ملخص: إذا كنت تعمل في قطاع على وشك التلاشي، من المنطقي أن تشعر بالقلق على وظيفتك. ولكن ما يدعو للتفاؤل هو أن زعزعة قطاعات الأعمال لا تحدث عادة بين عشية وضحاها، وينبغي لك أن تكون قادراً على اتخاذ خطوات لحماية مسارك المهني أو تغييره من خلال التحلي بنظرة استشرافية. ومن أهم هذه الخطوات في هذا الصدد هي التفكير في مهاراتك التي يمكن أن تكون ملائمة في أكثر من مجال. بمعنى، ما الذي تعلمته في وظيفتك الحالية ويمكن تطبيقه في مجال آخر؟ وما هي القدرات التي تمتلكها ولكنها ليست مدرجة بالضرورة في وصفك الوظيفي؟ إذا كنت في مركز سلطة ضمن شركتك، يمكنك أن تفكر في كيفية مساعدة شركتك على تطوير نموذج عملها، وبذلك ستخلق التغيير بدلاً من الخضوع له.
يعتبر أي عمل تجاري في أي قطاع عرضة للزعزعة أو التقادم إذا لم يخطط للمستقبل ويتكيف معه، حيث يخلق التقدم التكنولوجي الكثير من الفرص ولكنه أيضاً يخلف خسائر في أعقابه، كخسارة الوظائف عندما تطيح شركة بأخرى أو قطاع بآخر. فإذا كنت تعمل في قطاع يشهد تحولات أو يتراجع أو يكافح لمواكبة التغيرات في الاقتصاد، من المنطقي أن تشعر بالقلق على وظيفتك.
ما يدعو للتفاؤل هو أن هذه التغييرات لا تحدث بين عشية وضحاها. فقد تكون هناك احتمالات تشير إلى سوء الوضع في المستقبل. ويمكنك على الأرجح أن تتوقع ما إذا كانت وظيفتك معرضة للخطر من واقع التغيرات التي تحدث في السوق. فإذا كنت تتوقع أن مسارك المهني ليس له مستقبل، فما الذي يمكنك فعله للاستعداد؟
إذا كنت تشغل منصباً رفيعاً، يمكنك على الأرجح أن تفعل الكثير لتشجيع شركتك على التكيف مع التغيرات، على افتراض أنك مستعد لتحمُّل القليل من الخسائر. أما إذا كنت في أسفل السلّم الوظيفي وتفتقر إلى السلطة اللازمة لتشكيل استراتيجية الشركة، حينها لن يمكنك سوى فعل القليل. وفي كلتا الحالتين، من المهم أن تجعل مسارك المهني قابلاً للتكيف مع التغيرات المستقبلية من خلال تقييم مهاراتك بعناية ومعرفة كيف يمكن أن تكون ملائمة في مجالات أخرى.
ركز على المهارات الملائمة لأكثر من مجال
ينطوي المسار المهني الأكثر أماناً على إجراء تقييم جاد لمهاراتك. يجيد الكثير من الأشخاص وصف المهام المحددة التي يقومون بها وخبراتهم ذات الصلة بعمليات ومهارات معينة. وهذا هو ما يجعل الأشخاص يدرجون مسمياتهم الوظيفية ويصفون المشاريع التي عملوا عليها ثم يذكرون التطبيقات أو الشهادات التي حصلوا عليها في سيرهم الذاتية. ولكن وصفك الوظيفي هو مجرد دليل موجز وعام لما يؤهلك للنجاح في العمل.
ما الذي تستطيع القيام به فعلياً؟ هل يمكنك جمع الأشخاص معاً للعمل في مشروع لتحقيق هدف مشترك؟ هل تُجيد تحويل مشكلة مطروحة إلى مجموعة من الإجراءات التي يمكن تنفيذها. هل أنت بارع في تيسير المحادثات الصعبة وحل النزاعات التي تنشأ بين زملائك؟ قد تكون بعض هذه المهارات متعلقة بدورك الحالي، ولكن قد يتعلق البعض الآخر بأشياء تفعلها بشكل روتيني دون المكافأة عليها في تقييم الأداء السنوي.
جهّز قائمة بتلك القدرات المتخيَّلة؛ فهي نقاط القوة التي ينبغي أن تستفيد منها، كما أنها قد تشير إلى الخطوة التالية التي يتعين عليك اتخاذها في حياتك المهنية.
قد يبدو أن تحديد قدراتك الحقيقية مهمة واضحة، ولكن يجد الكثيرون صعوبة في ذلك. خلال عملي في "جامعة تكساس" في مدينة أوستن، تحدثت على مر السنين مع العديد من طلاب الدكتوراه الذين كانوا يرغبون في دخول قطاع ما ولكنهم لم يستطيعوا تحديد المهارات المتنقلة التي اكتسبوها خلال سنوات دراستهم ويمكنهم استخدامها في طيف واسع من المهن.
بمجرد أن تحدد تلك المهارات، يمكنك البدء في استكشاف المجالات التي تتلاءم فيها، ربما عن طريق الذهاب إلى معارض فرص العمل أو أي فعاليات مهنية أخرى والتفاعل مع القائمين على التوظيف في قطاعات أخرى. تعرّف على المسميات الوظيفية التي قد تكون ملائمة لك في المجالات غير المألوفة. وتعلّم المصطلحات التي تستخدمها هذه المجالات لوصف الوظائف. قد تحتاج إلى تعلُّم بعض التطبيقات أو العمليات الجديدة لتكون مرشحاً جيداً، ولكن معرفة ما أنت قادر على فعله سيساعدك على تقديم نفسك بوصفك مرشحاً جديراً بالاهتمام والفوز بمقابلة شخصية.
ابدأ في الابتكار من داخل الشركة
إذا كنت في مرتبة أعلى في التسلسل الهرمي لمؤسستك وتتمتع بروح المبادرة، حينها قد تفكر بطريقة مختلفة. بدلاً من التركيز على المجال الذي يمكن أن تنتقل إليه في المرحلة القادمة، يمكنك التفكير في الكيفية التي يمكن أن تتطور بها شركتك. إذ إن جميع القطاعات تقريباً ذات الصلة بالزراعة والمنتجات والخدمات ستتغير في العشرين عاماً القادمة. حتى التعليم الجامعي، وهو مجال عملي (الذي لم يغير أساليبه بشكل كبير منذ 500 عام)، من المرجح أن يشهد قدراً كبيراً من الزعزعة في العقد أو العقدين المقبلين.
بمعنى آخر: إذا افترضت أن وظيفتك ستتلاشى بسبب التغيير، فربما يجب أن تكون أنت الشخص الذي يجري التغيير.
تُعد شركة "كوداك" (Kodak) مثالاً تقليدياً لشركة لم تكن راغبة في أن تغير نفسها. فعلى الرغم من أنها الشركة المطورة لتقنية التصوير الرقمي، كانت لديها شواغل بشأن تسخير التكنولوجيا خوفاً من انخفاض مبيعات الأفلام الفوتوغرافية. وقد كانت محقة بشأن تأثير تقنية التصوير الرقمي على أعمالها الأساسية ولكنها كانت مخطئة في أنها لم تأخذ زمام المبادرة في طرح هذه التقنية في السوق.
وعلى النقيض من ذلك، راقبت شركات مثل "نتفليكس" (Netflix) العوامل التي يمكن أن تجعل أعمالها عديمة الجدوى من البداية. فقد أدركت "نتفليكس" أن مجال تأجير شرائط الفيديو، الذي تعمل فيه الشركة العملاقة "بلوك باستر" (Blockbuster) تحديداً، مثقل بالتكاليف الباهظة المتعلقة بالحفاظ على مواقع تقليدية، وأنه يمكن الاستعانة بنموذج أقل تكلفة ينطوي على استخدام مستودعات مركزية وواجهة بينية على الإنترنت. وسرعان ما أدركت أيضاً أنها كانت ترسل في الأساس ملفات حاسوبية من خلال اتصال ذي نطاق ترددي منخفض للغاية (خدمة البريد الأميركية) وانتقلت إلى نموذج يعتمد على البث التدفقي. ثم أدركت أن بث المحتوى الخاص بالآخرين لن يكون كافياً للحفاظ على المشتركين، ولذلك بدأت في إنتاج عروض أصلية أو شرائها.
إذا كان لديك بعض التأثير على مؤسستك ومستعد للمخاطرة، فكّر في الكيفية التي يمكنك بها الاستفادة من التوجهات المستقبلية في قطاعك قبل أن تتسبب في تلاشي شركتك. وهذا المسعى ليس بسيطاً أو متواضعاً. فيما يلي بعض الأسئلة الرئيسية التي يمكن أن تساعدك في البدء.
- ما هي أكبر نقاط ضعف شركتك؟ بمعنى، ما هي أبسط الطرق التي يمكن لشخص ما أن يستخدمها للإطاحة بنموذج عملك؟
- ما هي العوائق التي تمنعك أنت أو أي شخص آخر من إحداث تحولات في عملك؟
- إذا كنت منافساً مباشراً لنفسك، ماذا ستفعل للفوز بحصة سوقية؟
هذه الأسئلة ستجعل تركيزك منصباً على الأشياء التي يمكن للشركات الأخرى فعلها بسهولة ليصبح قطاعك عديم الجدوى. ومن خلال دراسة طرق الفوز بحصة سوقية، فأنت بذلك تغير الديناميات المعتادة. تتساءل معظم الشركات كيف يمكنها الحصول على حصة سوقية أعلى من المنافسين، ما يقودها إلى الاستمرار في اتباع الطرق التقليدية نفسها ولكن بشكل أكثر فعالية. لذا، وللحصول على حصة سوقية أعلى، ينبغي لك التركيز على القيام بالأمور بطريقة مختلفة تماماً.
سيشهد قطاعك، مثل جميع القطاعات، تغييرات جذرية في مرحلة ما. وقد يتلاشى أحد قطاعات العمل في وقت ما. وبدلاً من الحزن والأسف لحدوث هذه التغييرات، واجهها بشكل مباشر. إذ إن حياتك المهنية ستعتمد على استباق هذه التغييرات، إن لم يكن إحداثها.