ملخص: هل سبق لك العمل مع مدير مؤذ؟ إذا كانت إجابتك نعم، فلا بد أنك تدرك أثر سلوكه السلبي على الموظفين. لكن هل يجب عليك أن تسامح مديراً يحاول أن يكفّر عن سلوكياته المسيئة تجاهك؟ تُظهر دراسة جديدة أن معظم المدراء الذين يسيئون معاملة موظفيهم لا يولون أهمية كبيرة بتحسين سلوكياتهم بقدر اهتمامهم بصورتهم الاجتماعية. تساءل الباحثون عن أنماط تلك السلوكيات ودوافعها من خلال إجراء استقصاءات اتخذت شكل الإبلاغ الذاتي وأُجريت على مدراء من مختلف القطاعات، وبقيت هوية المشاركين في تلك الاستقصاءات مجهولة. وخلصوا استناداً إلى النتائج التي توصلوا إليها إلى أنه من غير المرجح أن يغير المدير المؤذي من طباعه، وحذروا الموظفين وقادة الشركات من التغاضي عن إساءة المدراء، لاسيما أولئك الذين يُتبعون الإساءة بتصرفات حسنة، إذ لن يتسبب التغاضي إلا في تعزيز حلقة الإساءة التي تفشت في العديد من الشركات.
كثير من الموظفين يعملون لدى مدراء مسيئين يتنمرون عليهم أو يقللون من شأنهم. ويتجلّى سلوكهم المسيء في العديد من التصرفات، كإهانة مرؤوسيهم المباشرين على العلن أو انتهاك خصوصيّاتهم أو اغتيابهم. لكن قد تزيد تلك التصرفات المؤذية من سخط الموظفين ومن شعورهم بالتوتر، وقد تقود إلى آثار أكثر ضرراً وتأجيج النزاعات الأسرية والإبلاغ عن الشكاوى الصحية. ومع ذلك، يستمر المدراء المسيئون بإحداث الفوضى مخلفين وراءهم مشكلات لا حل لها. لماذا تصبر المؤسسات والموظفون على سلوك مدرائهم المؤذي إذاً؟
أجرينا دراسة على إحدى تلك الاحتمالات في بحث نشر مؤخراً في مجلة "علم نفس الموظفين" (Personnel Psychology)، ووجدنا أن العديد من الموظفين يميلون بعد تعرضهم للإساءة من مدير مؤذ إلى الاستسلام لما أطلق عليه أبراهام لينكولن"الجوانب الأفضل من طبيعتهم البشرية"، فيسامحون تلك الزلة، خاصة عندما يبادر المدير إلى التعويض عن سلوكه الفظ. على سبيل المثال، اشتُهر الرئيس الأميركي السابق ليندون جونسون بقسوته في التعامل مع العاملين لديه، حيث كان يوبخهم باستمرار على العلن، ويطالبهم بتقديم الخدمات له على مدار الساعة، ويرميهم بكل ما يجده أمامه عند فشلهم في العمل بالسرعة المطلوبة. وقد وصف جورج ريدي الذي عمل مساعداً لجونسون فترة طويلة من الوقت قسوة جونسون في مذكّراته وكيف أنها طالت "حتى الأشخاص الذين بذلوا الكثير من الجهد وضحوا من أجله". وكان كلما فكر ريدي في الاستقالة، قدم له جونسون "هديّة ثمينة" أو أظهر تصرفاً ما جعل ريدي ينسى ظلمه ويتخلى عن فكرة تقديم استقالته. إلا أن سلوك جونسون المسيء تجاه ريدي استمر وازداد سوءاً خلال الأعوام الـ 15 التي عملا فيها معاً.
في الواقع، لا ينطوي هدف المدراء أمثال جونسون من التعامل بلطف مع موظفيهم على إصلاح الموقف المسيء، بل يتظاهرون باللطف لتحسين صورتهم الاجتماعية دون أن يغيروا من سلوكياتهم بالفعل. بعبارة أخرى، يجيد بعض المدراء الظهور بمظهرِ حسن بعد حادثة مسيئة، وهو ما يدفع موظفيهم ورؤساءهم في العمل إلى مسامحتهم ونسيان الحادثة، إلى أن تتكرر ثورة الغضب من جديد وتستمر حلقة الإساءة. وإذا كان ذلك صحيحاً، فقد يكون للموظفين والمؤسسات دور في تعزيز ذلك السلوك المؤذي لدى المدراء دون قصد، وذلك لإبدائهم قدراً كبيراً من التسامح.
كيف يتصرف المدراء بعد إساءتهم معاملة موظفيهم؟
ركزنا في البحث الذي أجريناه على دراسة تلك الاحتمالية باستخدام نهج يعتمد على إجراء استقصاءات يومية مكّنتنا من كشف دوافع المدراء المسيئين وسلوكياتهم بصورة آنية؛ وشملت العينة أفراداً يمتلكون بحسب دراسات سابقة رؤى ثاقبة أكثر دقة حول طبيعة تلك السلوكيات والدوافع، وذلك بصفتهم مدراء أنفسهم. شملت الدراسة 79 مديراً تطوعوا للمشاركة من خلال منصة عبر الإنترنت. أبقينا إجابات المدراء مجهولة الهوية حتى يكونوا أكثر صراحة في الحديث عن سلوكياتهم المسيئة وعن مشاعرهم في العمل. عمل أولئك المدراء في مؤسسات وقطاعات متنوعة، مثل قطاع الاستشارات والتعليم والصحة والبيع بالتجزئة؛ وطلبنا منهم المشاركة في الاستقصاء مرتين يومياً لمدة 15 يوم عمل على امتداد 3 أسابيع؛ وانطوى الهدف من تلك الدارسة على فهم مشاعر المدراء وطرق استجاباتهم عند إبدائهم سلوكيات مسيئة تجاه مرؤوسيهم. كنا نطرح عليهم كل صباح أسئلة ترتبط بسلوكياتهم المسيئة في اليوم السابق، كأن نستفسر منهم عما إذا كانوا قد اتهموا مرؤوسيهم بانعدام الكفاءة أو انتهكوا خصوصياتهم أو أطلقوا عبارات سلبية بحقهم. وفي الوقت نفسه، سألنا المدراء عن مشاعرهم حول أثر سلوكياتهم السابقة في معنوياتهم ومواقفهم الاجتماعية. وكنا نسألهم نهاية كل يوم عن كيفية تعاملهم مع مرؤوسيهم خلال ذلك اليوم نفسه.
ووجدنا أنه عندما أبلغ المدراء عن اتباعهم سلوكيات مسيئة تجاه موظفيهم، كانوا يدركون أن صورتهم الاجتماعية قد تضررت نتيجة تصرفاتهم، وكان ذلك الأثر واضحاً بشكل خاص لدى المدراء الذين أكدوا في بداية الدراسة أهمية أن يظهروا بمظهر أخلاقي حسن أمام موظفيهم. بعبارة أخرى، عندما أمعنا التركيز على المدراء الذين كانوا حريصين على عكس صورة عنهم تظهر تمسكهم بالقواعد الأخلاقية الصارمة، وجدنا أن انخراطهم في السلوكيات المسيئة، كالاستهزاء بالموظفين، دفعهم إلى إيلاء اهتمام أكبر بصورتهم الاجتماعية.
نتيجة لذلك، اتخذ المدراء المسيئون العديد من الإجراءات بهدف تحسين صورتهم الاجتماعية. وأفادوا بشكل خاص بأنهم مارسوا سلوكيات هدفها تحسين الانطباع المأخوذ عنهم، مثل تقديم خدمات بسيطة ومتعمدة للموظفين هدفها تغيير نظرتهم عنهم للأفضل، كما انخرطوا في سلوكيات هدفها الترويج للذات، كتسليط الضوء على اجتهادهم في العمل أو استعراض نجاحاتهم السابقة. من جهة أخرى، لم يعترف هؤلاء المدراء بقيامهم بأي تصرفات هدفت إلى إصلاح الضرر الذي تسببوا به في اليوم السابق، كتقديم اعتذارات صادقة لمن أساؤوا إليهم.
وبالتالي، قد يبدو في ظاهر الأمر أن المدراء المسيئين يقدرون مشاعر ضحاياهم بعد ممارساتهم المسيئة تجاههم، لكن في الواقع، أفاد المدراء في دراستنا بأن الهدف من تلك المحاولات السطحية هو التحكم في الانطباعات المأخوذة عنهم. نتيجة لذلك، وجدنا أن احتمال أن يغيّر المدراء المؤذون من أساليبهم ضئيل جداً، وذلك لسبب رئيس يتمثل في تركيزهم على إخفاء ممارساتهم المسيئة من خلال تبنيهم سلوك الاسترضاء والمباهاة بالذات بدلاً من تبديل سلوكياتهم المؤذية.
كسر حلقة الإساءة في القيادة
يقدّم بحثنا في النهاية تحذيراً لقادة المؤسسات والموظفين مفاده أن غض الطرف عن المدراء الذين يسيئون معاملة موظفيهم ويتصرفون بود بعد ذلك يسفر عن تعزيز حلقة الإساءة التي تتفشى في الكثير من الشركات. لسوء الحظ، تبيّن لنا من خلال بحثنا وبحوث أفراد آخرين أن المدراء المؤذين لا يتغيرون بالقدر الذي نريده، بل على العكس، عادة ما تستمر سلوكياتهم المسيئة أو تزداد سوءاً. ولاحظنا أنه عندما يبدي المدراء المؤذون ندمهم بعد ممارساتهم المسيئة، تكون لديهم عادة أسباب خفية لذلك الندم تصب في مصالحهم الشخصية. وبحسب ما أظهره بحثنا، ينطوي الحل الوحيد الذي يمكن لقادة المؤسسات اتخاذه لكسر حلقة الإساءة ووقف السلوكيات الفظة والاستغلالية والأنانية على تطبيق سياسات عدم التسامح مع أي سلوك مؤذ يبدر من المدراء، والالتزام التام بتطبيق تلك السياسات، خاصة عندما يحاول المدراء التعويض عن سلوكياتهم المسيئة. ومن المهم أيضاً في تلك الحالات فرض العقوبات عليهم بدلاً من مسامحتهم؛ وقد أظهرت البحوث السابقة فائدة العقوبات في الحد من السلوكيات المسيئة بالفعل.
ومع ذلك، لا يمكن لسياسات المؤسسات أن تضبط سلوك مدرائها بالكامل، إذ نجد في النهاية أن فشل المدراء في الالتزام بالآداب العامة والسلوك الأخلاقي تجاه موظفيهم عائد إليهم في نهاية المطاف. من جهة أخرى، يمكن للمدير المسيء نيل المصداقية من جديد من خلال تقديم اعتذارات صادقة لمن أساء إليهم وإجراء تسويات معهم والعمل على تجاوز تلك الزلة من خلال تبنّي سلوكيات أخلاقية. وفي حالات أخرى، قد تسفر مساعي المدراء السطحية الرامية إلى التلاعب بتصورات الموظفين عنهم عن شعورهم بحالة استنزاف، وهو ما يجعل تبنّي السلوك الصادق ضرورة حتمية. إلا أن الحل الأمثل بالنسبة للمدراء المسيئين ينطوي على إدراك دوافعهم وسلوكياتهم بعد أي ثورة من الإساءة.
يوصي بعض الباحثين بأن يمارس المدراء التأمل بشكل يومي والتفكير في دوافعهم وسلوكياتهم المسيئة لئلا تنطفئ شعلة الحماس في داخلهم ويخبو حافزهم للتغيير. ونتشارك في الواقع الرأي نفسه فيما يتعلق بأثر التأمل في معالجة تلك الهفوات السلوكية. فإذا ما كرس المدراء المؤذون بعض الوقت كل يوم لتقييم سلوكياتهم ودوافعهم بصدق والتأمل في أثر تلك السلوكيات على مرؤوسيهم، سيصبحون عندئذ قادرين على التعامل بلطف بدلاً من التظاهر باللطف بعد أي ممارسة مسيئة.