نعيش في عصر سريع التطور يشهد زعزعة تكنولوجية وتحديات عالمية صعبة، مثل تغير المناخ ونقص المهارات، فليس بإمكان الجامعات العمل بمعزل عن غيرها من المؤسسات، وأصبحت الشراكات الاستراتيجية عنصراً رئيسياً لتمكين مؤسسات مثل المؤسسة التي أعمل بها، ومنحها القدرة على تلبية الاحتياجات المجتمعية، وتشجيع الابتكار، وتعزيز النمو الاقتصادي.
توسيع البحث والابتكار
تؤدي الجامعات دوراً محورياً في تطوير المعرفة من خلال البحث (وكثيراً ألخّص دور الجامعة في بناء المعرفة ونشرها)، لكن التعقيد المتزايد للتحديات العالمية يتطلب من الجامعات تعزيز التعاون مع أصحاب المصلحة على نطاق واسع. وتخضع الجامعات لعدة معايير لقياس أثرها، سواء عبر المشكلات التي تمكّنت من حلها، أو الوظائف التي يشغلها خريجوها. لذلك، فإن عقد الشراكات مع الشركات الخاصة والهيئات العامة والمؤسسات الدولية يسهم في تحقيقها لهذا الأثر المنشود. ويعزز هذا التعاون أيضاً البحوث متعددة التخصصات التي تجمع الخبرات من مختلف المجالات لمعالجة قضايا مثل تغير المناخ، والابتكار في مجال الرعاية الصحية، والتحول الرقمي.
تتمتع الشراكات بأهمية كبيرة لدرجة أن لدينا في الجامعة منصباً في القيادة العليا ليكون مسؤولاً عن تحديد فرص الشراكات وتطويرها والحفاظ عليها، وهو نائب رئيس الجامعة لشؤون المؤسسات والشركات، وتشغله زميلتي البروفيسورة جيليان موراي التي تؤكد دائماً أهمية الشراكات في تحقيق الفوائد الاقتصادية والمجتمعية. وفقاً لموراي، تتمتع الجامعات بوضع يسمح لها بتحفيز التحول من خلال الشراكات الاستراتيجية التي تجمع بين الخبرة الأكاديمية والمعرفة والموارد التي تقدمها الشركات الخاصة بمختلف القطاعات.
تمكّن هذه الشراكات، الجامعات من الإسهام في حل المشكلات الحالية، وتسمح بتحويل نتائج البحوث إلى تطبيقات عملية بويترة سريعة. على سبيل المثال، كانت جامعة هيريوت وات رائدة في إنشاء منصات تعاونية مثل مركز تصنيع الأجهزة الطبية (MDMC)، الذي يعمل على نحو وثيق مع الشركات لتطوير أدوات التكنولوجيا الطبية المنقذة للحياة. يشكّل مركز تصنيع الأجهزة الطبية مثالاً رئيسياً على الفوائد المجتمعية الملموسة التي تنتج من التعاون بين الجامعات والشركات، من خلال سد الفجوة بين البحث الأكاديمي واحتياجات السوق.
تعزيز التعاون لمعالجة التحديات العالمية
يمثّل التغير المناخي أحد التحديات العالمية الأكثر إلحاحاً اليوم، وثمة دور مهم للجامعات في تطوير الحلول للتخفيف من آثاره. يؤثر تغير المناخ في العالم بأسره، لذا يجب أن يتعاون العالم أجمع على التصدي له، وقد ظهر هذا التعاون جلياً في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي كوب 28 (COP28)، الذي أقيم هنا بدبي في ديسمبر/كانون الأول 2023، بالإضافة إلى الفعالية الرئيسية في مدينة إكسبو، حيث أتاحت المنطقة الخضراء فرصاً متعددة لأصحاب المصلحة للتعارف والعمل معاً. من جهتها، أنشأت جامعتنا أيضاً مركزاً تفاعلياً خاصاً بمناقشة قضايا المناخ جمعنا فيه العديد من المؤسسات التي تزور مؤتمر كوب 28 وعرضنا أكثر من 20 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا النظيفة التي كانت صغيرة جداً بحيث لا يمكن عرضها في الفعالية الرسمية. شهد العرض، الملك تشارلز الثالث عشية خطابه الافتتاحي في مؤتمر كوب 28، وتلقينا دعماً مالياً من الحكومة البريطانية من خلال وزارة الخارجية ومجموعة من الشركات الخاصة الراعية لنا بمختلف القطاعات. وقد وفّر هذا العرض للشركات الناشئة التي سعت إلى توسيع نطاق التكنولوجيا التي ابتكرتها، فرصة لتعزيز التعاون والحصول على المزيد من التمويل. وكان هذا مثالاً رائعاً على استعانة الجامعات بالشراكات لمعالجة قضايا التغير المناخي. اجتذب المركز التفاعلي لمناقشة المناخ ما يقرب من ألفي زائر خارجي خلال مؤتمر كوب 28، وجمع الباحثين والشركات وصانعي السياسات لتطوير استراتيجيات وتكنولوجيات تهدف إلى تحقيق صافي انبعاثات صفري.
وكما تقول زميلتي جيليان موراي، تمثّل المؤسسات الأكاديمية جهات شراكة موثوقة ومستقلة في مجال مكافحة التغير المناخي، ما يساعد في سد الفجوة بين البحث العلمي والتنفيذ العملي. وثمة أهمية خاصة لذلك؛ لأن العالم يتطلع إلى تحقيق الأهداف الطموحة مثل تلك التي تحددها مؤتمرات القمة الدولية للمناخ، منها مؤتمر كوب 28، إذ يصعب على الجامعات توسيع نطاق البحث وإحداث أثر عالمي دون هذه الشراكات.
تعزيز تجربة الطلاب وقابليتهم للتوظيف
يُعد تعزيز تجربة الطلاب من المميزات الرئيسية الأخرى للشراكات الاستراتيجية، إذ توفر الجامعات التي تتعاون مع الشركات الخاصة بمختلف القطاعات للطلاب فرصاً للتعلم على أرض الواقع والتدريب في الشركات، ما يثري تعليمهم، ويزيد من قابليتهم للتوظيف من خلال منحهم المهارات والخبرات التي يحتاجون إليها للنجاح في سوق العمل.
تتبع جامعة هيريوت وات نهج الشراكة أيضاً في عملية التدريس وتطوير المناهج الدراسية، إذ تعمل الجامعة على نحو وثيق مع الشركات للتعاون على إنشاء برامج الدرجات العلمية التي تتوافق مباشرة مع احتياجات القطاعات المختلفة. على سبيل المثال، طوّرت الجامعة مجموعة برامج جديدة في القيادة الرقمية وتحليلات البيانات بالتعاون مع الشركات الخاصة بمختلف القطاعات لتلبية الطلب المتزايد على مهارات المحترفين في هذه المجالات. ويضمن ذلك حصول الخريجين على المعرفة والمهارات التي تواكب التغير السريع في سوق العمل، خاصة في القطاعات العالية النمو مثل قطاعي التكنولوجيا والاستدامة.
تحفيز النمو والتجديد الاقتصاديين
إن الجامعات ليست مراكز تعليمية فقط، بل تؤدي دوراً رئيسياً في تحفيز النمو الاقتصادي، وتسمح الشراكات الاستراتيجية للجامعات بالإسهام في الاقتصادات الإقليمية والوطنية من خلال تعزيز الابتكار، وخلق فرص العمل، ودعم ريادة الأعمال. على سبيل المثال، يمثّل مجمع الابتكار التابع لجامعة هيريوت وات في اسكتلندا مثالاً على استفادة الجامعات من خبراتها البحثية لتحفيز التجديد الاقتصادي. ويهدف المجمع، الذي يضم مركز ناشيونال روبوتاريوم (National Robotarium) في المملكة المتحدة، إلى خلق ما يصل إلى 10 آلاف فرصة عمل من خلال جذب الشركات للتعاون في مشاريع البحث والتطوير المتطورة. وهنا في دبي، فإننا نعمل على خطة للجمع بين أقطاب الصناعة وجهات البحث العلمي من خلال إنشاء مركز روبوتاريوم مماثل في دولة الإمارات العربية المتحدة، ليدعم الهدف الاستراتيجي لوزارة الاقتصاد في دولة الإمارات العربية المتحدة المتمثل في تحقيق ريادة الدولة وتعزيز قدرتها التنافسية في مجال الابتكار وضمان حقوق الملكية الفكرية فيها.
وفي الختام، فإن الشراكات الاستراتيجية تُعد ضرورة حتى تتمكن الجامعات من الانسجام مع عالم سريع التغير وتؤثر فيه، إذ تعزز عمليات التعاون من القدرات البحثية للجامعات، وتعمل على معالجة التحديات العالمية مثل التغير المناخي، وتحسين نتائج الطلاب عبر توفير فرص التعلم. علاوة على ذلك، فإنها تحفز النمو الاقتصادي من خلال تعزيز الابتكار وخلق فرص العمل. وأظهرت العديد من الجامعات مثل جامعة هيريوت وات، إمكانية زيادة إسهامات مؤسسات التعليم العالي في المجتمع والاقتصاد عن طريق عقد شراكات استراتيجية مع الشركات الخاصة والهيئات الحكومية والمؤسسات الدولية.