وسط الخسائر المروعة في الوظائف الناجمة عن جائحة "كوفيد-19"، كانت هناك قوة تعويضية واحدة ألا وهي: الطلب الملح على المهنيين الطبيين والتقنيين للعودة إلى العمل بعد تقاعدهم أو بعد انقطاعهم لفترة عن العمل.
الأطباء والممرضون العائدون إلى العمل، إلى جانب التقنيين البارعين في لغة البرمجة القديمة "كوبول" (COBOL) التي لا تزال الكثير من الدول تستخدمها في معالجة طلبات الحصول على إعانات البطالة، يساعدون المجتمع، وهو ما وضع هذه "الانطلاقة الجديدة" لهؤلاء العاملين في دائرة الضوء. وقد تم الاحتفاء بهم أكثر من أي وقت مضى، وإعادتهم إلى العمل بأسرع ما يمكن.
لقد نظر أصحاب العمل على مر التاريخ إلى هذه المجموعة من الموظفين المحتملين بنظرة شك لأنهم يتصورون أن مهاراتهم قد تدهورت أو عفا عليها الزمن أو أنهم مؤهلون أكثر من اللازم أو أنهم سيحتاجون وقتاً أطول لزيادة نشاطهم وإنتاجيتهم أو أنهم يفتقرون إلى الالتزام تجاه وظائفهم أو أنهم ببساطة كبار في السن للغاية.
ولكن تلاشت هذه المخاوف أثناء الأزمة. فقد أصبح أصحاب العمل يدركون مواطن القوة التي أظهرتها هذه المجموعة من العاملين منذ البداية، وهي: المعرفة المؤسساتية والتعليم والخبرة في العمل ووجهات النظر الناضجة واستقرار الحياة والإخلاص والولاء وطاقة وحماس للعودة إلى العمل.
ففي قطاع التمريض تعمل الولايات على الإسراع في تجديد الرخص والسماح للممرضين بممارسة العمل عبر حدود الولايات وإلحاقهم ببرامج قصيرة لتجديد مهاراتهم وتحديثها. وتحدث ظاهرة مماثلة في الخارج. وقد صاغها أحد العناوين الرئيسية هكذا: "الممرض يظل ممرضاً طوال حياته: عودة 20 ألف مسعف بريطاني سابق إلى العمل لمواجهة فيروس كورونا".
وفي قطاع التكنولوجيا، يجري استدعاء المبرمجين الذين لديهم معرفة بلغة "كوبول"؛ وهي لغة برمجة استُخدمت لعقود في الحواسيب المركزية وتم إيقاف العمل بها منذ سنوات. وقد حدث ذلك أيضاً أثناء مشكلة عام 2000 (أو ما يطلق عليه خطأ الألفية) وأثناء الارتفاع الحاد في معدلات البطالة الناجم عن الركود الاقتصادي الكبير. ويرجع السبب في ذلك إلى أنه: عندما تعمل أنظمة الحواسيب واسعة النطاق على حواسيب مركزية قديمة تحتوي على مليارات من سطور شيفرة البرمجة، ليس بغريب أن تندثر لغة "كوبول" بسبب ظهور لغات برمجة جديدة.
النجاح المبدئي في إعادة العاملين في مجال الرعاية الصحية والتقنيين إلى قوة العمل، والآثار واسعة النطاق لهذا التوجه، أصبحت جميعها تجذب الانتباه بالفعل. فقد قال ديفيد غرابوسكي، الأستاذ في سياسات الرعاية الصحية بكلية هارفارد للطب، في مقابلة مع موقع "نيكست أفينو" (Next Avenue): "إعادة الأطباء والممرضين إلى العمل خلال هذه الأزمة فكرة جيدة.... وينبغي لنا إضفاء الطابع الرسمي عليها بإيجاد طريقة أكثر منهجية لتجهيز مصدر من الأطباء والممرضين المستعدين للعودة إلى قوة العمل".
غرابوسكي مُحق، وينبغي لنا إضفاء الطابع الرسمي على هذا التوجه، بالاستفادة من الزخم الذي تلقاه برامج العودة إلى العمل حتى الآن. وقد شهدت السنوات العشر الماضية نمواً سريعاً في برامج العودة إلى العمل في بورصة "وول ستريت" (Wall Street) وفي جوانب أخرى من الخدمات المالية. وعلى صعيد التكنولوجيا، تضع المزيد من الشركات برامج للعاملين العائدين إلى العمل إما بمبادرة منها أو باعتبارها جزءاً من مبادرات أخرى كمبادرة "فريق العودة إلى العمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات" (STEM Reentry Task Force) التي تضم في الوقت الحالي 32 شركة بما في ذلك بعض من أكبر الشركات في العالم في مختلف القطاعات من الدفاع إلى السلع الاستهلاكية.
في حين أن هناك مجموعة من البرامج المتخصصة في إعادة الممرضين والأطباء إلى العمل، إلا أننا لم نشهد اعتمادها على نطاق واسع. وبمجرد أن تنتهي الأزمة، ستتمثل فرحة الانتصار في سد النقص في العاملين في مجال الرعاية الصحية (الذي كان يسبق ظهور الجائحة) على الأقل جزئياً من خلال تكرار برامج العودة إلى العمل كبرنامج "معاودة مزاولة المهنة" (RetuRN to Practice) التابع لمؤسسة "ألغيني هيلث نيتورك" (Allegheny Health Network) وبرنامج "إعادة تدريب الأطباء وإعادتهم إلى العمل" (Physician Retraining & Reentry) الذي وُضع بالتعاون مع كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو (UC San Diego) وبرنامج "إعادة الأطباء إلى العمل وتجديد معلوماتهم" (Physician Refresher/Re-entry) التابع لكلية الطب بجامعة دركسل (Drexel University).
وهذه البرامج إما أنها "برامج للعودة إلى العمل" قائمة على التدريب الداخلي أو برامج "للتعيين المباشر" وفيها يصبح المشاركون موظفين من اليوم الأول في البرنامج، مع تقديم دورات في التطوير المهني ونماذج جماعية ودعم توجيهي انتقالي لتسهيل إعادة إدماجهم في قوة العمل. ويبلغ متوسط معدلات التعيين بعد إتمام برامج العودة إلى العمل أكثر من 80%، وهو دليل على الكفاءة العالية للمرشحين الذين تستقطبهم تلك البرامج.
تستخدم الشركات برامج العودة إلى العمل للاستفادة من المهنيين ذوي الإمكانات العالية الذين انقطعوا عن العمل لرعاية المسنين أو الأطفال أو بسبب مشكلات صحية أو نتيجة الاغتراب أو لأنهم أزواج لعسكريين. وتستهدف بعض البرامج أيضاً الأشخاص الذين "يودون الرجوع عن قرار التقاعد" وقدامى المحاربين الذين ينتقلون إلى الأدوار المدنية. جدير بالذكر أن 28% من الشركات المدرجة في قائمة "فورتشن 50" وضعت برامج داخلية للعودة إلى العمل. ولكن أقل من 6% من الشركات المدرجة في قائمة "فورتشن 500" الأوسع نطاقاً قامت ذلك.
الفرصة المتاحة واضحة ومجموعة المواهب استثنائية ومتميزة. وهؤلاء الذين استأنفوا حياتهم المهنية أثناء هذه الجائحة يقدمون إسهامات استثنائية في أحلك الأوقات التي تمُر بها البلاد، ما يقضي على الصورة النمطية لهم ويحد من التردد بشأن إعادتهم إلى العمل.
عندما يفقد الكثيرون وظائفهم ويخشون التعرض للانهيار المالي، لا يسعنا إلا أن نأمل في حدوث انتعاش سريع وواسع النطاق. لا يمكن لأحد أن يتنبأ بموعد حدوث ذلك ولكنه سيحدث في النهاية. وعندما يحدث ذلك، يجب أن نفكر بطريقة مختلفة في كيفية تعيين وإعادة إدماج المهنيين العائدين إلى العمل في جميع المجالات، كما يجب أيضاً وضع برامج موحدة ورسمية للعودة إلى العمل في مختلف القطاعات. لقد رأينا الإسهامات التي يمكن لهؤلاء المهنيين تقديمها في حالات الطوارئ، ومن واقع برامج العودة إلى العمل الحالية أصبحنا نعرف القيمة التي يمكنهم إضافتها على المدى الطويل. ولذلك يجب ألا ننسى هذه الأشياء بعد انتهاء فترة الانكماش الحالية.
تنويه: تشارك شركة "آي ريلونش" (iRelaunch) في قيادة مبادرة "فريق العودة إلى العمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات" مع "جمعية المهندسات" (Society of Women Engineers)، ومؤسسة "ألغيني هيلث نيتورك" عميلة لدى شركة "آي ريلونش".