صادف اليوم الأوّل لي في منصب الرئيسة التنفيذية في شركة بوبايز لويزيانا كيتشين (Popeyes Louisiana Kitchen) الأول من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2007، وكانت الشركة ستعقد اجتماعاً كبيراً في أورلاندو مع أصحاب الامتياز في مدينة أورلاندو قبل بضعة أيام من ذلك التاريخ. لم أكن قد أصبحت موظفة في الشركة من الناحية التقنية بعد، لكنني قررت حضور الاجتماع وتقديم عرض فيه. كان الأمل يحدوني بأن أشكّل مصدر إلهام لرواد الأعمال الذين يمتلكون فروعاً لمطاعم "بوبايز" ويديرونها، وأبث فيهم التفاؤل حول المستقبل المشرق لعلامتنا التجارية. وعندما أعود بالذاكرة إلى الوراء، أدرك كم كنت ساذجة ومفرطة في تفاؤلي وقتها.
كان أربعة رؤساء تنفيذيين قد تعاقبوا على إدارة شركة بوبايز خلال سبع سنوات، بينما كانت المبيعات قد شهدت الكثير من التقلّبات خلال تلك الفترة. وقد أظهر ذلك الاجتماع وبكل جلاء بأنّ العلاقة بين "بوبايز" وأصحاب امتيازها كانت مشوبة بالتوتّر. ولازلت أذكر أحد النقاشات التي دارت والذي لايزال حاضراً في ذهني حتى اليوم، حيث قال لي واحد من أصحاب الامتياز المخضرمين، وهو رجل من تكساس يبلغ من العمر 68 عاماً: "آنسة شيريل، لا تتوقّعي منا أن نثق بك قريباً. نحن نشبه الأيتام الذين يعيشون في كنف عائلة تتبناهم، وأنت لست أكثر من أم جديدة بالنسبة لنا سوف نعيش في كنفها". كانت لحظة محرجة بالنسبة لي، جعلتني أدرك بأننا ما لم نظهر قدرتنا على تقديم شيء ما إلى مالكي فروع مطاعمنا، فإنّه من غير الواقعي أن نتوقّع منهم إبداء الحماسة تجاه ما يحمله المستقبل.
لقد كانت "بوبايز" هي ثالث شركة للأطعمة تعمل وفق مبدأ تقديم الامتياز أشغل فيها أنا منصباً في الإدارة التنفيذية، وكنت قد عشقت هذا النموذج التجاري في العمل. فمن الناحية الاستراتيجية، يُعتبرُ هذا النموذج غير مثقل بالأصول والموجودات، وهو يضمن وجود تدفقات نقدية موثوقة، ويسهم في توسيع حضور العلامة التجارية من خلال الاستفادة من رأسمال رواد الأعمال وخبراتهم في مجال التشغيل. لكن ما أحبه حقيقة هو فرصة العمل مع رواد الأعمال الشغوفين والموهوبين الذين يمتلكون المطاعم ويديرونها. فهم يتبنّون العلامة التجارية ويثقون بها بطريقة تختلف تماماً عن الطريقة التي نراها لدى الموظفين التقليديين. كما أنهم يستثمرون الكثير من المال والوقت. فأن يكون المرء صاحب امتياز تجاري لا يعني بأنه يعمل في وظيفة يمكنه تركها متى يشاء، بل ذلك يعني بأن هذا العمل يشكّل كل حياته.
وفي الوقت ذاته، غالباً ما يقود هذا النموذج التجاري إلى حصول نزاع بين أصحاب الامتياز والشركة الأم المالكة للعلامة التجارية، وخاصة إذا لم يكن هناك تناغم بين الطرفين بخصوص الطريقة الأنسب لتنمية أعمال المطعم. لذلك وفي مسعى مني أنا وفريقي لتحقيق نتيجة إيجابية وقلب الأمور رأساً على عقب، قررنا التركيز على أصحاب الامتياز عوضاً عن التركيز على مجموعات أخرى من أصحاب المصلحة. وقررنا أن نقيس "نجاحنا" من خلال "نجاحهم". وبعد مضي تسع سنوات، أستطيع القول بأننا أحرزنا تحسّناً هائلاً – ورغم أن علاقتنا معهم ليست مثالية، إلا أنها أفضل وبشكل ملحوظ مقارنة مع ما كان عليه الحال في اجتماع العام 2007 في أورلاندو.
من "بي آند جي" (P&G) إلى "كيه إف سي" (KFC)
بعد أن تخرّجت من برنامج الماجستير في إدارة الأعمال في جامعة إنديانا عام 1978، بدأت العمل في مجال إدارة العلامة التجارية في شركة "بروكتر آند غامبل"، ثم انتقلت بعدها إلى شركة "جيليت"، وبعد ذلك انضممت إلى صفوف شركة "نابيسكو" (Nabisco) حيث استلمت إدارة العلامات التجارية الخاصة بالحلوى والأطعمة الخفيفة لمدة سبع سنوات. أما تجربتي مع المطاعم فكانت قد بدأت عام 1995، عندما وظفني توم موناغان مؤسس شركة "دومينوز بيتزا" لأتولّى التسويق وعملية تطوير المنتجات. ولم تكن لدي أدنى فكرة عن وجود مشكلة بين شركة "دومينوز" وأصحاب امتيازها التجاري، والذين رفعوا دعوى ضد الشركة خلال الأسبوع الأول من تولّيي لهذه الوظيفة. فقد زعم أصحاب المطاعم بأنّ شركة "دومينوز" كانت تستفيد بطريقة غير منصفة من العجين، وغير ذلك من الإمدادات التي كانت تبيعها إلى أصحاب الامتياز. وبغية التوصّل إلى تسوية بخصوص هذه القضية القانونية، لجأ فريق الإدارة إلى إنشاء نظام شفّاف وخاضع للتدقيق خاص بأنظمة الإمدادات ووافقوا على تقاسم أي أرباح تزيد عن حدّ معيّن مع أصحاب الامتياز هؤلاء. وفي هذه الأثناء، عكفت على إنشاء مجموعة استشارية مؤلفة من ملاك المطاعم الذين لم يكونوا على علاقة بالقضية القانونية المرفوعة وذلك بهدف العثور على طرق جديدة لتحقيق التواؤم في العمل بين الشركة وأصحاب الامتياز، وضمان تحقيق النمو في أعمال شركة "دومينوز". وقد تمثّل واحد من أكبر إنجازاتنا في إطلاق ابتكار يهدف إلى المحافظة على سخونة البيتزا أثناء التوصيل: وهو عبارة عن صفائح مسخّنة داخل حقائب معزولة حرارياً أطلقنا عليها باللغة الإنكليزية اسم "Domino’s HeatWave".
بعد فترة قصيرة من بيع "دومينوز" إلى شركة "باين كابيتال"، تم تعييني في منصب الرئيسة ومسؤولة تطوير المفاهيم في شركة "كيه إف سي"، المملوكة من شركة "يام! براندز". في ذلك الوقت، كانت "كيه إف سي" تعاني من المتاعب، بينما كان أصحاب امتيازها غير سعداء أيضاً. فعقودهم مع "كيه إف سي" كانت تعطيهم صلاحيات وسلطات أكبر بكثير مما هو معتاد في معظم نماذج الامتياز التجاري الأخرى؛ وقد كانت المهمّة الملقاة على عاتقي تقتضي ضمان موافقة المالكين على خطة لتطوير قسم الدجاج في الشركة والعمل بموجب هذه الخطة.
خلال الأشهر الثلاثين التي قضيتها في "كيه إف سي"، سجّلنا نتائج إيجابية في 16 شهراً، بينما سجّلنا نتائج سلبية في 14 شهراً منها. لم نكن قادرين على قلب مسار الأمور رأساً على عقب بالسرعة الكافية لإرضاء الرئيس التنفيذي، أو مجلس الإدارة، أو المساهمين، لذلك طُردتُ من عملي في خريف العام 2003. لقد كان الدرس الأهم الذي استفدت منه في هذه التجربة، هو أنك لا تستطيع خدمة الناس أو الشركة على أكمل وجه دون تحقيق نتائج قوية.
عندما غادرت "كيه إف سي"، قرّرت أن استريح لوهلة. فقد كان أولادي في ذلك الوقت في عمر المراهقة، بينما كان زوجي يعمل كاستشاري في مجال الإدارة وعمله يقتضي السفر المتكرر. وبعد سنوات من أداء دور القائد في المكتب، توصلت إلى قرار مفاده بأن عائلتي كنت بحاجة إلى مهاراتي القيادية في البيت. في ذلك الوقت، عكفت على إنجاز بعض المهام الاستشارية، وانضممت إلى مجالس إدارة بعض الشركات، بما في ذلك مجلس إدارة شركة "ترو فاليو"، وهي سلسلة متاجر متخصصة بالتجهيزات الإلكترونية. بعد ذلك وفي العام 2006، انضممت إلى مجلس إدارة شركة "بوبايز". كنت أعرف الشركة حق المعرفة، لأنني كنت أتنافس معها عندما كنت في "كيه إف سي". لم تكن لدي أدنى فكرة بأنني سأتولى يوماً ما منصب الرئيسة التنفيذية فيها، لكن دخولي إلى مجلس إدارتها كان الطريقة المثلى بالنسبة لي لأتعرف على التحديات التي تواجهها والفرص الماثلة أمامها.
"سيّد القوم خادمهم"
تأسّست شركة بوبايز عام 1972 في مدينة باتون روج في ولاية لويزيانا الأمريكية على يد آل كوبلاند والذي كان شخصاً مولعاً بالطعام. وثمّة قصص كثيرة تُروى عنه ويتداولها الناس عن شغفه الكبير بوصفات تحضير الأطعمة، وكيف كان يقوم الليل بأكمله لكي يعدّ طبقاً مثالياً من البطاطا المهروسة. صحيح أنّ "بوبايز" يُعتبرُ مطعماً للوجبات السريعة، لكنّه مشهور بالأطعمة المطهية على نار هادئة وبنكهاتها المعقدة. فنحن نستخدم قطع الدجاج الطازجة التي لم تسحب عظامها والمتبّلة لمدّة 12 ساعة قبل طهوها. لقد صنعنا لأنفسنا ميزة تنافسية في مجال الطعام. وفي العام 2001، أُدرجت الشركة في البورصة، ونحن اليوم موجودون في 48 ولاية أميركية وفي 26 بلداً حول العالم. كما أن لدينا 71 مطعماً مملوكة من الشركة، بيد أن معظم المطاعم البالغ عددها 2,569 مملوكة من أكثر من 360 صاحب امتياز. وتتلقّى الشركة نسبة مئوية من مبيعات أصحاب الامتياز، وهي تستفيد من رسوم التطوير التي يتم دفعها عند افتتاح مطاعم جديدة.
في العام 2007، تعرّضت شركة بوبايز لقدر كبير من المعاناة لأسباب عدة، بما في ذلك غياب الاستراتيجية، والإفراط في التركيز على المدى القصير. فالشركة لم تكن تولي الكثير من الاعتبار للابتكار في منتجاتها. ولم تكن لدينا ذخيرة كبيرة من الأفكار التي يمكن أن نستعملها لبناء علامتنا التجارية. كما أنّنا لم نكن نعلن عن سلسلتنا على مستوى البلاد، لذلك لم يكن هناك وعي كبير بعلامتنا التجارية بين صفوف المستهلكين. وقد قادت هذه المشاكل، إضافة إلى النتائج المالية السيئة، إلى حالة من الغضب والإحباط لدى مجموعة من أصحاب الامتياز. وقد وصل الأمر في لحظة معيّنة إلى حدّ حضور بعضهم ودون أن توجّه له الدعوة إلى اجتماع لمجلس إدارة الشركة للمطالبة بإدخال تغييرات معيّنة. وبعد استقالة الرئيس التنفيذي، طُلبَ منّي أن أكون أحد الأفراد في لجنة مؤلفة من أعضاء مجلس الإدارة للبحث عن بديل له. وقد عرضنا المنصب على مرشحين اثنين، لكنّهما رفضا العرض المقدّم إليهما. وعندما طلب مجلس الإدارة منّي أن أتولّى المنصب، كنت أعلم بأنّ المهمّة لن تكون سهلة. لكنّني كنت أعلم أيضاً بأنّ تحقيق انقلاب إيجابي في شركة تعتمد على مبدأ الامتياز التجاري هي مهمّة أثيرة على قلبي.
بعد اجتماع أورلاندو المثير للجدل، عقد فريق الإدارة اجتماعاً في مدينة أطلنطا لوضع خطة تجارية لإدارة الشركة. كما أنّنا خصصنا يوماً كاملاً لنستكشف فيه شكل الدور القيادي الذي نرغب بأن نؤدّيه. وضعنا قوائم بأفضل مدرائنا وأسوأهم، وحدّدنا العوامل التي تجعلهم أشخاصاً جيدين أو سيئين (وقد كانت قائمة "المدراء الأسوأ" أطول بكثير). وقد قادتنا هذه النقاشات إلى نموذج يقوم على مبدأ "سيّد القوم خادمهم". لقد كان هذه النموذج يعتمد على وجود قادة يضعون مصالح أهل الشركة فوق مصالحهم الذاتية.
ثمّ تحدّثنا بعد ذلك عن مختلف الجهات المعنيّة بالشركة، من زبائن، ومساهمين، وأصحاب امتياز، وأعضاء مجلس إدارة، ومورّدين. فمن هي المجموعة التي ستحظى بالأولوية القصوى لدينا؟ لقد طالب المدير المالي للشركة بأن يكون المساهمون هم من يحظى بالأولوية وكان معه حق في ذلك، فسعر سهم الشركة كان قد هبط من 34$ إلى 14$. كما ناقشنا وضع ضيوف مطاعمنا. فالعديد منا كان قد عمل لدى شركات كانت تعمل وفق مبدأ الامتياز التجاري، وكانت تعطي الأولوية القصوى للضيوف، وبحثنا كيف يمكن لهذا الأمر أن يطبّق بطريقة خاطئة. فبعض السلاسل تحاول أن تضع قوانين تحكم طريقة عملها لتقدّم خدمة أفضل لزبائنها من خلال صياغة قواعد "ينبغي" الالتزام بها (على سبيل المثال، الحمّامات "ينبغي" أن تنظّف كل 30 دقيقة). ولكن هناك عدد من الوسطاء الذين يفصلون المقر الرئيسي الذي يدير سلسلة المطاعم عن الزبون الذي يقف في الطابور في مطعم للوجبات السريعة، مثل صاحب الامتياز، والمدير العام، ومشرف الوردية، والموظف العامل في المطعم. وما لم يعمل هؤلاء معاً بروحية قائمة على التعاون، فإن جهودهم ستؤول إلى الفشل المؤكد. ففي إحدى المرات في تاريخي المهني، كنت أقوم بجولة على المطاعم لأتحدث إلى أعضاء الفريق عن أهمية تقديم خدمة جيدة إلى الزبائن. وقد التقيت بشاب لم يكن يبدو متحمساً جداً لدى سماع "الدرس" الذي ألقيته على مسامعهم. فسألني من أكون. فقلت له: "أنا شيريل". فقال لي: "حسناً يا شيريل، ليس هناك مكان أعلّق فيه معطفي في هذا المطعم، وحتى تعتقدوا بأنّني شخص مهم بما يكفي لتمنحوني مشجباً أعلق عليه معطفي، فإنني لن أكون متحمساً بخصوص برنامجكم الجديد الخاص بتجربة الزبائن". لقد جاءت هذه الحادثة الحاسمة لتذكّرنا بأنّنا نحن في خدمة الآخرين – وليسوا هم في خدمتنا.
ومع استمرار حديثي مع فريقي عن الموضوع، تعززت نظرتنا إلى أصحاب الامتياز على أنهم زبائننا الأساسيين. فهم كانوا قد رهنوا منازلهم أو اقترضوا مبالغ كبيرة لافتتاح المطاعم. لقد وقّعوا اتفاقيات تمتد على مدار 20 عاماً. ولم يكن أحد معنيّاً بالأمر بقدر ما كانوا هم معنيّين به، حيث أنهم كانوا لا يمتلكون خطة بديلة حتى. فإذا ما مارسنا نفوذنا على صاحب الامتياز، سيكون قادراً على فرض نفوذه على مدير المطعم والموظفين العاملين على الخطوط الأمامية. ولكي نحدد حقيقة الوضع الراهن في ذلك الوقت بما يمكننا من قياس أي تقدم محرز لاحقاً، أجرينا استطلاعاً لنحدد مدى رضى أصحاب الامتياز. كما بدأنا بالتركيز على المقياس الأهم بالنسبة للمالكين، ألا وهو مدى الربحية على مستوى المطعم الواحد. فأصحاب الامتياز يعتمدون على هذه الأرباح للحصول على الدخل المطلوب وعلى التدفقات النقدية التي تسمح لهم بافتتاح مطاعم في مواقع جديدة. ولم نكن سابقاً نقيس هذا الرقم حتى، لكننا بدأنا نراقبه مراقبة وثيقة.
طلب كبير
عقدنا في مرحلة مبكرة اجتماعاً لنواب الرئيس والمدراء وناقشنا مجموعة من القضايا التي تواجه شركة بوبايز بالفعل، مثل سرعة تسليم طلبيات الطعام عند نوافذ طلبيات السيارة (حيث كان أداء هذه الخدمة سيئاً). وقد اعتمدنا الإجراء الكلاسيكي الذي يضع بموجبه كل شخص ورقة صفراء لاصقة على المشكلة التي يعتقد بحسب رأيه بأنها يجب أن تُحل أولاً. وقد جاءت أكثر اللحظات إجلاءً للواقع عندما قالت سيدة اسمها سوندرا، كانت قد عملت لدى شركة بوبايز لأكثر من 20 عاماً: "نحن نضع هذه المشاكل على الجدار كل عام، لكن لا شيء يتغيّر البتّة". في بادئ الأمر صُدِمْتُ صدمة كبيرة لكنني قدّرت لها صراحتها. لقد ذكّرنا ذلك بحجم الطاقة المهدورة في الشركات الأميركية الكبرى عندما يركز الناس على الأعمال التي لا تعطي النتائج المرجوة. فحتى الرؤساء التنفيذيين يشيحون بوجههم عن الأمور الصعبة ويتجنبونها، إذ يستصعبون إقناع مجلس الإدارة أو العثور على المال الكافي لدفع تكاليف مشروع معيّن. قلت لسوندرا بأننا كنا نريد أن نكون المجموعة التي سوف تتمكن أخيراً من إصلاح المشاكل – ليس بالضرورة كل المشاكل، لكن على الأقل مجموعة المشاكل التي نستطيع التركيز عليها لتحقيق أكبر أثر ممكن. وفي آخر المطاف تمكّنا من وضع سبع أولويات على خارطة الطريق الاستراتيجية التي رسمناها، وفي النهاية أنجزنا ثلاثاً فقط من هذه الأولويات، لكن الطريقة التي أنجزناها بها كانت أكثر من رائعة.
ثمّة لحظة محورية في عملية الانقلاب الإيجابي هذه، وهي اللحظة التي حاولنا فيها تسويق خطتنا التجارية بين صفوف أصحاب الامتياز. فقد اجتمعنا مع عشرة من قادة مجموعة أصحاب الامتياز في غرفة مؤتمرات بلا نوافذ في أحد الفنادق في شيكاغو. في ذلك الوقت، كانت جميع الحملات الإعلانية الخاصّة بالشركة تدار على المستوى المحلي، وكان كلّ واحد من أصحاب الامتيازات يُسهم بنسبة 3% من المبيعات لدفع تكاليف الإعلانات. وبموجب خطتنا، كنّا ندعو إلى زيادة هذه النسبة إلى 4% وإلى إقامة حملة إعلانية وطنية، وتنسيق رسالة العلامة التجارية للشركة، وزيادة الوعي بين صفوف الناس. وقد استعنّا بخبير خارجي وصف شركتنا بأنها تقف عند منعطف حاسم: فالوقت كان قد حان للانتقال من حملات الإعلان المحلية إلى حملات الإعلان الوطنية. وقد طلب منّا أصحاب الامتياز الانتظار في الردهة ريثما يتباحثون في الأمر. وعندما عدنا إلى الغرفة، قالوا لنا بأنهم موافقون إذا كانت الشركة مستعدّة لاستثمار 6 ملايين دولار لزيادة عدد الأسابيع المخصّصة للحملة الإعلانية. لقد كان ذلك بمثابة طلب كبير، حيث كان يحتاج إلى موافقة مجلس الإدارة وكان سيخفّض أرباحنا الأمر الذي كان كفيلاً بالتسبب بحالة من خيبة الأمل في أوساط المحللين الماليين في وول ستريت. لكن تلك الخطوة كانت أساسية جداً للوصول إلى حالة من الانسجام في أرجاء الشركة والمطاعم التابعة لها. وقد التزمنا بإنفاق هذا المبلغ ونفذنا التزامنا، حتى عندما عانى الاقتصاد من الانكماش في خريف العام 2008. وقد كانت الحملة الإعلانية على المستوى الوطني الخطوة الأساسية الأولى في تحقيق انقلاب نوعي نحو الأفضل ضمن شركة بوبايز تحديداً.
ولا شك بأننا ارتكبنا بعض الأخطاء خلال رحلتنا تلك. فقد طرحنا بعض المنتجات ذات القيمة الأكبر والسعر الأقل، بما في ذلك نوع من لفافات الدجاج الصغيرة بخبز التورتيا، وفضّل الناس الخيارات الأقل ثمناً، الأمر الذي خفّض من قيمة المبلغ الوسطي الذي ينفقه الناس في مطاعمنا. لكننا احتفظنا بهذه اللفافات، وأوجدنا بعض المنتجات الجديدة الرابحة، بينما بدأت الأرباح والإيرادات بالتحسّن. واعتمدنا وتيرة معيّنة لإطلاق المنتجات الجديدة. وبدأنا باستعمال برمجيّات حاسوبية متقدمة لمساعدة أصحاب الامتياز على اختيار أفضل المواقع للمطاعم الجديدة، الأمر الذي أسهم في تحقيق زيادة دراماتيكية في معدلات نجاحها. وزادت حصتنا السوقية من رقم يتراوح بين العشرة والعشرين في المئة إلى رقم قريب من الخمسة والعشرين في المئة. كما تمكّنا من اجتذاب أصحاب امتياز يمتلكون مطاعم وجبات سريعة أخرى ورغبوا في افتتاح فروع لمطعم بوبايز. وهنا أود أن أشير إلى أن ثلث فروعنا الحالية، افتتحت خلال السنوات الخمس الماضية. ونحن نفتتح أكثر من 200 مطعم على مستوى العالم سنوياً، مما يضعنا في طليعة مطاعم الوجبات السريعة. وقد حققنا ثماني سنوات متواصلة من النجاح وهو معدل غير معتاد من النمو في قطاعنا.
دور الراعي
رغم أن أرقامنا قد تحسّنت، إلا أن ثقة أصحاب الامتياز بنا لم تتحسّن بالمقدار الذي كنت آمل أن نحققه. فأصحاب الامتياز يتمتعون بذاكرة تشبه ذاكرة الفيلة. وعندما ترسّخت حالة الانقلاب الإيجابي، عقدنا بعض الاجتماعات مع المالكين احتجنا فيها إلى الاستعانة بميسّرين من الخارج لتهدئة الجميع؛ فكان الطرفان يجلسان في زاويتين متقابلتين كما لو أنهما في حلبة للملاكمة مكتوفي الأيدي. ففي عالم الامتيازات التجارية، وضعك الحقيقي مرتبط بالنتائج المالية التي حققتها البارحة – وليس هناك حساب بنكي للعواطف يمكنك أن تراكم فيه الودائع من المشاعر العاطفية. قد يبدو الأمر غير منصف أحياناً، لكن واجبنا يقتضي منا الاستمرار في تطوير نماذج العمل وكسب الثقة.
ورغم هذه الديناميكية المعقّدة، إلا أنّني أؤمن بعمق بنموذج الامتياز التجاري. فتأسيس شركة من الصفر هو عمل محفوف بمخاطر كبيرة، لكن نموذج الامتياز التجاري يسمح للناس بالاستثمار في علامة تجارية أثبتت نفسها، مما يقلّل من حجم المخاطر. فهو يسمح لهم بالسعي إلى تحقيق "الحلم الأمريكي" الخاص بهم، حيث أن 40% من أصحاب امتياز شركة بوبايز في أمريكا هم من أبناء الجيل الأول من المهاجرين. ويُعتبر نموذج الامتياز التجاري من النماذج التي تقع في صميم الازدهار الاقتصادي، لأنه يسمح بالتقليل من حجم المخاطر التي قد تتعرّض لها الشركات الناشئة، فضلاً عن أنه يسهم في توفير عدد كبير من الوظائف سواء للمبتدئين أو لمن يشغلون المناصب الإدارية. فربع الأمريكيين يقولون بأن أول عمل زاولوه كان في مطعم، وغالباً ما يكون فرعاً لمطعم للوجبات السريعة يعمل وفق مبدأ الامتياز التجاري.
لقد أصبح هذا الانقلاب الإيجابي الذي حصل في شركة مطاعم "بوبايز" نموذجاً يُدرّس ومثالاً على ما يمكن أن يحصل عندما يفكّر القادة في خدمة الآخرين، وفي حالتنا نقصد بهؤلاء الآخرين أصحاب الامتياز. فالقيادة هي رعاية، وليست ممارسة تهدف إلى تحقيق المنفعة الشخصية لك فقط. والاختبار الحقيقي لقيادتنا بسيط: هل الناس الذين نؤتمن عليهم في حال أفضل؟ لا يتم التركيز على هذا الدرس كثيراً في كليات الأعمال، كما أنّه ليس النموذج الذي جسّده العديد من القادة من أبناء جيلي وبناته. لا بل أنّ الكثير ممّن ولدوا في فترة طفرة المواليد (والذين يُعرفون بالإنكليزية باسم "Baby Boomers") يبالغون بالاهتمام بسيرهم الذاتية وثرواتهم، والوظيفة التالية التي سيشغلونها. لكننا بحاجة، عوضاً عن ذلك، إلى تدريب قادتنا الشباب على كيفية ممارسة "الخدمة" بوصفها الدرب الذي سيقود إلى تحقيق نتائج مذهلة. وأنا متحمّسة جدّاً لهذه الفرصة. فالقادة الشباب اليوم يمتلكون أهدافاً ونوايا أوضح بالمقارنة مع جيلي، وهم متعطّشون إلى نموذج جديد للقيادة سيسهم في إحداث نقلة نوعية وإيجابية في العالم.