كيف تتفادى استعجال الحلول عند العمل على حل المشكلات؟

5 دقائق

ملخص: قبل أن تتوصل إلى حل المشكلة، يجب أن تعرف ما تحاول حله تحديداً. للأسف، كثير منا يرغب في القفز بسرعة إلى الاستنتاجات قبل فهم المشكلة بوضوح. يصف المؤلف عملية من 4 خطوات تساعدك في تحديد المشكلة والعمل على حل المشكلات. أولاً، لا تعتمد على البيانات فقط، بل انظر إلى الحقائق أيضاً، لاسيما الحقائق القابلة للرصد. ثانياً، فكر في الإطار الذي تستخدمه في عرض المشكلة. يجب أن يمثل هذا الإطار المشكلة بطريقة تتيح التوصل إلى عدة حلول، واحرص على أن يركز على الحقائق القابلة للرصد، لا الآراء والأحكام والتأويلات. ثالثاً، فكر باتجاه عكسي بدءاً من المشكلة كي تتمكن من تحليل العوامل المحتملة التي أدت إلى نشوئها. وأخيراً، اسأل عن الأسباب بصورة متكررة قبل أن تصل إلى نتيجة نهائية، كي تضمن أن تحقق في الأسباب الأساسية. بالطبع، هذه الخطوات الأربع لا تضمن الوصول إلى الحل، لكنها ستجعل المشكلة أوضح بصورة أدق، وعلى الرغم من أن هذه العملية لن تشعرك براحة فورية، فإنها خطوة ضرورية للتوصل إلى حلول ناجعة بحق.

 

قال ألبرت أينشتاين إنه إذا كانت لديه ساعة لحل مشكلة ما، فسيقضي 55 دقيقة منها للتفكير بالمشكلة، و5 دقائق للتفكير بالحلول. إلا أن أينشتاين لم يكن يحاول إدارة شركة في خضم جائحة، في حين أن معظمنا يعملون اليوم عدد ساعات أكبر من ذي قبل، ويتخذون قرارات جديدة كل يوم حول مشكلات تبدأ برعاية الأطفال وتصل إلى سلامة الموظفين. وما بين تحيزاتنا المعرفية وقدرتنا المحدودة في صناعة القرار، عندما نشعر بالتعب ذهنياً نلجأ إلى توفير طاقتنا بطريقتين: فإما أن نتفادى اتخاذ قرار، وإما أن نستعجل بالقفز إلى الحلول قبل أن يتسنى لنا فهم المشكلة التي نتعامل معها بصورة تامة.

القفز إلى الحلول أمر يمكن فهمه. فشطب البنود من قوائم الأعمال التي يجب علينا أداؤها وحلّ المشكلات يؤدي إلى تدفق هرمون الدوبامين الذي يشعرنا بالراحة، لاسيما عندما يبدو العالم من حولنا أكثر تقلباً وخطورة. لكن، من الممكن أن يزيد الحل السريع غير الفعال الأمور سوءاً، وقد يكون ضرره على المدى الطويل مساوياً لضرر المشكلة التي من المفترض أن يعالجها. من خلال عملي كمستشار قيادي، ابتكرت عملية بسيطة من 4 خطوات يمكن أن تساعدك على تجاوز الرغبة الملحة في استعجال الحلول.

4 خطوات تساعدك في العمل على حل المشكلات

1. انظر بنفسك

من السهل أن تقفز إلى حلول رديئة عندما لا تملك حقائق كافية، ولن تتمكن من جمع الحقائق الكافية إذا لم تنهض عن مكتبك وتغادر الغرفة أو قاعة الاجتماعات. ويتم جمع الحقائق عن طريق المراقبة عن كثب.

جداول البيانات والتقارير التي نعتمد عليها عادة هي مجرد بيانات، وتمثيل ثنائي الأبعاد للواقع لا أكثر. فالبيانات تخبرك كيف تتعطل الآلة على خط التجميع، بينما تبين لك الحقائق، أي المراقبة المباشرة، أن الآلة متسخة ومغطاة بالزيوت ولم تنظف أو تخضع للصيانة منذ وقت طويل.

والبيانات تخبرك أن الموظفين لا يحضرون الاجتماعات على منصة "زووم" في الوقت المحدد، في حين تكشف الحقائق التي تجمعها عبر إجراء المقابلات مع موظفيك أن اجتماع الساعة التاسعة صباحاً صعب عليهم لأنه موعد إعداد الأطفال لحضور دروسهم عبر الإنترنت، واجتماع الساعة 12:30 ظهراً صعب لأنه موعد إعداد طعام الغداء للأطفال، وأن هذا الاندفاع الطائش لإجراء الاجتماعات عبر اتصال الفيديو أدى إلى إلغاء مدة التوقف عن العمل الضرورية بين الاجتماعات، وأن الموظفين يحتاجون إلى بعض الوقت للراحة.

ترسم لك البيانات من دون الحقائق صورة ثنائية الأبعاد عن العالم بالأبيض والأسود، والحقائق من دون البيانات تبين لك الألوان والملمس من دون الرؤية التفصيلية التي تحتاج إليها في حل أكثر المشكلات تعقيداً. لذلك، كي تصل إلى جواب مفيد، يجب أن تأخذهما كليهما في حسبانك.

2. ضع مشكلتك في الإطار المناسب

قد يكون عرض المشكلة بالصورة الصحيحة صعباً وخادعاً لعدة أسباب. أولاً، من السهل أن نخلط بين الأعراض والأسباب الأساسية. خذ مثلاً أحد الأطفال من مدينة فلينت بولاية ميشيغان في الولايات المتحدة الأميركية يعاني من مشكلات سلوكية في المدرسة وصعوبة في القراءة والفهم، ستفترض أن مساعدته تتطلب التركيز على هذه المشكلات الظاهرة عليه، لكنها في الحقيقة هي مجرد أعراض، والمشكلة الحقيقية هي وجود مادة الرصاص في شبكة المياه المحلية.

يتيح عرض المشكلة ضمن إطارها الصحيح مجالات للنقاش وخيارات متعددة للحلول، في حين يعيق عرض المشكلة ضمن إطار خاطئ رؤية البدائل ويرسلك سريعاً إلى التفكير السطحي وطريق مسدود.

خذ مثلاً الطريقتين التاليتين لعرض المشكلة:

  1. يحتاج المستشفى إلى مزيد من أجهزة التنفس.
  2. يحتاج المستشفى إلى إتاحة مزيد من أجهزة التنفس.

لاحظ أن العرض الأول ليس بمشكلة أساساً، بل هو حل. فالطريقة الوحيدة لمعالجة الحاجة إلى مزيد من أجهزة التنفس هي شراء مزيد من أجهزة التنفس. لكن، ما هو الحل المناسب لعرض المشكلة الثاني؟ الحل ليس واضحاً، وهذا أمر جيد، لأنه يدفعنا للتفكير بعمق أكبر. وتجنب إطلاق الحكم الضمني (نحتاج إلى مزيد من أجهزة التنفس) يثير سؤالاً يساعدنا على تطوير حلول أفضل. كم عدد الأجهزة التي يتم إصلاحها حالياً؟ هل نقوم بما يكفي من أعمال الصيانة الوقائية كي تبقى جميع هذه الأجهزة قابلة للاستخدام؟ هل نعرف أماكن جميع أجهزة التنفس؟ وهل يحتفظ الممرضون ببعضها في "مخابئ سرية"؟ (هذه مشكلة حقيقية في معظم المستشفيات). ما هو الوقت المناسب لنقل جهاز التنفس من مريض إلى آخر؟ هل لدى المستشفيات المحلية الأخرى أجهزة زائدة عن حاجتها؟ وهل يمكننا مشاركتها معها؟

إذا رأيت أن مشكلتك لها حل واحد، فأعد النظر فيها. وابدأ بالحقائق التي يمكن رصدها، وليس الآراء أو الأحكام أو التأويلات.

3. فكر بطريقة عكسية

عندما تواجه مشكلة ما، بدلاً من القفز إلى الحلول عد باتجاه الخلف قليلاً وارسم خارطة الطريق الذي أوصلك إلى المشكلة في المقام الأول.

مخطط عظم السمكة هذا، الذي يعرف أيضاً باسم "مخطط إيشيكاوا" (Ishikawa diagram)، يشكل نموذجاً للتعرف على العوامل المحتملة التي تسببت بمشكلتك.

استخدام مخطط عظم السمكة

يضم الرسم التخطيطي لعظم السمك الكلاسيكي 6 فئات من العوامل، ولكن هذه ليست قاعدة، فقد يكون لديك 4 فئات أو 7 فئات، ومن الممكن أن تكون لديك فئات مختلفة. اعتبر هذه الفئات علامات تساعدك على تنظيم أفكارك. خذ مثلاً شركة محاماة، قد لا تحتاج إلى فئة المعدات، في حين تحتاج شركة البرمجيات إلى إضافة فئة للغة البرمجة.

مثال عن مخطط عظم السمكة

إذا كانت شركتك تعاني من إحباط معنويات الموظفين وتدني اندماجهم في أثناء الجائحة، يمكنك أن تقسم العوامل المسببة إلى الفئات التالية: بيئة العمل والتكنولوجيا والعوامل النفسية والتواصل والقواعد. ستوجهك هذه العلامات نحو التمعن في درجة الصعوبة التي يواجهها موظفوك في العمل من المنزل؛ ومدى دعم نظام التعاون (وأجهزة الكمبيوتر لدى الموظفين) للعمل الجماعي؛ وكفاءة الشركة في خلق الفرص للموظفين كي يتواصلوا فيما بينهم؛ ومدى فاعلية الرسائل التي تصل من القيادة إلى الموظفين؛ والقواعد والتوقعات الثقافية التي يمكن تطبيقها على واقع العمل من المنزل.

4. سل عن السبب

يعتبر طرح السؤال عن السبب بصورة متكررة قبل اعتماد الجواب النهائي وسيلة قوية لتفادي القفز إلى الاستنتاجات أو تنفيذ حلول واهية. وسواء سألت عن السبب 5 مرات أو 3 أو حتى 11 مرة، فستصل في نهاية المطاف إلى السبب الرئيسي، إذ يقودك السؤال في كل مرة إلى فهم أعمق للمشكلة الحقيقية. وعن طريق معرفة السبب الرئيسي للمشكلة، ستضمن الوصول إلى حل دائم، لا إلى حل سريع يعالج الأعراض فحسب. على سبيل المثال، قد يكشف لك السؤال: "لماذا لا يلتزم الموظفون بارتداء معدات الحماية الشخصية طوال الوقت؟" أنك لا تملك ما يكفي من معدات الحماية الشخصية، بسبب تعطيل عمليات الشراء في الشركة. الحل الواضح وغير الفعال هو إرسال مذكرة صارمة إلى قسم الشراء تحمل تعليمات بتسريع الشحنات. لكن الاستفهام الأكثر تعمقاً يكون عن طريق طرح مزيد من الأسئلة عن السبب، وهو ما سيكشف أن الموردين لم يسلموا المعدات التي اشترتها الشركة في الأوقات المحددة لأن فريق المحاسبة كان يؤجل دفعات سداد ثمنها بهدف الحفاظ على السيولة النقدية، وفقاً لتوجيهات الرئيس التنفيذي.

وكما قال هنري لويس منكن: "لكل مشكلة معقدة حل واضح وبسيط، وخاطئ". في الحقيقة، هذه الخطوات الأربع لا تضمن الوصول إلى حل، لكنها ستمكنك من التعامل بشكل صحيح مع المشكلة وتمكنك من رؤية المشكلة بصورة أوضح وأدق. وعلى الرغم من أن هذه الطريقة لن تحقق لك راحة فورية، فإنها خطوة ضرورية للتوصل إلى حلول ناجعة بحق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي