هل ينبغي تشجيع الأمهات على إرضاع أطفالهن في أماكن العمل؟

4 دقائق
الرضاعة في مكان العمل

تواجه الأمهات الجدد العديد من العقبات اللوجستية الكبرى إثر عودتهن إلى العمل، فإلى جانب تعرضهن للتعقيدات المرتبطة بتوصيل أطفالهن إلى دور الحضانة واصطحابهم منها، واضطرارهن إلى الحصول على إجازات مرضية، فإنهن يعاودن مزاولة أعمالهن بعد الانقطاع عنه لفترة طويلة. ووسط كل هذه التحديات، يواجه الكثير من النساء تحدياً شائعاً، لكنه لا يحظى سوى بالقليل من الاهتمام: ألا وهو السماح للأمهات بإرضاع أطفالهن في أماكن العمل.

الرضاعة في مكان العمل

منذ عام 2010 والقانون الأميركي يلزم جهات العمل بتخصيص الوقت الكافي والمكان المناسب للأمهات العاملات من أجل السماح للأمهات بإرضاع أطفالهن، وعلى الرغم من ذلك ما زلنا نسمع الكثير من القصص عن أماكن العمل التي تجعل هذا الأمر صعباً أو مستحيلاً على النساء، إذ تُرغَم المرأة على الالتجاء إلى السيارة، أو مخزن المؤن، أو المرحاض، وحتى في الشركات التي توفر غرفاً مخصصة للرضاعة تكون هذه الغرف بعيدة أو مشغولة وقت الحاجة، وفضلاً عن اعتبارات المكان تجد المرأة صعوبة في إيجاد الوقت المناسب لإرضاع طفلها بين الاجتماعات المتعاقبة.

وعلى الرغم من توصل الأبحاث من زمن بعيد إلى أن الرضاعة الطبيعية ضرورية لصحة الرضّع، فما زلنا لا نعلم سوى القليل عن أثر السماح للأمهات بإرضاع أطفالهن على المرأة التي تعمل دواماً كاملاً وعلى الشركة التي تعمل بها. وقد سعينا مؤخراً إلى الإجابة عن هذا السؤال من خلال دراستين، وأشارت النتائج إلى أن هناك فوائد تعود على كل من المرأة والشركات، عندما تُمنح المرأة الوقت والمكان المناسبين لإرضاع أطفالها بشكل مريح.

اقرأ أيضاً: كيف تضمن الشركات عدم إضرار إجازة الأمومة بالمسار المهني للنساء؟

عمدنا في الدراسة الأولى إلى الوقوف على طبيعة يوم العمل المعتاد للمرأة المرضعة، فأجرينا مقابلات مع 38 امرأة تعمل دواماً كاملاً في الولايات المتحدة ممن أرضعن أطفالهن في العمل، وكما توقعنا وصف هؤلاء النساء التحديات التي قابلنها، والتي تتلخص في أن القيام بعملية الرضاعة كان يحول بينهن وبين أداء عملهن وأن أداء عملهن يحول بينهن وبين القيام بعملية الرضاعة، حيث أوضحت إحداهن قائلة: "تمر عليَّ أيام أكون فيها مشغولة للغاية، كما هو حالي اليوم، فيكون لدي هذا الاجتماع، وموعد مع طبيب الأسنان في الساعة الواحدة، ولا يزال يتعين عليَّ أن أقوم بعملية الرضاعة إلى جانب كل ذلك، وهناك أيام الخميس التي أنشغل فيها بالاجتماعات المتتالية، ولا أجد فيها أي متسع للقيام بعملية الرضاعة".

تأثير السماح بإرضاع الأطفال في مكان العمل على أداء المرأة العاملة

ولكن على الرغم من إفادة بعض النساء بأن القيام بعملية الرضاعة في العمل بات من الاحتياجات الضرورية اليومية، فقد فوجئنا في هذه المقابلات ببعض النساء اللاتي قلن إن القيام بعملية الرضاعة في العمل قد يساعدهن على العمل والإنجاز. وقد توصلت الأبحاث السابقة إلى أن التعامل مع الاحتياجات المتعلقة بالأسرة في العمل عادة ما يكون مصدراً للتوتر، ولكن بعض النساء اللاتي تحدثنا إليهن وصفن كيف جعلهن القيام بعملية الرضاعة في العمل يشعرن بالإنجاز والنجاح كل يوم، فقالت إحداهن: "لقد كان من المدهش للغاية أن يظل جسدك متاحاً لطفلك الذي لم تتخلي عنه بإرادتك، بل بسبب العودة إلى العمل"، وعلقت أخرى، قائلة: "لقد كان الأمر شاقاً للغاية، لكنه يستحق هذه المشقة بنسبة 1000%".

وبعد ذلك أردنا معرفة المزيد عن العوامل التي تؤثر في جودة هذه التجارب –سواء بخلق مشاعر إيجابية أو سلبية لدى المرأة حيال تجربتها في العمل– والتوصل إلى فهم أفضل لأثر هذه العوامل على إنتاجية المرأة، سواء فيما يخص حصيلة عملها أو إدرار لبن الرضاعة، فوسَّعنا نطاق بحثنا في دراستنا الثانية لتشمل 106 امرأة، مستعينين في ذلك بإجراء استبانات عبر الإنترنت، وطلبن منهن أن يكتبن تقريراً حول تجربتهن في القيام بعملية الرضاعة في العمل خلال 15 يوم عمل، كما طلبنا منهن أن يخبرننا بما إذا شعرن بأن القيام بعملية الرضاعة قد عطلهن عن أعمالهن في هذه الأيام، أم كان داعماً لهن ومعيناً على تحقيق النجاح في العمل، بالإضافة إلى وصف مدى جودة المكان الذي يقمن فيه بعملية الرضاعة، كما سألناهن عن حالتهن المزاجية خلال هذه الأيام ("محبطات"، أم "مكتئبات"، أم "مطمئنات"، أم "مستريحات"، وما إلى ذلك)، وفي النهاية سألناهن عن مدى التقدم الذي أحرزنه فيما يخص تحقيق أهداف أعمالهن وأهداف الرضاعة الطبيعية (أي كمية لبن الرضاعة التي أدررنها في العمل)، وعن مدى رضاهن عن مستوى موازنتهن بين الحياتين الأسرية والعملية في كل ليلة.

وقد أثبتت نتائجنا أن المرأة التي تنظر إلى عملية الرضاعة باعتبارها شيئاً يُعطلها عن أداء عملها تميل إلى الإحساس بمشاعر سلبية من الناحية العاطفية، ومن ثم تحرز تقدماً أقل فيما يخص تحقيق أهداف العمل علاوة على إدرار كمية أقل من اللبن خلال أوقات العمل الرسمية. أما عندما تشعر بأن عملية الرضاعة تساعدها على العمل، يحدث العكس، حيث تتحسن صحتها النفسية والعاطفية، كما تحقق النتائج المرجوة فيما يخص كلاً من أهداف العمل وإدرار لبن الرضاعة، والأهم من ذلك أننا توصلنا إلى عدم وجود علاقة كبيرة بين مقدار الوقت الذي تقوم فيه المرأة بعملية الرضاعة وإنتاجيتها في العمل، حيث تشير النتائج إلى أن الوقت الذي تخصصه المرأة لعملية الرضاعة لا يقلل من إنتاجيتها في العمل، بل قد تزداد إنتاجيتها فعلياً عندما تشعر بالارتياح تجاه عملية الرضاعة في العمل.

تهيئة مكان العمل للنساء العاملات لإرضاع أطفالهن

لقد بات من الواضح أن عملية الرضاعة مفيدة للأمهات وأطفالهن، فحري بالمدراء وزملاء العمل أن يوفروا أماكن ومساحات داعمة للنساء اللاتي يحتجن إلى القيام بعملية الرضاعة، وفيمَ يمكن أن يتمثل هذا الدعم؟ من الضروري توفير أماكن واسعة ومريحة، فقد أظهرت نتائج استبانتنا أن النساء اللاتي كن قادرات على الرضاعة في أماكن هادئة توفر مزيداً من الراحة والخصوصية انتابتهن حالات مزاجية أفضل، وعلى صعيد أعم فإن التعامل مع الأمهات المرضعات في العمل بشيء من العطف والمرونة بشأن جدول أعمالهن يمثل دعماً كبيراً لهن. فهذه الجهود تجعل الأمهات العاملات يشعرن بقدر أكبر من الارتياح، ويحققن إنتاجية أفضل، وتمكنهن من العودة إلى منازلهن وبحوزتهن لبن الثدي الذي يحرصن على إرضاع أطفالهن به.

أما بالنسبة إلى الأبحاث المستقبلية التي ستُعنى بقضية الرضاعة في مكان العمل، فإننا نعمل على الوصول إلى أفضل الطرق التي يمكن أن تسلكها المؤسسات لدعم النساء اللاتي يقمن بإرضاع أطفالهن في العمل، فعلى سبيل المثال: هل الممارسات الرسمية التي تتمثل في توفير ثلاجات لحفظ لبن الثدي أو غرف حضانة في مواقع العمل هي الأكثر أهمية، أم أن الدعم الاجتماعي المتمثل في وجود زملاء عمل يهتمون بمعاناة الأمهات العاملات بشأن الرضاعة الطبيعية ويتعاطفون معهن أمر كاف؟ كما أننا نتطلع إلى معرفة أثر مكانة المرأة أو منصبها داخل المؤسسة في مدى سهولة الوصول إلى دعم عملية الرضاعة في العمل.

وخلاصة القول إننا نأمل أن نكون في بداية الاتجاه نحو دراسة أفضل الأساليب فيما يتعلق بقضية الرضاعة في مكان العمل، بحيث تتمكن المرأة من تحقيق التوازن بين العمل والرضاعة الطبيعية.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي