في وقت من الأوقات، توصلت لقناعة بأنّ السيل قد بلغ الزبى. كنت حينها أدير عملي الخاص لبضع سنوات، كنت أشعر دوماً بالضغط والإرهاق. لم يكن لدي حدوداً واضحة بين العمل والوقت الشخصي، ونادراً ما توقفت عن العمل دون الشعور بالذنب. وعلى الرغم من استمتاعي بعملي وتحقيقي لعائد جيد لي، إلا أنّ الضغط المستمر الناتج عن العمل الزائد منعني من الشعور بتحقيق نجاح حقيقي.
تلك الفترة، كانت نقطة تحول رئيسية بالنسبة لي، حيث قمت بإجراء بعض التغييرات في الطريقة التي أعمل بها، مخفضاً ساعات العمل من 60 ساعة إلى 50 ساعة أسبوعياً. وعلى مدى السنوات اللاحقة، قمت بشكل تدريجي بتخفيضها إلى 40 ساعة أسبوعياً، وفي الوقت الذي كنت أعمل فيه ساعات أقل، كنت ألحظ ازدياداً في الإيرادات.
ومن خلال تجربتي الخاصة، وعملي في تدريب العملاء على إدارةالوقت، اكتشفت علاقة قوية في كثير من الأحيان بين ثلاثية سوء إدارة الوقت والعمل لساعات أطول والشعور بالتوتر. ويعود التوتر هنا إلى أنك فكرياً كنت ترغب في العمل لساعات أقل، لكن الأمر لا يبدو كذلك من الناحية العاطفية. إذ كنت تشعر دوماً بأنك متأخر فعلاً وتعاني من كثرة العمل، وعليه فإنّ العمل لساعات أقل لن يجعل الوضع إلا أكثر سوء.
هنا، يمكنك إعادة النظر في الطريقة التي تعمل بها بحيث تعمل على تخفيض ساعات عملك تدريجياً. الأمر ليس سهلاً بالبداية، وربما يستغرقك الأمر بضعة أشهر للوصول إلى هدفك، ولكن من خلال إدارة وقتك بشكل مختلف، يمكنك أن تعمل بفعالية أكبر وفي وقت أقل. وسيساعدك هذا على اكتشاف شغفك المتجدد بالعمل، وتحسين صحتك، خاصة في ما يتعلق بالنوم وممارسة الرياضة، وتحسين علاقتك وتحقيق السلام والهدوء الشامل للعقل.
لنبدأ من خلال تقييم الكيفية التي تقرر عبرها متى تتوقف عن العمل. ففي كثير من الأحيان يتوقف الناس عن العمل عندما يشعرون بالتعب الشديد ما يحول دون قدرتهم على الاستمرار أو يلجؤون لمراقبة زملائهم ومتابعة توقفهم عن العمل، وبشكل عام، لا تعتبر هذه الإشارات مفيدة جداً في هذا المجال. فعندما تعمل حتى التعب الشديد، يعني هذا أنك كنت تعمل بإنتاجية أقل، ما يعني أيضاً أنك لم تكن تملك الطاقة كي تستمع بوقتك خارج العمل. وفي الوقت نفسه، فإنّ استنادك في ساعات عملك الخاصة على زملائك هو أمر خطير أيضاً، لأنك تضع وقتك في يد شخص آخر (شخص ما قد يعمل بشكل فعال أو غير فعال).
وبدلاً من ذلك، خذ أنت المبادرة في تحديد وقتك. بإمكانك تحديد معدل ساعات عملك في إطار فترة زمنية ما. على سبيل المثال، 45 إلى 50 ساعة في الأسبوع، واستخدم هذا العدد كنقطة للتوقف. وإذا وجدت صعوبة في تحديد هدف أسبوعي، بإمكانك أن تبدأ بكمية صغيرة من خلال التركيز على الهدف بشكل تدريجي، كأن تغادر عملك أبكر بـ15 دقيقة كل يوم. ويتوجب عليك أيضاً أن تعمل على تحديد المهام التي تحتاج إلى إنجاز على أساس أسبوعي أو يومي، وعبر هذا الجدول ستشعر بالراحة فور إنهائك العمل في الوقت المحدد.
وبعد أن تقوم بهذا، إذا وجدت نفسك تعمل في ساعة متأخرة من الليل أو في عطل نهاية الأسبوع رغم قيامك بتنظيم وقتك، يتوجب عليك بعدها أن تحدد المعوق الرئيسي الذي يتسبب في عدم التزامك بعدد الساعات الذي تطمح إليه. لربما يكمن السبب في عدد الاجتماعات الكبير الذي تشارك به يومياً، أو بسبب معاناتك من الإزعاج باستمرار ولهذا لا تندمج بالعمل إلا بعد أن يغادر الجميع، أو تكمن المشكلة في المشروع نفسه إذ يشكو من نقص في الموظفين وأنت تسد وظائف متعددة في نفس الوقت.
تحديد المشكلة هنا ضروري جداً لمساعدتك في تحديد كيفية التغلب عليها. على سبيل المثال، إذا كنت تواجه مشاكل في عدد الاجتماعات الكبير، يتوجب عليك التحكم بالاجتماعات عبر منع ضياع أجزاء من الأوقات بغية إنجاز عمل مركز. وبالنسبة لكثير من المدراء، فقد شكلت هذه الاستراتيجية فرقاً كبيراً بين العمل طوال الليل أو المغادرة في الوقت المناسب.
أما في حالة تعطل العمل بسبب الإزعاج المستمر من الزملاء، بإمكانك إغلاق باب مكتبك خلال أوقات معينة من اليوم، أو العمل من المنزل يوماً واحداً في الأسبوع، أو يمكنك حتى أن تغادر الشركة خلال ساعات الذروة (إن كان هذا مسموحاً)، لتجنب هذه الازعاجات. وإذا ما كان سبب الإزعاج هو ما يأتيك عبر وسائل التواصل الرقمية، بإمكانك إيقاف الدردشة وإيقاف التنبيه عبر البريد الإلكتروني أثناء ساعات العمل أو حتى خلال جزء منها بحيث يمكنك التركيز على المشاريع المهمة بدلاً من الاهتمام بالمهام العاجلة.
وفي حال معاناتك من الحمل الزائد لعدم وجود عدد كاف من الموظفين داخل المشروع، بإمكانك ببساطة طلب مزيد من الموظفين أو الموارد للعمل. أحياناً، لن تجد التمويل الكافي لإضافة موظف جديد، حينها يمكنك عبر سؤال من حولك أن تكتشف أنّ زميلاً آخراً لديه بعض الوقت الزائد ويمكنه المساعدة، أو يمكنك أن تستعين ببعض الموظفين المؤقتين لإنجاز المهمات. وإن لم يفلح كل هذا بإمكانك أن تلجأ إلى خيار التفاوض لتمديد المواعيد النهائية الخاصة بالمهمات الموكلة إليك عبر جدولة بعض المشاريع في الوقت الحاضر أو إيكال مسؤولية إنجاز المشاريع لشخص آخر.
وبشكل أو بآخر قد تتعرض لبعض اللحظات المحرجة عندما يتفاجأ شخص ما برفضك للمشروع أو طلبك لتمديد الموعد النهائي الخاص بالتسليم، لكن الصدق في التعامل مع الناس حولك، وإخبارهم بما يمكنك أن تنجزه ضمن ساعات العمل المخصصة وما لا يمكن إنجازه سيعطيك مجالاً أكبر للفعالية وسيمنحك فسحة للاستمتاع بعملك.
وبعد هذه الخطوات، إن شعرت بالفشل أيضاً ولم تتمكن من إيجاد الوقت الذي تحتاجه، ستحتاج حينها إلى إعادة النظر في التخطيط الخاص بك. فحري بك هنا أن تقوم بتحديد أهم المشاريع الخاصة بك، ووضع أولويات في وقت مبكر من اليوم أو الأسبوع بحيث يصبح بإمكانك تحقيق التقدم قبل اللحظة الأخيرة وقبل نهاية الوقت المحدد للعمل. على سبيل المثال، بإمكانك التخطيط لإنجاز أهم الأعمال بحلول صباح يوم الاثنين، وعليه، فإن حدث أي تأخير بإمكانك تداركه حتى مساء يوم الثلاثاء التالي.
بمجرد إنهائك هذه الاستراتيجية العملية، يبقى أمامك العنصر الأخير وهو الجانب العاطفي. فإذا كنت معتاداً على العمل لساعات أطول، فإنك ستتجه لا محالة إلى التفكير في أمور أخرى للقيام بها بمجرد أن تكمل معظم البنود الهامة الخاصة بك، وتشعر بعدم الارتياح للتوقف عن العمل. أذكر أنني في المرة الأولى التي قررت بها أن أقلل من ساعات العمل، شعرت وكأني أعاني من أعراض الانسحاب، وكثيراً ما تلاعبت بي الأفكار لأعود للعمل بنفس الصيغة السابقة على الرغم من علمي بأني الآن خارج أوقات العمل.
وعلى الرغم من معاناتي من هذا القلق وأعراضه، إلا أنني أجبرت نفسي على التوقف. قمت حينها بالالتزام بحصص تدريبية واجتماعات مع الأصدقاء وغيرها من الأمور كالالتزام بمشروع شخصي، وبعد أسابيع قليلة من العمل اكتشفت أنّ الأمر ليس بفظاعة ما كنت أتصوره، وأصبحت أقل عاطفية في مواجهة ساعات العمل المنخفضة. وعلاوة على ذلك، دفعتني تلك الالتزامات الشخصية إلى الشعور بأنني سأفقد أمراً ما إن ظللت في العمل بعد انتهاء أوقاته الرسمية.
وبكل تأكيد، فإنّ التزامك بهذه الاستراتيجيات سيتيح لك فرصة ذهبية لتقليص عدد ساعات عملك والمحافظة على إنجاز عملك في موعده ومن دون أي إجهاد.