الصداقات في مكان العمل قد تكون أمراً صعباً، لكنها تستحق العناء

3 دقائق

كم مرة أجريت المحادثة التالية في العمل؟

"كيف حالك؟"

"بخير. وأنت؟"

"بخير"

هذا نص نعتمده جميعاً في محادثاتنا، حتى لو كرهناه في الحقيقة.

قد يكون بناء علاقات حقيقية مع زملائك في العمل أمراً صعباً إن لم تتجاوز حدود هذه المحادثة السطحية. من المرجح أن يكون الأشخاص الذين لديهم "صديق مفضل في العمل" أكثر سعادة وصحة، إضافة إلى أنهم أكثر ميلاً للانخراط في وظائفهم بسبعة أضعاف. علاوة على ذلك، يتمتع الموظفون الذين ذكروا أن لديهم أصدقاء في العمل بمستويات أعلى من الإنتاجية والاحتفاظ بوظائفهم والرضا الوظيفي مقارنةً بالموظفين الذين لا يملكون أصدقاء في العمل.

العديد من الشركات حاولت دعم بناء العلاقات بين موظفيها من خلال توفير الامتيازات، مثل طاولات التنس أو وجبات الغداء المجانية أو الرحلات الخاصة بالشركة. لكن الحقيقة هي أن معظمنا لا يملك أصدقاء مقربين في العمل. وفي استبانة أجراها مركز "بيو" (PEW) للأبحاث، و"أميركان لايف بروجيكت" (American Life Project)، كان 12% فقط من العلاقات المقربة للمشاركين في الاستبانة هي علاقات مع أشخاص يعملون معهم. وإذا وسعنا هذه الاستبانة لتشمل الأشخاص المهمين في حياة المشاركين بالاستبانة، لن تكون النتائج مختلفة كثيراً. إذ يحظى 19% فقط من المشاركين بعلاقة قوية مع زملاء العمل.

ويبدو أن هذه الظاهرة أميركية. ففي أميركا، يعد قضاء عطلة مع زملاء العمل أمراً شبه مستحيل، ولم يصل سوى أقل من 6% من الموظفين إلى هذا المستوى من العلاقة مع زملائهم في العمل. تشير الأبحاث التي أجرتها هازل ماركوس، الأستاذة بجامعة "ستانفورد" الأميركية، ومؤلفة كتاب "التضارب: كيف تزدهر في عالم متعدد الثقافات" (Clash: How to Thrive in a Multicultural World)، إلى أن هذه الحقيقة ربما ترجع إلى ميل الأميركيين الثقافي نحو الاستقلال التام، أكثر من الميل إلى سمة الترابط التي تتميز بها العديد من الثقافات الأخرى. قضى أكثر من واحد من كل أربعة بولنديين ونحو نصف الهنود عطلات مع زملاء العمل، فهل هناك شيء يفتقده الموظفون الأميركيون؟

تظهر الأبحاث أن الشعور بالانتماء -بعد الغذاء والمأوى- حاجة إنسانية أساسية. وحيث أننا نقضي ما بين 8 و9 ساعات من يومنا في العمل (عدا عن وقت التنقل)، لا يتسع لدينا الوقت لتلبية حاجاتنا الاجتماعية خارج العمل. عندما لا نكون في العمل، فإننا نقضي الوقت مع العائلة، أو نؤدي بعض المهمات، أو نحاول الحصول على قسط من الراحة. ويُعد مكان العمل، حيث نقضي جزءاً كبيراً من أوقاتنا، مكاناً مثالياً لتعزيز العلاقات الإيجابية التي نحتاج إليها جميعاً، ليس فقط من أجل رفاهيتنا، ولكن من أجل إنتاجيتنا وصحتنا أيضاً.

ومع ذلك، فإن الصداقة في العمل غالباً ما تكون صعبة لسبب وجيه. فقد تكون نعمة ونقمة في آنٍ واحد، يميل الأشخاص الذين لديهم أصدقاء في العمل إلى تحسين أدائهم في عملهم، لكنهم يذكرون أيضاً أنهم مرهقون عاطفياً ويواجهون صعوبات في الحفاظ على صداقاتهم. وعندما يحدث خلاف (حتمي) بين أصدقاء العمل، يؤدي هذا الخلاف إلى عواقب سلبية في الفرق المكونة من أصدقاء، بينما يؤدي إلى عواقب إيجابية بين الفرق التي لا تجمعها علاقات صداقة.

الحقيقة المرّة هي أنه قد لا يكون من الممكن تكوين صداقات في العمل دون بعض التداعيات السلبية. فقد تحدث بعض التشابكات عندما تكون الحدود بين العمل والصداقة غير واضحة. يجب أن تكون الأسبقية لمسؤوليات العمل على حساب التواصل الاجتماعي. ويجب أن يظل المدراء والقادة قادرين على إسناد المهمات، واحترام التسلسل الوظيفي. وينبغي أن يجري تقييم الأداء بمصداقية وأمانة. غالباً ما تكون المنافسة جزءاً من ثقافة مكان العمل -هل ستحصل أنت أم زميلك على ترقية؟ الأمر الذي قد يؤدي إلى انعدام الثقة، أو عدم الرغبة في الاقتراب من زملائك في العمل أكثر مما ينبغي. ففي النهاية، كيف ستنجح صداقتكم بعد أن تصبح مديرهم؟

وإلى جانب هذه العوامل، هناك الخوف من إظهار ضعفك أمام زملائك، والخوف من كشف الكثير عنك لهم إذا كان هذا سيجعلك تبدو أضعف أو أقل كفاءة منهم. والأسوأ من ذلك، أنك قد تتعرض للخيانة منهم بسبب ذلك.

أخيراً، تخلق الحاجة إلى الظهور والتصرف بمهنية رغبة في عدم رفع الكُلفة مع أي شخص آخر، إذ تضمن "المسافة المهنية" أن يحافظ الآخرون على احترامهم لك. كل هذا يمكن أن يجعل تكوين الصداقات في العمل أمراً صعباً، أو على الأقل مخيفاً بعض الشيء.

قد يكون هذا السبب وراء تجنب بعض الناس اكتساب أصدقاء في العمل، على الرغم من الفوائد المترتبة على ذلك. لا يرتاح البعض لفكرة أن يكون لهم أصدقاء حقيقيون في العمل. وقد يفضلون وجود علاقة أكثر رسمية مع زملائهم، وهذا أمر مقبول. فمن المرجح أن تنبثق العديد من الفوائد المترتبة على اكتساب أصدقاء في العمل من قيم مثل الحساسية والصدق والتعاطف. ويمكن أن يؤدي التشديد على هذه القيم، بدلاً من العلاقات، إلى تمتع أماكن العمل بأجواء ودية حتى إذا لم تكن هناك صداقات فعلية بين الموظفين. علاوة على ذلك، تظهر الأبحاث التي أجراها جون كاسيوبو، الأستاذ في جامعة "شيكاغو" الأميركية ومؤلف كتاب "الوحدة" (Loneliness)، أن الفوائد الصحية والسعادة الحقيقية المترتبة على تكوين العلاقات الاجتماعية تعتمد بدرجة أقل على عدد الأصدقاء في دائرة معارفك، وتعتمد أكثر على مدى شعورك بالترابط معهم (يمكنك أن تشعر بالوحدة وسط الحشد على أي حال). لذا، فإن تغذية الشعور الداخلي الذاتي بالترابط والصداقة هو الأهم في حقيقة الأمر.

وفي حين أن بعض الناس سيترددون دائماً في تكوين صداقات بالعمل، لهذه الأسباب وغيرها، فإن التواصل الاجتماعي حاجة إنسانية أساسية. تمر جميع الصداقات بلحظات صعبة، وصداقات العمل لها صعوبات مختلفة فحسب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي