ماذا تعني الصفقة الخضراء الجديدة للأعمال؟

5 دقائق

في شهر فبراير/شباط الماضي، قدّم الديموقراطيون بقيادة النائبة المنتخبة حديثاً أليكساندريا أوكاسيو كورتيز قراراً غير ملزم إلى الكونغرس الأميركي يدعو إلى صفقة خضراء جديدة، وهو ما يعد دعوة طموحة واسعة النطاق للجهود التي تقودها الحكومة فيما يخص معالجة أسباب تغير المناخ، للعمل على الاستثمار في البرامج التي تساعد المجتمعات على مكافحة الآثار الضارة لتغير المناخ بطريقة شاملة ومنصفة وعادلة.

من أجل تحقيق أهداف التخفيف من آثار تغير المناخ بنجاح في الصفقة الخضراء الجديدة، والتي تتضمن في النهاية تحقيق صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ستحتاج الولايات المتحدة إلى نشر تكنولوجيات طاقة أنظف والاستثمار في ابتكار الطاقة وتحويل قطاع النقل في النهاية إلى وضع التشغيل الكهربائي. سوف تساعد هذه التغييرات في استبدال الوقود الأحفوري الحالي (أي الفحم) في المدى القريب، ثم يُستبدل النفط والغاز الطبيعي في العقود التالية.

من وجهة نظرنا، وبالنظر إلى الضرورة الملحة لقضية تغير المناخ والدور غير المتناسب الذي ساهمت به الولايات المتحدة في المشكلة، فإنّ أهداف الصفقة الخضراء الجديدة تستحق الثناء. ومع ذلك، فإنّ لهذا الانتقال تكلفة. في بحثنا على مدار عدة سنوات ماضية، قمنا بتحليل الطرق التي يمكن أن يحقق بها انتقال الطاقة عواقب سلبية، كما عملنا على تحديد المجتمعات الأكثر تعرضاً لتلك الأضرار مع بيان الأسباب. ووجدنا أن التوجه نحو مصادر أنظف للطاقة سيظل يؤثر بشكل غير متناسب على المجتمعات التي تعتمد اقتصاداتها ومالياتها العامة على استخراج واستخدام الوقود الأحفوري. في مقاطعة أبالاتشيا ومناطق تعدين الفحم الأخرى، يؤدي المزيد من الانخفاض في الإنتاج إلى خسائر إضافية في الوظائف، وتآكل الإيرادات الضريبية، كما يؤدي إلى ضعف الظروف الاجتماعية والاقتصادية. قد تتأثر بالمثل المجتمعات المستضيفة لعمليات التشغيل الخاصة بمحطات توليد الطاقة بالفحم، وقد يؤدي الانتقال إلى مصادر أنظف للطاقة إلى زيادة أسعار الطاقة المطلوبة لتشغيل المنازل ووسائل النقل، ما سيزيد من الأعباء المالية الملقاة على كاهل الأسر التي تنفق حصة أعلى من دخلها على الطاقة. وأخيراً، ستجد بعض المجتمعات نفسها مستبعدة من حصاد مزايا وظائف الطاقة النظيفة لعدم تطابق المهارات لديها مع ما يستلزمه الوضع الجديد بالإضافة إلى نقص فرص التدريب فضلاً عن افتقارها إلى القدرة على الوصول إلى تكنولوجيات طاقة جديدة ذات كفاءة ومنخفضة الكربون أو تحمل تكاليفها.

إنّ نقاط الضعف هذه تشملها أهداف الصفقة الخضراء الجديدة ضمنياً، ويتصور مؤيدوها أن تتولى الحكومة الدور الرئيسي على صعيد تسريع انتقال الطاقة وكذلك فيما يخص ضمان جني المجتمعات المهمشة تقليدياً لمزايا هذا الانتقال. هناك دور رئيسي من المنتظر أن تلعبه الحكومة لكن الأمر نفسه يقال بالنسبة للقطاع الخاص أيضاً إذ تستطيع الشركات العمل على جعل التقنيات متاحة بشكل أوسع، كما يمكنها تطوير نماذج أعمال شاملة واستهداف المواقع الواقع عليها ضرر بالغ. إنّ الاستفادة من هذه الفرص المبكرة لن تساعد فقط على تحول المجتمعات الضعيفة وحمايتها، بل ستسمح للشركات كذلك بتأمين أشكال جديدة لإيراداتها.

في هذا السياق، نقترح فرصتين واسعتين ومتكاملتين للأعمال:

1- دعم المبادرات الخضراء

يمكن للشركات المساعدة في تقليل أعباء انتقال الطاقة من خلال دعم المبادرات منخفضة الكربون المستدامة اقتصادياً. إذ تقع مناطق تعدين الفحم السابقة وتلك التي تشهد حالياً انخفاضاً في الإنتاج على الخطوط الأمامية الاقتصادية لعملية الانتقال. وتعاني العديد من هذه المناطق في أبالاتشيا وغيرها من فقدان الوظائف وزعزعة النسيج الاقتصادي والاجتماعي لمجتمعاتها، لكن يمكن لفرص التنمية الاقتصادية التي تستهدف هذه المناطق، وكذلك المناطق التي يُحتمل تأثرها في السنوات المقبلة، أن تساعد في إحياء ركود الاقتصادات المحلية وعزلها عن سلبيات عملية الانتقال.

أحد النهج لتحقيق ذلك يكون عن طريق إنشاء مؤسسات اقتصادية جديدة في المناطق التي شهد فيها استخراج الفحم ازدهاراً في السابق. مؤخراً، أصدر "معهد روكي ماونتن" ( Rocky Mountain Institute) تقريراً ضمن مبادرته "صن شاين فور ماينز" (Sunshine for Mines) التي تجري تقييمات لفرص الحياة الثانية لمناجم الفحم المهجورة، وتوفر للأعمال أداة تقييم لمساعدتها في حساب القيمة الحالية الصافية للاستخدامات البديلة. وتشمل فرص الحياة الثانية التي تم إبرازها ضمن هذه المبادرة استخدام المنجم المهجور لإيواء مصادر الطاقة البديلة مثل الطاقة الكهرومائية المولّدة أو الألواح الشمسية. يعمل أيضاً ائتلاف استصلاح أبالاتشيا على المساعدة في تحديد الفرص التي يمكن تنفيذها لاستصلاح مناجم الفحم. من بين هذه المشاريع العديد من المشروعات الزراعية مثل مزارع "سي دي بي" (CDB) ومزارع "هيمب" (hemp)، وتحويل أراضي الخزامى الزراعية المعروفة بأراضي اللافندر، ومنتجعات الاستجمام في الهواء الطلق، ومراكز إعادة التدوير وإعادة الاستخدام.

في مجالات أخرى، يمكن للأعمال أن تتعامل باستباقية أكبر في جهودها لتوسيع نطاق الوصول إلى الطاقة المتجددة. من خلال عملها بشكل مباشر مع الحكومات المحلية، يمكن للشركات مساعدة السكان المحرومين من خلال جهود نشر الطاقة في الأحياء الحضرية. في عام 2016، سلكت شركة "دي تي إي إنرجي" (DTE Energy) هذا النهج وشاركت مدينة ديترويت في تركيب أكثر من 6,500 لوحة شمسية في متنزه أوشاي الواقع على الجانب الغربي من المدينة لإمداد أكثر من 450 منزلاً في ديترويت بالطاقة. توفر مثل هذه التطورات فرصة الوصول إلى طاقة نظيفة خالية من الكربون لجميع السكان، وليس فقط لأصحاب الدخول الأعلى.

2- تطوير نماذج الأعمال الشاملة

هناك نموذجا عمل جديدين في مجال الطاقة تطورا على مدى العقد الماضي وهما يبرهنان على إمكانية استهداف الفئات السكانية الضعيفة على وجه التحديد. هذان النموذجان هما شركات الطاقة الشمسية المجتمعية القائمة على الاشتراكات وشركات خدمات الطاقة (ESCOs). في النموذج الأول، يشترك الأشخاص في مشروع للطاقة الشمسية مملوك لمؤسسة عامة أو مزود طاقة آخر أو لمجتمعهم ومدار بواسطتهم، وهم في ذلك يجنون مزايا الطاقة الشمسية من تقليل انبعاثات وربما يجمعون مدخرات مالية دون تكبد التكاليف الأولية الكبيرة التي تأتي مصاحبة لعملية شراء وتركيب ألواحهم الشمسية الخاصة. أما في النموذج الثاني، حيث شركات خدمات الطاقة، فتقوم فيه الشركات بمساعدة شركات أخرى في تصميم خطة لتوفير الطاقة من خلال كفاءة الطاقة، أو الحفاظ عليها، أو من خلال تركيب تكنولوجيات جديدة للطاقة المتجددة في الموقع. ويتم دفع جزء من وفورات تكلفة الطاقة إلى شركات خدمات الطاقة.

نماذج العمل الجديدة للمرافق العامة هي أيضاً مهمة، فيمكن أن تخدم المرافق وظائف معينة مثل تشغيل برامج الطاقة الشمسية المجتمعية وتوفير خدمات كفاءة الطاقة. يمكنها كذلك توفير ضوابط للتحميل المباشر للمستهلكين واستئجار أنظمة تخزين للتطبيقات السكنية وغيرها من خدمات الطاقة الموجهة نحو المستهلك والتي تساعد في تمديد مزايا انتقال الطاقة لكي تصل إلى جميع المجتمعات وليس فقط المجتمعات الغنية.

تساعد نماذج الأعمال الجديدة نسبياً هذه كلاً من الأفراد والمؤسسات في التغلب على تحدي توفير استثمارات ضخمة مقدماً في التكنولوجيات الفعالة وإن لم تكن مثالية. وستكون هناك حاجة إلى ابتكار إضافي لضمان أن يكون انتقال الطاقة النظيفة شاملاً على الحقيقة، فالأسر ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط ​​التي من المرجح أن تستثمر في البرامج الشمسية المجتمعية، على سبيل المثال، غالباً ما يكون لديها حسابات ائتمانية ضعيفة تحد من فرص مشاركتها في انتقال الطاقة، لذلك فإنّ الوصول إلى هذه الفئات السكانية يتطلب من مزودي الطاقة ابتكار خيارات تمويل خلاّقة. في حالة شركات خدمات الطاقة، فإنّ أعضاء المجموعات الممثلة تمثيلاً ناقصاً يعيشون بشكل غير متناسب في منازل أقدم وأقل كفاءة في استهلاك الطاقة مع وجود فرص كبيرة لتوفير تكاليف الطاقة. ونظراً للعدد الكبير من المستأجرين، فسوف تحتاج شركات خدمات الطاقة إلى ابتكار برامج تستهدف ملاك الأراضي للتغلب على مشكلة الحوافز المقسمة والمشهودة على نطاق واسع.

بالطبع لا يمكن أن يتوقع من الشركات أن تعمل بمفردها، أو أن تتبع نماذج أعمال غير مربحة وهنا يتعين على الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية القيام بدورها في خلق الحوافز، أو على الأقل عدم وضع العراقيل لتسهيل شمولية انتقال الطاقة. تحتاج الحكومة أيضاً إلى إنشاء برامج جديدة تشجع الشركات على الدخول في شراكات أكثر بشكل مباشر مع المؤسسات العامة وغير الربحية لتطوير استراتيجيات تهدف إلى توسيع نطاق الوصول إلى برامج الكفاءة والطاقة المتجددة بالنسبة للأسر ذات الموارد المالية المحدودة.

إذا ازدهرت الشركات التي تحقق نجاحات إيجابية في مجال حماية المناخ، فإنّ المجتمعات التي تعمل فيها تلك الشركات لديها فرصة حقيقية للنماء. لقد أدت "الصفقة الخضراء الجديدة" إلى المبالغة في أهمية الشمولية والعدالة في الجدل الشديد الدائر بالفعل حول أفضل الطرق لتسريع عملية انتقال الطاقة في الولايات المتحدة. وبالنظر إلى الضرورة الملحة لقضية المناخ وحجم مشكلته، فإننا بحاجة إلى تشبيك جميع الأيادي على الطاولة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي