الرعاية الصحية الافتراضية يمكن أن توفر على أميركا المليارات سنوياً

5 دقائق
الرعاية الصحية الافتراضية

ربما نقوم قريباً وسريعاً بطي صفحة الحكمة التقليدية التي تقول "إنّ أفضل الرعاية هي تلك التي يوفرها أشخاص من مقدمي الرعاية الشخصية المحنكين". إنّ زيادة تكلفة الرعاية الصحية، والنقص في أعداد الأطباء، مع وجود ذلك العدد الكبير من السكان الطاعنين في السن، كل هذا يجعل النموذج التقليدي للرعاية غير مستدام على نحو متزايد. ولكن المستخدمين الجدد لتقنيات الرعاية الصحية الافتراضية والتقنيات الرقمية كل هذا قد يساعد قطاع الصحة في إدارة هذه التحديات. هناك عدد من التقنيات الجديدة تساعد في نقل عناصر رعاية المرضى من العمال الطبيين إلى الآلات، وإلى المرضى أنفسهم، وهو ما يتيح لمؤسسات الرعاية الصحية الحد من التكاليف عن طريق الحد من كثافة العمالة.

الرعاية الصحية الافتراضية

يشير اصطلاح الصحة الافتراضية (Virtual Health) إلى استخدام التقنية التمكينية ـ مثل الفيديو، وتطبيقات الجوال، والرسائل النصية، والمجسّات، وشبكات التواصل الاجتماعي ـ في تقديم الخدمات الصحية بطريقة مستقلة من دون التقيد بالزمان أو المكان. إننا نرى أنّ استخدام الصحة الافتراضية يحمل بين طياته احتمالية تعزيز قدرة أطباء الرعاية الأولية ـ من دون إضافة أو تمرين المزيد من المهنيين ـ في وقت تتوقع فيه الجمعية الأميركية للكليات الطبية (American Association of Medical Colleges) حدوث عجز في أعداد أطباء الرعاية الأولية يصل إلى 40,000 طبيب رعاية أولية في العقد القادم.

لاستكشاف تأثير الصحة الافتراضية على الرعاية الأولية، تطرق بحث أجرته شركة أكسنتشر (Accenture) إلى القيمة الاقتصادية لاستخدامات الصحة الافتراضية من خلال ثلاثة سيناريوهات للرعاية العامة: المرضى الذين يحتاجون لزيارة سنوية، والمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية مستمرة، والمرضى الذين يستخدمون للرعاية الذاتية. طبقاً للنتائج التي توصلت إليها أكسنتشر، فإنّ استخدامات الصحة الافتراضية في هذه السيناريوهات الثلاثة من شأنه أن يحقق قيمة اقتصادية تقدر بحوالي 10 مليارات دولار سنوياً عبر المنظومة الصحية في الولايات المتحدة على مدار السنوات القليلة القادمة. ومن دون التوسع في زيادة أعداد القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية الأولية، تستطيع تقنيات الصحة الافتراضية تعزيز النشاط البشري، وتوسيع السعة السريرية، وتحسين الكفاءة من خلال تقديم نموذج صحي جديد تتضافر فيه الآلات والمرضى مع الأطباء ضمن الفريق القائم بتقديم الرعاية الصحية. في هذه العملية، يصبح المرضى أكثر مشاركة في عملية الرعاية بأنفسهم، ويتم ببطء التخلي عن النموذج الموحد لخدمات الرعاية، فما يصلح لمريض لا يصلح لآخر؛ ليحل محلها الخيارات التي يتم تحديدها وفق احتياجات كل مريض على حدة ـ بما يسمح للأشخاص اختيار خدمات الرعاية التي يحتاجون إليها.

بالنسبة للمرضى الذين يحتاجون إلى زيارة سنوية، تستطيع التقنيات الرقمية تبسيط عملية الفحص البشري من خلال الحصول على المعلومات الخاصة بالمريض، وجمع البيانات الخاصة بالأعراض المرضية، وبعدها تحديد الخيارات العلاجية المحتملة قبل تنفيذ الزيارة ذاتها. في زيارة نمطية للمكتب، يتم قضاء معظم وقت الطبيب في جمع البيانات الخاصة بتاريخ المريض، ومراجعة المعلومات، والنظر في خيارات العلاج المحتملة، والتفاعل مع المريض. من الشائع بالنسبة للمريض مشاركة المعلومات بشكل متناثر من دون تناسق خلال وقت الفحص الطبي، حيث يقوم بإرسالها للطبيب خلال دورة التشخيص وخيارات العلاج عدة مرات.

تخيل لو أنّ المريض استطاع تقديم كل هذه المعلومات المطلوبة قبل الموعد المحدد له مع الطبيب. على سبيل المثال، يتم حالياً تجريب تطبيق سانسلي (Sensely) الذي يتم من خلاله الاستفادة من تقنية الذكاء الاصطناعي وتظهر عليه صورة ممرضة، في عيادة مايو كلينك (Mayo Clinic) وبالتعاون مع دائرة خدمات الصحة الوطنية إن أتش إس (NHS) بالمملكة المتحدة، لاستكشاف المستخدمين المحتملين، بما في ذلك التفاعل مع المرضى، وطرح أسئلة عليهم حول حالتهم الصحية، وتقييم الأعراض التي يعانون منها، وإذا لزم الأمر، إصدار تحذير وإرسال البيانات مباشرة إلى الأطباء والأطباء السريريين.

تقوم تلك المساعِدَات الطبية الافتراضية بتوجيه المرضى عبر مجموعة من أسئلة الاستيعاب القياسية، مثل الأعراض والتاريخ الطبي للأسرة، وتحليل المعلومات المجمّعة باستخدام محرك تشخيصي، وبهذا يستطيع الطبيب المعالج النظر والتفكير في الخيارات العلاجية والسريرية المختلفة قبل أن يقوم بعملية الفحص البشري بنفسه. فالأجهزة التي يشيع استخدامها، مثل المجسّات التي يمكن ارتداؤها وأدوات القياس الحيوي، سوف تعطي الفرصة لمقدمي خدمات الرعاية الصحية لجمع المعلومات الخاصة بالمرضى آلياً، بالإضافة إلى الموضوعات التي تكون مثار القلق أو الخوف أو النقاشات، استعداداً لزيارة المريض. يُظهر تحليل شركة أكسنتشر أن تبسيط زيارات المرضى السنوية بهذه الطريقة، من شأنه أن يوفر على أطباء الرعاية الأولية في المتوسط 5 دقائق في كل مقابلة، وهكذا يمكن توفير 47.8 مليون ساعة لقوة العمل من أطباء الرعاية الأولية.

إنّ البديل الذي زاد شيوعاً للزيارات المكتبية الشخصية من جانب المرضى لإدارة احتياجات المرضى المستمرة هو الزيارات الإلكترونية، وعمليات التبادل المعلوماتي والتراسل الطبية السريرية التي تتم عن طريق خدمة الرسائل المؤمنة التي يقوم فيها المريض؛ حيث يقوم بإرسال المعلومات الخاصة به والأسئلة وصور الأشعة إلى الطبيب لمراجعتها وموافاته بالرد عليها. يعتبر التحكم في ارتفاع ضغط الدم من المجالات التي يمكن تطبيق الزيارات الإلكترونية فيها، فهي وحدها تمثل 26% من الزيارات السنوية للمرضى في العيادات الخارجية. لو أنّ كل مريض له زيارة سنوية يتعامل فيها مع المتخصص البشري، وتحوّل نصف المقابلات المتبقية والتي تختص بالتحكم في ارتفاع ضغط الدم إلى زيارة إلكترونية، فإنّ هذا في تقدير شركة أكسنتشر من شأنه أن يوفر 1.9 مليون ساعة لقوة العمل من أطباء الرعاية الأولية.

الرعاية الذاتية في الحالات الطبية المزمنة

كما أنّ الرعاية الذاتية في الحالات الطبية المزمنة تعتبر مجالاً رئيسياً آخر يمكن أن تستخدم فيه الصحة الافتراضية لمساعدة المرضى في الحفاظ على استقرار حالتهم الطبية. ونسوق مثالاً على ذلك، الذين يعانون من مرض السكري، فهؤلاء يمكنهم استخدام تقنية متطورة على الأجهزة الجوالة، مثل تقنية شركة ويل دوك (WellDoc) وتقنية شركة ليفونغو (Livongo)، للتحكم بفاعلية وكفاءة في أنماط حياتهم وظروفهم الصحية، وهو ما يحد من الحاجة إلى الزيارات والمقابلات البشرية مع الأطباء. يمكن للتحاليل المتطورة تتبع وتوجيه وتقييم البيانات التي تتوفر من خلال المرضى والأجهزة الطبية معاً، مثل المعلومات الخاصة بمستويات السكر في الدم. هذه التقنية ذاتها يمكن أن تستحث وتدفع باتجاه وضع خطة إدارة ذاتية مخصصة تناسب احتياجات كل مريض على حدة ـ ويمكن تطوير تلك الخطة بما يتناسب مع التغيرات في الحالة الصحية للمريض. وجد تحليل أجرته شركة أكسنتشر أنه عند تطبيق الصحة الافتراضية على حالة مرضية واحدة فقط (الرعاية بمرضى السكر) فإنه يمكن تحرير وقت الأطباء السريريين لتوجيهه لاستخدامات أخرى بما يعادل قرابة 11.9 مليون ساعة لقوة العمل من أطباء الرعاية الأولية.

في خدمات الصحة العقلية، قامت منصة سيلفر كلاود (SilverCloud) في أيرلندا بدمج العلاج السلوكي الإدراكي والرعاية غير المتزامنة مع العلاج البشري، لتُظهر مدى ما يمكن أن تتمتع به التقنية الذكية من فعالية وكفاءة في تعزيز الإنتاجية وتقديم خدمات جادة ـ بما يعطي الفرصة لتوفير الرعاية لعدد من المستخدمين يتجاوز الستة أضعاف. كما تسمح المنصة للمرضى بأن يكون لديهم خيار البقاء مجهولين من دون الكشف عن هويتهم، وهو ما يساعد في الحيلولة دون تجنبهم لنظام الرعاية الرسمي بدواعي الخوف من أن تلحق بهم وصمة العار.

هناك مثال آخر على نجاح التقنية في تبسيط رعاية المرضى يتمثل في المهام البسيطة مثل فرز وتصنيف الأعراض الطبية. تطبيق الطبيب الإلكتروني (Dr. A.I.) القائم على الذكاء الاصطناعي، والذي أطلقته شركة هيلث تاب (HealthTap)، تم "تطويره" باستخدام المعرفة التي تم الحصول عليها عبر ما يعادل نصف عقد من الزمان من التحدث بين الأطباء وبين المرضى حول مسائل الأعراض الشائعة. ويعتمد هذا التطبيق على الصوت، وهو يتيح للمرضى الحصول على إحساس أقوى بمدى حاجة الأعراض التي يعانون منها إلى عمل عاجل وملح من دون اللجوء لأي تخمين بناء على بحث عبر الإنترنت أو التحدث مع ممرض أو طبيب. يستطيع المريض الحصول على المساعدة وهو في بيته، من دون الحاجة إلى الانتظار لتحديد موعد ومن دون التضحية باللمسة البشرية التي يوفرها الطبيب المعالج. علاوة على ذلك، يتم الحد من إهدار وقت الممارس الطبي في حالات ليست ملحة أو خطيرة، ويستطيع مقدمو الرعاية إعادة توزيع وقتهم وتخصيصه لمهام أقل روتينية.

هذه هي التغييرات التي يحتاج إليها المرضى الذين يحصلون على خدمات الرعاية الصحية. فهم يتوقعون بشكل متزايد استخدام التقنيات الرقمية للتحقق من زمان ومكان وطريقة حصولهم على خدمات الرعاية الصحية. وبهذه التقنيات، يكون متلقو الرعاية الصحية منفتحين على استخدام التقنيات الذكية، ومشاركة البيانات، والسماح باستخدام مزيج من الإنسان والآلة لخلق نموذج جديد من الرعاية الصحية.

مع زيادة التطبيقات الرقمية عبر اقتصاد الرعاية الصحية الافتراضية، فإنّ المنافع والمزايا الكثيرة التي تقدمها هذه التطبيقات سوف تقوم بشكل مستمر بتحسين الأداء والكفاء والنتائج في قطاع الرعاية الصحية، ونقله إلى مسار أكثر استدامة ـ مسار يمكن أن يزداد تحمله لأي نقص أو عجز في العمالة البشرية، والوفاء بالاحتياجات الطبية للسكان متقدمي السن، بينما يكون بالإمكان تخصيص التجربة البيولوجية والخدمية وتكييفها بما يتلاءم مع كل سوق حسبما يحتاج إليه.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي