صياغة السياسات المستقبلية لقطاع الصناعات التحويلية:
منذ بدء الحضارة الإنسانية على وجه هذه الأرض، ونحن نعرّف رقي أنفسنا بربط مقياس الحضارة بمستوى التصنيع لديها.
وقد استفدنا من بناء معارفنا عبر عدة قرون ودعم قدراتنا المتزايدة لتطوير تكنولوجيات أكثر تعقيداً تحت مسمى "التصنيع المنطقي"، كما كان يشير إليه أصل تفسير كلمة تكنولوجيا باللغة اليونانية القديمة.
ونرى بأن المقاييس الحالية المستخدمة في مجال الصناعات التحويلية غير مؤهلة لوضع سياسات فعّالة للصناعات التحويلية. ويتطلب هذا وجود مجموعة جديدة من التدابير لتلبية الحاجة إلى سياسات فعّالة واللحاق بركب التوجهات المستقبلية.
ويغطي مقياس (البارومتر) الخاص بمستقبل قطاع الصناعات التحويلية الذي وضعناه معظم دول العالم، حيث أنه يساعد على تحديد الفجوة القائمة بين الأداء الفعلي والقدرة الكامنة في أي بلد معني فضلاً عن تحديد القضايا المحتملة في مجال السياسات والتي يجب معالجتها.
ومع ذلك، فإننا لازلنا، وإلى يومنا هذا، نحاول تحديد جوهر ما نعرّف أنفسنا به من خلال استعمال مقياس بسيط هو «حصّة قطاع الصناعات التحويلية من الناتج المحلي الإجمالي». ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان هذا هو المقياس الوحيد لمدى تطوّر الصناعات التحويلية والذي لا يزال ناجعاً؟
وعلى مدار القرنين الماضيين لوحدهما، كانت هناك مراحل من الابتكارات التكنولوجية وطرق نشر هذه الابتكارات هي التي حدّدت شكل قطاع الصناعات التحويلية، وأدّت، مراراً وتكراراً، إلى خلق أشكال جديدة تماماً من العمليات وطرق الإنتاج والمنتجات المتنوّعة. ونحن اليوم نقف الآن على أعتاب فجر ثورة صناعية جديدة قد تسرّع وتيرة التغيير، وبحجم غير مسبوق، علماً بأنّ المحرك الأساسي لهذه الثورة وما يحدّد شكلها هو التقدّم الحاصل في تطوير القدرات، فضلاً عن السياسات والتوجّهات الجديدة. كما أنّ مستقبل الصناعات التحويلية سوف يشهد تزايداً في التقاطع والتداخل ما بين المهارات والمواد والعمليات، وبالتالي فإنّ المقاييس التي تركّز حصرياً على الصناعات التحويلية، لن تكون كافية لكي يعتمد عليها صنّاع السياسات في اتّخاذ القرارات. بل إنّ الصناعات التحويلية بحاجة إلى أن تصبح أكثر اعتماداً على المعرفة، بحيث تتطلّب وجود مقاييس تغطّي عدّة مجالات في الوقت ذاته وكذلك وجود نماذج تطوير جديدة .
حقائق رئيسية
* تحتاج الإمارات العربية المتحدة إلى تحقيق قفزة نوعية إلى الأمام في مجال الصناعات التحويلية، وقد كانت تبحث عن الخيارات المناسبة في مجال السياسات.
* المقاييس الحالية المستخدمة في مجال الصناعات التحويلية غير مؤهلة لوضع سياسات فعالة للصناعات التحويلية.
* لقد كانت الحاجة تستدعي وجود مجموعة جديدة من التدابير لتلبية الحاجة إلى سياسات فعالة واللحاق بركب التوجهات المستقبلية.
* يغطي المقياس (البارومتر) الخاص بمستقبل قطاع الصناعات التحويلية الذي وضعناه معظم دول العالم، حيث أنه يساعد على تحديد الفجوة الموجودة بين الأداء الفعلي والقدرة الكامنة في أي بلد معني فضلاً عن تحديد القضايا المحتملة في مجال السياسات والتي يجب معالجتها.
وبالتالي، فإنّ التحدّي سيتمثّل في كيفيّة تصميم السياسات الحكومية وسياسات الشركات في قطاع الصناعات التحويلية وفي كيفية ضمان الموائمة بين هذه السياسات في أوقات تشهد تحوّلاً تكنولوجياً متسارعاً؟
أمّا بالنسبة لنموذج دولة الإمارات العربية المتّحدة فهو يسلّط الضوء على الفرصة التي يمكن للدول اغتنامها للّحاق بركب التوجهات الجديدة في مجال الصناعات التحويلية بل واحتمال تحقيق قفزة نوعية فيها أيضاً.
وعند محاولة تطبيق هذا التساؤل على حالة دولة الإمارات تبرز أمامنا مسألتان: الأولى، حول جاهزية الدولة جاهزة للثورة الصناعية المقبلة؟ والثانية، وما هي الفرص الممكنة لتحقيق قفزة نوعية عبر نموذج جديد للمهارات في مجال الصناعات التحويلية وتطوير هذا القطاع؟
لقد نجحت الإمارات خلال السنوات الخمسة والأربعين الماضية في تطبيق استراتيجية للتنويع الاقتصادي، أسهمت في خفض حصّة النفط من الناتج المحلي الإجمالي إلى 30%، في حين كان للصناعات التحويلية دور أساسي وكبير في هذه الاستراتيجية. فقد أسهم إيجاد بيئة مستقرّة لاجتذاب الاستثمارات وإنشاء بنية تحتية وفق أرفع المعايير العالمية في تعزيز موقع الإمارات، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عربي، حيث يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدولة 400 مليار دولار أمريكي. وقد حققت الإمارات قفزة إضافية من خلال سنّ عدد من القوانين والتشريعات الرامية إلى تعزيز قاعدة الصناعات التحويليلة فيها ودعمها. ومن جملة تلك القوانين والسياسات، أصدرت الإمارات "قانون الصناعة" و"قانون الملكية الفكرية" وكذلك "قانون المشاريع والمنشآت الصغيرة والمتوسطة" الصادر مؤخراً. كما تم تشكيل مجلس للتنسيق الصناعي على مستوى الدولة وكان الهدف من هذه القوانين هو إيجاد بيئة تدعم الصناعات الجديدة، وتوجّه السياسات الرامية إلى تنويع اقتصادات مختلف الإمارات في الدولة وتضمن استدامة المشاريع والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
الحاجة إلى مقياس لمستقبل الصناعات التحويلية
بغية التعامل مع هذين الخيارين المتاحين أمام الإمارات، قمنا بتطوير مقياس لمستقبل الصناعات التحويلية بوصفه أداة تحليلية تهدف إلى تقويم الفرص المستقبلية المتاحة أمام الحكومة والقياديين في قطاع الأعمال في الإمارات. ويساعد هذا المقياس في قياس الفجوات وحصر الثغرات الموجودة بين الأداء الحالي لبلد معيّن في مجال الصناعات التحويلية، وقدرته المستقبلية الكامنة، وفعالية سياساته ممّا يساعد في تطوير سياسات صناعية أنسب.
تواجه دولة الإمارات اليوم خيارين اثنين: إما أن تتبع المسار التقليدي في مجال تطوير الصناعات التحويلية، أو أن تحقق قفزة نوعية وتتبنى تغييراً جذرياً في نموذجها التنموي من خلال اللحاق بركب الثورة الصناعية الجديدة.
هل دولة الإمارات جاهزة لدخول مستقبل الصناعات التحويلية؟
الإمارات في سياق جديد
لقد باتت الصناعات التحويلية تتطوّر بوتيرة أسرع وبسلاسة أكبر. كما أسهم اشتراط امتلاك المهارات في عدد من المجالات المتقاطعة والمتداخلة مثل الإلكترونيات، والإنسان الآلي (الروبوتات)، وصياغة البرمجيات والشفرات، واستعمال المعدّات الجديدة، وكذلك التطوّرات الحاصلة في مجال التكنولوجيا مثل طرق الإنتاج الافتراضية المادية (cyber-physical production methods) (كإنترنت الأشياء (Internet of Things) على سبيل المثال) والصناعات التحويلية التجميعية (additive manufacturing) (كالطباعة الثلاثية الأبعاد (3D printing)) والعمليات التحليلية المتقدمة للبيانات (مثل مفهوم البيانات الضخمة (Big Data))، أسهم في إحداث تغيير هائل في طبيعة قطاع الصناعات التحويلية والوظائف المرتبطه به. وبالتالي لم يعد التمايز الذي كان قائماً بين وظيفة العامل ووظيفة المدير موجوداً. ففي وقت ارتقى العمّال السابقون ذوو الياقات البيضاء (white collars) من المدراء وعمّال الوظائف المكتبية إلى عالم الابتكار، بات يتوجّب على العمال السابقين ذوي الياقات الزرقاء (blue collars) المتخصّصين بالأعمال اليدوية والميدانية في قطاع الصناعات التحويلية أداء وظائف أكثر ارتباطاً بالقدرات الفنية والمجالات المتقاطعة المذكورة أعلاه وتحديداً مع حلول الآلات مكان البشر في أداء الوظائف اليدوية.
إطار للسياسات يهدف إلى تطوير الصناعات التحويلية
تسعى الحكومة الإماراتية إلى تحقيق هدف يتمثّل برفع حصّة قطاع الصناعات التحويلية من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2021 إلى 20% (باستثناء النفط). وبغية إنجاز هذا الهدف، سوف تحتاج الإمارات إلى مراجعة قوانينها الحالية المتعلقة بملكية الاستثمارات الأجنبية في قطاع الصناعات التحويلية. كما ستحتاج الحكومة أيضاً إلى فتح المجال بشكل أكبر أمام هذا النوع من الاستثمارات، وتحديداً في القطاعات التي لا تمتلك الإمارات فيها القدرات المطلوبة والتي ستؤدّي دوراً هاماً في دعم عملية التنويع الاقتصادي التي تتبناها الإمارات. ثانياً، سوف تحتاج الإمارات إلى تبنّي سياسة واضحة لتشجيع انتشار الصناعات التحويلية ضمن إمارات الدولة السبعة. ويجب أن تكون هذه السياسات متوائمة مع الأهداف الاقتصادية المعلنة لكل إمارة منها
ومع ذلك، فهناك حاجة إلى إعادة صياغة نموذج الصناعات التحويلية بطريقة مبتكرة في الإمارات
تواجه دولة الإمارات اليوم خيارين اثنين بالنسبة لتطوير الصناعات التحويلية: فإمّا أن تتّبع المسار التقليدي في تطوير الصناعات التحويلية، أو أن تحقق قفزة نوعية وتتبنّى تغييراً جذرياً في نموذجها التنموي من خلال اللحاق بركب الثورة الصناعية الجديدة. ولكن إذا نظرنا إلى التوجهات السائدة في قطاع الصناعات التحويلية، فإن المقياس الخاص بحصّة قطاع الصناعات التحويلية من الناتج المحلي الإجمالي، لا يؤمّن السياق الكافي الذي يسمح بتحديد القدرات المطلوبة وفرص التطوير المتاحة.
ما هي القدرات التي يجب تطويرها؟ وبأي وتيرة؟ وكيف يمكن قياس الأداء والأثر؟ تقتضي الإجابة عن هذه الأسئلة تبنّي مقاربة جديدة ونهج جديد للتعامل معها.
ما هي مقاييس الصناعات التحويلية المناسبة التي تسمح بقياس أداء دولة الإمارات؟
الحاجة إلى مقياس جديد للصناعات التحويلية: مقياس مستقبل الصناعات التحويلية (Future of Manufacturing Barometer)
إنّ التعامل مع المحفّزات الأساسية التي ستحدّد شكل مستقبل الصناعات التحويلية، يتطلّب انتهاج مقاربة جديدة لقياس أداء هذا القطاع سواء في دولة الإمارات أو في بقية أنحاء العالم. فثمّة عدد من المؤشرات الموجودة والتي تغطّي أداء قطاع الصناعات التحويلية أو التنافسية في القطاع الصناعي، ومع ذلك فإنّ أيّاً منها لا يركّز على الفجوات والثغرات الموجودة في مجال القدرات والابتكار، أو على التداخل والتقاطع بين مختلف المحفّزات الأساسية للصناعات التحويلية.
لذلك جرى وضع مقياس لمستقبل الصناعات التحويلية يشمل ثلاثة أبعاد وهي:
1- الأداء الحالي في مجال الصناعات التحويلية والابتكار.
2- القدرة المتسقبلية الكامنة المستندة إلى المعارف والقدرات.
3- الفعالية المتصورة للسياسات العامة.
وقد ساعدت هذه الأبعاج الثلاثة في تحديد تصنيف دولة الإمارات على مستوى العالم، وفي تسليط الضوء على الفجوات الموجودة بين الأداء الحالي للإمارات في مجال الصناعات التحويلية وقدرتها المستقبلية الكامنة وفعالية سياستها.
ما مدى جودة أداء الإمارات على مقياس مستقبل الصناعات التحويلية؟
عند تطبيقنا لمنطق هذا المقياس على العالم وعلى الإمارات ثمّة مجموعة من النتائج التي توصّلنا إليها:
بناءً على نتائج المقياس، فإن أداء قطاع الصناعات التحويلية على المستوى العالمي، قد سجّل تحسّناً كبيراً بين العامين 2007 و2013. فقد حقّق هذا الأداء زيادة وسطية وبنسبة بلغت 25% خلال هذه الفترة. وبالتحديد، أسهم تحسّن الأداء في مجال الابتكار وكذلك زيادة نسبة الصادرات في الدول النامية في الوصول إلى هذه النتيجة الإيجابية. ويشير ذلك عموماً إلى أنّ دول العالم كانت قادرة على الاستفادة من قدرتها النسبية الكامنة الأعلى ومن الفعالية المُتَصوَّرة لسياساتها.
ولكن في الوقت ذاته، تراجع المعدّل الوسطي للقدرة الكامنة المستقبلية بما يُقارب 3%. وهذا مؤشر أوّل على تغيّر طبيعة الصناعات التحويلية، التي تتطلّب وجود مهارات وقدرات جديدة لدى الدول.
وبناءً على ما سبق، فإنّ الفجوة بين الأداء الفعلي والقدرة الكامنة تقلصت بشكل كبير بين 2003 و2013، بحيث بلغ حجم الفجوة على المقياس الجديد 22. بيد أنّ هذا يعني بأنّ دولاً مثل الإمارات لم تحقق الاستفادة الكاملة بعد من قدراتها الكامنة في مجال الصناعات التحويلية. فقد كشف التحليل التاريخي بأنّ تحسّن فعالية السياسات بنسبة 1% يمكن أن يساعد في ردم الفجوة بين الأداء الفعلي والقدرة الكامنة بنسبة 0.5% على مدار عامين.
تحتاج الإمارات إلى المضي قدما لبناء عملية التنويع من خلال انتهاج مسار القدرة وتحقيق قفزة نوعية في مجال الصناعات التحويلية وبناء مجموعة من المهارات الجديدة وهذا يعني الانتقال من القدرات القديمة إلى القدرات الجديدة ومن نماذج الإنتاج القديمة إلى الجديدة.
لقد أوضح التصنيف المفصّل للعام 2013 بأنّ دولة الإمارات العربية المتّحدة تأتي في خانة "الدولة المعرّضة لخطر التأخّر عن الآخرين في القدرات" حيث أنّها تمتلك سياسات نافذة تتّسم بالفعالية الكبيرة، غير أنّ انخفاض نسبة قدرتها الكامنة إلى أدائها الفعلي يشير إلى فرص مستقبلية محدودة دون تحسّن واضح في القدرات. وبالمقارنة، فإنّ دولاً مثل ألمانيا تندرج في خانة "الدولة الفائزة في نسبة الأداء الفعلي إلى القدرة الكامنة"، حيث أنّ لدى ألمانيا، ومقارنة مع الاقتصادات الأخرى، فجوة صغيرة بين الأداء والقدرات. أمّا دول مثل الهند فتصنّف في خانة "الدول ذات القدرة الكامنة العالية"، حيث يمكن لنسبة عالية في القدرة الكامنة إلى الأداء الفعلي، إضافة إلى فعّالية جيدة في السياسات أن يساعدا في تسريع التحسينات المدخلة على الأداء في الصناعات التحويلية. وبالنسبة لدول مثل كازاخستان أو البرازيل، فإنها تقع في مصاف "الدولة الناشئة" التي يُعتبر أداؤها الفعلي وقدراتها المستقبلية الكامنة وفعالية سياساتها دون المعدّلات الوسطية العالمية، وهي تحتاج إلى معالجة جميع هذه الجوانب.
أثر هذه النتائج على السياسات: ثمة مسار نحو التصنيع في الإمارات
استناداً إلى نتائج المقياس المستعمل، يتّضح أنّ هناك أربعة أنماط من الإجراءات في مجال السياسات هي: النشوء، والدفاع والابتكار، والتنويع، والاستدامة. تقع الإمارات حالياً في فئة "التنويع". وبالتالي فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكنها الارتقاء إلى الربع الأيسر الأعلى؟
التبعات المترتّبة على السياسات والمرتبطة بكل مجموعة من مجموعات الدول
مسار القدرة:
تسعى الدول إلى بناء قدرات متنوّعة قبل محاولة الاستفادة من رأس المال المتراكم هذا. بعد ذلك، يجري تحويل المعرفة المُنْتِجة إلى أداء فعلي في مجال الصناعات التحويلية. 11% من الدول كانت قد انتهجت هذا المسار بين العامين 2007 و2013. ويمكن القول عموماً بأنّ المستويات الأعلى من القدرات الكامنة تمكّن الدول من تحسين أدائها مع مرور الوقت. فتحقيق زيادة بمقدار 10 نقاط على مقياس القدرة الكامنة، يعني ارتفاعاً بنسبة 1% في معدّل النمو في الأداء المستقبلي (على مدار خمس سنوات).
مسار الأداء:
في هذه الحالة، تعمل الدول على زيادة مواردها الحالية من أجل تعزيز أدائها. وبعد ذلك، تحاول بناء معارفها في المجال الذي تتخصّص فيه من أجل تحسين أدائها. ولم تبلغ نسبة الدول التي انتهجت هذا المسار بين العامين 2007 و2013 أكثر من 3%. وقد انطبق هذا المنطق على الدولة المدروسة.
المصدر: مقياس مستقبل الصناعات التحويلية الخاص بشركة وايتشيلد بارتنرز
إجراءات يجب اتخاذها في مجال السياسات/ تطوير قدرات ونماذج صناعية جديدة
بناءً على نتائج المقياس، تحتاج الإمارات إلى المضي قدماً بفعالية في عملية التنويع من خلال انتهاج “مسار القدرة” وبالتالي تحقيق “قفزة نوعية” في مجال الصناعات التحويلية وبناء مجموعة من المهارات الجديدة والأنسب. وهذا يعني الانتقال من القدرات القديمة إلى القدرات الجديدة ومن نماذج الإنتاج القديمة إلى نماذج الإنتاج الجديدة.
هناك أربعة أنماط من الإجراءات المطلوبة في مجال السياسات في حالة الدول التي ترغب في تحقيق قفزة نوعية مثل الإمارات.
1- الجيل القادم في مجال التعليم: أي تطوير المواهب والمهارات في المجالات المتقاطعة والمتداخلة طوال الدورة التعليمية، حيث أنّ تطوير المواهب وتطوير مجموعات جديدة من المهارات في المجالات المتقاطعة والمتداخلة سيكون العامل الأهم بالنسبة للإنتاج في المستقبل. وبالتالي فإنّ المناهج الدراسية في المدارس مثل المناهج التي تركّز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (المعروفة اختصاراً بالإنكليزية بمصطلح "STEM")، والتدريب المهني التعليمي، وبرامج التلمذة، والبرامج البحثية يجب أن تكون متوائمة مع المحفّزات الأساسية لمستقبل الصناعات التحويلية من أجل ردم الفجوات والثغرات في مجال القدرات. أمّا من منظور الشركات الكبرى، فإن أموراً مثل التدريب العملي أثناء الوظيفة، وتحديث المهارات، ووضع استراتيجيات لتوظيف أشخاص ينحدرون من خلفيات أكثر تنوّعاً، تصبح ذات أهمية أكبر.
2 - الجيل القادم في مجال الأبحاث والتطوير: أي تحديث البنية التحتية التكنولوجية والرقمية. فالبنية التحتية مثل شبكات النقل، أو الطاقة، أو الاتصالات تُعتبرُ من المستلزمات الهامة والضرورية للنمو الاقتصادي، بما أنّها تظلّ ذات فائدة على المدى البعيد، وتُعتبرُ مكمّلة للاستثمارات الأخرى، وبذلك فهي تزيد من الربحية في كلّ المجالات. وفي المستقبل، يصبح تحديث التكنولوجيا وإنشاء البنية التحتية الرقمية أمراً لا غنىً عنه لقطاع الصناعات التحويلية. أمّا من منظور السياسات، فتُعتبرُ الاستثمارات في البنية التحتية (مثل خدمات الهاتف الثابت وخدمات الحزمة العريضة) وفي الأبحاث والتطوير من الأمور الجوهرية لزيادة التنافسية الاقتصادية الإجمالية والقدرات المستقبلية الكامنة لشركات الصناعات التحويلية تحديداً. أمّا من منظور الشركات الكبرى، فإنّ مشاركة الجهات الخاصّة في الاستثمارات المتعلقة بالأبحاث والتطوير تسهم في تحسين التوصّل إلى تكنولوجيات جديدة، وتكييف الاستراتيجيات وعمليات الإنتاج بحسب المطلوب. وإضافة إلى ما سبق، يتعيّن على شركات التصنيع تبنّي تكنولوجيات جديدة والاستفادة منها في عمليات الإنتاج.
3 - الجيل القادم في مجال الطاقة: أي تحسين الروابط والتقاطعات بين القطاعين العام والخاص في المجال الطاقي: فمستقبل الصناعات التحويلية يحتاج إلى طاقة نظيفة ومتجدّدة. من منظور السياسات، هذا يعني التشجيع على وضع سياسات اقتصادية دورية جديدة تساعد في استعمال المزيد من الثروات الطبيعية وتفكيك منتجات الصناعات التحويلية وإعادة استعمالها. أمّا من منظور الشركات الكبرى، فهذا يتطلّب روابط مستقبلية في مجال الطاقات البديلة والمتجدّدة دعماً للصناعات التحويلية.
4 - الجيل القادم في مجال الخدمات اللوجستية: أي وضع إطار تشريعي ناظم للمعايير الصناعية الجديدة وكذلك الاشتراطات الجديدة في مجال الخدمات اللوجستية. فمستقبل الصناعات التحويلية مع وجود ما يسمّى "انترنت الأشياء" يعتمد على ضمان التكامل السلس بين الآلات، والمنتجات، والمُشعرات، والشؤون اللوجستية، والبشر عبر سلسلة القيمة بأكملها. وبالتالي، فإن معاييراً صناعية عالمية جديدة سوف تظهر بهدف تنظيم التفاعل بين مختلف الجهات المعنية في المعامل الرقمية في المستقبل، وتيسير هذا التفاعل فيما بينها. أمّا من منظور السياسات، فإنّ الفشل في وضع معايير قياسية يمكن أن يقود إلى خسارة شركات الصناعات التحويلية الوطنية للميزات التنافسية على الساحة العالمية. وسيحصل هذا الأمر إذا لم توضع أنظمة واضحة تحكم عمل المركبات التي تسير دون سائق. وعلاوة على ما سبق، فإن الأطر التشريعية والتنظيمية يجب أن تكون منسجمة ومتوائمة لضمان وجود بيئة تنافسية عادلة ومتساوية بالنسبة لشركات الصناعات التحويلية والخدمات اللوجتسية. أمّا من منظور الشركات الكبرى، فإنّ المشاركة في عمل الجهات المتخصّصة بوضع المعايير إضافة إلى الامتثال للمعايير الجديدة في مجال الصناعة والخدمات اللوجستية سيكون أمراً أساسياً لضمان إمكانية الوصول إلى السوق.