تعاني أغلبية الفِرق التي عملتُ معها من مشكلة تتعلق بالنزاعات، وبموضوع السلوك العدواني في مكان العمل، وهي أنها تخوض قدراً ضئيلاً للغاية من النزاعات، فنادراً ما يُبدي أعضاء هذه الفِرق رأياً مخالفاً أو تنوعاً في وجهات النظر أو يُفصحون عن الإحباط. وبدلاً من ذلك، فإنهم يتصرفون بشكل سلبي عدواني تجاه بعضهم البعض، تاركين أنفسهم في دوامة من المشكلات العالقة. ويتعين عليك، بصفتك قائداً للفريق، تشجيع النزاع المثمر للحد من الضرر الذي يُحدثه هذا السلوك.
والسلوك السلبي العدواني هو ببساطة التعبير غير المباشر عن العداوة، ويمكن أن يتخذ هذا السلوك شكل المواقف السلبية السائدة مثل الضغينة أو الحقد. كما يمكن أن يتجلى في المناوأة المستترة (المتمثلة في المماطلة والتعنّت)، والمناوأة السافرة (المتمثلة في التهكم أو النميمة)، على حد سواء. ويستمد هذا السلوك جذوره من التجارب المبكرة في حياة المرء، لأن الأطفال الذين يترعرعون في بيئات ليس من المأمون فيها التصدي للنزاعات يتعلمون كبت آرائهم المخالفة. وفي أماكن العمل، فإن الأشخاص الذين عانوا من العواقب السلبية الناجمة عن طرحهم آراء مخالفة، مثل تعرضهم للإقصاء والإجراءات التأديبية، بل وحتى إنهاء الخدمة، يمكن أن يتعلموا بالمثل عدم الإعراب عن النزاع بصورة مباشرة.
والواقع أن التكاليف الناجمة عن السلوك السلبي العدواني باهظة. فعلى مستوى الشركة، تتضمن الآثار السلبية بطء عملية اتخاذ القرارات، وضعف عملية الكشف عن المخاطر، والحد منها وتعثر التنفيذ. وعلى مستوى الفِرق، فإن الإحباطات غير المُفصَح عنها - بيد أنها واضحة - تقوّض الثقة وتعوّق التواصل وتساهم في بث المشاعر العدائية بين أعضاء الفريق. وبالنسبة إلى الأفراد، تترتب على تطاول أمد الضغوط الناجمة عن النزاعات العالقة عواقب وخيمة. فالمعاناة التي تنجم عن السلوك السلبي العدواني تطال الجميع.
ويكمن دورك، بصفتك قائداً للفريق، في تشجيع النزاعات المثمرة من خلال إبراز المشكلات التي كانت ستبقى خفية بخلاف ذلك. إلا أن وجود قدر ضئيل من النزاعات يمكن أن يُعزى إلى طبيعة قادة الفِرق الذين يتجنبون النزاعات، لذا، فكّر ملياً بشأن عقليتك حيال النزاعات. فإذا أدركتَ أنك شخص يتجنب النزاعات، سيتعين عليك تغيير عقليتك قبل تنفيذ التكتيكات التي سيرِد ذكرها فيما يلي، وفكّر في العوامل التي ساهمتْ في تكوين تحيزك بشأن النزاعات، وفي أي فكرة من الأفكار التي عفا عليها الزمن يُمكنك التخلص منها. ومن ثمَّ ركز على الثمار التي سوف تجنيها من التصدي للنزاعات على نحو مباشر بقدر أكبر، مثل زيادة الابتكار والتنفيذ بشكل أسرع والحد من النميمة والأحداث الدرامية وتقليل الاجتماعات وتحسين عملية الحد من المخاطر.
كيفية إدارة السلوك العدواني في مكان العمل
ويلجأ أعضاء الفريق إلى السلوك السلبي العدواني عندما يعتقدون أن مشقة التصدي لمشكلة بصورة مباشرة أكبر من مشقة التصدي لها بصورة غير مباشرة أو عدم التصدي لها مطلقاً. وبوسعك زيادة احتمالية النزاعات المثمرة من خلال جعل أعضاء الفريق أكثر اطمئناناً للاختلاف في الرأي بصورة علنية، وأقل اطمئناناً لكبت الخلافات القائمة.
أولاً، اعقِد جلسة خاصة لمناقشة الدينامية التي تود إنشاءها
وكن صريحاً بشأن ضرورة النزاعات، واعمل مع أعضاء الفريق لوضع القواعد الأساسية للنزاعات. فيمكنك أن تقول مثلاً "أخشى أننا لا نستغل اجتماعاتنا على نحو فعال للتعبير عن آرائنا"، أو "أود من الجميع إضافة قيمة قبل اتخاذ القرارات وليس بعدها". ولا تخشَ أن تكون مباشراً بشأن السلوك غير المثمر. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول "غالباً ما يأتي شخصان أو ثلاثة أشخاص إلى مكتبي بعد كل اجتماع لمناقشة أمر كنت أتوقع إثارته في الاجتماع".
اقرأ أيضاً: تمرين لمساعدة فريقك على الشعور بالراحة في مواجهة الصراعات
وعندما تُثار مسألة مثيرة للخلاف في التعاملات المستمرة، ذكّر فريقك بتوقعاتك، كأن تقول لأعضاء الفريق "هذه مناقشة حساسة ويتعين أن نجريها في العلن"، أو أن تقول "أرجو من الجميع أن يقرروا بشأن هذه المشكلة"، أو أن تسأل: "كيف السبيل إلى أن نتناول هذه المناقشة على نحو مثمر؟".
وثانياً، أفسِح مجالاً للآراء المخالفة
وقبل إنهاء أي مناقشة، اسأل المشاركين: أيوجد أمر لم نتحدث بشأنه؟ أو اسألهم: ما وجه الانتقاد الذي يمكن توجيهه لهذه الفكرة؟ وبالمثل، اطرح، قبل اتخاذ القرار، هذا السؤال: هل نحن مستعدون لاتخاذ هذا القرار؟ أو اسألهم: ما الذي يُمكن أن نعتبر أنه يُحسّن جودة هذا القرار؟ أو اسألهم: ما الذي يمكن أن يحملنا على إعادة مناقشة القرار بعد اتخاذه؟ فالأمر هو أنك تود أن يشعر الأشخاص أنهم يساهمون بصورة إيجابية في إثارة وجهات نظر معاكسة.
وعندما يطرح أحد الأشخاص وجهة نظر مختلفة، يتعين عليك قضاء وقت في مناقشتها. إذ يمكنك أن تقول: هذه حقاً طريقة مختلفة لرؤية هذه المشكلة، ما الفائدة التي يمكن أن نجنيها من هذا المنظور؟ أو أن تقول: إذا افترضنا صحة وجهة نظر مريم، ما الانعكاسات التي يمكن أن تترتب على ذلك؟ وإذا كنتَ تشك في أن هذا الرأي المخالف لا يلقى القبول، فادعمه (دون أن تتفق معه بالضرورة) بأن تقول شيئاً من قبيل: رأيك يختلف عن تفكيري حيال هذا الأمر، هل يمكنك توضيح مبرراتك؟
ومن شأن هذه الأساليب أن تجعل أعضاء الفريق أكثر اطمئناناً للإعراب عن آرائهم بصورة مباشرة، ويتمثل النصف الآخر من المعادلة في جعل كبت النزاعات يبدو مضنياً بصورة متزايدة.
وتأكد من تعرّفك على السلوك السلبي العدواني كلما شاهدته. على سبيل المثال، عندما تكون لغة الجسد التي استخدمها أحد أعضاء الفريق سلبية، اسأله: لاحظتُ أنك دفعت الطاولة جانباً، ما رد فعلك إزاء المناقشة التي أجريناها؟ أو أن تسأل: لقد رأيت ثلاثة أشخاص يشيحون بأعينهم في ازدراء، ما الخطب؟
وعادة ما يقترن إبداء السلوك السلبي العدواني بالتهكم، لذا، لا تدَع الفكاهة تكون آخر ما تُختتم به الاجتماعات. يمكنك أن تقول: الآن، وبعد أن استمتعنا بهذه الدعابة، دعونا نعود إلى المسألة التي أثارها باسل. أو أن تقول: ينتابني شعور أننا نستخدم الفكاهة لتجنب إجراء نقاش جاد، ما الذي يجعل هذه المناقشة صعبة؟
وأخيراً، يتعين عليك إغلاق القنوات الخلفية كلها
إذ يلزم إيقاف هذه الاجتماعات التي تعقب كل اجتماع يعقده الفريق، وعندما يحضر أحد أعضاء الفريق لتقديم شكوى بعد انتهاء اجتماع الفريق، وجّهه قائلاً: أخشى أنك لم تطرح وجهة نظرك هذه في الاجتماع، ما الذي تأمل أن تحققه بإثارتها الآن؟ أو أن تقول له: هلّا بررتَ لي سبب عدم إثارتك لهذه المسألة في اجتماع الفريق؟
وعندما يحاول أحد الأشخاص إعادة فتح النقاش بشأن قرار اتخِذ بالفعل، اسأله: ما المعلومات الجديدة بحوزتنا التي تدفعنا إلى مناقشة هذا القرار مجدداً؟ ولتكن واضحاً بشأن أنّ تغيير القرار المتخذ يتطلب العودة إلى الفريق. كما يتطلب الأمر أن تخبره بحزم قائلاً: نحن نعرف سلفاً أننا قد اتخذنا القرار بهذا الشأن.
وسيكون بوسعك جعل المناوأة المستترة تبدو مضنية بدرجة أكبر عن طريق إلقاء الضوء على كل حالة من حالات السلوك السلبي العدواني بصورة هادئة ومباشرة. وسوف يصبح بوسع أعضاء فريقك، مع مرور الوقت، الإفصاح عما يدور بخاطرهم بسهولة أكبر.
وختام الحديث عن السلوك العدواني في مكان العمل، فإن التكاليف التي يُكبّدنا إياها هذا السلوك السلبي العدواني واضحة للعيان، إذ تنخفض إنتاجيتنا ويعاني أعضاء الفريق من الإحباط والضغوط والشعور بالقلق. وقد يكون من الصعب تصديق أن السبيل إلى زيادة الإنتاجية والحد من الضغوط هو عبر خوض المزيد من النزاعات وليس بالتقليل منها. ومهمتك، بصفتك قائداً، هي تشجيع خوض هذه النزاعات الصريحة والمباشرة والمثمرة.
اقرأ أيضاً: