قد يرى البعض أنّ الجهل نعمة، لكن اسأل أي شخص يعمل في التجارة أو الخدمات المالية وسيقول لك بوضوح أنّ الجهل في تلك الصناعة خطير. ولهذا السبب، تملك الولايات المتحدة تشريعات معقولة تضمن الشفافية والإنصاف فيها، حيث يتم تنظيم الأهم على يد لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC) والسلع على يد هيئة تداول السلع الآجلة (CFTC)، والعملة الحكومية على يد وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي. ولكن هناك فئة رابعة جديدة ناشئة، وهي فئة العملات الرقمية والتي لا تزال بدورها تفتقد للجهة المنظمة لها، الأمر الذي يؤدي إلى عدم اليقين والارتباك، فماذا عن نمو العملات الرقمية حول العالم؟
اقرأ أيضاً: ما هو العرض الأولي للعملات المشفرة ولماذا تهتم به شركات الاستثمار المغامر؟
أعلنت هيئة الأوراق المالية والبورصات بدايات شهر يونيو/حزيران الماضي عن تعيين إحدى المحاميات المخضرمات في الهيئة، وهي فاليري شززيبانيك، كمديرة مساعدة لشعبة تمويل الشركات، وككبيرة مستشاري الأصول الرقمية والابتكار. وتمثّل هذه الأخبار تطوراً مرحّباً به، حيث ستتمثل وظيفتها، بوصفها "قيصر التشفير" (crypto czar) في تطبيق ما يمكن تطبيقه من قوانين الأوراق المالية الأميركية على وضع العملات الرقمية، فضلاً عن العمل مع الوكالات الأخرى لتنسيق الإشراف التنظيمي.
لن يكون ما سبق أمراً سهل التطبيق، إلا أنه سيكون أمراً مهماً للغاية.
نمو العملات الرقمية
ستعاني العملية الإبداعية الخاصة بالعملات الرقمية في الولايات المتحدة إن لم تكن هناك أي تشريعات واضحة، حيث سنرى رواد الأعمال يتجنبونها مخافة خرقهم للقانون، في حين سيعزف المستثمرون عن الاستثمار فيها بسبب عدم اليقين فيما يتعلق بقيتمها، فضلاً عن نزيف المواهب الخاصة بهذا المجال لصالح الدول الأخرى التي ستجذبهم إليها بعيداً عن الولايات المتحدة من خلال إنشاء قواعد تجعلها أكثر ملاءمة لهذا الوافد الجديد.
كما أنّ عدم وجود تشريعات خاصة بالعملات الرقمية يجعل الولايات المتحدة في خطر الوقوع ضحية وجود عروض اكتتاب عملات رقمية زائفة. ومن المؤكد قيام المسؤولين التنفيذيين على المستوى الاتحادي وعلى مستوى الولايات بالعمل الجاد للقضاء على طروح أولية لعملات ومنصات تداول مزورة للعملات الرقمية. ولكن، ومن دون وجود مبادئ توجيهية واضحة ومتماسكة تجذب الجهات الفاعلة الجيدة إلى السوق الأميركي، سيؤدي هذا إلى أن تصرف نظرها عن تلك السوق، إذ تشير إحدى التقديرات إلى أنّ عمليات الاحتيال في طرح العملات الرقمية تصل إلى 80%.
وعلى الرغم من أنها لا تزال في طور النمو، لكن العملات الرقمية في جميع أنحاء العالم في ازدياد، حيث تجاوزت الأموال التي جمعتها جهات الإصدار في النصف الأول من العام الحالي بالفعل المبالغ التي جُمعت في العام 2017 بأكمله.
ولكن يعاني نمو هذا الابتكار في القرن الحادي والعشرين ضمن الولايات المتحدة نظراً لاضطرار منظمينا لاستخدام تشريعات صدرت منذ عقود، أي قبل إطلاق الإنترنت وحتى قبل الحرب العالمية الثانية أحياناً. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي الرقابة المتداخلة التي تقوم بها مختلف الوكالات إلى خلق حاجز يمنع التغيير، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف مطلقي العملات الرقمية. ولهذا السبب، يجب تحسين هذا النهج الارتجالي.
اقرأ أيضاً: البيتكوين أكثر من مجرد عملة رقمية
وقد سبق لهيئة الأوراق المالية والبورصات أن قالت بأنّ تطبيق قوانين الأوراق المالية على عملة رقمية معينة يعتمد على "حقائق وظروف" الطرح، حيث شددت على أنّ طريقة بيع العملة الرقمية هو ما يحدد القوانين المطبقة عليها. في الواقع، من النادر نسبياً بيع العملة الرقمية بغرض أن يستخدمها المشتري في شراء سلع أو خدمات ضمن شبكة متطورة بالكامل، حيث يقوم المشتري بشراء العملة في الغالب على أمل تحقيق عائد منها بناء على عمل الطارح، ما يجعله على الأرجح "عقد استثمار" وبالتالي سند مالي بحسب قرار المحكمة العليا لعام 1946 في قضية هيئة الأوراق المالية والبورصات ضد شركة هوي (Howey).
كيفية تعزيز الوضوح والابتكار في سوق العملات الرقمية
ولكن إذا نظرنا إلى ما وراء قضية هوي، فقد يتوجب على هيئة الأوراق المالية والبورصات وقيصر التشفير اتخاذ بعض الخطوات المدروسة لتعزيز الوضوح والابتكار في سوق العملات الرقمية، وهي:
-
تشجيع تشكيل هيئة ذاتية التنظيم لتعزيز المعايير وتطبيقها ضمن مجتمع التشفير.
-
عقد مجموعة عمل مشتركة بين الوكالات، بما في ذلك ممثلين من مجتمع التشفير، لمواءمة الممارسات التنظيمية الحالية ووضع سياسة رسمية أميركية بشأن العملات الرقمية.
-
فيما يتعلق بما ذُكر أعلاه، يجب تقديم إشعار عام بقاعدة مقترحة تحكم العملات الرقمية وتتلقى التعليقات من الجمهور. (كانت هذه هي العملية المستخدمة لإعادة تعريف ما كان يدعى باسم الكيانات المبادلة swap entities بعد الأزمة المالية).
-
الاعتراف رسمياً بأنّ مقدار اللامركزية يعد عاملاً مهماً في تحديد ما إذا كانت العملة الرقمية آمنة أم لا.
-
القيام بما هو أكثر من مجرد تعيين مدير للعملات الرقمية:
حيث يجب أن تتبع لجنة الأوراق المالية والبورصات خطى لجنة تداول السلع الآجلة والتي أنشأت مبادرة تشجيع الابتكار في تطوير التكنولوجيا المالية (LabCFTC). بمعنى آخر، تطوير الفرصة لمشرعي هيئة الأوراق المالية والبورصات للتواصل المباشر مع الصناعة لمعالجة الأسئلة المتعلقة بتطبيق قوانين الأوراق المالية على تقنيات بلوك تشاين (blockchain) قبل الإطلاق.
اقرأ أيضاً: التكاليف الخفية للعروض الأولية للعملات المشفرة
ستساعد هذه الخطوات على تعزيز النظام، إضافة إلى نمو العملات الرقمية حول العالم والاتساق والمساءلة في سوق العملات الأجنبية من دون فرض أعباء لا داعي لها. وستساعد الولايات المتحدة في الظهور كجهة قائدة حكيمة في تنظيم العملات الرقمية، الأمر الذي سيحفز روح المبادرة والابتكار في البلاد. بعد كل شيء، فإنّ الحكمة – أكثر من الجهل – هي أفضل أشكال النعمة.
اقرأ أيضاً: مع تصاعد العملات الافتراضية.. من يحتاج للمصارف؟