عملت خلال العام الماضي مع أحد المدراء التنفيذيين، ولنفترض أن اسمه هو سامر. تلقّى سامر ملاحظات من المدراء المشرفين على عمله، الذين قالوا له إنه يستعمل صلاحيات منصبه الجديد بطريقة منفّرة للآخرين، فمدير سامر أخبره أنه قد تغير نوعاً ما، وأنه بات يُشعِر الآخرين خلال الاجتماعات بأنه دائماً على حق، وهذا أمر يؤدي إلى سحب كل الأكسجين الموجود في غرفة الاجتماعات. فلا أحد كان يرغب في تقديم الأفكار بعد أن كان سامر يُعلن عن الإجابة الصحيحة. ومنذ حصول سامر على الترقية، بات أقل تعاوناً في العمل مع أعضاء فريقه، وأخذ يتصرف كشخص فوقي يعلم ما لا يعلمه الآخرون. باختصار، لقد خسر قدرته على التعاطف مع الآخرين.
فلماذا يحصل هذا النوع من التحول في سلوك الكثير من الناس عندما يُرقّون إلى مناصب إدارية أعلى؟ تُظهر الأبحاث أن السلطة الشخصية للمرء تشوش قدرته على التعاطف مع الآخرين. أجرى داتشر كيلتنر، وهو المؤلف وعالم النفس الاجتماعي في "جامعة كاليفورنيا" (University of California)، في بيركلي، دراسات تجريبية تظهِر أن الناس الذين يمتلكون السلطة يعانون من نقص في التعاطف مع الآخرين، أي القدرة على قراءة مشاعر الناس، والقدرة على تكييف السلوك وفقاً لهؤلاء الأشخاص الآخرين. فالسلطة يمكن أن تغيّر عملياً من الطريقة التي يعمل الدماغ بها، بحسب أبحاث سوخفندر أوبي، وهو عالم أعصاب في "جامعة ويلفريد لوريير" (Wilfrid Laurier University) في أونتاريو بكندا.
لا تشمل أكثر حالات الفشل في القيادة شيوعاً الاحتيال أو اختلاس الأموال أو حتى الفضائح الجنسية. فالأكثر شيوعاً هو رؤية القادة يفشلون في مجال الإدارة اليومية للذات – واستعمال السلطة بطريقة تقوم على الأنانية وخدمة المصالح الشخصية.
فكيف يحصل ذلك؟ يحدث ببطء ثم فجأة. هو يحدث من خلال الخيارات الصغيرة السيئة، التي تتخذ ربما بطريقة لاواعية. فقد يتجلى ذلك من خلال ممارسة السلطة على الناس بطريقة غير مباشرة، مثل مطالبة الآخرين بمعاملة خاصة، واتخاذ القرارات بأسلوب منفرد، والوقوف كحجر عثرة في طريق الآخرين. فالقادة الذين تأمرهم الشرطة بالتنحي إلى جانب الطريق نتيجة السرعة الزائدة أو القيادة تحت تأثير الكحول يتحولون إلى أشخاص ناقمين ويبدؤون بالتبجح: "ألا تعلم من أنا؟!" فجأة تصل القصة إلى وسائل التواصل الاجتماعي ونغير رأينا تجاه هذا الشخص الذي كنا نكن له الاحترام يوماً.
ماذا بوسع القادة فعله إذا كانوا يخشون تجاوز الحد الرفيع الذي يفصل بين السلطة وإساءة استغلال السلطة؟ أولاً، يجب أن تدعو الآخرين إلى المشاركة. ويجب أن تكونوا مستعدين للمخاطرة بإظهار ضعفكم وطلب آراء الناس بكم وبسلوككم. ويمكنكم الاستعانة بمن يُسمى "المدرب الشخصي للمدراء التنفيذيين" ليساعدكم في العودة إلى حالة التعاطف مع الآخرين واتخاذ القرارات استناداً إلى القيم. غير أنكم يجب أن تطلبوا آراء مجموعة واسعة ومتنوعة من الناس بكم. تجنبوا الأسئلة البسيطة مثل "كيف تجدون أدائي؟"، وحاولوا طرح الأسئلة الصعبة "كيف يؤثر أسلوبي وطريقة تركيزي على موظفيَّ؟".
تبدأ الإجراءات الوقائية مع الوعي الذاتي والقيام بجردة حساب ذاتية جريئة:
- هل لديكم شبكة داعمة من الأصدقاء وأفراد العائلة والزملاء الذين يهتمون لأمركم بغض النظر عن اللقب الوظيفي أو المنصب الذي تشغلونه، والذين يستطيعون مساعدتكم في المحافظة على تواضعكم؟
- هل لديكم مدرب متخصص للمدراء التنفيذيين أو مُرشد شخصي أو كاتم أسرار؟
- ما الآراء التي تلقيتمونها من الآخرين بخصوص عدم تحويل أقوالكم إلى أفعال ملموسة؟
- هل تطالبون بالحصول على مزايا تفضيلية؟
- هل تفون بالوعود الصغيرة غير المريحة التي تقطعونها والتي تقع خارج نطاق الأضواء؟
- هل تدعون الآخرين ليكونوا تحت الأضواء؟
- هل تعزلون أنفسكم خلال عملية اتخاذ القرار؟ هل تعكس القرارات التي تتخذونها القيم التي تقدّرونها حقاً؟
- هل تعترفون بأخطائكم وتقرّون بها؟
- هل أنتم الشخص نفسه في العمل وفي المنزل وتحت الأضواء؟
- هل تخبرون أنفسكم بأن هناك استثناءات أو قواعد أخرى تنطبق على الأشخاص الذين مثلكم؟
إذا كسب أحد القادة ثقتنا، فإننا نرفعه إلى مرتبة غير قابلة للتفاوض. فلا شيء سيُفشل القائد مثل عدم تحويل أقواله إلى أفعال، أو استغلاله للسلطة بطريقة أنانية. فنحن جميعاً نريد أن يكون قادتنا أشخاصاً أكفاء وذوي رؤية ثاقبة، وأن يكونوا قادرين على تحمل مسؤولية إدارة الناس. غير أن القدرة على التعاطف مع الآخرين والشعور بشعورهم والأصالة والكرم هي ما يميز الكفاءة عن العظمة. فأكثر القادة إدراكاً لذواتهم يميزون الإشارات الدالة على استغلال السلطة ويصححون المسار قبل فوات الأوان.