لقد أصبحت الامتيازات العليا هي عملة العالم.
قبل بضع سنوات، زرت شركة ناشئة في منطقة خليج سان فرانسيسكو، وعندما استقبلتني موظفة الاستقبال في الردهة، سألت سؤالاً تقليدياً هو: "هل ترغب فيشرب شيء ما؟". طلبت كوباً من الماء، لكنها ردت بعرض مضاد: "لدينا كوكتيل فاخر اليوم".
كان هذا بعد وقت الغداء مباشرة، أي في وقت مبكر قليلاً عن موعد تناول المشروبات الفاخرة، على الأقل بالنسبة لي، ولكن عندما رفعت حاجباً للساقي، واصلت قائلة: "لدينا أيضاً نادل يأتي في الساعة الثالثة مساء كل يوم، ويصنع كوكتيلاً مميزاً".
عندما تجاوزت الردهة إلى مكتب الرئيس التنفيذي، سألت عن خدمة الكوكتيلات اليومية. تحدث الرئيس التنفيذي عن مدى صعوبة توظيف المواهب العليا. وقال إنه بالنسبة لشركة ناشئة، لم يعد التمييز بين الدفع وخيارات الأسهم كافياً بعد الآن. تجعل كوكتيلات ما بعد الظهيرة الناس سعداء، لذا أصبحت الامتيازات العليا شيء يتنافس فيه عدد قليل من أصحاب العمل. بالنسبة له، فإن الأمر منطقي.
أسمع هذه الرسالة كثيراً عندما أزور الشركات الناشئة، وأتعاطف مع الشعور الأساسي. في وقت سابق من حياتي المهنية، أمضيت 14 عاماً في منصب كبير مسؤولي المواهب في "نتفليكس"، حيث ساعدت في ابتكار بعض سياسات إدارة المواهب المبتكرة، مثل سياسات العطلات دون حد رسمي، والتي أصبحت واسعة الانتشار منذ ذلك الحين. (لقد وصفت وضع ثقافة شركة "نتفليكس" في مقالة على هارفارد بزنس ريفيو ترجع إلى عام 2014). منذ مغادرة "نتفليكس" في أواخر عام 2013، عملت مستشاراً لكل من الشركات الناشئة وشركات النمو التي تتجاوز مرحلة بدء التشغيل (بما في ذلك "واربي باركر" (Warby Parker) و"هاري غرومنغ" (Harry”s Grooming)، وهبسبوت HubSpot). لذلك أنا على دراية بتحديات تعيين أفضل المواهب الفنية (والاحتفاظ بها) في سوق ضيقة.
الامتيازات الغريبة
أثناء زيارتي للشركات الناشئة، رأيت كل أنواع الامتيازات التي يمكن تصورها. مننها: الدراجات البخارية وإمكانية اصطحاب كلبك إلى العمل ووجود متخصصين في صناعة القهوة يعملون داخل الشركة وتوزيع وجبات خفيفة مجانية ووجبات غداء، بالإضافة إلى دروس اليوغا والعلاج بالتدليك والوخز بالإبر وحسابات "أوبر" المدفوعة مسبقاً.
تبدأ وسائل الراحة هذه عامة بالنوايا الحسنة. تتطلب الشركات الناشئة عملاً شاقاً وساعات طويلة، وقد أدركت شركات مثل "جوجل" في وقت مبكر للغاية أنه إذا كان الموظفون يقضون وقتاً أقل في القلق بشأن مكان تناول الغداء أو في تحديد موعد تسلم ملابسهم من خدمة التنظيف، فإن الموظف وصاحب العمل سيستفيدان من ذلك.
لكنني أرى في بعض الأحيان أمثلة على حرب الامتيازات هذه تمضي إلى حد بعيد بعض الشيء. أنا أفهم الدليل العلمي الذي يذهب إلى أن قيلولات الظهيرة يمكن أن تعزز الإنتاجية، وأفهم جاذبية الشركات التي تؤسس غرفاً للقيلولة داخلها. ولكن بدلاً من غرفة قيلولة خاصة، زرت شركة ناشئة أسست أراجيح خارج الردهة مباشرة، حتى يتمكن الموظفون من التأرجح أثناء غفوتهم.
بعض الامتيازات الغريبة التي أراها هي مجرد أمثلة بسيطة على البدء بفكرة جيدة "دعونا نتمتع بساعات سعيدة متقطعة في الشركة!" والمضي فيها إلى حد بعيد "دعونا نوفر خدمة نادل يومية!". لكن الكثير من الامتيازات الغريبة التي أشهدها تحركها قوة مختلفة هي: الشركات الناشئة التي تتمتع بسيولة نقدية تُحدث ثقوباً في جيوبهم.
خصائص الإدارة المميزة
حتى وقت قريب، كانت إحدى الخصائص المميزة للإدارة في شركة ناشئة هي أنك تتعامل مع موارد محدودة. تاريخياً، كان أحد الأسباب التي دفعت الشركات الناشئة إلى عرض خيارات الأسهم للموظفين رغبتهم في الحفاظ على السيولة النقدية النادرة من خلال دفع رواتب أقل. كانت القيود النقدية حقيقة من حقائق الحياة خلال سنوات عملي في شركة ناشئة. في الأيام الأولى في "نتفليكس"، على سبيل المثال، عندما كان نموذج عملنا الأساسي يعتمد على إرسال أقراص الفيديو الرقمي "دي في دي" عن طريق البريد، كنت أنظر إلى كل حساب من خلال إطار بسيط: كم عدد أقراص الـ "دي في دي" التي سيتكلفها؟ على سبيل المثال، إذا جادل أحد الموظفين بأن شركات أخرى توفر كراسي "آيرون" (Aeron) الفاخرة بمبلغ 800 دولار، فسأرد بهذه البساطة: "يمكننا شراء 40 قرص دي في دي مقابل كل كرسي آيرون لا نبتاعه، وبما أن الأموال محدودة، فنحن بحاجة إلى إنفاقها على الأشياء التي تفيد الزبائن".
لقد تغيرت هذه المعادلة تماماً خلال الطفرة الحالية التي تضخ فيها شركات رأس المال المغامر (أو ما تسمى شركات رأس المال الجريء) الأموال في مشاريع جديدة. لم يعد النقد قيداً أساسياً، لذا أصبح بعض مدراء الكفاءات مبدعين حقاً في إيجاد طرق جديدة لإنفاق النقد بغرض رسم البسمة على وجوه الموظفين.
في الوقت المناسب، سوف تثبت هذه الظاهرة تصحيحها الذاتي. لا تدفع شركات رأس المال المغامر الأموال هباء، فهي في النهاية تريد عائداً. وإذا لم تحصل عليه، فسوف تجف الأموال. عندما يتباطأ الاقتصاد، تقصر الشركات دائماً من الامتبازات العليا للموظفين، وستمر الموجة الحالية من امتيازات الشركات الناشئة عبر دورة الازدهار والكساد نفسها.
حتى ذلك الحين، فإن الشركات الناشئة التي أراهن عليها للنجاح (أو كنت لأختار العمل فيها إن كنت أبدأ حياتي المهنية للتو) ليست تلك التي يستلقي فيها الناس على الأراجيح ويتناولون مشروباتهم اليومية. بل هي الشركات التي يذهب إليها الناس للعمل لأنهم يتعاونون مع زملائهم الكبار بشأن منتجات مهمة. إن الامتيازات العليا والمكافآت جميلة، لكن العمل الهادف أفضل وأجمل.
وبصفتي شخصاً أمضى سنوات عديدة في العمل على الاحتفاظ بالكفاءات في شركة ناشئة، أعتقد أن هناك استجابة واحدة مناسبة فقط إذا قرر الموظف الاستقالة لأن شركة أخرى تقدم وجبات غداء مجانية أحلى مذاقاً أو مجموعة واسعة من ثلاجات المشروبات الرقمية، ذلك الرد هو: "استمتع. حظاً سعيداً. فلتحتفل، أيها الزميل".