الشركات الناجحة تحفز موظفيها لاتباع أسلوب طرح الأسئلة

6 دقائق

تخيّل أنك شخص ذكي، يمتلك عقلاً استقصائياً، ويعمل مع شركة لديها سياسات وإجراءات عمل متبعة بصورة راسخة منذ فترة طويلة من الزمن (أو ربما قد لا تحتاج إلى استعمال خيالك). لنفترض أنك لاحظت أنّ واحدة من إجراءات هذه الشركة لا تطبّق تطبيقاً فعالاً كما هو مطلوب ما يدفعك إلى أن تطرح السؤال المنطقي التالي: لماذا نحن ننفّذ هذا الأمر بتلك الطريقة؟ وهل ثمة مقاربة أفضل يمكن اتباعها؟

إنّ ما يحصل بعد ذلك في هذا السيناريو يمكن أن يكون مؤشراً جيداً على ما إذا كانت شركتك تمتلك ثقافة استقصائية أم أنها شركة تقوم فقط على قبول الأمور كما هي والامتثال دون نقاش. فإذا كانت من النوع الأول، أي شركة ذات ثقافة استقصائية، فإنّ سؤالك سيُدرس بعناية وحذر، وقد يطلق سلسلة متواصلة من النقاشات – وربما الإجراءات – من قبل مدراء الشركات وقادتها. ويمكن أن تُمتدح أنت بل وتحصل على مكافأة لمجرد طرحك للسؤال.

ولكن، من جهة أخرى، إذا كانت شركتك من النوع الذي لا يقبل التشكيك أو طرح الأسئلة، فإنك قد تتلقى جواباً من قبيل: "هذه هي الطريقة التي نتّبعها ونسير وفقها منذ 20 عاماً – ومن أنت حتى تشكّك في هذا الأمر؟" أو الرد الشائع دائماً: "في هذا المكان، نتوقع من الناس تقديم الإجابات، وليس طرح الأسئلة".

في أبحاثي حول قطاع الأعمال وطرح الأسئلة، وجدت أنّ أعداداً أكبر من الشركات يبدو أنها تقع في المعسكر الثاني. ومن السهل أن يفهم المرء سبب ذلك، حيث يشير ديف باتنايك، وهو استشاري في شركة جامب أسوشيتس (Jump Associates)، إلى أنّ العديد من الشركات الكبيرة الراسخة في هذه الأيام "مصممة وفقاً للنموذج العسكري" وضمن بنية تراتبية وإدارة تنطلق من الأعلى إلى الأسفل. وضمن هذه البنية، يمكن أن ينظر إلى طرح الموظفين للأسئلة وتشكيكهم على أنه يشكل تحديات للسلطة.

يعتبر العديد من القياديين في قطاع الأعمال أنّ "طرح الأسئلة" هو أمر "غير كفوء"، ووفقاً للمؤلف والأستاذ الجامعي في كلية هارفارد للأعمال كلايتون كريستنسن الذي يقول إنّ هؤلاء القادة غالباً ما يشعرون بنوع من القلق لأنهم يرغبون في "إنجاز الأمور المطلوبة منهم" إلى درجة لا تترك لهم ما يكفي من الصبر للأسئلة التي قد تبطئ من وتيرة الاجتماعات، وتتحدى الممارسات المقبولة، وتجبر المدراء على قضاء الوقت في شرح المقاربات التي يتبعونها والدفاع عنها.

فلماذا فتح أبواب جهنم؟ بالنسبة للشركات الباحثة عن الابتكار، والباحثة عن التكيف مع التغيير، والمحافظة على التفوق في أسواق سريعة الحركة وأسواق تنافسية، تعتبر الثقافة القائمة على طرح الأسئلة من الأمور التي يمكن أن تساعد في ضمان انتشار الإبداع والتفكير التكيّفي ضمن أرجاء المؤسسة. يقول كريس شيموجيما، الرئيس التنفيذي لشركة بروفايد كوميرس (Provide Commerce) "إنّ إحدى الطرق الناجحة التي تساعد الشركات على التفوق الدائم في المنافسة مع الشركات الأخرى تكمن في الدراسة النقدية للنموذج التجاري من الألف إلى الياء وفي تحسين هذا النموذج بصورة دائمة. لكن هذا الأمر يتطلّب فريقاً قيادياً وقوى عاملة تسعى بصورة دائمة إلى طرح الأسئلة التي يمكن أن تسلّط الضوء على القضايا الإشكالية الكبيرة".

فكيف يمكن لشركة أن تنشئ بيئة يميل الناس فيها ميلاً أكبر نحو التشكيك بالمعايير الراسخة وطرح الأسئلة حولها؟ وهل يمكن التشجيع على الأنواع الصحيحة من الأسئلة – أي الأسئلة التي من المرجح أكثر أن تقود إلى نتائج منتجة؟ بناء على دراساتي لعدد من الشركات التي خلقت ثقافة استقصائية، فيما يلي أربع ملاحظات أساسية:

ثقافة الاستقصاء وطرح الأسئلة تبدأ بطرح القادة أنفسهم للأسئلة

يقول باتانايك يتعين على القادة في قطاع الأعمال هذه الأيام تولي منصب "كبير السائلين" في شركتهم". وهذا أمر ليس من السهولة بمكان، والسبب في ذلك، كما يوضح باتانايك، هو أنّ العديد من المدراء التنفيذيين ترقوا في المناصب لأنهم "كانوا جيدين في تقديم الإجابات، وليس في صياغة الأسئلة". فالقائد الذي يطرح الأسئلة الجيدة لن يطرح أسئلة شديدة العملية واستجوابية فقط (من قبيل: كم سيكلفنا ذلك؟ ومن هو المسؤول عن هذه المشكلة؟)، وإنما سيطرح أيضاً أسئلة أكثر انفتاحاً وذات طابع استكشافي – وهذا هو النوع من الأسئلة الذي يمكن أن يساعد على توقع أين تكمن الفرص، وهو الذي يساعد الشركات على التحرّك في اتجاهات جديدة.

يقول ديف غولدبيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة سيرفاي مونكي (SurveyMonkey) بأنه يتعين على القادة تشجيع الموظفين في كل أنحاء الشركة على تقديم آرائهم، من خلال استعمال الاستبيانات وغيرها من الأدوات ليسألوهم ما يلي: "نحن نفكّر في القيام بهذا الأمر؛ فما الذي يجب علينا فعله برأيكم؟". وفي الوقت ذاته، يجب على هؤلاء القادة أن يكونوا مستعدين للإجابة عن الأسئلة الصعبة من جميع المستويات والأقسام. وتعتبر شركة جوجل مثالاً جيداً من خلال الجلسات الأسبوعية المفتوحة التي تقام يوم الجمعة، والتي تتسم بنوع من الفوضى أحياناً: فالموظفون جميعاً مدعوون لتقديم الأسئلة إلى كبار المدراء التنفيذيين في الشركة، والأسئلة التي يُصوت عليها من قبل بقية الشركة – وغالباً ما تكون الأسئلة الأصعب والأكثر إثارة للجدل – يجيب عنها المدراء مباشرة وأمام الجميع. فهذا النوع من الجلسات يرسّخ ثقافة تقول إنّ أي إنسان يمكنه طرح أي سؤال على أي شخص آخر.

كافئوا من يطرحون الأسئلة (أو على الأقل لا تُعاقبوهم)

يقول إريك ريس مدير شركة لين ستارت أب (The Lean Startup) إنّ تشجيع عملية طرح الأسئلة في جميع أرجاء الشركة "ليس مجرّد شعارات تقال أو ملصقات جدارية تنتشر في أنحاء الشركة، بل هذا التشجيع يعني وجود أنظمة وحوافز ضمن الشركة للترويج لهذا السلوك. ويوضح ريز أنه في معظم الشركات، "تتدفّق الموارد إلى الشخص الأكثر ثقة وصاحب الخطط الأفضل، أو إلى الشخص الذي لا يضم في سجله أي فشل". لكنه يضيف بأنّ الشركات يجب أن توجه المزيد من الموارد في موازنتها إلى أولئك الأشخاص الذين يحاولون استكشاف الأسئلة غير المجاب عنها، ومن يجرون التجارب الواعدة، ومن يجازفون بذكاء.

كما يتعيّن على قادة الشركات أن يحذروا دائماً من الطرق التي تؤدّي إلى معاقبة من يطرح الأسئلة، حتى وإن كان ذلك غير متعمد. وقد وصف الكاتب المختص بقطاع الأعمال ديل داوتين حالة شائعة واجه فيها الناس الذين استقصوا مشكلة ما في مكان عملهم، مثل أن يكون أداء الشركة غير متوافق مع التوقعات، من يقول لهم: "بما أنكم عثرتم على المشكلة، الآن حان دوركم كي تصلحوها". وهذه وصفة مضمونة لجعل الناس يتوقفون عن إيجاد المشاكل وطرح الأسئلة، لأن معظمهم لا يريد أن يضيف عبئاً إضافياً إلى حجم عمله المثقل أصلاً (ولأن السؤال الذي يطرحه أحد الموظفين قد يفوق قدرته على الإجابة عنه لوحده). أما المقاربة الأفضل فتتمثّل في سؤال الشخص الذي عثر على المشكلة إذا ما كان يريد أن يُعنى بحل المشكلة، وبأي مقدار، على أن يتم إخبار الشخص وبوضوح أنه سيحظى بالوقت والدعم اللذين يحتاجهما، وأنه حتى لو لم يعثر على إجابة للسؤال، فإنّ له الأجر لمجرد طرح السؤال.

امنحوا الناس ما يكفي من الوقت والمساحة ليطرحوا الأسئلة بعمق

قد يحتاج الناس إلى "أخذ خطوة إلى الوراء" من المهام والنشاطات اليومية بغية التعامل مع الأسئلة والمشاكل الأعمق. فالسياسات الخاصة بالوقت الشخصي والتي تحظى بتغطية واسعة في الإعلام ونجدها في شركات مثل جوجل، وثري إم (3M)، ودبليو إل غور (W.L. Gore)، والتي تسمح للناس بأن يخصّصوا ما بين 10 و20% من وقتهم "للمشاريع التي يحسّون بالشغف تجاهها"، قادت إلى أفكار مبتكرة وقابلة للتسويق، ولكن للوصول إلى هذه الاختراقات، يحتاج الناس إلى المساحة الكافية للسعي وراء الأسئلة الطموحة التي قد لا تكون جزءاً من عملهم اليومي. كما أنهم قد يحتاجون إلى الحرية للسماح لفضولهم بالتجول خارج قوقعة مكان العمل، وذلك من خلال الزيارات الميدانية، وقضاء الوقت على الخطوط الأمامية مع الزبائن، وغير ذلك من الرحلات. يقول الرئيس التنفيذي لشركة آيديو (IDEO)، تيم براون، إنّ الكثير من عمليات طرح الأسئلة التي تقود إلى الاختراقات تحصل عندما "يخرج الناس إلى العالم للملاحظة والإصغاء". فالأفكار والآراء التي تولد "في الميدان" يمكن أن تطلق العنان لأسئلة تبدأ بعبارات "لماذا؟" و"ماذا لو أن...؟" والتي تقود في نهاية المطاف إلى الإبداع والابتكار.

وفّروا الأدوات التي تساعد على طرح الأسئلة الجيدة

تعتبر عملية طرح الأسئلة واحدة من المهارات وهي طريقة للتفكير؛ فهي تمثّل قدرتنا على "تنظيم أفكارنا بالنسبة للأشياء التي لا نعرفها"، كما يقول معهد الأسئلة الصحيحة، وهو مؤسسة غير ربحية تدرس وتدرّس كيفية طرح الأسئلة. ولكي تصقل الشركات هذه المهارة، فإنها بحاجة إلى استعمال التمارين الجماعية، من قبيل تلك التي طوّرها "معهد الأسئلة الصحيحة"، والذي يسمح للمشاركين بالتمرن على صياغة الأسئلة ويعلّمهم كيفية تحليل أسئلتهم الذاتية وتحسينها. وثمة تقنيات أخرى لطرح الأسئلة يمكن تعليمها، وهي تتباين من "أسئلة لماذا الخمسة" إلى "كيف يمكن لنا أن..؟" وهي المقاربة الجماعية لطرح الأسئلة التي طوّرتها الشركات القائمة على الإبداع مثل جوجل، وآيديو، وغيرها.

أما بالنسبة للمدراء الذين يخشون أن يغرقوا في بحر من "الأسئلة الغبية"، فالحل يكمن في إرشاد الموظفين، من خلال الجلسات التدريبية والتمارين، نحو الأسئلة الأكثر عمقاً والتي يحتمل أن تقود إلى محصلات منتجة. ويشير جيم هاكيت، الرئيس التنفيذي السابق، لشركة ستيل كيس (Steelcase) إلى أنّ الهدف يجب أن يكون هو التشجيع على صياغة الأسئلة المتجذرة في التفكير النقدي العميق حول التحديات والقضايا الخاصة التي تواجهها الشركة، وزبائنها، والقطاع عموماً.

ولكن حتى عندما تحاول الشركات التشجيع على طرح الأسئلة الأذكى، فإنها يجب أن تكون حذرة من ألا تثني الناس عن طرح أسئلة أساسية، قد تبدو ساذجة، لكنها يمكن أن تكون أداة قيّمة لتحدي أكثر الافتراضات أساسية حول سبب قيام شركة معيّنة بأمر ما والكيفية التي تعمل بها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي