أخضعت لورين إسكريس وينكلر وأيليت فيشباخ من كلية بوث في جامعة شيكاغو المشاركين في دراسة لاختبار صعب جداً، حيث طلبت منهم اختيار إجابة واحدة من بين إجابتين محتملتين عن كل سؤال. وقد تلقى نصف المشاركين في التجربة بعد ذلك رأياً تقويمياً بخصوص إجاباتهم الصائبة (الرأي التقييمي الخاص بالنجاح) بينما تلقى الآخرون رأياً تقويمياً بخصوص الإجابات الخاطئة (الرأي التقييمي الخاص بالفشل). ورغم أن الجميع تلقوا معلومات كاملة حول الإجابات الصائبة، إلا أن الذي تبيّن بعد أن خضع الجميع لاختبارات المتابعة اللاحقة هو أن من حصلوا على الرأي التقييمي الخاص بالنجاح كانوا قادرين على الإجابة عن الأسئلة ذاتها بدقة، لكن من حصلوا على الرأي التقييمي الخاص بالفشل تعلموا بدرجة أقل – وغالباً لم يتعلموا شيئاً. الخلاصة هي:
لورين إسكريس وينكلر، دافعي عن بحثك العلمي:
لورين إسكريس وينكلر: تخبرنا ثقافتنا أننا نتعلم من الفشل. وينصحنا الأشخاص الناجحون الذين يتأملون مسيراتهم السابقة أن "نستفيد من فشلنا لكي نمضي قدماً". وفي خطاب افتتاحي ألقاه القاضي جون روبرتس عضو المحكمة العليا في أميركا تمنى الرجل لطلابه "حظاً سيئاً" لكي يكون لديهم شيء يتعلمون منه. ومع ذلك، فقد توصلت أنا وشريكتي في تأليف الدراسة أيليت فيشباخ إلى أن الفشل غالباً ما يترك الأثر المعاكس. فهو يقوّض التعلم.
عندما يفشل الناس، يشعرون بالتهديد ويفقدون اهتمامهم. وقد فاجأنا ذلك. فالعديد من التجارب السلبية تشد الانتباه. في المرة القادمة التي تمر بها بحادث سير على الطريق السريع، حاول ألا تنظر إليه. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بحالات الفشل "الشخصية"، فإن الناس يشيحون بنظرهم بعيداً لحماية الأنا الأعلى لديهم، ونتيجة لذلك فإنهم لا يتعلّمون – ما لم يكن لديهم دافع كبير.
هارفارد بزنس ريفيو: لماذا لم يكن لدى المشاركين في دراستكم دافع كبير؟ يميل الناس إلى تجاهل الفشل عندما يشعرون بالأمان تجاه فعل ذلك. فعدم معرفة جواب سؤال من قبيل: "ما حجم الأموال التي تخسرها الشركات الأميركية نتيجة سوء خدمة الزبائن لديها كل عام؟" و"أي من الرموز في النص القديم التالي تمثل حيواناً؟" هو ليس بالخطب الكبير.
وفي المقابل، عندما تكون حالات الفشل أكبر من أن يستطيع المرء تجاهلها بأمان، فإن الناس يركزون انتباههم ويتعلمون. هناك ظاهرة في علم النفس تسمّى "التعلم بالتنفير". فعلى سبيل المثال، تتعلم جرذان المختبرات التي تتذوق السم، أو تتلقى الصدمات، أو تختبر حالات "فشل" مؤلمة أخرى من التجارب. هناك عتبة نتعلم فوقها من الفشل، لكن العديد من حالات الفشل في حياتنا العادية اليومية لا تنال الاهتمام المطلوب.
عندما يفشل الناس فإنهم يشعرون بتهديد ويشيحون بنظرهم بعيداً لحماية الأنا الأعلى لديهم، ونتيجة لذلك فإنهم لا يتعلّمون.
أين تقع هذه العتبة؟ الإجابة غير المُرضية هي أن الأمر يختلف من حالة إلى أخرى. فهي تقع في مكان ما بين الجواب الخاطئ عن سؤال متعدد الاختيارات وتذوّق السم. في مجموعة من دراسات المتابعة، اختبرنا ما إذا كان إعطاء علاوة تحفيز ضخمة سيساعد الناس في التعلم من الفشل. كما اختبرنا ما إذا كان جعل محتوى الاختبار أكثر اجتماعية بطبعه سيحسّن النتائج، لأن الناس لديهم ميل إلى الانتباه إلى المعلومات الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، طرحنا أسئلة من قبيل: "أي من الزوجين التاليين متآلفان؟" ومع ذلك، فإن أياً من هذين التغييرين لم يؤثر على النتائج.
في تجربة أخرى، رفعنا حجم الجوائز حيث تواصلنا مع 300 من المسوّقين الأميركيين المتخصصين بالتسويق عبر الهاتف وأخضعناهم لاختبار ينطوي على قدر من التحدي بخصوص خدمة الزبائن، وهو موضوع يرتبط ارتباطاً مباشراً بوظائفهم. بيد أن نتائجنا كانت مجدداً مشابهة. فالمسوقون عبر الهاتف الذين تلقوا رأياً تقييمياً بخصوص النجاح في الإجابة عن الأسئلة بطريقة صحيحة، أبدوا قدرتهم على التعلم، في حين أن من تلقوا الرأي التقييمي الخاص بالفشل في الإجابة عن الأسئلة بطريقة صحيحة، لم يُظهروا قدرة مشابهة على التعلم. من المؤكد أن تقديم أداء سيء في اختبار يخص خدمة الزبائن قد جعل هؤلاء المشاركين يحسون بشيء من الخجل من أنفسهم، لكن الفشل لم يكن كبيراً إلى الحد الذي يجعلهم يشعرون أنهم مضطرون إلى العمل على إصلاحه. لقد فضلوا حماية الأنا الأعلى لديهم.
إذن نحن جميعاً نعاني من عدم القدرة على التعلم من الفشل؟ في تجاربنا، تعلم الناس من الفشل أقل مما تعلموا من النجاح، عموماً، لكن ذلك الأمر لم يكن صحيحاً في حالة جميع الأفراد. بل كان هناك تفاوت واضح بين صفوف من شاركوا في التجارب. بعض المشاركين انتبهوا إلى الفشل وتعلموا الكثير منه. ويُظهرُ بحث سابق لإيليت أن التأثير قد يعتمد على الخبرة. فقد تبيّن أن الخبراء أقدر على التجاوب مع الفشل من المبتدئين. فالشخص الذي كان قد راكم الكثير من النجاحات، لن يشعر بالتهديد جرّاء ارتكاب غلطة أو هفوة هنا وهناك.
في المقابل، يمكننا القول إن الأقلية المرنة في دراساتنا ربما تتمتع بما تسميه كارول دويك من جامعة ستانفورد "ذهنية النمو". ربما كان أفرادها من الذين يؤمنون بإمكانياتهم الذاتية وقدرتهم على التحسن ما حفزهم على الاستمرار في اللعبة. ولعلنا لو علّمنا كل شخص في دراساتنا كيف يتبنى ذهنية النمو، لكنا رأينا حالات تعلم من الفشل لدى الجميع.
كيف يمكن تعليم الناس امتلاك ذهنية النمو؟ ببساطة من خلال تفسير أن الدماغ قادر على النمو وأن القدرات غير ثابتة وإنما هي مفتوحة على التحسن.
هل ثمة طرق أخرى للتقليل من التهديد الذي يطال الأنا الأعلى والترويج للتعلم؟ نعم، بوسع الناس أن يتعلموا من أخطاء الآخرين. في واحدة من دراساتنا، اطلع المشاركون على أجوبة الأشخاص الآخرين في الاختبار وحصلوا على آراء تقييمية بخصوص أداء هؤلاء الأشخاص الآخرين. شعر المشاركون في دراستنا بتهديد للأنا الأعلى لديهم وأبعدوا انتباههم عن حالات الفشل الشخصي لكنهم لم يجدوا مشكلة في الانتباه إلى حالات الفشل لدى الآخرين والتعلم منها.
هل الخلاصة التي يمكن للمدراء الاستفادة منها هي أن يضعوا الموظفين في أوضاع يفشلون فيها بوتيرة أقل؟ أم أن الحل يكمن في مساعدة الموظفين على تغيير ذهنياتهم بحيث يكونون قادرين دوماً على التعلم من الفشل؟ ما هو الإطار الزمني الذي تتحدث عنه؟ إذا كنت بحاجة إلى نتائج فورية، بإمكانك اللجوء إلى الحلول التي تعطيك مكاسب سريعة. الناس ينتبهون إلى النجاح ويتعلمون منه. بمقدورك مثلاً لفت انتباه موظفيك إلى ما يفعلونه أصلاً ببراعة وتعزيزه. أو بوسعك أن تعرض عليهم آراء تقييمية بطرق تساعد في بناء الأنا الأعلى لديهم عوضاً عن تحطيمه. إذا لم تكن في عجلة من أمرك، بوسعك إدخال تغييرات منهجية: بمقدورك تعديل ذهنيات الناس، أو تغيير ثقافتك المؤسسية، أو إعادة طرح طبيعة التحدي ذاته بصيغة جديدة لمساعدة الموظفين على الانتباه والتعلم من الفشل.
شملت دراستكم مشاركين أميركيين وبريطانيين. هل كانت النتائج ستختلف في ثقافة غير غربية؟ هذه فرضية عظيمة يجب علينا أن نختبرها لنرى النتيجة. ثمة براهين تشير إلى أن المدارس في بعض الدول مثل اليابان تعلم الأطفال تبنّي مواقف سليمة تجاه الأخطاء والنكسات. ربما لن تتكرر نتائجنا، بل وقد تكون معكوسة، لو كان المشاركون لا يشعرون بالتهديد من الفشل.
هل طبقتِ هذا البحث في حياتك الشخصية؟ جرّبت فعل ذلك. كنت في سوق العمل هذا العام، وفي اليوم الذي نُشِرَت فيه هذه المقالة البحثية واجهت حالة فشل. لا أتذكر التفاصيل – لكنني أعتقد أنني لم أحصل على وظيفة وقتها. فقلت بيني وبين نفسي: "يجب عليّ أن أحاول وضع ذلك البحث موضع التطبيق العملي". لكن ذلك كان أقصى ما فعلته. حاولت أن أفكر في الفشل بطريقة تجعله يبدو أقل تحديداً لشخصيتي وأقل سوءاً لكنني لم أفلح في ذلك.
من الملفت للانتباه أنك لا تذكرين ما هي حالة الفشل التي واجهتيها. هل هذا هو ذات النقص في الاحتفاظ بالمعلومات الذي يحصل في أعقاب نكسة ولاحظتيه في تجاربك؟ ربما. هذا وارد. لم أربط بين الاثنين من قبل. لكن ربما يكون الأمر أنني قد واجهت الكثير من حالات الفشل مؤخراً بحيث شكّل الأمر اختباراً لحدود ذاكرتي. سوق العمل الأكاديمي هو تجربة لا أتمناها لأحد.