توالت الدعاوى التي تعارض قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي منع المهاجرين واللاجئين من ستة بلدان مسلمة من دخول الولايات المتحدة، حيث تستمع كل من الدائرة الخامسة في فرجينيا والدائرة التاسعة في سان فرانسيسكو إلى الادعاءات. وانضم إلى المعمعة أكثر من 162 شركة تقنية أصدر محاموها مذكرة إحاطة مشتركة إلى كلا المحكمتين، ومن هذه الشركات (أمازون وجوجل وفيسبوك ونتفلكس وأوبر) التي تناشد القضاة الفيدراليين أن يحكموا ضد القرار التنفيذي، ويفصّلون لمَ هو جائر وكيف يضرّ بأعمالهم.
ومع أنّ المذكرة المكوّنة من 40 صفحة مليئة بالحجج في صالح الهجرة، إلا أنها لا تأتي تقريباً على ذكر اللاجئين في ما عدا ملاحظة تقول: "يجب الترحيب بمن يبحثون عن ملجأ". ولا شك أنّ فرض قيود على التوظيف من الخارج أمر سيقلق أي شركة متعددة الجنسيات لديها قوة عاملة متنوعة، لكن الشركات التقنية بشكل خاص يجب أن تُبدي اهتماماً بالأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين يعتمدون على خدماتها الرقيمة من أجل الأمان والنجاة.
وخلال بحث عن الهجرة وأزمة اللاجئين في أوروبا، أجريت أنا وفريقي مقابلات مع أكثر من 140 لاجئاً سورياً. إذ أكدوا على دور التقنية الحيوي في تمكنّهم من الهرب عبر ظروف الحرب والعنف الذي ضرب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فخدمات مثل (خرائط جوجل وفيسبوك وواتساب وسكايب وويسترن يونيون) ساعدت اللاجئين في إيجاد أحبائهم والعثور على مكان آمن ينامون فيه، كذلك كانت أجهزة الهاتف المحمول مهمة جداً، فقد كان اللاجئون يستخدمونها عندما تغرق القوارب للاتصال بدوريات الإنقاذ التي تجوب المتوسط.
وعليه، يُظهر اعتماد اللاجئين على هذه المنصات ما تصرّح به الشركات التقنية "من أنّ الابتكار يُمكّن الناس من تحسين حياتهم ومجتمعاتهم". ومع أنّ شركات التقنية لم تصمم تقنياتها بنيّة تسهيل واحدة من أكبر موجات نزوح اللاجئين في التاريخ، إلا أنها تتحمل مسؤولية الاعتناء بزبائنها المعرّضين للخطر والذين يستخدمون منتجاتها.
كما أنّ هناك شركات تقنية تدخّلت بشكل مباشر في أزمة اللاجئين، حيث ابتكرت جوجل تطبيقات لمساعدة اللاجئين في اليونان من أجل العثور على المراكز الطبية والخدمات الأخرى، ووعدت فيسبوك بتوفير اتصال لاسلكي بالإنترنت في مخيمات الأمم المتحدة، أما إير بي إن بي (Airbnb) فأعلنت حظر السفر الأول الذي أوقف مبدئياً العمل ببرنامج قبول اللاجئين أنها ستوفر ملجأً مجانياً لللاجئين الذين تقطعت بهم السبل.
في حين أعلن العديد من قادة القطاع التقني معارضتهم لسياسات طرد اللاجئين. إذ كتب مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لفيسبوك على صفحته الشخصية بعد الحظر بقليل "علينا أن نُبقي أبوابنا مفتوحة أمام اللاجئين ومن يحتاجون للمساعدة"، كما ذكر أنّ أهل زوجته قدموا إلى الولايات المتحدة كلاجئين. أما برايان تشيسكي الرئيس التنفيذي لشركة إير بي إن بي غرّد في تويتر قائلاً: "ليس صائباً عدم السماح للاجئين أو أناس من دول محددة بدخول الولايات المتحدة. علينا الوقوف إلى جانب من يتأثرون بالقرار". كما انضم الشريك المؤسس لجوجل سيرجي برين للمحتجين على القرار التنفيذي في مطار سان فرانسيسكو الدولي وقال: "أنا هنا لأنني لاجئ". ثم بين لاحقاً أنّه وعائلته فروا من الاضطهاد أيام الاتحاد السوفيتي السابق.
وبناء على ما سبق، لا شك أنّ كل هذه الجهود لتقديم المساعدة والنصيحة المباشرة لدعم اللاجئين تستحق التقدير. لكن لو أنّ القطاع التقني عمل بشكل جماعي لكان عمله أكثر فعالية في التأثير على آراء المحاكم وجمهور العموم، ولكانت مذكرة الإحاطة تلك أفضل فرصة لبيان صادر عن كامل القطاع التقني يطالب الحكومة أن ترحب باللاجئين، وخاصة أولئك الذين اجتازوا التدقيقات الأمنية الصارمة لدخول الولايات المتحدة.
إذ أنه يمكن لموقف أكثر حزماً أن يخدم مصالح الشركات بشكل أفضل. فالمؤسسات تواجه أصلاً ضغوطاً من موظفيها وعملائها، لاتخاذ موقف من القضايا السياسية ودعم قيم معينة. وكما أخبرني كين شوتس، الأستاذ في كلية ستانفورد للأعمال، "يتوقع الكثير من الموظفين في الشركات التقنية سواء كانوا مهاجرين أو مولودين في الولايات المتحدة، أن تكون شركاتهم على قدر ادعاءاتها الرنانة حول القيم وعمل الخير في العالم. وعلى عكس الموظفين في معظم البلدان الأخرى، يتمتع هؤلاء بالأفضلية بسبب سوق العمل الضيقة في وادي السيليكون".
وكمثال لمواقف أكثر حزماً حول قرار منع اللاجئين، خرج الآلاف من موظفي جوجل للتظاهر بعد أيام من صدور القرار الأول لحظر السفر. كما عانت شركة أوبر من أزمة علاقات عامة بسبب ما بدا كأنه صم للآذان بعد الحظر. فعلى الرغم من البيانات التي صدرت عن الرئيس التنفيذي ترافيس كالانيك في دعم اللاجئين والمهاجرين، إلا أنّ الكثير من موظفي أوبر وعملائها كانوا غاضبين بسبب نيته حضور اجتماع ترامب للاستشاريين الاقتصاديين بعد بضعة أيام. واضطر كالانيك في النهاية لترك موقعه في المجلس الاستشاري بعدما ظهرت حملة ضده على مواقع التواصل الاجتماعي "احذفوا أوبر" (#DeleteUber).
وحاولت الشركات التقنية في السنوات الأخيرة أن تنقل إلى عموم الناس فكرة أنها سوف تحمي عملاءها من تجاوزات الحكومة. مثلاً، رفضت آبل أن تفتح للسلطات الحكومية باباً خلفياً لفك شيفرة أجهزة آيفون، كذلك فازت مايكروسوفت مؤخراً في قضية فيدرالية، حيث رفضت فيها مطالب الحكومة الأميركية بتسليم بيانات العملاء في ما وراء البحار.
في غضون ذلك، يتوجب على القطاع التقني توسيع هذه الجهود للحرص على عدم استخدام تقنياته لاستهداف مجموعات واسعة من الناس تبعاً للدين أو الجنسية. ومن هذه الاستخدامات مثلاً، قيام مكتب الجمارك وحماية الحدود الأميركي بمطالبة الزائرين القادمين من بلاد أُخرى بإظهار حسابات مواقع التواصل الاجتماعي وكلمات المرور، في حين رفع مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية شكاوى ضد مكتب الجمارك وحماية الحدود، يذكر فيه أنّ المواطنين المسلمين الأميركيين خضعوا لتدقيق شديد يتضمن التفتيش في حسابات مواقع التواصل الاجتماعي وأجهزة المحمول.
من ناحية أخرى تحدث ترامب عن بناء قاعدة بيانات لتعريف وتسجيل المسلمين في أميركا، بمن فيهم اللاجئين. وأعلن عدد من الشركات بما فيها أي بي إم (IBM)، ومايكروسوفت، وسيلزفورس (Salesforce) أنها لن تساعد في بناء سجل للمسلمين إذا طلبت منها الحكومة. كما وقّع حوالي 3,000 موظف تقني أميركي تعهداً إلكترونياً بأن لا يقوموا بتطوير أنظمة معالجة بيانات لمساعدة الحكومة في استهداف الأفراد بناء على العرق أو الدين أو الجنسية الأصلية.
أخيراً، تحتاج الشركات التقنية لكسب ثقة المستهلكين اليوم أكثر من أي وقت مضى. وسواء كانت تستحق هذه الثقة أم لا، فإنّ هذه الشركات تتعرض للانتقاد بسبب عدد من الأمراض الاجتماعية، بدءاً بإدامة الأخبار الكاذبة وحتى قيام الذكاء الاصطناعي باحتلال الوظائف. ولا شك أنّ القرار التنفيذي لترامب ستواجهه قضايا قضائية أُخرى، بما يمنح الشركات الفرصة لإظهار كيف تساعد ابتكاراتهم اللاجئين للهرب من الصراعات. وبإمكان المجال التقني في المستقبل توظيف مذكرات الإحاطة لتقديم حجج جماعية أقوى أمام المحاكم والرأي العام. بدفاعه هذا عن أفراد المجتمع الأكثر استضعافاً في العالم، حيث يبعث القطاع التقني رسالة بأن النتائج المالية ليست كل همّه.