إليكم هذه القصة التي تتحدث عن مفهوم السيكولوجية العكسية. "إنها لذيذة يا صديقي. هذه الآيس كريم كأنها مُعَد في المنزل، إنها متجانسة بشكل رائع، وكعكة الليمون هذه فوق الآيس كريم لا توصف. هل أنت متأكد أنك لا تريد التذوق؟".
السيكولوجية العكسية
ابتسم رامز ابتسامة خبيثة وهو يمد يده ليناولني ملعقة. رامز هو أحد عملائي، وهو رئيس تنفيذي لشركة كبيرة يبلغ رأسمالها 900 مليون دولار. في ذلك الوقت، كنت في مدينة سان فرانسيسكو لإقامة اجتماع خارجي لمدة يومين معه والفريق القيادي لديه. وهو ليس مجرد عميل، فقد عملنا معاً لقرابة العقد من الزمن وأصبح من أصدقائي المقربين والموثوقين.
كنَّا في مطعم غرينز (Greens) في سان فرانسيسكو، وهو مطعم نباتي اختاره رامز لأنه رأى كتيبات الوصفات الخاصة به لدي في نيويورك وعلم أنّ هذا الاختيار بالتأكيد سوف يروقني.
كان رامز يحاول إغاظتي، فقد أخبرته قبلها أثناء تناول الطعام أنني لن أتناول أي حلوى سكرية. ومع أنه لا توجد لدي أي مشكلات صحية تمنعني من تناول السكر إلا أنني أفضل عدم تناوله فحسب. ولأنه رآني في السابق وأنا ألتهم الكثير من الأطعمة السكرية، فهو يعلم أنني أضعف أمامها.
قلت له: "إنها تبدو لذيذة حقاً ويسعدني أنك مستمتع بها"، "ولكن استمتع بها وحدك، لا تحاول إقناعي فلن أتذوقها".
"هيَّا يا صديقي، هذه الحلوى صحية، وعلى كل حال فنحن لم نأكل سوى الخضراوات. صدّقني ستخسر إن لم تجرب الحلوى التي يقدّمها مطعم غرينز، إنها من النوع الذي تفضله".
قضم قضمة من فطيرة التوت التي كان طلبها للتو في محاولة لإثارة شهيتي، وأغمض عينيه تعبيراً عن استمتاعه بمذاقها وقال وهو يقرّبها مني: "، إنها رائعة! هيّا إنها مجرد فاكهة، جرّب قضمة واحدة"، وسقطت بعض القطرات من سائل التوت الأحمر المغطى بالكراميل على جانب الصحن.
كانت الأسباب التي تدفعني إلى تذوق الحلوى أسباباً وجيهة، حتى بغض النظر عن حقيقة أنّ رامز هو أحد عملائي وكثيراً ما نتصرف تحت ضغط الرغبة في إرضاء العملاء، فإنّ مبرراته كانت مقنعة بالنسبة لي وهي نفسها التي كانت تدور في خاطري.
ولكن المثير في هذا الأمر أنه كلما ازداد ضغطه علي لتناول الحلوى، ازداد إصراري على عدم تناولها.
في الحقيقة، لقد فاجأتني ردة فعلي، وأوحت لي باستراتيجية مدهشة لمساعدة الناس على مواصلة التغيير، فإذا أردت مساعدة أحدهم على التمسك بقراره، حاول إغراءه بعدم فعله. ومعنى ذلك أنّ تحريض شخص ما على نقض أحد التزاماته يمكن أن يكون وسيلة رائعة لمساعدته على الحفاظ على هذا الالتزام.
وإليكم السبب، عندما ذهبت للعشاء، لم يكن لدي غير سبب واحد لعدم تناول الحلوى. لكن أسلوب رامز التهكمي جعلني أملك سبباً آخر لذلك، فقد شعرت بالحرج من تغيير رأيي استجابة لهذا الأسلوب، فلم أرد أن أظهر بمظهر الشخص الذي يمكن أن يخضع لضغط أقرانه.
ربما طبيعتي المتمردة هي السبب في ذلك، ولكن عندما تذكرني زوجتي بأنني لا أريد حقاً تناول الكعكة التي في يدي، أحاول حشرها في فمي بسرعة قبل أن تتمكن من إيقافي. وعلى الرغم من أنني طلبت منها مساعدتي، إلا أنّ ما يدور في ذهني عندها هو: "سوف آكل ما يحلو لي!". لقد أصبحت لعبة مسلية، لعبة التحدي. وبطريقة أو بأخرى، عندما تحاول هي مساعدتي، أصبح أنا أقل مسؤولية.
أمّا في حالة رامز، فعندما بدأ بتحريضي، انعكس الأمر وأصبحت مسؤولاً تماماً عن تصرفاتي. فقد أدركت أني بمفردي، وأدركت كذلك أنّ التحدي كبير. فإذا تناولت الحلوى سأعتبره موقف ضعف ولن أنسى ذلك أبداً. تظهر المفارقة العبقرية في علم النفس فيما أحسست به من مرح وحماس لعدم تناولي الحلوى على الرغم من إصرار رامز، وزيادة ثقتي في قدرتي على الوفاء بالتزاماتي عندما نجحت في مقاومة ضغطه.
تطبيق مفهوم السيكولوجية العكسية
يمكن تطبيق أسلوب السيكولوجية العكسية أو السيكولوجيا العكسية على نطاق واسع، فمثلاً، هل لديك زميل قليل الحديث أثناء الاجتماعات؟ إذاً، حاول أن تثيره. هل تعرف شخصاً يرغب في مغادرة العمل مبكراً؟ حفزه عند الساعة الخامسة مساء مذكراً إياه بقائمة أعماله التي لم ينجزها بعد. هل زوجتك تحاول الابتعاد عن بريدها الإلكتروني أثناء الليل؟ لوّح لها بهاتفها في وقت النوم.
ولكي تنجح هذه الاستراتيجية وتظل ذات أثر إيجابي، هناك شرطان ضروريان لا بدّ من توافرهما: أولاً، أن يكون الالتزام الذي يود الشخص الحفاظ عليه التزاماً نابعاً من نفسه. ثانياً، أن يكون الشخص الذي يقوم بالحيلة صديقاً موثوقاً لا يسيء استغلال منصبه.
ما الذي يحدث عندما ينتهي التحفيز أو السيكولوجية العكسية؟ استمر الأثر التحفيزي لذلك العشاء بداخلي لوقت طويل بعد انتهاء العشاء. عادة، تكون الاجتماعات الخارجية مصدر خطر بالنسبة لي عندما يتعلق الأمر بتناول السكريات، ولكن هذه المرة لم أتناولها خلال الاجتماع ولم أتناول أي منها منذ ذلك الحين. ومرّ شهر منذ أن امتنعت تماماً عن السكريات، بما في هذا الشهر أسبوع قضيته مع زوجتي في فرنسا، شهر مليء بالفرص المغرية لتناول الحلوى التي تبدو شهية.
ولكن في كل مرة أشعر برغبة في تناول الحلوى، أتوقف قليلاً وأتذكر ذلك العشاء مع رامز وأحدث نفسي: "إذا كنت نجحت ولم أتناول الحلوى حينها، مع كل ذلك الإغراء والضغط والعديد من الأسباب المقنعة لتناولها، فلمَ يمكن أن أتناولها الآن!".