ملخص: تذكر أنه ليس بالضرورة أن يكون الجميع أصدقاءك، وربما تضطر إلى العمل مع شخص لا ترتاح للتعامل معه. هناك الكثير من الأبحاث النفسية التي تشرح لماذا تكون بعض العلاقات أسهل من غيرها. فالبشر مخلوقات اجتماعية معقدة لها قيَمها الخاصة ومعتقداتها الراسخة حول الطُرق التي يجب أن يتصرف الناس وفقها والتي يجب عليهم اتباعها عندما يتفاعلون ويتواصلون.
- لدينا جميعاً تحيزات لا إرادية تملي علينا طريقة تفكيرنا وشعورنا تجاه كل شيء، من الجنس وحتى العِرق. ويؤثر العديد من هذه التحيزات إلى حد كبير فيمن يمكن أن نتوافق معه وفيمن نجد صعوبة أو إحراجاً بالتعامل معه. مع ذلك، يمكننا بالفعل التوافق جيداً مع الأشخاص الذين لا نحبهم واحترامهم أيضاً.
- ابدأ بنفسك. يمكن أن نكره شخصاً ما دون حتى معرفة السبب، ثم نبحث عن دليل يؤكد صحة شعورنا هذا. حيث يبحث دماغنا عن مختلف الطرق الممكنة لتحريف الحقائق في سبيل حمايتنا، والتي تُعد إحدى وظائفه الرئيسية. لذلك إذا كنت تريد تقليل كرهك لزميلك في مكتب العمل، فعليك البدء بنفسك.
- تصرف كشخص بالغ. لا تستسلم للسلوكيات الطفولية، مثل اتخاذ موقف دفاعي طائش أو تجاهل هذا الشخص بهدف تحدّيه وإزعاجه. بدلاً من استبعاده من الاجتماع القادم أو إرسال بريد إلكتروني سلبي وعدواني إليه، حدد السلوكيات التي من شأنها مساعدتك ومساعدته أيضاً.
- اختر معاركك. هناك بالتأكيد بعض المعارك التي تستحق الخوض فيها، خاصة إذا كانت تستند إلى القيم التي تؤمن بها. في الحقيقة، لا يعني التوافق مع الأشخاص صعبي المراس تسويغ التصرفات غير المقبولة أو تجاهلها، مثل التنمر أو التمييز.
ستكتسب الخبرة الكافية عندما تكبر لتقييم نفسك والآخرين. لقد كان أمامك سنوات طويلة لاكتشاف الأشخاص الذين يمكن أن ترتاح بالتعامل معهم بشكل طبيعي، والأشخاص الذين لا يمكنك التوافق معهم طبعاً.
في بيئة العمل، يمكن للعلاقات المتوترة إثارة الصراعات والخلافات والتأثير سلباً على الأداء. بالنظر إلى أن 70% من الموظفين يقولون إن سعادتهم في العمل مرتبطة إلى حد كبير بأصدقاء العمل، من المفيد استثمار بعض الوقت لتعلم كيفية التغلب على هذه المصاعب بشكلٍ أفضل.
هناك الكثير من الأبحاث النفسية التي تشرح لماذا تكون بعض العلاقات أسهل من غيرها. بالنسبة لنا نحن البشر، فنحن مخلوقات اجتماعية معقدة لها قيمها الخاصة ومعتقداتها الراسخة حول الطرق التي يجب أن يتصرف الناس ويتفاعلون ويتواصلون بعضهم مع بعض من خلالها. لدينا جميعاً تحيزات لا إرادية تملي علينا طريقة تفكيرنا وشعورنا تجاه كل شيء، من الجنس وحتى العِرق. ويؤثر العديد من هذه التحيزات إلى حد كبير على من يمكن أن نتوافق معه وعلى من نجد صعوبة أو إحراجاً بالتعامل معه.
وفي نفس الوقت، لدينا رغبة فطرية في أن نكون محبوبين ومحترمين. لذلك عندما ينشأ صراع أو خلاف ما، نميل بفطرتنا إلى إلقاء اللوم على الطرف الآخر، متبنين الفكرة الخاطئة "لو كان الجميع مثلي، لكان العالم مكاناً رائعاً".
المشكلة هي أننا جميعاً نرغب في العمل مع أشخاص نحبهم، لكن جميعنا مختلفون وليس بالضرورة أن يحبنا الجميع في النهاية. بالنسبة إلى المدراء الجدد على وجه الخصوص، ربما تتعلق الأفكار التي تؤرقنا بالأشخاص وليس بالاستراتيجية، خاصة الأشخاص الذين لا نتوافق معهم أو نجد التعامل معهم صعباً.
إذاً كيف تتصرف عندما تضطر إلى العمل مع شخص لا ترتاح للتعامل معه؟
ضع في اعتبارك تجربة هذه الاستراتيجيات المجربة والمختبرة في المرة القادمة التي تواجه فيها صعوبة في العلاقة.
1. ابدأ من نفسك أولاً
من المثير للاهتمام أننا يمكن أن نكره شخصاً ما دون حتى معرفة السبب، ثم نبحث عن دليل يؤكد صحة شعورنا هذا. يُعرف ذلك بـ "التأكيد" أو "الانحياز الذاتي" (معالجة المعلومات بطريقة تتحيز لمعتقدات الشخص وآرائه ومواقفه السابقة)، حيث يبحث دماغنا عن مختلف الطرق الممكنة لحرف الحقائق في سبيل حمايتنا، والتي تُعتبر إحدى وظائفه الرئيسية. يتمتع دماغنا أيضاً بكفاءة عالية في تخزين الذكريات المتعلقة بالأسباب التي تدعونا إلى عدم الوثوق بشخص محدد. بمجرد أن يُنشئ دماغنا انطباعاً محدداً عن شخص ما، من الصعب تعديل طريقة تصورك له.
ولكن إليك ما نعرفه على وجه اليقين كمدربين تنفيذيين. يجد أكثر الناس نجاحاً وسعادة طرقاً صحية للتعاون مع الشخصيات التي لم يكن التعامل معها خيارهم، سواء ظهروا في حياتهم المهنية أو الاجتماعية أو حتى داخل أسرهم، لأنهم يدركون تماماً كيف يستثمرون طاقاتهم في العلاقات، ويكيفون استراتيجياتهم وفقاً لاحتياجاتهم.
لذلك إذا كنت تريد تقليل كرهك لزميلك في مكتب العمل، أو تريد التوقف عن الشعور بالقلق في كل مرة تقابله فيها، فعليك البدء بنفسك. هل أنت مستعد لهذه المهمة؟
تخيل كيف ستختلف حياتك وما يمكنك فعله بالوقت الإضافي الذي تضيعه حالياً في الإحباط الذي يسببه الشخص الذي لا تحبه. قد يكون ذلك أعظم اختراق على الإطلاق يمكنك تحقيقه خلال حياتك.
2. تصرف كشخص بالغ
ستفكر ملياً، في مثل هذه المواقف، في كل ما تعلمته خلال حياتك عن الذكاء العاطفي وتقيّم بوعي الموقف الذي تواجهه. على سبيل المثال، إذا عاملك شخص ما بوقاحة في غرفة الموظفين أو خلال أحد الاجتماعات، فهل تفترض أنه يكرهك أم تنسحب من المواجهة وتفترض أنه ربما يمر بظروف صعبة؟
لا تستسلم للسلوكيات الطفولية، مثل اتخاذ موقف دفاعي طائش أو تجاهل هذا الشخص بهدف تحديه وإزعاجه. بدلاً من استبعاده من الاجتماع القادم أو إرسال بريد إلكتروني سلبي وعدواني إليه، حدد السلوكيات التي من شأنها مساعدتك ومساعدته أيضاً.
على سبيل المثال، الانسحاب بأدب من المحادثات غير المثمرة، أو لقاء هذا الشخص على انفراد ومناقشته باحترام حول المشكلة قبل أن تكبر، أو وضع حدود أوضح حول وقتك وتوقعاتك.
فإذا كان لدى زميلك عادة المطالبة بعمليات تحول سريعة في المشاريع، فلا تتجنب العمل معه. فكر قليلاً واسأل نفسك: ما الطريقة الأكثر إنتاجية واحتراماً للتعامل مع هذا الموقف؟ قد تجد أن الاقتراب منه وشرح أنك بحاجة إلى كذا وقت مقدماً للوفاء بالمواعيد النهائية يحسّن العلاقة معه على المدى الطويل.
3. أظهر الاحترام للأفكار التي يقدمها
ابحث عما يمكنك تقديره عن الشخص الذي لا تحبه؛ فعلى أية حال، يمكن أن يتمتع أي شخص بنقاط قوة ومهارات يمكن الاستفادة منها. ربما كان بارعاً بالفعل في التفكير الجانبي أو لديه اهتمام رائع بالتفاصيل، وربما تكمن نقطة قوته في إضفاء روح الدعابة على الغرفة عندما يكون الجميع بأمسّ الحاجة إليها.
لا تضعف علامتك التجارية من خلال عدم احترام الأشخاص المختلفين عنك، فالموظفون الناجحون يدركون أن التنوع هو المفتاح لحل المشكلات الصعبة ودفع عجلة الابتكار.
أظهر التعاطف مع كل شخص تقابله. عندما تعامل الناس باحترام، يمكنك الإصغاء والتفكير ملياً في احتياجات الآخرين وتعديل تفكيرك وإضافة قيمة إلى المحادثة من خلال تحدي التفكير الجمعي، ويعني ذلك أنك تهتم بعمق بالآخرين وتقدّر أفكارهم وآراءهم واختلافاتهم. وهناك فائدة إضافية من احترام السلوكيات وطرق التفكير التي تختلف بها عن الآخرين، وهي اكتساب مجموعة متنوعة من وجهات النظر الجديدة وإمكانية معالجة المعلومات بدقة أكبر.
4. لا تركز على السلبيات
إذا كنت تحمل ضغينة تجاه شخص ما، وتتوقع مثلاً أنه سيتأخر عن الاجتماعات أو لن يسلم العمل قبل الموعد النهائي، فمن المرجح أن تجد الدليل الذي تبحث عنه، والذي سيكون بمثابة الانحياز التأكيدي المؤثر.
عندما يزعجك شخص ما، بدلاً من التركيز على الخطأ الذي ارتكبه، فكر في رد فعلك. هل تثير مقاطعته المستمرة لك في أثناء حديثك حنقك لأنك تعلمت أن مقاطعة شخصٍ آخر تصرف وقح؟ هل تتوتر بسبب مطالبتهم المستمرة بالحصول على ترقية لأنك اُستبعدت من الترقيات في الماضي؟
انتبه لما يثير كرهك لذلك الشخص، ودوّن كيفية تفاعلك معه ولماذا. بعد معرفة ما يثير الضغينة تجاهه، يمكنك أن تقرر ما إذا كان شيئاً يمكنك التغاضي عنه، أو ما إذا كانت هناك حاجة لإجراء محادثة مدروسة جيداً مع ذلك الشخص تشرح فيها كيفية تأثيره عليك. يجب أن تكون متأكداً من أن الأمر يتعلق بما تشعر به، وليس بما يفعله ذلك الشخص، فقد تكون عواقب لوم الآخرين وخيمة. على سبيل المثال، بدلاً من أن تقول له "أريد التحدث معك لمعرفة سبب مقاطعتك لي باستمرار في الاجتماعات"، يمكنك قول "أشعر بأنك لا تحترم وجهة نظري، هل يمكن أن نتحدث عن ذلك؟".
يمكنك أيضاً التفكير في التحدث معه على انفراد وتبادل الأفكار معه حول أفضل طريقة للتعاون فيما بينكما. وبدلاً من أن تقول له "أن تفعل كذا وكذا"، قل له "ماذا يمكنني أن أفعل لجعل علاقة العمل بيننا أكثر إنتاجية؟". سيكون هناك في معظم الحالات تغييرات يمكن لكما اتخاذها لضمان سير العمل بشكلٍ أفضل.
5. تواصل معه
ابحث عن الأشياء الجيدة في هذا الشخص وحاول إجراء محادثات إيجابية معه حول الموضوعات التي يمكنك المساهمة فيها، مثل إنجازات المشروع والنجاحات التنظيمية. حاول التمييز بين الشخص وسلوكياته. عند التركيز على الشخص بحد ذاته وتحديد السمة التي يقدرها كلاكما، مثل الثقة، فستكون أقل ميلاً للتركيز على السلوك الذي لا يعجبك في ذلك الشخص، مثل ميله إلى مقاطعتك باستمرار.
سيسمح ذلك ببناء علاقة أكثر احتراماً وانسجاماً. بعد نشوء هذه العلاقة بينكما، قد تدرك أنك كنت تحكم عليه بقسوة إلى حد ما، وأنه "منتج" على عكس ما كنت تعتقد سابقاً، وأن "أخطاءه" هي أخطاء يمكن أن يرتكبها الجميع من وقت لآخر.
6. فكر بطريقة استراتيجية
فكر في النتيجة التي تريد الوصول إليها وافعل ما يلزم لتحقيقها. ربما يجب عليك تغيير الطريقة التي تعمل من خلالها مع ذلك الشخص، مثل قضاء المزيد من الوقت في مساعدته على بناء مهارة معينة، أو ربطه بالموظفين الآخرين في المؤسسة أو تقييم عمله بطريقة هادفة حتى لو لم يعجبك ذلك.
ركز على الأشياء التي يمكنك القيام بها لمساعدته على النجاح، وتذكر أن نجاحه هو نجاح لك في النهاية. يجب أن تكون أولويتك تحقيق رؤية المؤسسة والقيام بما يلزم لذلك. استثمر بعض الوقت في التأكد من أن الشخص الصعب المراس يعرف دوره ويشعر بانتمائه للمؤسسة ويعلم بالضبط ما هو المطلوب لإنجاحها.
7. اختر معاركك
هناك بالتأكيد بعض المعارك التي تستحق الخوض فيها، خاصة إذا كانت تؤثر على القيم التي تؤمن بها. إذا كان هناك خطأ ما يؤثر على قيمك بشكلٍ كبير، فابحث عن طريقة بنّاءة لتوضيح وجهة نظرك والتحدث عما يزعجك حقاً. في الحقيقة، لا يعني التوافق مع الأشخاص الصعبي المراس تسويغ أو تجاهل التصرفات غير المقبولة، مثل التنمر أو التمييز. ولكن إذا كانوا يضايقونك دون قصد، أو لديهم آراء مختلفة عن آرائك أو يتمسكون بقضية سيتم حلها بمرور الوقت، فمن الأفضل تجاوز الأمر ببساطة.
في النهاية، غالباً ما نشعر بالحاجة إلى أن نكون على حق، وهنا يكون غرورنا على المحك. نريد أن نظهر بمظهر جيد، ونعتقد أن الخطأ هو خطأ شخص آخر. ولكن هناك مواقف في الحياة - خاصة في مكان العمل وفي خضم جائحة عالمية - يكون فيها إظهار التعاطف والمرونة في تصرفاتك أكثر أهمية من إثبات أنك تعرف المزيد.
المفتاح هو أن تكون متعاطفاً، وأن ترى الموقف من منظور الشخص الآخر، وأن تكون فضولياً بدلاً من إصدار الأحكام. فكر ملياً في المشاعر والمخاوف والأفكار والتجارب التي قد يمر بها أي شخص قد تتصادم معه. ربما يطرح الكثير من الأسئلة المزعجة خلال الاجتماعات لإظهار أنه مهتم وفعّال، وربما يتكلم عن زملائه في غيابهم لأنه يعبر عن مخاوفه الخاصة. افترض أن كل شخص يمر بتجربة ما ويستحق أن تمنحه بعض الصبر والتسامح والتفاهم.
لا يتقصد معظم الموظفين أن يكونوا مزعجين، لذلك اسأل نفسك؛ ما الذي لا أعرفه عنهم؟
أخيراً، تذكر أنه ليس بالضرورة أن يكون الجميع أصدقاءك، ومن الممكن العمل مع شخص لا ترتاح للتعامل معه دوماً. يمكننا بالفعل التوافق جيداً مع الأشخاص الذين لا نحبهم ويمكن أن نحترمهم. أعلم أن ذلك مثير للجدل، ولكنه ممكن.