لماذا نتغاضى عن السلوكيات اللاأخلاقية لزملاء العمل من أصحاب الأداء العالي؟

3 دقائق
السلوكيات اللاأخلاقية

عادة ما تشجع المؤسسات على اتخاذ المواقف الحازمة ضد سلوكيات الموظفين اللاأخلاقية. فلقد أظهرت الفضائح التي أصابت سابقاً مؤسسة "إنرون" (Enron)، و"آرثر أندرسن" (Arthur Anderson) و"المجموعة الأميركية الدولية" (أيه آي جي) (AIG) أنه من الممكن للسلوكيات اللاأخلاقية أن تشوه سمعة المؤسسة، وأن تؤدي إلى خسائر نقدية كبيرة، بل قد تفضي إلى ملاحقات قضائية، كما قد تسبب في توقف المؤسسة عن العمل.

ولذلك طُلب منا التأكد من صياغة مدونات السلوك بطريقة قابلة للتنفيذ متجاوزة العبارات المنمقة الفارغة. كما تمت التوصية بفرض الضوابط العاجلة على الموظفين الذين ينتهكون المعايير الأخلاقية.

اكتشاف السلوك اللاأخلاقي

ولكن ثمة مشكلة في هذه الاقتراحات، وهي صعوبة اكتشاف السلوك اللاأخلاقي وذلك بسبب التهاون في إبلاغ المسؤولين الكبار في المؤسسة رسمياً عن هذا السلوك. وعلى الرغم من ذلك، تسعى أبحاثنا للتعرف على تلك الظاهرة الشائعة التي قد تساعد في الحد من السلوك اللاأخلاقي حتى قبل أن نحتاج للإبلاغ عنه: فمن المرجح أن يتعرض الموظفون المنخرطون في السلوكيات اللاأخلاقية للرفض الاجتماعي من قبل زملائهم، وذلك من خلال تجاهل الموظف صاحب السلوك اللاأخلاقي، إما بترك الغرفة عند دخوله، أو باستبعاده من المحادثات المشتركة، حيث يتمتع زملاء العمل بسلطة الإشارة بأن السلوكيات اللاأخلاقية لأحد الزملاء غير مقبولة ويجب تصحيحها.

وذلك ما لم يكن الموظف صاحب السلوك اللاأخلاقي من ذوي الأداء الأفضل. وعلى الرغم من الميل العام لرفض الموظفين اللاأخلاقيين اجتماعياً، فقد كشفنا عن وجود ازدواجية في المعايير تستند إلى المساهمات التي يقدمها الموظف في المحصلة النهائية لأرباح المؤسسة. وعلى وجه التحديد، سنبين أنه من غير المرجح أن يتعرض الموظفون اللاأخلاقيون من ذوي الأداء الأفضل للرفض الاجتماعي من قِبَل زملائهم، وهذا يعني ضمنياً أنه من الممكن التسامح مع السلوك اللاأخلاقي. ولكن في المقابل لا تنطبق هذه النتيجة على الموظفين اللاأخلاقيين ذوي الأداء المنخفض.

فما هو السبب وراء ذلك؟ بشكل عام، يقدم الموظفون اللاأخلاقيون من ذوي الأداء المنخفض مساهمة محدودة في أنشطة المؤسسة. كما يميل هؤلاء الموظفون بدورهم إلى إحباط زملائهم في العمل وإزعاجهم. وكلنا يعلم أنه من الصعب التعامل مع شخص لا يلتزم بقوانين العمل ولا يساهم إلا بالقليل في سبيل تعزيز رفاهة المؤسسة ككل. لذلك نجد أنه من السهل نسبياً أن يرفض الناس هؤلاء الزملاء ودون سابق إنذار.

الموظفون اللاأخلاقيون أصحاب الأداء الأفضل

ولكن في المقابل يبدو أن الموظفين اللاأخلاقيين ذوي الأداء الأفضل يحصلون على تصريح مجاني عن سلوكياتهم غير الأخلاقية. قد يكون هؤلاء الموظفون غير أخلاقيين، ولكنهم ينجزون المهام المطلوبة، ويساهمون في رفع معدل ربحية المؤسسة في الأمد القريب.

وهذا هو الواقع حتى في المؤسسات التي تُصنف إجمالاً على أنها تتبع أعلى المعايير الأخلاقية. وفي دراستنا الثالثة، أخذنا في عين الاعتبار البيئة الأخلاقية للمؤسسة، ووجدنا نفس النمط من النتائج. وبغض النظر عن مدى إعطاء المؤسسة الأولوية للأخلاقيات، فلا يزال الموظفون اللاأخلاقيون من ذوي الأداء الأفضل يتمتعون بعلاقات أفضل مع زملائهم في العمل، كما ثبت تعرضهم لدرجة أقل من الرفض الاجتماعي مقارنة بنظرائهم اللاأخلاقيين من ذوي الأداء المنخفض. إذاً، فهناك بعض العوامل التي تحجب المخاوف المرتبطة بالأمور اللاأخلاقية المتعلقة بالفئة ذات الأداء الأفضل.

ولكن ماذا تعني تلك النتيجة فعلياً؟ يمكن للمؤسسات أن تشعر بالراحة إزاء معرفتها بأن السلوكيات اللاأخلاقية التي يتم التغاضي عنها غالباً ما تواجه معارضة زملاء العمل. ففي النهاية، جميعنا يعلم أن الرفض الاجتماعي مؤلم للغاية فهو أشبه بالموت الاجتماعي. إضافة إلى ذلك، لا بد من تحفيز الموظفين اللاأخلاقيين ممن تعرضوا للرفض الاجتماعي للاندماج مجدداً من خلال التصرف على نحو طيب للمضي قدماً.

وعلى الرغم من ذلك فإن تأثير زملاء العمل لن يكون على نفس الدرجة من الأهمية فيما يتصل بكبح الموظفين ذوي الأداء الأفضل. ففي ظل غياب الإنذارات الرسمية أو العقوبات الاجتماعية، من المرجح أن ينجز هؤلاء الموظفون أعمالهم في تجاهل تام للمعايير الأخلاقية والقيام بكل ما يحلو لهم. وهنا تكمن المشكلة، حيث أثبتت البحوث أنه عندما لا يتم كبح السلوك السيئ فإنه سيزداد سوءاً بشكل تدريجي.

وللتخفيف من حدة السلوك اللاأخلاقي، أشارت أبحاثنا بأنه لا بد للشركات من النظر بجدية لكيفية ترتيب أولوياتها فيما يتعلق بتفضيل الأداء الجيد على الأخلاق. نحن متفقون على أهمية الربحية، ولكن ما هو المقابل؟ يشير الانهيار المالي العالمي إلى الهوس بتحقيق الأرباح والتقدم على المنافسين لدرجة تقترب من تهميش صناعة القرار القائمة على المبادئ.

وللمضي قدماً يتعين على المدراء دفع الموظفين لتبني فكرة النجاح المالي طويل الأمد وعدم قصر التفكير على النجاح قصير الأمد. فمن خلال تبني هذه العقلية، سيكون من غير المرجح أن يتم تجاهل أخطاء الموظفين ذوي الأداء الأفضل من قبل زملائهم. وفي المقابل من البديهي أن تتنبه الشركات لضرورة مكافأة الموظفين الذين يعملون على تصحيح المسائل الأخلاقية مباشرة، دون الخوف من العقاب. وبطبيعة الحال، سيتطلب تحقيق ذلك التزام المدراء في المستويات العليا بعدم التغاضي عن التجاوزات في محاولة لتحقيق الأهداف الربحية. وهكذا نرى أنه عند التزام المؤسسة بالتفكير طويل الأمد، بدلاً من التفكير قصير الأمد، يصبح الأداء الفيصل بين الاستقرار والفضيحة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي