الطباعة ثلاثية الأبعاد، المعروفة أيضاً بالتصنيع التجميعي، موجودة منذ العام 1984، ولكن الناس لم يبدؤوا بالالتفات إلى الأمر قبل التقدم التكنولوجي المحقق أخيراً. فماذا عن استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في قطاع الصحة؟
في الآونة الأخيرة، بات شراء سلع مصنوعة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد، مثل الأحذية والمجوهرات والأقلام وحتى السيارات ممكناً. في الوقت نفسه، يعمل كبار قطاع التكنولوجيا على دراسة إمكانية دخولهم في لعبة تطوير الطابعات ثلاثية الأبعاد، ومن هؤلاء شركة "ماتيل" (Mattel) التي كشفت عن طابعة ثلاثية الأبعاد للأطفال تُسمّى "ثينغ ميكر" (ThingMaker) أي صانعة الأشياء.
نما مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد في العام 2014 وحده بنسبة 35.2% ثم شهد تباطؤاً بسيطاً في العام 2015، غير أن الابتكارات التي شملت المنتجات المصنوعة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد يمكن رؤيتها في نطاق واسع من القطاعات. وربما يكون التطور الأهم في الطباعة ثلاثية الأبعاد هو الذي حدث في مجال الطب، فقد بدأت هذه التكنولوجيا بإحداث تغييرات، خصوصاً مع انخفاض تكلفتها وسهولة الحصول عليها.
استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في قطاع الصحة
غالباً ما تكون التكنولوجيا الطبية مرتفعة الثمن عند دخولها السوق قبل أن تُصبح أرخص بمرور الوقت، ولكن بالنسبة إلى الحلول الجديدة، المصنوعة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد، فهي منذ دخولها السوق تأتي بسعر معقول. ويُمكن لهذا التغيير أن يُزعزع المسار المثير للقلق، والمتمثل في ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية في الوقت نفسه الذي سوف يضع فيه مُسنّو جيل طفرة المواليد (بين 1946 و1964) المزيد من الضغط على نظام الرعاية الصحية.
على سبيل المثال، طوّر الخبراء بشرة مصنوعة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد لضحايا الحروق، وجبائر لمجاري التنفس لدى الرضع المصابين بتليّن القصبات الهوائية (tracheobronchomalacia)، لتكون الممرات الهوائية الدقيقة حول الرئتين قابلة للانهيار. تتميز جبائر مجاري التنفس بأهمية خاصة لأنها أول عملية زرع لأداة مصنوعة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد مصممة للأطفال وتنمو معهم، وقد اختُبرت عمليات الزرع الطبي هذه بنجاح لدى ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أشهر و16 شهراً منذ نيسان/أبريل 2015 (حتى عام 2016 تاريخ كتابة المقالة). وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجبائر يمكن إنتاجها في غضون ساعات، ولا تكلف إلا حوالي 10 دولارات لكل واحدة منها.
اقرأ أيضاً: كيف تغذي السجلات الطبية الإلكترونية الابتكار والإبداع في مجال الرعاية الصحية؟
تُعتبر التكنولوجيا نفسها من الأسباب التي تساهم في خفض تكلفة الحلول ثلاثية الأبعاد: تشتمل العملية على بناء أشياء صلبة ثلاثية الأبعاد بناء على نموذج رقمي، وهذا باستخدام عمليات التصنيع التجميعي، فتُجمّع طبقات متتالية من المواد فوق بعضها البعض لبناء الشيء المطلوب. وتعني هذه العملية أنه يمكن تجميع العناصر مباشرة بناء على نموذج رقمي للمزيد من الدقة وإزالة أي مجال للخطأ. إضافة إلى ذلك، تختلف طريقة التصنيع هذه عن تقنيات التصنيع القديمة التي تعتمد عادة على الإزالة (القطع والحفر والتقطيع وما إلى ذلك) بدلاً من الإضافة والتجميع، بحيث لن يكون هناك مخلّفات وعملية استخراج تساهم في زيادة التكاليف لأن الطباعة ثلاثية الأبعاد تخّطت هذه المشاكل.
لا تزال غالبية الحلول الطبية المصنوعة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد في مراحلها التجريبية، ولكنّ الاختبارات الأولى تبدو واعدة في عدّة مجالات.
استخدم علماء في "جامعة برينستون" (Princeton University) أدوات الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء أذُن إلكترونية حيوية يمكنها سماع ترددات الراديو بقدرة تفوق قدرة البشر الطبيعية، في مرحلة البحث ضمن مشروع لاستكشاف جدوى الجمع بين الإلكترونيات والأنسجة البشرية.
اقرأ أيضاً: التحولات المعلوماتية التي يحتاجها قطاع الرعاية الصحية
كان المشروع أوّل جهد يبذله الفريق لبناء عضو يعمل بالكامل، والأذن التي صنعوها لا تضاهي قدرة الأذن البشرية وحسب، بل تفوقها. ووفقاً لمقالة نشرها الباحثون على الإنترنت، فإنّ مجال علم التحكم الآلي (cybernetics) "لديه القدرة على إنشاء أجزاء بديلة لجسم الإنسان بحسب احتياجات كل شخص، أو حتى صنع أعضاء لديها قدرات تتجاوز ما توفره البيولوجيا البشرية في العادة". ومثلما أثبتتْ العمليات الجراحية لتركيب الأطراف الاصطناعية الخارجية نجاحها، فقد يُصبح استخدام أعضاء مصنوعة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد مثل الكبد والكلى والرئتين أمراً حقيقياً يُغني المرضى عن ضرورة انتظار دورهم لتأمين متبرّعين.
يوجد الكثير من حالات التقدم الأخرى المحقّقة في مجال الطباعة البيولوجية ثلاثية الأبعاد، فقد ساهم الكثير منها في إنجاح العمليات الجراحية والعلاجات. تخطو تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال علاج أمراض السرطان خطوات هائلة إلى الأمام، فقد طور الباحثون، في العام 2014، طريقة سريعة وغير مكلفة لصنع أعضاء اصطناعية للوجه، لمرضى خضعوا لجراحة سرطان العين، وذلك باستخدام برنامج مسح الوجه والطباعة ثلاثية الأبعاد. وفي العام 2015 وجد باحثون آخرون أنه يمكن استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لصناعة غرسات طبية قابلة للتحلل تناسب احتياجات كل مريض، وذلك من أجل علاج التهابات العظام وسرطان العظام بفعالية أكبر.
اقرأ أيضاً: كيف ستتغير خدمات الرعاية الصحية عندما تبدأ الخوارزميات بتشخيص الأمراض؟
لا تقتصر الطباعة الطبية ثلاثية الأبعاد على المشاكل الطبية الخطيرة، بل قد يمكن أن تصبح في الواقع جزءاً من ممارسة طبية اعتيادية لعلاج الكثير من الأشخاص. فقد شهد العامان الماضيان تطوير بدائل مصنوعة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد بمعدلات نجاح مشجعة، مثل الكاحل، والجبائر، وأقراص الدواء. تُساعد الجبائر المصنوعة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد في التئام العظام أسرع مما تفعل الجبائر التقليدية بنسبة تتراوح بين 40% و80%، وتسمح أقراص الدواء المصنوعة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد بصنع أشكال جديدة لأقراص الدواء بطريقة مثيرة للاهتمام يمكن أن تغيّر معدلات إطلاق الدواء في الجسم.
مع انخفاض أسعار التصنيع، المنخفضة أصلاً، سوف يسهّل استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في قطاع الصحة تخصيص العلاج بحسب احتياجات كل مريض، وتسهيل العلاجات السابقة التي كانت مستحيلة.
اقرأ أيضاً: كيف ستبدو الرعاية الصحية عندما تصبح السماعات الذكية في كل مكان؟