ملخص: لا شك في أن العمل مع قائد يغيّر رأيه باستمرار تجربة مزعجة، لكنها شائعة في الأوساط المهنية؛ فمن الصعب التأقلم مع استراتيجية تتغير باستمرار والعمل على تنفيذها بحماس، ومن الصعب أن نقنع أنفسنا ببذل جهود جبارة إذا كنا متيقنين من أننا سنعيد العمل مرة بعد أخرى، كما أن القائد الذي يغير رأيه باستمرار يخلق غالباً جواً مشحوناً بالاستياء. وعلى الرغم من أنك لا تملك التحكم في سلوك مديرك، فثمة 5 استراتيجيات بمقدورها مساعدتك على تقليل عدد التغييرات المزعجة.
يعمل أحد عملائي، فريد، في قسم التسويق بإحدى شركات التكنولوجيا، وكان فريقه يسعى لتحقيق هدف محدَّد وهو زيادة عدد العملاء المحتملين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. عقد فريد ومديره وبعض زملائهما جلسة مطوَّلة لتوليد الأفكار، وتوصلوا في النهاية إلى استنتاج مفاده أن عليهم تصوير المزيد من مقاطع الفيديو القصيرة لمشاركتها على قنوات التواصل الاجتماعي.
عمل فريد طوال الأسبوع لوضع خطة تفصيلية للمشروع توضّح كيفية تصوير الفريق مزيداً من مقاطع الفيديو ومشاركتها، حدَّدت الخطة الأطراف المعنية والمقاييس المستخدمة واشتملت على جدول زمني للنشر المكثَّف بناءً على رغبة مديره. وكان فريد متحمساً لبدء التنفيذ.
توجَّه إلى مديره يوم الخميس وكله حماس لعرض خطة المشروع عليه.
وبعد أن ألقى مديره نظرة عابرة على العرض التقديمي المفصَّل للغاية، قال متذمراً: "ماذا؟ أتساءل عما إذا كان ينبغي لنا أن نسلك طريقاً مختلفاً. هل رأيت ما قدمه منافسونا أمس؟ ربما يجب أن نجرّب التسويق عبر المؤثرين بدلاً من صنع مقاطع فيديو بأنفسنا. هل يمكنك دراسة هذه الفكرة؟".
أجاب فريد بإحباط شديد: "بالتأكيد".
كتم فريد غضبه الشديد داخله؛ ففي بداية الأسبوع كان مديره متحمساً للغاية لفكرة تصوير أعضاء الفريق مقاطع فيديو بأنفسهم، وها هو الآن يصرف النظر عنها بعد أن رأى مؤثراً على تيك توك يروج لشركة منافسة، ما يعني ضياع الوقت الذي أمضاه فريد في وضع خطة المشروع هدراً.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يغيّر فيها مدير فريد رأيه عشوائياً على ما يبدو؛ إذ فعل الأمر نفسه في مشروع الإصلاح الشامل لنظام تحسين محركات البحث (SEO)، وكذلك بخصوص فكرة "تعيين متدربين خلال فصل الصيف"؛ كان مدير فريد يتراجع باستمرار عن قراراته، سواء تعلقت بتصميم الحملات الإعلانية أو نصوص المواد التسويقية أو تخصيص الميزانية.
لا شك في أن العمل مع قائد يغير رأيه باستمرار تجربة مزعجة، لكنها شائعة في الأوساط المهنية.
فمن الصعب التأقلم مع استراتيجية تتغير باستمرار والعمل على تنفيذها بحماس، ومن الصعب أن نقنع أنفسنا ببذل جهود جبارة إذا كنا متيقنين من أننا سنعيد العمل مرة بعد أخرى، كما أن القائد الذي يغير رأيه باستمرار يخلق غالباً جواً مشحوناً بالاستياء.
يقول مدير مركز القيادة في كلية تاك للأعمال (Tuck School of Business) بجامعة دارتموث (Dartmouth College)، سيدني فنكلستين، إن العمل تحت رئاسة مدير متردد "وضع صعب ومحبط" بلا شك. إذا كان مديرك من النوع الذي يتأثر بسهولة بمن يتحدث إليه أو بما تفعله المؤسسات الأخرى أو بمقاطع الفيديو التي يشاهدها على منصة تيك توك، فينبغي ألا تنساق أنت أيضاً لرغبته في التغيير المستمر. صحيحٌ أنك لا تستطيع التحكم في سلوكه، لكن بإمكانك معالجة الموقف.
وإليك 5 استراتيجيات استخدمتها مع عملائي في هذه المواقف:
مهِّد الموضوع لمديرك
قبل أن تعرض أمراً على مديرك ليدلي برأيه فيه، مهّد للموضوع وهيّئه له كي يتفاعل معه بإيجابية؛ أوضح مقدماً سياق المشروع وأسباب أهميته والمشاركين فيه والتوقعات المحدَّدة سلفاً (لأنه ربما نسيها).
لنفترض أنك تعمل في الفريق المسؤول عن نجاح تجربة العملاء، ووجدتَ أن آلية العمل في الشركة تحرم فريقك غالباً من بعض ملاحظات العملاء القيّمة؛ إذ يحتفظ قسم التسويق بتعليقات العملاء على وسائل التواصل الاجتماعي، ويحتفظ قسم المبيعات بالملاحظات المقدَّمة مباشرة إلى مندوبي المبيعات، أما البيانات المستمدَّة من استقصاء رأي العملاء فهي عشوائية وغير منظمة؛ فتتفق أنت ومديرك على أن جمع ملاحظات العملاء وترتيبها بأسلوب أفضل سيكون مشروعاً ذا قيمة عالية لمؤسستك.
فتضع خطة تفصيلية للمشروع على مدار بضعة أسابيع لمعالجة هذه المشكلة مدركاً أنك ستحتاج إلى العمل مع مختلف الأقسام والتعمق في تفاصيل البيانات المتاحة حالياً وإنشاء أنظمة مستدامة لضمان استمرارية النجاح، وها أنت الآن مستعدٌ لعرض خطتك على مديرك.
بدلاً من الخوض في التفاصيل، وسؤاله: "ما هو رأيك في خطة المشروع هذه؟"، مهّد للمحادثة على نحو استباقي بقول شيء مثل:
"ناقشنا في وقت سابق أهمية جمع ملاحظات عملائنا وتصنيفها بأسلوب أفضل؛ لأن آلية العمل الحالية تحرمنا رؤى قيّمة بمقدورها تحسين منتجاتنا. ولتحقيق هذه الغاية، سنحتاج إلى تعاون أقسام التسويق والمبيعات وتكنولوجيا المعلومات وإنشاء نظام يلتزم به الجميع من الآن فصاعداً، كي لا نواجه هذه المعضلة مجدداً. ولأن هذا هو هدفنا النهائي، أردت أن أعرض عليك خطة المشروع التي وضعتها".
أي النهجين سيؤدي إلى محادثة ألطف وأعمق؟ وأيهما سيؤدي إلى اتفاق دائم؟ وأي النهجين سيجعلك أنت ومديرك تشعران بالارتياح؟
عندما تكون مشغولاً، قد يصعب عليك استقطاع جزء من الوقت لصياغة فقرة تمهيدية، لكن إذا كان مديرك معروفاً بتراجعه عن قراراته فهذه الدقائق القليلة التي ستمضيها في صياغة هذه الفقرة قد توفر لك ساعات أو أسابيع في المستقبل.
اطرح أسئلة محددة
إذا كنت تعمل مع مدير يغير رأيه باستمرار، فإن سؤال "ما هو رأيك؟" سينتهي بك حتماً إلى إعادة العمل مراراً وتكراراً.
فعندما يطلب الموظف من مدرائه تقديم ملاحظات عامة سيقترح معظمهم تغيير شيء أو إضافته، ومن واجبك أن ترشدهم إلى الجانب الذي يمكنهم تقديم المساعدة فيه؛ وبالتالي فإن تحديد نطاق الملاحظات أمرٌ بالغ الأهمية.
لنعد إلى المثال الذي أشرنا إليه آنفاً بخصوص خطة مشروع تنظيم ملاحظات العملاء: بعد أن تنتهي من التمهيد للموضوع، اطرح سؤالاً محدداً حول ملاحظات العملاء، مثل: "أنا مهتم بآرائك حول الجدول الزمني الذي وضعتُه. هل تعتقد أنه واقعي أم طموح أكثر من اللازم؟".
يؤدي طلب الملاحظات حول شيء محدد إلى إتاحة الفرصة أمام مديرك للتفكير في الأمر على مهل، وإذا حددت الملاحظات التي تريدها بوضح فستكون محادثتكما أكثر كفاءة وفعالية.
عندما تفكر في الأسئلة المحددة التي يجدر بك طرحها على مديرك، من المفيد أن تأخذ الاعتبارات الآتية في الحسبان:
- ما الذي يجيده مديري؟ وكيف أستفيد من مواطن قوته؟
- ما هو العنصر الأهم فيما أناقشه؟
- ما الذي يعرقل النجاح؟
- عند النظر في عناصر خطتي كلها، ما هو العنصر الذي سيكون له أكبر أثر على نجاحي؟
لا تهدف هذه الاستراتيجية إلى خداع مديرك؛ فتحديد أسئلتك بدقة يمكّنه من تقديم ملاحظاته بفعالية بالاستفادة من مواطن قوته والتركيز على العناصر الأهم ودعمك بأفضل الطرق الممكنة.
حدّد مرحلة "التعديل"
ثمة مواعيد نهائية محددة لا يمكنك إجراء تغييرات بعدها في بعض القطاعات، مثل إعداد مقاطع الفيديو أو التصنيع أو النشر. وثمة قطاعات أخرى يمكنك إجراء تغييرات بها متى شئت؛ إذ يمكنك إجراء تعديلات عليها مراراً وتكراراً. وعلى الرغم من تكاليفها الباهظة على المدى البعيد، تبدو عواقبها هينة على المدى القريب في أغلب الأحيان.
وإليك بعض العبارات التي يمكنك استخدامها لتحديد "الفترة المتاحة لتدارس الخطة وفحصها وتعديلها" مع مديرك:
اتفقنا في محادثاتنا الأولية على إتمام المشروع خلال الفترة "س"، وهذا يعني أن علينا جمع الملاحظات كلها قبل يوم "ص"، وإلا فلن نستطيع إنهاءه في الموعد المحدَّد، ما سيؤدي إلى "ع".
ربما كان ذهن مديرك مشغولاً بعدد كبير من المشاريع ومواعيد التسليم، ويبدو أن تذكيره بموعد انتهاء مرحلة "التعديل" ومخاطر التأخير هو كل ما يحتاج إليه في الغالب أي مدير متردد في اتخاذ القرار للتوقف عن طلب التعديل باستمرار.
ارفض بأسلوب مهذَّب
يجب أن تحرص على ألا ينظر إليك مدراؤك باعتبارك شخصاً يرفض التغيير، لكن الخضوع المستمر لأهواء مديرك وأفكاره التي تخطر على باله في اللحظات الأخيرة لا يفيدك أيضاً.
إذا استجبت لطلبات التغيير المستمرة بقول: "لا مشكلة"، فأنت شريك أساسي في هذه المشكلة المحبطة للغاية. وثمة حلٌّ وسط يجنّبك الموقفين المتناقضين كليهما؛ المعاندة والرفض من جهة والانصياع وتكبد تكاليف تكرار العمل من الجهة الأخرى.
فكر في الرد بطريقة مهذبة باستخدام أسلوب مثل:
أتفّهم ملاحظاتك، وأعلم أن كلينا يريد إنجاح هذا (المنتج أو المشروع أو غير ذلك)، وأقدّر لك الوقت الذي خصصته لتدارس الأمر وفحصه، وأود أن أعود إلى هدفنا المتمثل في "س"، لقد غيرنا هذا الهدف عدة مرات.
-
- هل تعتقد أن النسخة الحالية لن تحقق الهدف؟
- هل التغيير الذي تطلبه سيؤدي إلى تغيير النتيجة؟
- ما هي تكلفة الانتظار ومتابعة العمل من دون تغيير؟
- هل يستحق التغيير استثمار ("س" من الوقت) أم من الأفضل أن نستثمر هذا الوقت في المهمة "ص" التي يجب إعطاؤها الأولوية؟
الأسلوب هو الأهم، لذلك يجب أن تطرح هذه الأسئلة من منطلق رغبة حقيقية في حب الاستطلاع، ومَن يدري، ربما تغير شيء ما فعلاً.
استكشف أسباب ترددك في التغيير
تتوق عقولنا بشدة للوصول إلى اليقين، لكنه صعب المنال في بيئة الأعمال المعاصرة، ومن الضروري كي تتمكن من التعامل مع هذه الظروف أن تدرك حتمية وجود حد أدنى من التغيير المستمر، والأهم من ذلك أن تدرك أن القدرة على مواصلة العمل في ظل التغيير ضرورية لسعادتك الشخصية.
يغيّر بعض المدراء آراءهم باستمرار؛ لأنهم لا يفكرون ملياً في توجيهاتهم أو لا يقدّرون وقت فريقهم أو لا يمتلكون فكرة واضحة بشأن النتيجة النهائية.
لكن مدراء عديدين يغيّرون آراءهم لأن الظروف تسمح بذلك، على الرغم من أن الأمر قد يكون محبطاً ويلقي على عاتقك المزيد من أعباء العمل.
يجدر بك ألا تعمل مع قائد لا يغير رأيه أبداً، فالمدير الجيد على أتمّ استعداد لتجربة شيء مختلف أو رسم مسار جديد أو تصحيح خطأ، ولا يتحقق التقدم إلا بالتغيير. وإذا كان كل "تعديل" بسيط يثير لديك استجابة المواجهة أو الهرب، فيجدر بك استكشاف أسباب ترددك الجذرية.
يجيد الموظفون المتميزون التعامل مع رؤسائهم، ويمتلك كل موظف القدرة على كبح جماح أفكار مديره التي لا تنتهي وتقليل عدد التغييرات البغيضة قدر الإمكان.
يتبع المدراء الذين يغيرون آراءهم باستمرار هذا النمط في أغلب الأحيان لأنهم مبدعون ومتحمسون ويرغبون دائماً في التحسُّن، وهذه صفات ممتازة في القائد، والتعامل معها على نحو مدروس يتيح لك جني فوائدها دون دفع ثمن تداعياتها بإعادة العمل بلا نهاية.