ما أسباب صعوبة تحول الشركات إلى شركات مرتكزة على البيانات؟

6 دقائق
الشركات المستندة إلى البيانات

ملخص: يجب على الشركات اليوم أن تعتمد على البيانات كي تتمكن من المنافسة، لكن قول هذا الكلام أسهل من تنفيذه بالنسبة للشركات التقليدية الرئيسية (التي تستهدف السوق العامة لا المتخصصة). على الرغم من مرور عقد من الزمن على بدء الشركات استثماراتها في البيانات وتعيين رؤساء تنفيذيين للبيانات، توصلت دراسة استقصائية أجريت على كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات المدرجة على قائمة "فورتشن 1000" إلى أن نسبة كبيرة من الشركات المستندة إلى البيانات مستمرة في معاناتها من الصعوبات المتمثلة في التقنيات التقليدية القديمة والثقافات الراسخة التي تقاوم الطرق الجديدة في العمل، إذ أبلغت نسبة تزيد عن 90% من الشركات التي شاركت في الدراسة الاستقصائية أن الثقافة كانت العائق الأكبر أمامها. لذا، يجب على القادة القيام بثلاثة أشياء: 1) تركيز مبادراتهم الخاصة بالبيانات على حالات الاستخدام عالية التأثير والمحددة بوضوح؛ 2) إعادة النظر في طريقة تعامل مؤسساتهم مع البيانات؛ 3) تذكر أن هذا التحول هو عملية مستمرة على المدى الطويل وتستلزم الصبر والثبات والتركيز.

يجب على الشركات الرئيسية اليوم أن تعتمد على البيانات في عملها كي تتمكن من الازدهار. وشهدت الشركات التي تأخرت في هذا المجال سيطرة الشركات المنافسة المستندة إلى البيانات على الحصة السوقية واستيلائها على قاعدة العملاء على مدى العقد المنصرم، إلى جانب عمل شركات رائدة مثل "أمازون" و"فيسبوك" و"جوجل" على تطوير تقييمات الأسواق المهيمنة. والآن، تحاول الشركات الرئيسية في قائمة "فورتشن 1000" الصمود في وجه هذه المنافسة عن طريق تكثيف استثماراتها في مبادرات البيانات والذكاء الاصطناعي سعياً لجسر الفجوة. أصبحت الاستثمارات في مبادرات البيانات والذكاء الاصطناعي منتشرة في جميع الشركات للعام الثالث على التوالي. فوفقاً لنتائج دراسة استقصائية تنفيذية جديدة أجرتها شركة "نيو فينتدج بارتنرز" (NewVantage Partners)، وهي شركة استشارية أسستها في عام 2001 من أجل تقديم الاستشارات لشركات قائمة "فورتشن 1000" حول مسائل قيادة البيانات، تقول نسبة 99% من الشركات المشاركة في الدراسة إنها تستثمر في البيانات والذكاء الاصطناعي. لكن هذا العام، يبدو أن معظم الشركات تعاني من صعوبة في الحفاظ على الزخم على الرغم من الاستثمار المتزايد.

قيادة البيانات في الشركات

هذه الدراسة الاستقصائية السنوية هي التاسعة، وشارك فيها المدراء التنفيذيون الذين يمثلون الشركات الرئيسية، وركزت على تقدم هذه الشركات في مبادرات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. بالنسبة لتقرير عام 2021، أجرينا استطلاعاً لآراء مسؤولين تنفيذيين من 85 شركة رائدة ضمن قائمة "فورتشن 1000"، وهي أعلى نسبة مشاركة وتمثيل في هذه الدراسة الاستقصائية منذ بدئها في عام 2012. ضمت الشركات المشاركة شركات قوية راسخة في قطاعات الخدمات المالية وعلوم الحياة والرعاية الصحية وتجارة التجزئة، نذكر منها "أميركان إكسبرس" و"أنثيم" (Anthem) و"بنك أوف أميركا" و"بريستول ماير سكويب" (Bristol-Myer Squibb) و"كابيتال وان" (Capital One) و"سيغنا" (Cigna) و"سي في إس هيلث" (CVS Health) و"إلي ليلي" (Eli Lilly) و"غلاكسو سميث كلاين" (Glaxo Smith Kline) و"جيه بي مورغان تشيس" (JP Morgan Chase) و"ليبرتي ميوتشوال" (Liberty Mutual) و"ماستركارد" و"ماكدونالدز" و"ميرك" (Merck) و"فايزر" (Pfizer) و"سانوفي" (Sanofi) و"ستاربكس" و"يونايتد هيلث" "وفيزا" و"وول مارت". في هذا العام، كان 76% من المشاركين يشغلون منصب الرئيس التنفيذي للبيانات أو الرئيس التنفيذي للتحليلات، وهو رقم قياسي. والمشاركون في الدراسة الاستقصائية هم أكبر المسؤولين التنفيذيين المشرفين على البيانات والمسؤولين عنها في شركاتهم.

وبعد إجراء هذه الدراسة الاستقصائية على مدى قرابة عقد من الزمن، لاحظنا توجهين رئيسين. أولاً، استثمرت الشركات الرئيسية بشكل مطرد في مبادرات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي سعياً لتصبح أكثر اعتماداً على البيانات، إذ أفادت نسبة 91.9% من الشركات أن وتيرة الاستثمار في هذه المشاريع تتسارع، وأبلغت 62% من الشركات عن استثمار ما يزيد عن 50 مليون دولار في البيانات والذكاء الاصطناعي. ثانياً، تشير النتائج المستخلصة من الدراسة الاستقصائية لهذا العام إلى أنه حتى مع وجود مستويات قياسية من الاستثمار الملتزم، فالشركات لا تزال تواجه صعوبات في توليد القيمة من استثماراتها في البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، وفي التحول إلى شركات مستندة إلى البيانات. غالباً ما تكون الشركات الرئيسية مثقلة بإرث قديم من بيئات البيانات والعمليات التجارية ومجموعات المهارات والثقافات التقليدية التي يمكن أن يصعب تغييرها، ويبدو أن هذه الشركات تواجه تحديات تزداد مع ازدياد الطلب وتنامي أحجام البيانات واستمرار سعي الشركات عموماً لتطوير قدراتها الخاصة بالبيانات.

في الدراسة الاستقصائية لعام 2021، أبلغت الشركات المدرجة على قائمة "فورتشن 1000" عن انخفاض في المقاييس الأساسية المستخدمة في قياس نجاح استثماراتها في البيانات والذكاء الاصطناعي. وقالت إنها تعاني من صعوبة في إحراز تقدم، أو التحرك من مكانها في بعض الأحيان، فيما يخص إدارة البيانات على اعتبارها أحد الأصول التجارية في الشركة وصياغة ثقافة البيانات والتنافس على البيانات والتحليلات واستخدام البيانات في تحفيز الابتكار. في حين قالت نسبة 29.2% فقط من الشركات إنها حققت نتائج من الأعمال التحويلية، وقالت نسبة 30% فقط إنها طورت استراتيجية بيانات واضحة المعالم. لربما كان الأمر الأكثر دلالة هو أن 24% فقط من المشاركين قالوا إنهم يعتقدون أن شركاتهم كانت مستندة إلى البيانات في العالم المنصرم، وهو انخفاض من نسبة 37.8% في العام الذي قبله، وهذا الرقم يشير إلى أن الجهود لدمج البيانات في عمليات صنع القرار ليست ناجحة كما كان القادة يعتقدون من قبل.

ما هو سبب البطء في التقدم؟ للعام الخامس على التوالي، قال المسؤولون التنفيذيون إن التحديات الثقافية تمثل أهم العوائق في وجه مبادرات البيانات، لا التحديات التقنية. في استطلاع عام 2021، قال قادة 92.2% من الشركات الرئيسية إنهم لا يزالون يعانون من التحديات الثقافية فيما يتعلق بالتوافق التنظيمي والعمليات التجارية وإدارة التغيير والتواصل ومجموعات مهارات الموظفين، ومقاومة التغيير أو نقص الفهم اللازم لدعمه. وهذا ارتفاع عن نسبة عالية بالفعل وصلت إلى 80.9% من الشركات التي كانت التحديات الثقافية فيها تشكل أكبر عائق أمام النجاح قبل 4 أعوام فقط. وكما قال خبير الإدارة بيتر دراكر ذات مرة: "الثقافة تقتل الاستراتيجية التي لا تتوافق معها".

لم تكن هذه المقاومة الثقافية حتمية، لكن ربما كانت متوقعة. منذ قرابة عقد من الزمن، في عام 2012 تحديداً، كتب إريك برينجولفسن وأندرو مكافي في مجلة هارفارد بزنس ريفيو أن البيانات الضخمة ستشكل ثورة إدارية. إذن، لماذا بعد قرابة عقد من الاستثمار في مبادرات البيانات لا تزال الشركات تواجه صعوبات في جهودها التي تهدف لتحويلها إلى شركات مستندة إلى البيانات؟ يقول أحد الأجوبة إن الشركة تحتاج إلى الوقت والتركيز والالتزام والمثابرة كي تصبح مستندة إلى البيانات. لكن شركات كثيرة تقلل جهودها إلى الحد الأدنى، أو تفشل في تقدير الوقت الذي يستغرقه تحول هذا النوع من شركات الجملة.

3 نصائح لقادة البيانات في الشركات

بالنظر إلى هذه النتائج، يجب على الرؤساء التنفيذيين للبيانات وقادة البيانات في الشركات أخذ 3 نصائح عملية في حسبانهم.

1- ستستفيد الشركات من تركيز مبادرات البيانات على مشكلات العمل أو حالات الاستخدام عالية التأثير والمحددة بوضوح. من خلال البدء من الاحتياجات الأساسية للعمل، يمكن للتنفيذيين إثبات القيمة بسرعة من خلال تحقيق "مكاسب سريعة" تساعد الشركة على تحقيق القيمة وبناء مصداقية لاستثماراتها في البيانات، واستخدام هذه المصداقية في تحديد حالات الاستخدام الإضافية عالية التأثير لاكتساب الزخم في أداء الأعمال. ونحن شاهدون على تكرار فشل الشركات التي تستثمر في قدرات البيانات وتقنياتها من دون وجود طلب محدد بوضوح على الأعمال.

2- يجب على الشركات إعادة النظر في العقلية التي تتبناها في التعامل مع البيانات على اعتبارها أحد الأصول التجارية في الشركة. فالبيانات تتدفق كنهر في أي شركة، ويجب إدارتها بدءاً من لحظة جمعها وإنتاجها وصولاً إلى استهلاكها واستخدامها في العديد من الأماكن.

3- إن عملية تحول الشركة لتصبح شركة مستندة إلى البيانات هي عملية مستمرة على المدى الطويل وتستلزم الصبر والثبات. وقد تتمثل الخطوة الأخيرة بالاتجاه الصحيح في الاستثمار في حوكمة البيانات وتثقيف المؤسسة حولها وتطبيق برامج توعية بشأن قيمتها وأثرها في المؤسسة. لكن يجب على المؤسسات أن تبدي التزامها بهذه الجهود على المدى الطويل والتمسك بهذه الاستثمارات وألا تفقد صبرها أو تتخلى عن جهودها عندما لا تحقق نتائج فورية.

من الجدير بالذكر أن الشركات قد أحرزت تقدماً كبيراً على مدى العقد الماضي بغضّ النظر عن الانتكاسات التي تعرضت لها في العام الماضي. عندما بدأنا بإجراء هذه الدراسة الاستقصائية لأول مرة قبل قرابة عقد من الزمن، كانت الشركات الرئيسية قد بدأت لتوها بتبني البيانات الضخمة وتأثيرها التحويلي المتوقع. إذ كانت البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي قدرات ناشئة جديدة لم تحظ إلا بأدنى حد من الاستثمارات؛ وكانت قلة من الشركات قد طورت برامج رسمية وصاغت التزاماً مؤسسياً؛ ولم يكن منصب الرئيس التنفيذي للبيانات موجوداً إلا في قلة قليلة من الشركات. وفي الأعوام التالية، ازدادت نسبة الشركات التي بدأت بإنشاء منصب الرئيس التنفيذي للبيانات من 12% في عام 2012 إلى 65% في 2021. والمثير للاهتمام هو أن 81% من المسؤولين التنفيذيين المشاركين في الدراسة الاستقصائية هذا العام أشاروا إلى تفاؤلهم بمستقبل البيانات والذكاء الاصطناعي في شركاتهم. لقد اندمجت البيانات الضخمة في التيار السائد بكل تأكيد.

قد يكون صحيحاً أن الشركات مع تطورها أدركت أنها بالغت بادئ الأمر في تقدير إنجازاتها في التحول المتعلق بالبيانات، في حين أنها اليوم باتت مسلحة بفهم وتطور أكبر نتيجة لعقد كامل من الاستثمارات، فاكتسبت نظرة ناقدة للذات وأدركت أن عليها رفع مستوى جهودها كي تتمكن من الارتقاء إلى مستوى التنافس في مجال البيانات والتحليلات والنجاح فيه. لم يعد كافياً أن تكون "جيدة" فحسب، فالشركات المستندة إلى البيانات تستمر برفع مستوى المنافسة.

وما نستنتجه من نتائج دراستنا الاستقصائية لهذا العام هو أنه على الرغم من التقدم الذي أحرزته الشركات الرئيسية من حيث الاستثمارات وتأسيس قيادة للبيانات، فإنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة. وما لم يحظ بالتقدير الكافي هو مقدار الوقت الذي ستستغرقه جهود التحول المتعلقة بالبيانات كي تصل إلى توليد النتائج في الشركات الرئيسية، التي بقيت مثقلة بالأنظمة والثقافات القديمة، ومجموعات المهارات القديمة في بعض الحالات. لا يمكن للشركة أن تصبح مستندة إلى البيانات بين ليلة وضحاها، فبناء ثقافة البيانات هي عملية طويلة، وستتكشف خطواتها وجهودها مع مرور الوقت. اليوم، أصبحت البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي تياراً سائداً، لكن لا يزال لدينا الكثير من العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي