذي يمكنك استثماره في أنشطة أهم. على سبيل المثال، يمكنك استخدام سيارتك أو ركوب سيارة أجرة -حتى لو كان ذلك يكلف أكثر- بدلاً من السفر بالقطار لأنه يستغرق 3 أضعاف الوقت، وبالمثل، يمكنك الاستعانة بخدمة تنظيف لترتيب منزلك أو طلب توصيل البقالة إليه بدلاً من إضاعة الوقت في هذه النشاطات وأدائها بنفسك لتوفير كلفتها. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من المفيد العيش بالقرب من مكان عملك رغم التكلفة الباهظة، لأن ذلك سيوفر لك ساعات من الوقت ويقلل من الإحباط في أثناء تنقلك. بعد 20 عاماً، لن تهتم ببعض المال الذي ادخرته هنا أو هناك، بل ستتذكر الفرص التي فاتتك لعيش الحياة التي تريدها.
7.فقدان هويتك
من واقع خبرتي، من السهل أن يفقد المرء اتصاله بنفسه وما يستمتع به وما يريده من الحياة إذا لم يخصص الوقت الكافي للتفكير بوعي في هذه الأشياء. يمكن أن يتضمن ذلك أنشطة مثل الخروج في نزهات قصيرة أو كتابة اليوميات أو الصلاة أو التأمل أو ببساطة مجرد التحديق في السقف لفترة من الوقت دون نية معينة سوى أن تكون مع نفسك. في نهاية المطاف، إذا لم تعرف نفسك فمن الصعب أن تشعر بالرضا عنها فعلياً.
هذه ليست إلا بعض الأشياء التي قد تندم عليها في المستقبل ويمكنك تجنبها من خلال الاستثمار المدروس لوقتك الآن. ستجد في المستقبل أنك عشت حياة غنية زاخرة بالإنجازات، وستستمتع بالحاضر وتشعر بالرضا عما تفعله، وما لا تفعله أيضاً.