ملخص: عندما يواجه المدراء تهديدات تنافسية يشعرون بضرورة اتخاذ خطوة ما، لأنهم يفضلون التفاعل معها وعدم البقاء مكتوفي الأيدي. في الواقع، قد يكون التوقف الإيجابي هو الخيار الأمثل، وبخاصة في القطاعات التي تمر بتغيرات كبيرة في التكنولوجيا، حيث يؤدي التبني الكامل للتكنولوجيا الناشئة إلى تكاليف طويلة الأجل تفوق الفوائد.
تشير الحكمة التقليدية إلى أن التردد ليس استراتيجية جيدة في أوقات التغيير السريع. التقدم غير المسبوق في علم المواد، وابتكار نماذج الأعمال، وتغير أنماط الاستهلاك، والانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي، يقلق العديد من المسؤولين في المناصب التنفيذية العليا. فيتساءلون: في حال لم نواكب التغيرات الآن، فهل سيتفوق أحدهم عليّنا ويقصينا خارج اللعبة للسنوات العشرين القادمة؟
هذه المخاوف ضرورية، لكننا نتساءل، هل هناك حالات يكون فيها الانتظار مجدياً؟ لا ننكر أننا دافعنا عن عقلية "افعل شيئاً" في كتابنا "التحفيز" (Provoke)، لكن "افعل شيئاً" لا تعني أفعل أي شيء كان.
ثمة مراحل في فترات عدم اليقين نعتقد أن التردد الاستراتيجي فيها، أو كما نطلق عليه التوقف الإيجابي، يقدم فوائد عدة، ومن الأفضل أن تتمهل في تلك المراحل. هناك 3 أنواع مختلفة من الحالات التي يكون فيها التوقف الإيجابي المؤقت فعالاً.
الحالات التي يكون فيها التوقف الإيجابي مفيداً
عندما تكون بحاجة إلى فهم السوق التي تعمل بها على نحو أفضل
تعتمد الحالة الأولى على مفهوم مرتبط غالباً بحركة التطوير السريع، وهي نهج الاختبار والتعلم أو القدرة على تصميم اختبارات صغيرة وتدريجية وتنفيذها في مسيرة مستمرة إلى الأمام.
في القطاعات ذات تكاليف الإنتاج المتغيرة المرتفعة أو العوائق الكبيرة لتدفق المعلومات، من المفيد غالباً عدم السعي لمعرفة ما يفعله الآخرون، بل رسم المسار الخاص بمؤسستك من خلال عدة توقفات إيجابية. وهو الوقت الذي تتوقف فيه مؤقتاً لاستيعاب بيانات نتائج التجربة وفهم تطورات السوق على نحو أفضل، ثم رسم الخطوة التالية لتخصيص نموذجك لشريحة من السوق بحيث تستطيع تحقيق النجاح أو تحقيق أرباح كبيرة. وهو نهج مفيد في الأسواق التقنية الناشئة التي تتسم بدرجة عالية من عدم اليقين، والتي تجلب معها سلسلة سريعة من التغيرات المرحلية على مجموعة متنوعة من الجبهات (نستخدم مصطلح "سلسلة سريعة من التغيرات المرحلية" للدلالة على المرحلة التي تتحول فيها الأسئلة في حالة عدم اليقين من "هل سيحدث ذلك" إلى "متى سيحدث ذلك"). مفهوم الاختبار والتعلم معروف منذ عقود، لكن أشهر مطبّقيه تعثروا في بعض مراحله.
وأفضل مثال على ذلك شركة نتفليكس (Netflix). في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة حققت نتفليكس نجاحاً كبيراً من خلال إرسال أقراص الفيديو الرقمية عبر البريد. أسهم محرك توصيات الأقلام الخاص بها على الإنترنت وتشكيلتها الواسعة من الأفلام وتوافر أقراص الفيديو الرقمية والتركيز على حاجات المشتركين والعمليات المتقنة في عجز المنافسين على مجاراتها وانهيار المتاجر التقليدية. في ذلك الوقت، أصابت توقعات الشركة بحدوث زعزعة وشيكة هائلة في السوق، وهي خدمات البث المباشر عبر الإنترنت. شهدت نتفليكس كيف تسارع نمو استحواذ البث المباشر على السوق بعد أن أطلقت منصتها لبث الأفلام في أوائل عام 2007. نجحت نتفليكس في كلا النموذجين التجاريين، ولكن كانت تتشكل مرحلة تقليدية من التغيير في تلك الأثناء، ولم تكن تُعتبر حتمية الحدوث. كان يتطلب تحقيق التحول إعادة هيكلة للبنية التحتية التكنولوجية وتحولاً في نموذج الأعمال، ويشمل ذلك التعامل مع اتفاقيات الترخيص الجديدة للمحتوى الرقمي، وكل ذلك في أثناء التنافس مع كبرى الشركات وأثراها في العالم.
تميّز تحول نتفليكس إلى خدمات البث المباشر عبر الإنترنت بالعديد من التوقفات والترددات الاستراتيجية المدروسة، ما سمح للشركة بفهم سوقها على نحو أفضل واتخاذ القرارات المستندة إلى المعلومات اللازمة. وساعد العديد من هذه التوقفات على تفكيك ما كان سيتحول إلى استثمارات كبيرة ذات كلفة ثابتة إلى اختبارات أكثر قابلية للإدارة.
حدثت العثرة الشهيرة والوحيدة عندما تخلت نتفليكس مؤقتاً عن نهج الاختبار والتعلم. في عام 2011، بعد عام من إعلان شركة بلوكباستر إفلاسها، حاولت نتفليكس تجنب المصير نفسه من خلال فصل شركتيها بإطلاق خدمة كويكستر (Qwikster) المشؤومة، وهي علامة تجارية جديدة لخدمة أقراص الفيديو الرقمية التقليدية الخاصة بها. تشير بعض نماذج نظرية الزعزعة إلى أن الاستجابة المناسبة لزعزعة التكنولوجيا هي إنشاء وحدة مستقلة داخل الشركة تتمتع بصلاحيات كاملة لـ "الزعزعة الذاتية"، وهذا ما فعلته شركة نتفليكس. ولكنها بذلك حولت تعقيد الابتكار إلى تعقيد العملاء، فاحتج العملاء. يمكن للمرء أن يجادل فيما إذا كان من الممكن أن تنجح نماذج مختلفة من النهج نفسه، ولكن ثمة شيء واحد مؤكد هنا وهو أنه من الأفضل لو كانت هذه هي المرحلة النموذجية للتوقف المؤقت واختبار قاعدة العملاء والتعلم منها.
في حال كنت تعمل في قطاع يتأثر بالتغيير الطويل الأمد
النوع الثاني من الحالات المناسبة للتوقف المؤقت الإيجابي يحدث في القطاعات التي تتطلب رأس مال ضخم، والتي تمتد الجداول الزمنية لتطوير الأصول عقوداً من الزمن وجداول استهلاك يمكن أن تصل إلى مليارات الدولارات.
لنفكر مثلاً في الأطراف الفاعلة في قطاع الطاقة الذين يواجهون خيارات الاستثمار في ظل حالة عدم اليقين الناجمة عن التحول في قطاع الطاقة. بالنسبة إلى هذه الشركات، قد يكون التغيير المرحلي الناتج عن التقدم غير المسبوق في التكنولوجيا و(أو) تكلفة الإنتاج إغراءً للاستثمار الكبير فيما يبدو الآن مستقبل القطاع. ولكن مع التوقف الإيجابي، قد تدرك أن ما بدا في البداية وكأنه مستقبل القطاع ما هو إلا مرحلة مستقبلية مدتها 10 أو 20 عاماً فقط. في هذه الحالات، من الحكمة تخطي المرحلة الحالية؛ أي تجاوز التكنولوجيا الحالية والترقب والتحضير للتغيير المرحلي الذي يلي المرحلة التي تعيشها حالياً.
لن يحدث التحول في قطاع الطاقة بين عشية وضحاها، ومن المتوقع أن يكون هناك العديد من أنواع الوقود الانتقالية لنقل العالم من النفط والفحم إلى الطاقة المتجددة، وأبرزها الغاز الطبيعي المسال بسبب انبعاثاته المنخفضة وكثافة طاقته العالية. من المرجح أن يستمر الغاز الطبيعي المسال في النمو باعتباره وقوداً انتقالياً، ولكن في مرحلة ما سوف يتباطأ النمو مع سعي الدول إلى الابتعاد عن الوقود الأحفوري بالكامل.
كانت مجموعة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة (MHI) أول من استورد الغاز الطبيعي المسال إلى اليابان في عام 1969، لكنها توقعت أيضاً انتهاء صلاحيته في نهاية المطاف، فقررت أن تنشئ لنفسها سوقاً مستقبلية كاملة بدلاً من التنافس على جزء من فتات السوق الآخذة في التقلص. في تسعينيات القرن الماضي قبل أن تتصدر المخاوف بشأن التغير المناخي الصفحات الأولى للأخبار، أدركت مجموعة ميتسوبيشي أن مستقبل أمن الطاقة في اليابان لا يكمن في الحد من انبعاثات الكربون، بل في التخلص منها بالكامل. ركزت استراتيجيتها على التطوير المبكر لتوربينة ثورية ثنائية الغاز يمكن أن تعمل بنسبة 30% على الهيدروجين النظيف و70% على الغاز الطبيعي بوصفها نقطة انطلاق للتطوير النهائي لتوربينة لا تطلق الكربون تعمل على الهيدروجين النظيف بنسبة 100%. هذا القرار المدروس بالتوقف المؤقت عن الاستثمار في الوقود الانتقالي في الوقت الحالي جعلها رائدة تطوير مشاريع الهيدروجين النظيف اليوم.
في حال تأثر قطاعك بالتغير التكنولوجي المتسارع
الحالة الثالثة التي يفيد فيها التوقف النشط هي أيضاً نوع من القفز، ولكن في الأسواق التي تتميز بالتطور التكنولوجي السريع والمتسارع. على سبيل المثال، نعيش الآن في فترة يمتلك فيها مقدمو الذكاء الاصطناعي ومستخدموه مجموعة متزايدة من الاتجاهات التي يمكنهم اتباعها باستخدام هذه التكنولوجيا، وتسلسلاً متسارعاً في منحنى تطور التكنولوجيا. مع هذا التسلسل المتسارع، قد تأتي فرصة لتخطّي بعض أجيال التطور التكنولوجي تماماً؛ أي إحداث توقف إيجابي بعدم التحرك. اعتبره إنفاق القليل من المال للحفاظ على رأس المال والحصول على رؤية أفضل لما ستؤول إليه الأمور في المستقبل؛ أي شراء عقد تأمين على المستقبل.
3 مبادئ مهمة
في حال كنت تفكر في توظيف التوقف الإيجابي المؤقت، ضع في الحسبان ثلاثة مبادئ عند التنفيذ.
1. حافظ على إيجابية التوقف الإيجابي المؤقت
يجب على أي شركة تتبع هذا النهج أن تجد سبلاً لمواصلة التعلم النشط والانخراط في السوق حتى لو بطرق بسيطة. وهذا يعني أن تكون في وضع يسمح لك بالتصرف في الوقت المناسب، بحيث تكون على أتم الاستعداد لالتقاط الإشارات والتحرك بسرعة عندما يحين الوقت المناسب.
2. احترس من "معضلة السجين"
على غرار التجربة الفكرية الكلاسيكية "معضلة السجين"، إذا حاول الجميع التوقف بحذر ولم يكن أحد على استعداد للتحرك، فسيتباطأ التقدم ومن المرجح أن تختفي أي ميزة يمكن اكتسابها من خلال التوقف المؤقت. في حال حاول الجميع الاستفادة من التردد الذي لا ينجح إلا إذا كان النظام يتحرك بسرعة، فمن المحتمل أن يخسر الجميع.
3. تقبّل الغموض
لا يكون التوقف الإيجابي حقيقياً وموثوقاً إلا إذا كان لديك بديل يضمن لك النجاح الأكيد في حال كنت المبادر الأول. وفي هذه الحالة ستكون لديك خيارات متاحة، فعندما تتوافر الخيارات والبدائل الفعلية تصبح الاستراتيجية سلاحاً قوياً.
كل الحالات الموضحة أعلاه في أسواق تحكمها حالة من عدم اليقين، ومن المستحيل أن نعرف ما المسار الأفضل والحالات التي لا يمكن بها تطبيق استراتيجية المتابعة السريعة التقليدية. في الحالة الأولى، تشق طريقك الخاص إذ لا يوجد من يتبعك. في الحالة الثانية لا توجد سرعة نظراً لطول الجداول الزمنية للتطوير. وفي الحالة الثالثة، لا يمكنك التحرك بسرعة كافية لخلق ميزة من خلال متابعة التطور وقد يتفوق حل الجيل التالي على جهودك سريعاً.
في هذه المواقف، فكر في قوة التوقف الإيجابي المؤقت. احرص فقط على ألا تتخلف عن الحركة لأنك لن تتخذ قراراً بفعل شيء.