إذا كنت تنوي تتبّع سلوك الموظفين، فاحرص على مراعاة الشفافية

7 دقائق
الشفافية عند مراقبة الموظفين
رسومات: أندريوس بانيليس

ملخص: قد يؤدي استخدام برامج المراقبة في الشركات وتشغيلها في الخفاء إلى ضبط المخالفين في بعض الأحيان، لكنه لا يفيد كثيراً في تعزيز السلوك الإيجابي أو ردع الموظفين الذين يسيئون استخدام أصول الشركة عندما يعملون من المنزل. إذ يجب اتباع نهج أكثر توازناً من خلال التواصل مع الموظفين بطريقة تتصف بالوضوح والشفافية لشرح أسباب تنفيذ برامج المراقبة في الشركات. ويستلزم التحلي بالشفافية في مراقبة الموظفين وجود ثقافة تحترم الشفافية وعلاقات مبنية على الثقة المتبادلة. ومن حسن الحظ أن هذا يتماشى أيضاً مع الإطار القانوني الأساسي في الولايات المتحدة والذي يقوم على فكرة المصلحة المشروعة والإخطار المسبق، ويتعزز بصورة أوثق عندما يوافق الموظفون على مراقبة أنشطتهم.

 

كان من الواضح قبل تفشي الجائحة أن التعاطف هو إحدى الصفات القيادية الرئيسية التي تميز الرؤساء العظام. ويقصد بالتعاطف القدرة على فهم مشاعر الآخرين ومراعاتها. وازدادت أهمية التعاطف إبان أزمة فيروس كورونا، حيث يتعين على المدراء التركيز بشكل أكبر على الصحة البدنية والرفاهة العقلية لموظفيهم وإيلاء قدر كبير من الاهتمام لظروفهم الشخصية للمساعدة على تخفيف حدة التوتر وتعزيز القدرة على التحمل.

إظهار التعاطف خلال استخدام أدوات مؤتمرات الفيديو

لكن هذه المهمة باتت أكثر صعوبة بسبب الاعتماد على التكنولوجيا في التعامل مع التفاعلات المباشرة وجهاً لوجه، وهو ما يتطلب إتقان فن صعب المراس بإظهار التعاطف خلال استخدام أدوات مؤتمرات الفيديو. ويعتبر التواصل البشري عاطفياً بطبيعته، لكن هذا لا ينطبق بحذافيره على البيئات الرقمية، وهناك فرق واضح بين الشعور والتعبير عن المشاعر على شاشة الكمبيوتر والتفاعل مع شخص موجود جسدياً.

وما يزيد الأمر سوءاً أن هناك آثاراً أخلاقية وقانونية دقيقة تترتب على إدارة العاملين الافتراضيين، وهي الآثار التي غالباً ما تكون مجهولة للمدراء أو يغضون الطرف عنها. وقد كانت الحدود الفاصلة بين المساحات المهنية والشخصية للفرد مشوشة تماماً قبل أن يصبح العمل من المنزل سياسة عامة، وباتت الآن أكثر غموضاً.

ونرى من وجهة نظرنا أنه لا بد من تحقيق نوع من التوازن الدقيق بين احترام خصوصية موظفيك وإظهار التعاطف معهم من خلال تفقد أحوالهم بشكل متكرر، مثلاً، وتقييم رفاههم العاطفي بصورة عامة ومحاولة التعرف على ظروفهم الشخصية. إذ تتصف بعض القضايا بأنها أخلاقية أكثر منها قانونية، ويجب ألا يفترض المدراء أن الحس السليم سيفي بالغرض. خذ على سبيل المثال مسألة تحديد مواعيد انعقاد الاجتماعات عن بُعد خلال ساعات العمل التقليدية، فعلى الرغم أن هذه المسألة قد تكون مُنبتة الصلة بأي مشكلات قانونية، فإنه من الواضح أن البعد الأخلاقي يملي علينا ضرورة مراعاة الظروف الشخصية للفرد (كرعاية الأطفال وإغلاق المنطقة وقيود المساحة والصمت في المكاتب المنزلية). قد ترتبط المشكلة في بعض الأحيان بالتقنيات الرقمية نتيجة الاعتماد غير المسبوق على التكنولوجيا المرئية وغير المرئية التي تدعم بيئة العمل من المنزل. ولك أن تنظر مثلاً إلى إجهاد الاجتماعات الافتراضية والضغوط المتولدة عن ضرورة تعلم أدوات تقنية جديدة وانخفاض الإنتاجية بسبب الانتقال من الاجتماعات التقليدية إلى الاجتماعات الافتراضية. ومن هنا يجب على المدراء أن يستوعبوا الآن أكثر من أي وقت مضى عناصر القيادة الحصيفة، مثل إلهام فرقهم والتواصل معهم وفهمهم، وعليهم أيضاً استيعاب الآثار التنظيمية والأخلاقية المترتبة على ممارستها وهم يدخلون بيوت موظفيهم عبر الوسائل الافتراضية.

انظر السيناريو التالي والذي ستجده مألوفاً لنسبة كبيرة من الأفراد المنضوين تحت مظلة قوة العمل العالمية:

اتخذت إحدى الشركات قراراً بتطبيق سياسة العمل من المنزل على كل الموظفين غير الأساسيين، علماً بأن هؤلاء الموظفين يستخدمون أجهزتهم الخاصة وتقنياتهم المنزلية وأجهزة مودم الكابل، وربما يشاركونها مع زملائهم في السكن أو مع أفراد الأسرة الذين يؤدون عملهم من المنزل أيضاً أو ربما يشاركونها مع طلاب يدرسون عن بُعد، وهو ما أثار مخاوف الشركة أكثر من أي وقت مضى حول القضايا الماسة بمستوى الأمن والخصوصية والإنتاجية. هل بياناتها ومعلوماتها آمنة بالقدر الكافي؟ هل زادت احتمالات تعرضها للاختراق الإلكتروني؟ هل هناك مخاطر جديدة تمس الأمن السيبراني؟ هل يؤدي الموظفون عملهم بالجدية اللازمة، أم تراهم يتراخون؟ هل يعملون أكثر أم أقل من ذي قبل؟ وإذا كانت ثقافة الشركة معروفة بحرصها في الماضي على مكافأة الحضور إلى مقر العمل، فهل سيتعلم المدراء تقييم جهد الموظف وإنتاجيته، أم سيشعرون بأنهم مضطرون إلى الإدارة التفصيلية ويسيطر عليهم هاجس التحقق من كل حركات وسكنات الموظف في أثناء أدائه العمل من المنزل؟

برامج مراقبة الموظفين

لم تدخر الشركة جهداً في تطوير أدوات أمان شبكتها، وتستخدم حالياً بعضاً من الأدوات التالية المتاحة للجميع، مثل: برامج مراقبة النقر على لوحة المفاتيح وأخذ لقطات مصورة للشاشة ومراقبة البريد الإلكتروني وتتبّع حركة المرور عبر الاتصال بالشبكة الافتراضية الخاصة (في بي إن)، بما في ذلك البرامج أو البرمجيات غير المسموح باستخدامها في مزاولة العمل والتي قد يستعملها الموظف. قد يكون السبب الرئيسي وراء اتخاذ كل هذه الإجراءات هو الحفاظ على أمان بيانات الشركة، ولكن قد تتيح هذه الأنشطة أيضاً معلومات للمدراء حول ما يفعله الموظف خلال ممارسته العمل من المنزل.

كيف تبدو الأمور من وجهة نظر الموظف؟ قد لا يكون الموظفون على دراية أساساً بهذا المستوى المرتفع من المراقبة. وفي حين أن الكثيرين لا يجدون غضاضة في ملاحظتهم ومتابعتهم ومراقبة أنشطتهم خلال وجودهم في أماكن عملهم التقليدية، فقد تختلف توقعاتهم بشأن ما يحدث خارج إطار المقرات الرسمية للعمل. فقد يتوقع الموظفون درجة أكبر من الخصوصية عند ممارسة العمل من المنزل. ولطالما اعتُبر المنزل حتى وقت قريب كياناً "منفصلاً" عن العمل، وكان الموظف يفترض أن اختياراته ومعتقداته ونمط حياته وميوله السياسية وسجلات تصفحه لمواقع الإنترنت مسائل بعيدة كل البعد عن متناول أصحاب العمل ولا تخصهم في شيء. وها هم الآن المدراء المباشرون وقادة الشركات يشجعون الموظفين على مزاولة العمل من المنزل أو يفرضونه فرضاً، ويتطلعون إلى تعزيز علاقة قائمة على الثقة في حقبة تشهد تفكك المجتمع والشركات. وباتت في الوقت نفسه وظيفة الشركات مختلفة عن ذي قبل، بعد أن أصبح اهتمامها الرئيسي منصباً على توفير سبل الحماية والأمان من خلال استخدام مجموعة من الأدوات المتطورة التي يمكنها تتّبع كل ما تفعله في غرفة المعيشة بمنزلك وعبر جهاز توجيه الإنترنت الخاص بك.

ويحدث كل هذا فجأة. هل يمكن التوفيق بين هذه المصالح والأنشطة المتضاربة؟ ربما. ويمكن تعزيز محاولات التوفيق بينها من خلال فهم الإطار القانوني ومراعاة الاعتبارات الأخلاقية، وأخيراً الاتفاق على قواعد مشتركة لآليات التواصل والتوقعات المصممة لبناء علاقة تقوم على الثقة المتبادلة. والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه من وجهة نظرنا: كيف يمكن لمدير حسن النية أن يحمي مصالح الشركة دون أن يخون ثقة الموظفين ويحافظ على خصوصيتهم؟ هل الطرفان في صراع حتمي؟ لا نظن ذلك. بل نرى أنه لا يوجد ما يمنع تصميم برامج للمراقبة من قبل الشركات تراعي المعايير الأخلاقية وتحقق التوازن بين الأولويات المتضاربة.

هل المراقبة عن بُعد جائزة قانونياً؟ أجل، تجوز بصورة عامة في الولايات المتحدة. إذ تعتبر أن الشركات لها مصلحة مشروعة في حماية أصولها. وتخضع الخصوصية الإلكترونية للتدابير القانونية على المستويين الفيدرالي ومستوى الولاية، وتُستمد أهم القيود من قانون خصوصية الاتصالات الإلكترونية الفيدرالي لعام 1986 ومن بعض قوانين الولايات ذات الصلة. ويحظر قانون خصوصية الاتصالات الإلكترونية بصورة عامة على أصحاب العمل اعتراض الاتصالات الإلكترونية لموظفيهم عمداً، بما في ذلك البريد الإلكتروني والرسائل الفورية، ولكنه يسمح باستثناءين مهمين. يتمثل الأول منهما في "الاستثناء لغرض يخص العمل" والذي يُفسَّر بأنه استثناء يسمح لصاحب العمل بمراقبة الاتصالات الإلكترونية إذا كان بإمكان الشركة إظهار غرض تجاري مشروع يبرر اتخاذها لهذا الإجراء. أما الاستثناء الثاني فهو "استثناء الموافقة" والذي يُجيز مراقبة الموظف في حال الحصول على موافقة منه بذلك.

يعتبر الاستثناء لغرض يخص العمل استثناء فضفاضاً وقد يشمل عدداً من المصالح، مثل حماية الملكية الفكرية للشركات وحماية الأنظمة ضد البرمجيات الضارة أو فيروسات الكمبيوتر التي قد تنتقل من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها من الأنشطة التي لا تربطها صلة بالعمل. وقد يرغب أصحاب العمل أيضاً في التأكد من امتثال الموظفين لسياسات الشركة وعدم تضييع وقت العمل أو استغلال أجهزتها في أنشطة غير معتمدة، مثل الألعاب الإلكترونية عبر الإنترنت ومشاهدة البرامج الترفيهية.

ويقر الكثير من الولايات، في الوقت نفسه، بالحق في الخصوصية الذي يمليه القانون العام. وهناك مبدأ قانوني راسخ لحماية الخصوصية يُشار إليه أحياناً باسم "انتهاك الخصوصية" ولا يزال سارياً في الكثير من المواقع. ويحق للفرد بموجبه التمتع بالخصوصية في شؤونه الشخصية بعيداً عن تدخل أي شخص آخر (مثل صاحب العمل)، سواء كان هذا التدخل مادياً بطبيعته أو يتخذ شكل مراقبة إلكترونية لشؤون المرء أو سجلاته الخاصة. يثير هذا الأمر أسئلة شائكة حول ما إذا كانت المراقبة ستمس الأنشطة الشخصية للموظف، وهي مسألة يصعب تحديدها خاصة عند مزاولة الأنشطة الشخصية والخاصة بالعمل في الموقع ذاته، وعلى الأجهزة نفسها، وربما في الوقت نفسه. ويفرض عدد من الولايات، ومنها ولاية كونيتيكت، قيوداً إضافية تتطلب إعطاء الموظفين إخطاراً كتابياً مسبقاً يحدد نوع وطرق المراقبة التي سيتم استخدامها.

تمييز الحدود

يقول غابرييل غارسيا ماركيز: "لكل إنسان 3 حيوات: عامة وخاصة وسرية". كان تحديد هذه الحيوات أسهل بكل تأكيد قبل ظهور الجائحة والثورة الرقمية، لكن قد لا يكون من الممكن في بيئة العمل من المنزل والبيئة الرقمية التي نعيش في ظلها اليوم تمييز الحدود بوضوح بين العام والخاص، أو بين المؤسسة والفرد. ونستطيع أن نقول من واقع خبرتنا إن الصراع غالباً ما ينشأ بسبب تباين التوقعات، أي عندما يتوقع الموظف الذي يعمل من المنزل مستوى معيناً من الخصوصية لا يتوافق مع أولويات صاحب العمل وتوقعاته. وتنبع أكثر المشكلات الأخلاقية المتعلقة بالحدود الفاصلة بين الفرد والمؤسسة بصورة عامة من تعرض الفرد إلى المفاجأة عند الاقتراب من حدود الشخصية أو تجاوزها، كان يقول لنفسه: "لم تكن لديّ أي فكرة عن حدوث كذا وكذا" أو "لم أكن أعرف أن الشركة ستراقب استخدامي لحاسوبي الشخصي في المنزل".

ويتمثل أحد الأساليب العلاجية في التخلص من عنصر المفاجأة. تُعرَّف الثقافة المؤسسية بأنها سمة مميزة تتألف من عوامل ترتبط بثقة الموظفين وشفافية الشركة. ويتعارض التمسك ببرامج المراقبة في الشركات وتنفيذها في الظل مع هذه الأهداف. وقد تنجح أحياناً في ضبط المخالفين، لكنه لا يفيد كثيراً في تعزيز السلوك الإيجابي أو ردع الموظفين الذين يسيئون استخدام أصول الشركة. إذ يتوقف قرار فرض المراقبة من عدمه ومقدارها ونوعيتها على الظروف المحيطة بكل شركة على حدة في نهاية المطاف، استناداً إلى تفاصيل عملها وطبيعة سياساتها الخاصة بالعمل من المنزل، إضافة إلى حجم المؤسسة وميزانيتها. ونعتقد أن النهج المتوازن يستلزم التواصل مع الموظفين بطريقة تتصف بالوضوح والشفافية لشرح أسباب تنفيذ برامج المراقبة في الشركات، علاوة على وجود ثقافة تحترم الشفافية وعلاقات مبنية على الثقة المتبادلة. ومن حسن الحظ أن هذا يتماشى مع الأطر القانونية الأساسية للشركات التي تقوم في الولايات المتحدة على فكرة المصلحة المشروعة والإخطار المسبق، ويتعزز بصورة أوثق عندما يوافق الموظفون على مراقبة أنشطتهم.

وعلى الرغم من أن الوضع الحالي قد يكون وضعاً غير مسبوق ومحاطاً بالغموض، فإن بعض المبادئ الإدارية القديمة الجيدة لا تزال صالحة للتطبيق، ربما أكثر من أي وقت مضى. ويجب أن ينصبَّ هدفنا على غرس الثقة وخلق مناخ أخلاقي تسود فيه مبادئ الإنصاف والشفافية، ويوفر للفرد الشعور بالأمان وليس التوتر أو القلق. قد تكون وسائل تحقيق هذه الغاية جديدة علينا، ولكن الأمر لا يزال يتعلق في نهاية المطاف بالتواصل والاندماج والرفاهة، وكلها عناصر أساسية لتحسين الأداء والإنتاجية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي