كائن طفيلي شائع يمكن أن يزيد من الروح الريادية لدى الناس

5 دقائق
الطفيليات

عندما درس دانيال ليرنر، أستاذ ريادة الأعمال في كلية الأعمال في الجامعة الدولية في مدريد، وزملاؤه التواريخ الطبية والمهنية لأكثر من 74,291 امرأة دنماركية، اكتشفوا أن السيدات اللواتي أصبن بأحد الطفيليات وهو (طفيلي التكسوبلازما أو المقوّسة الغوندية) كنّ أكثر ميلاً من غيرهن بنسبة 29% وسطياً إلى تأسيس شركة ناشئة، وأكثر ميلاً بنسبة 27% إلى تأسيس عدة مشاريع، كما كنّ أكثر ميلاً بمقدار الضعفين إلى تأسيس شركات بمفردهن. إضافة إلى ذلك، فإن شركاتهن كانت أنجح، وسطياً، من تلك التي أسستها نظيراتهن غير المصابات بعدوى الطفيلي. الخلاصة: كائن طفيلي شائع يمكن أن يزيد من الروح الريادية لدى الناس.

أستاذ ليرنر، دافع عن بحثك العلمي

ليرنر: تعديل السلوك الناجم عن الطفيليات هو ظاهرة مُثبتة. فقد أظهر العلماء أنه عندما يصيب طفيلي المقوّسة الغوندية القوارض، فإنه يدخل أدمغتها، ويجعلها أقل نفوراً من المجازفة. وبالتحديد، تصبح القوارض أنشط، وأكثر ميلاً إلى استكشاف مناطق جديدة، وتتباطأ ردود أفعالها، كما أنها تصبح أقل خوفاً من رائحة القطط أو بولها. سلوك البحث عما هو جديد، وعدم الشعور بالتثبيط في الهمة، وتراجع الخوف من المجازفة: هذه تبدو صفات للروح الريادية برأيي. لذلك، سعيت أنا وزملائي إلى تقييم وجود ارتباط محتمل.

هارفارد بزنس ريفيو: لحظة من فضلك. هل نتحدث هنا عن فئران أم عن بشر؟

نحن نتحدث عن الاثنين معاً. طفيلي المقوّسة الغوندية، الذي تشير التقديرات إلى أنه يصيب ما بين 10% إلى 50% من البشر، بحسب البلد، يؤثر أيضاً على أدمغة البشر، حيث يُعدل إنتاج النواقل العصبية، مثل الدوبامين والسيروتونين، واستقلابها، كما يعدل إنتاج بعض الهرمونات مثل التستيرون واستقلابها. وثمة أدلة متنامية تشير إلى أن هذه التعديلات يمكن أن تتسبب بتغيّرات سلوكية لا تختلف عن تلك التي تُلاحَظ لدى القوارض. حتى أن الأشخاص المصابين الذين لا تظهر لديهم أعراض أو لديهم إصابات كامنة، وهم يمثّلون غالبية الحالات، يتقبلون الروائح المنبعثة من القطط المنزلية بشكل أكبر نسبياً مقارنة بالأشخاص غير المصابين. وهم يصبحون أشخاصاً أكثر انطلاقاً وانفتاحاً. كما أنهم أكثر ميلاً إلى أن يكونوا طرفاً في حادث مروري وأن يقودوا سياراتهم دون وعي، وهي سلوكيات تشير إلى درجات عالية من تقبّل المخاطر.

نظراً إلى أن هذا الطفيلي يمكن أن ينتقل إلى البشر من القطط، هل أنتم واثقون من أنكم لم تثبتوا ببساطة أن السيدات اللواتي يمتلكن قططاً يفعلن ما يروق لهن، وبالتالي، فإنهن أكثر ميلاً من الآخرين إلى إنشاء شركاتهن الخاصة؟

هل تحاول أن تلمح إلى الصورة النمطية عن "السيدة المولعة بالقطط"! أشك في ذلك كثيراً. صحيح أن طفيلي المقوّسة الغوندية لا يتكاثر إلا في أمعاء الهرة، ما يجعل القطط المضيف النهائي له. ولكن خلافاً لما يعتقد الكثيرون، فإن إصابات البشر بهذا الطفيلي لا تأتي في أغلب الأحيان من القطط المنزلية، بل هي تنتج على الأغلب من تناول اللحوم غير المطهية بما يكفي، أو مشتقات الألبان غير المبسترة، أو الخضار غير المغسولة، وهي تنتج بين الفينة والأخرى عن التعرض إلى القطط البرية أو القطط المنزلية التي كانت على تماس مع قوارض مصابة. وقد أُثْبِتَ هذا الارتباط الإجمالي بين طفيلي المقوسة الغوندية والتغيرات النفسية والسلوكية في المئات، إن لم يكن الآلاف، من الدراسات التي شملت مجموعة متنوعة جداً من الأنواع الحية.

رغم التعقيد الذي تتصف به دراسة تأثيرات طفيلي المقوسة الغوندية على البشر، بطبيعة الحال، إلا أننا نحاول إجراء دراسة جدّية ذات نتائج موثوقة. ففي البحث السابق، أخذنا عيّنات لُعاب من 1,500 طالب جامعي ووجدنا أن الأشخاص الذين كانت نتائجهم إيجابية من حيث إصابتهم بطفيلي المقوسة الغوندية كانوا أكثر ميلاً بمقدار 1.4 مرة من غيرهم إلى دراسة الأعمال كفرع أساسي، وكانوا أكثر ميلاً بمقدار 1.7 مرة من غيرهم إلى التخصص في الإدارة وريادة الأعمال. وفي دراسة أخرى، شملت هذه المرة 200 شخص متخصص وجدنا أن المُصابين بالطفيلي كانوا أكثر ميلاً بمقدار 1.8 مرة من غيرهم إلى أن يكونوا روّاد أعمال.

تستند دراستنا الجديدة إلى ذلك البحث، لكنها مطبّقة على نطاق أوسع. فطفيلي المقوسة الغوندية يتسبب بمرض خطير للأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة، بل ويمكن أن يودي بحياتهم. وفي العديد من الدول، بما في ذلك الدنمارك، تُختبر النساء لتحديد ما إذا كنّ مصابات بهذا الطفيلي لأن العدوى به في أثناء الحمل يمكن أن تتسبب بتشوّهات خطيرة للأجنة. وبفضل زملائي الدنماركيين المشاركين في تأليف الدراسة، وبفضل البراعة الاستثنائية لكل من نظام حفظ السجلات ووكالة البيانات العامة في الدنمارك، تمكّنا من إجراء مقارنة بين السجلات الطبية للأفراد والمعلومات المتعلقة بأنشطتهم الاقتصادية – وضعهم الوظيفي، وشركاتهم التجارية، وأشياء أخرى، على مدار عقد كامل، علماً أن هذه المعلومات مرتبطة ببعضها البعض، ولكن مع إغفال أسماء أصحابها. راقبنا أكثر من 74 ألف امرأة، كانت 7 آلاف سيدة منهن مصابة أو قد أصيبت بالطفيلي.

يتحوّل المُصابون بالعدوى إلى أشخاص أكثر انطلاقاً وانفتاحاً. وهم أكثر ميلاً إلى أن يكونوا طرفاً في حادث مروري أو أن يقودوا سياراتهم دون وعي، وهي سلوكيات تشير إلى درجات عالية من تقبّل المخاطر.

لدواعي الضرورة، لم تشمل دراستكم إلا النساء. فهل تتوقعون اكتشاف أثر مشابه لدى الرجال؟

شمل البحث السابق حول طفيلي المقوسة الغوندية وريادة الأعمال كلاً من الرجال والنساء، لذلك أتوقع أن نتوصل إلى نتائج عامة مشابهة. غير أن من المحتمل أن يكون ثمة اختلاف في حجم الأثر.

هل أنتم قلقون من أن يلجأ بعض رواد الأعمال الطامحين إلى تعريض أنفسهم للإصابة بطفيلي المقوسة الغوندية؟

بكل تأكيد، آمل ألا يحدث ذلك؛ لأن هذه الخطوة ستنم عن غباء شديد. صحيح أن الأداء الوسطي للشركات التي أنشأتها حاملات طفيلي المقوسة الغوندية في دراستنا، والذي قسناه بحجم الأرباح، كان أعلى بمقدار 8% تقريباً مقارنة بشركات الأشخاص غير المصابين بالطفيلي. لكن الأداء الفردي كان متفاوتاً تماماً. فقد كان هناك الكثير من النجاحات الباهرة والكثير من حالات الفشل الذريع أيضاً. كما أن رائدات الأعمال المصابات بالطفيلي أظهرن قدراً أقل من المثابرة مقارنة بالمؤسسات غير المصابات، وكنّ أكثر ميلاً إلى تأسيس شركاتهن بمفردهن. وعادة ما تكون المثابرة والقدرة على استمالة شركاء آخرين مؤسسين تكميليين من الصفات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها رائد الأعمال.

الأهم من ذلك كله هو أن طفيلي المقوسة الغوندية هو طفيلي يتسبب بالمرض! فهو يبقى في جسم الإنسان إلى الأبد. وحتى عندما يكون كامناً، فإنه يمكن أن يُمرِض الإنسان مرضاً شديداً في حال ضعفت مناعته، بسبب علاج مرض السرطان أو زراعة عضو لديه مثلاً. وتشير دلائل حديثة إلى أن طفيلي المقوسة الغوندية يمكن أن يتسبب بمشاكل عقلية خطيرة لدى الأشخاص الذين لديهم عدوى كامنة. فعلى سبيل المثال، ربطت الأبحاث بين هذا الطفيلي واضطراب ثنائي القطب (الاكتئاب الهوسي)، والفصام (الشيزوفرينيا)، والخرف. ونصيحتي هي تجنّب هذا الطفيلي عبر الابتعاد عن اللحوم النيئة، وغسل الخضار والفواكه جيداً، وغسل اليدين بعد لمس سوائل القطط أو الاحتكاك بالقوارض.

هل يمكن لنتائجكم أن تفيد أصحاب رؤوس الأموال المغامرة (الجريئة) عندما يبحثون عن أهداف محتملة للاستثمار فيها؟

ربما يكون بمقدورهم أن يطلبوا من روّاد الأعمال فحص أنفسهم للتأكد من مدى إصابتهم بهذا الطفيلي كأحد الاختبارات المحتملة قبل تقديم التمويل، بمعنى أن النتيجة الإيجابية في هذه الحالة هي النتيجة المرغوبة من وجهة نظرهم. أنا أؤيد أن تجري شركات رأس المال المغامر تقييمات أكثر صرامة واستناداً إلى البراهين، لأن ذلك يمكن أن يحسّن عوائدها المالية، ويمكن أن يزيد في الوقت نفسه من التنوّع بين صفوف مؤسسي الشركات الذين تدعمهم، وأن يفيد منظومة ريادة الأعمال الأوسع. لكن ثمة خيارات أفضل بكثير من إجراء اختبار لتحديد مدى الإصابة بهذا الطفيلي.

أجد مفهوم تلاعب الطفيليات بالإنسان بمجمله مرعباً للغاية؛ فأنت هناك كأنك تقول إن الإنسان لا يتمتع بأي إرادة حرة أبداً. هل هذا ما تؤمن به؟

يُظهِر العلم أن سلوك الناس يتأثر بعدد لا يُحصى من العوامل – فهناك، على سبيل المثال، أبحاث ناشئة حول تأثير جراثيم الجهاز الهضمي على الصحة النفسية. لكنني لا أستطيع القول إن الإنسان يفتقر إلى الإرادة الحرة. لعلك تتذكر أن خوفاً مشابهاً كان قد ظهر قبل عقود خلت عندما بدأ العلماء يتعرّفون على الطريقة التي تؤثر بها المورثات على سلوكنا. فعندما يتعلق الأمر بالمورثات والطفيليات، فإننا نتحدث عن نزعات محتملة. فمهما كان تأثير طفيلي المقوّسة الغوندية على سلوكنا، فإن العدوى به ليست حتمية أو مؤكدة. وأنا شخصياً أظن أنها فكرة جيدة أن يضبط الإنسان غروره، وأنا يتواضع قليلاً بخصوص مدى جودة فهمنا لدوافعنا، ورغباتنا، وأفعالنا. لكن ذلك لا يقلل من إحساسي بالاستقلال الذاتي والقدرة على الفعل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي