كيف تتصرف إن وصفك زملاؤك بالمتشائم؟

5 دقيقة
مشاعرك السلبية
ليزي_بير/غيتي إميدجيز

ملخص: من غير المقبول أن تُدلي بتعلقيات أو تمارس سلوكيات سلبية تُفسد متعة الآخرين أو تؤثر في حماسهم. كيف تسيطر على مشاعرك السلبية وتركز على الجوانب المشرقة في أفكارك بفعالية وتحافظ على علاقات صحية مع زملائك في العمل إذاً؟ تُقدم مؤلفة هذا المقال استراتيجيات عملية مدعومة بالبحوث تساعدك على التخلص من تشاؤمك. قد لا تتمكن من تغيير وجهة نظرك للأمور، خاصة إذا كنت شخصاً لديه تركيز وقائي، لكن تذكر أنك تمتلك القدرة على التأثير واتخاذ إجراءات وقرارات لتغيير سلوكك لكيلا تنتقل سلبيتك إلى الآخرين.

هل سبق أن شاركت في اجتماع حضره شخص ينتقد كل فكرة أو يركز دائماً على المخاطر في أي أسلوب أو استراتيجية جديدة أو مباردة مقترحة، زاعماً أن مصيرها الفشل أو مؤكداً أنه "حاول تطبيقها من قبل وباءت محاولاته بالفشل"؟

أو لعلك أنت هو ذلك الشخص المتشائم؟ هل لديك شكوك بأن زملاءك يعتبرونك "شخصاً متشائماً"؟ التشاؤم هو الميل إلى التركيز على الجوانب السلبية أو توقع أحداث سلبية؛ وهو سلوك شائع نسبياً، وينجذب الكثير منا إلى هذا النمط من التفكير بالفعل، خصوصاً عندما نشعر بالتوتر ونكون مُثقلين بالهموم، حيث يطغى علينا التحيّز السلبي ونركز على الجوانب السلبية والمخاطر.

فماذا تفعل إذا شعرت بأنك تتصرف بتشاؤم ضمن فريق العمل، أو أدركت أنك تركز على الجوانب السلبية في المجموعة أحياناً؟ كيف تضمن ألا تؤثر نظرتك للأمور على الفريق أو على علاقاتك مع زملائك، حتى لو كانت متشائمة؟

كيف تتصرف إذا كنت الشخص المتشائم في الفريق؟

حدد العوامل التي تحفزك على التفكير بإيجابية

على الرغم من أن التفاؤل سمة إيجابية عموماً، يولّد التفاؤل الزائد نتائج عكسية تُسفر عما يُسمى "بالإيجابية المؤذية" التي تُلزم أعضاء الفريق بالتصرف بإيجابية وتفاؤل وتجاهل مشاعرهم الحقيقية والواقع.

ولعل إحدى الطرق لفهم ميولك التشاؤمية هي التفكير فيما يُعرف بـ "التركيز التحفيزي"، فبحسب هذا النموذج، يهتم الأشخاص الذين يتمتعون بتركيز وقائي بجانب السلامة ويصفون المهام أنها سلسلة من العقبات التي يجب التغلب عليها. من جهة أخرى، يفكر الأشخاص الذين يتمتعون بتركيز تعزيزي إيجاباً في المستقبل ويركزون على الفرص مقارنة بالآخرين الذين يركزون على التحديات التي لا يمكن التغلب عليها.

وليس هناك نوع أفضل أو أسوأ بين التركيز الوقائي والتركيز التعزيزي، فلكلا النوعين مزايا وعيوب في سياق الفِرق والمؤسسات. ويشرح عالما النفس الاجتماعيين هايدي غرانت وتوري هيغينز في مقالهما أن الأشخاص الذين يتمتعون بتركيز وقائي يلجؤون إلى تجنب المخاطر، في حين أن عملهم يكون شاملاً ودقيقاً ويراعي التفاصيل. كما أنهم يعملون ببطء وبحرص شديد لتحقيق النجاح. وعلى الرغم من أنهم ليسوا أكثر الأشخاص إبداعاً في التفكير، فإنهم قادرون على تحليل المعاومات بدقة ويتمتعون بمهارات جيدة في حل المشكلات. في المقابل يولّد الأشخاص الذين يتمتعون بتركيز تعزيزي كثيراً من الأفكار، سواء كانت جيدة أو سيئة؛ وهنا يأتي دور الأشخاص ذوي التركيز الوقائي للتمييز بين الأفكار.

وهذه طريقة حيادية وحتى إيجابية لفهم ميولك التشاؤمية. وعلى الرغم من وجود جوانب إيجابية للتفكير السلبي، قد لا يرى بعض أعضاء فريقك تلك الجوانب، ومن الضروري أن تتخذ إجراءات لتضمن ألا يؤثر تشاؤمك سلباً على الفريق.

تعمّق في أفكارك

من المفيد أن تفهم الأسباب التي تجعلك تفكّر بسلبية، بغض النظر عن تركيزك الوقائي. هل تشعر باستنفاد القوى أو القلق بسبب مواقف تحدث في العمل أو في حياتك الشخصية؟ هل تُسهم ظروف خارجية في التأثير على تفكيرك، مثل بيئة العمل المؤذية أو فترة الركود الاقتصادي المستمرة؟ هل أفكارك ناتجة عن تأثرك بالمشاعر والتوجهات السلبية لمَن هم حولك؟ هل تشعر بأن آراءك لا تلقى اهتماماً من قبل الآخرين وأنك مضطر لاستخدام تعليقات سلبية لكسب السيطرة والتأثير؟

من الجدير بالذكر أن البحث الذي أجرته إيلين تشو في جامعة فيرجينيا يشير إلى أن التفكير السلبي يمنح الأشخاص إحساساً بالسيطرة. غالباً ما يُتهم هؤلاء الأشخاص بتجنب المسؤولية أو بأنهم لا يرغبون في تحمّل أعباء مشاريع إضافية، لكن قد يكون لديهم دوافع أخرى لتلك السلوكيات، ومنها رغبتهم في تأكيد استقلاليتهم. وقد يعتبرهم البعض الآخر أكثر تفوقاً أو سلطة بالفعل. وبحسب ما أفادت تشو في مقابلة أجريتها معها لكتابي: "ثمة اعتقاد شائع أن الأشخاص يتجنبون المتشائمين أو يستثنونهم لأنهم يؤثرون سلباً على الأجواء". بل إن الأمر عكس ذلك تماماً، لأن أغلب أولئك الذين يُصدرون تعليقات سلبية أو معارضة يتمتعون بمكانة عالية. بعبارة أخرى، قد تستخدم التفكير التشاؤمي لتزيد إحساسك بالسيطرة، فتشاؤمك قد يجعل الآخرين يرونك شخصاً قوياً أو مؤثراً.

لذلك، أجب عن الأسئلة السابقة بصدق وصراحة. وإذا كان تشاؤمك ناتجاً عن عوامل يمكنك التحكم فيها، فاتخذ خطوات لمعالجتها، كأن تتحدث إلى مديرك لتقليل عبء عملك، أو تقضي وقتاً مع الأشخاص الذين تحبهم، وخصوصاً الأشخاص الذين يفكرون بإيجابية.

ركِّز على سلوكك

بغض النظر عن مصدر تفكيرك التشاؤمي، من السهل أن تغيّر سلوكك بدلاً من أن تحاول تغيير المعتقدات والقيم التي اعتنقتها منذ فترة طويلة. وثمة ثلاث طرق رئيسية يتجلى فيها التفكير التشاؤمي عادة: النظرة العامة (أي اعتقادك أن الأحداث أو النتائج السلبية حتمية)، والشعور بالقوة (القدرة على اتخاذ إجراء يؤثر على نتيجة الوضع)، والسلوك (بما في ذلك الشكوى أو التقليل من قيمة أفكار الآخرين). وقد لا تتمكن من تغيير وجهة نظرك للأمور، خاصة إذا كنت شخصاً لديه تركيز وقائي، لكن تذكر أنك تمتلك القدرة على التأثير واتخاذ إجراءات وقرارات لتغيير سلوكك لكيلا تنتقل سلبيتك إلى الآخرين.

لست مضطراً إلى أن تتحفّظ في التعبير عن رأيك في كل مرة تلاحظ فيها جانباً سلبياً لا يلاحظه الآخرون، لكن ابحث عن وسائل بنّاءة لتشارك وجهة نظرك، فبدلاً من أن تقول مثلاً: "لن ينجح هذا النهج أبداً"، جرب أن تقول: "أرى بعض المخاطر في هذا النهج وأود مشاركتها معك ومناقشتها".

من المهم أيضاً أن تراعي تأثير تفكيرك التشاؤمي على الفريق، سواء كان إيجابياً أو سلبياً. هل تلاحظ أن الآخرين يُبدون عدم استعدادهم للتفاعل عندما تعبر عن وجهة نظرك؟ أو أنهم يتجاهلون الحديث معك أحياناً؟ ما الظروف التي يستمعون فيها بإيجابية إلى وجهة نظرك؟ فكّر أيضاً في شعورك تجاه نظرتك للحياة، هل تساعدك مشاعرك على تحقيق طموحاتك أم أنها تقيّدك؟

تعرف على النواحي السلبية للتشاؤم

على الرغم من وجود جوانب إيجابية قد تكون مرتبطة بالتفكير التشاؤمي، كتلك التي ذكرتها من قبل، تُشير البحوث إلى أن الأفراد الذين يتسمون بتوجهات سلبية هم أكثر عرضة لمواجهة التحديات مقارنة بأولئك الذين يتمتعون بتوجهات إيجابية متفائلة. وأظهرت الباحثة ميشيل جيلان، التي تركز على مجالات السعادة والنجاح أن الأشخاص المتشائمين معرّضون للاحتراق الوظيفي بمقدار 5 مرات مقارنة بالأشخاص المتفائلين، وقد يفقدون فرص المشاركة والاندماج في العمل، أو فرص بناء علاقات قوية مع زملائهم أو مدرائهم حتى. قد لا تنطبق تلك البيانات على تجربتك، لكن ضع في اعتبارك أن تبنّي موقف إيجابي في العمل قد يمنحك ميزة ويسهّل الحياة على مَن هم حولك.

تحكم في ردود أفعالك

عادة ما نفترض أن الأشخاص المتشائمين سيبقون سلبيين في كل موقف يواجهونه؛ بمعنى أن الناس سينظرون إلى كل قول أو تصرف تتخذه من منظور أنك شخص متشائم، ما يدفعهم إلى تجاهل أفكارك وآرائك، حتى الصحيحة منها.

كما أن التشديد على قبول وجهة نظرك يجعلهم يصرّون على التمسك بأفكارهم الإيجابية، لذا، بدلاً من أن تحاول الدفاع عن وجهة نظرك، احترم أسلوب التحفيز الذي يتبعه الآخرون للحفاظ على إيجابيتهم وأظهر تقديراً للجوانب الإيجابية في وجهات نظرهم، فذلك يساعدهم على إدراك الجانب الإيجابي في أفكارك، ثم أكد وجهة نظرهم، أو الجوانب التي تتفق معها. لست مضطراً إلى أن تقول: "أنت محق تماماً، سيحقق هذا المشروع نجاحاً باهراً"، إذا لم تكن تؤمن بنجاحه حقاً، بل يمكنك أن تقول: "أقدّر وجهة نظرك، وأوافقك الرأي جزئياً بشأن نجاحه، لكن لنفكر بالعقبات التي قد نواجهها ونضع حلولاً استباقية للتخفيف من تلك المخاطر".

عموماً، انتبه إلى مدى تكرارك للتعبيرات السلبية واغتنم أي لحظة تقدّم فيها تعليقات إيجابية بصدق، أو تقرّ فيها بصحة أفكار زملائك المتفائلين، فذلك يجنبك السمعة السيئة التي سيصعب عليك تغييرها.

نفّس عن مشاعرك

لا يُعد التظاهر بالابتسام في العمل وتجنّب التعبير عن الأفكار السلبية حلاً، إذ يشير العديد من الأدلة بالفعل إلى أن قمع شخصيتك الحقيقية أو مشاعرك يؤدي إلى نتائج ضارة، بل ابحث عن وسيلة تفرّغ فيها طاقتك السلبية، كالتحدث مع زميل أو صديق على انفراد لتفرّغ مشاعرك السلبية، ما يساعدك على التعبير عن أفكارك الإيجابية عند التفاعل مع الآخرين. فإن لم تجد زميلاً تثق به، فجرب كتابة أفكارك؛ اكتب مخاوفك وشكوكك، ثم ضعها جانباً، فقد يخفف ذلك من حدة القلق الذي تشعر به ويتيح لك فرصة التركيز على السلوكيات الإيجابية.

باختصار، قد تكون الرؤية السلبية مناسبة أحياناً في مكان العمل. وثمة بالفعل العديد من الفضائح التي حدثت في الشركات والتي كان من الممكن تجنبها لو استمع قادتها إلى الأفراد الذين عبروا عن تشككهم أو تحفظهم. لكن إفساد جو إيجابي قد لا يكون مقبولاً، والحل يكمن في العثور على طرق للتحكم في تشاؤمك بحيث تكون شخصاً فعّالاً وتحافظ على علاقات صحية مع زملائك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي