لماذا يجب أن يكون الرؤساء التنفيذيون قدوة في إظهار حساسيتهم؟

5 دقائق

يواجه الرؤساء التنفيذيون عالماً متقلباً وغامضاً ومعقداً وضبابياً بصورة متزايدة حتى من قبل الأزمة الحالية، (يشار إلى هذه البيئة عادة بالاختصار "فوكا" - VUCA).

وإعداد الرؤساء التنفيذيين المستقبليين للعمل في هذه البيئة هو مهمة صعبة بالنسبة للرئيس التنفيذي الحالي، الذي يقع على عاتقه إنشاء مساحة عمل آمنة نفسياً لخليفته المحتمل كي يثبت كامل إمكاناته القيادية في بيئة لا ترحم، ويعتمد إرث الرئيس الحالي على ذلك.

فيما يلي ما يمكنه فعله.

ساعد نجوم الموظفين على القيادة في ظل الغموض

يجب أن يحرص الرئيس التنفيذي على أن يكون جميع نجوم الموظفين الصاعدين على سلم القيادة مدركين تماماً لمعنى القيادة في ظل الأوقات المتقلبة، وسبب اختلافها عن القيادة في ظل الاستقرار، وكيف يمكن لعراقيل تطوير القدرات القيادية أن تعيقهم.

فنجوم الموظفين معتادون على النجاح والتقدير، ولكن غالباً ما يكون عدد مذهل منهم غير قادر على تقبل الشعور بعدم الراحة، أو الحفاظ على ضبط النفس عند قيادة عدة شركات مع معلومات منقوصة واحتمال ظهور نتائج غير متوقعة. إلا أن جميع الأنظار ستكون مركزة على هؤلاء القادة، وبالأخص من سيتسلم منصب الرئيس التنفيذي في نهاية المطاف. وفي أحد الأيام، سيضطر إلى إظهار قدرة كبيرة على ضبط النفس، وسيحتاج إليها كي يمد الآخرين بالراحة والأمان، وخصوصاً في الأوقات العصيبة.

يمكن للرئيس التنفيذي الحالي مساعدة نجوم الموظفين الصاعدين على سلم القيادة في الارتقاء إلى المستوى التالي عن طريق الشفافية في مشاركة قصص عن القيادة في ظل الغموض والتقلبات، سواء كانت قصص نجاح أو فشل على حد سواء. وبعد مشاركة هذه القصص مع المجموعة، يجب أن يسأل كل واحد من أفرادها عن الطريقة التي يمكن أن يتعامل فيها مع الموقف الحرج ذاته، وعن الشعور الذي قد يتملكه فيه. يجب أن تكون هذه المحادثات شفافة وصريحة، ومن خلال الاستماع والتعاطف، وطرح أسئلة المتابعة، وتشجيع النقاش الجماعي بشأن آليات ضبط النفس، وإظهار الاهتمام الصادق بالإجابات، سيتمكن الرئيس التنفيذي الحالي من إنشاء مساحة نفسية آمنة. وسرعان ما سيدرك القادة المستقبليون أن لا أحد سينتقد مخاوفهم وقلقهم ما داموا يشاركون بفعالية، ومع مرور الوقت، سيطورون وعياً أكبر بالمواقف، وستتوسع رؤيتهم وستزداد قدرتهم على ضبط النفس.

تحدث بنبرة القيادة المناسبة

ما زال بعض الرؤساء التنفيذيين يعتبرون إظهار حساسيتهم ضعفاً، وهذا مؤسف جداً. فقد ولت أيام تظاهر الرئيس التنفيذي أنه جبار لا يقهر، وسرعان ما ستفضح الأزمات مكامن ضعفه ونقاطه العمياء. وإذا تظاهر بامتلاك جميع الإجابات وامتنع عن الاعتراف بالأخطاء أو طلب المساعدة، فمن المؤكد أن القادة المستقبليين سيتبعون نفس الأسلوب، لأن القائد يلقي بظله الطويل على من يخلفونه، وهذا النوع من المعاندة ستولد حتماً حلقة مفرغة من فشل القادة الذين سيتعاقبون على المنصب، كما حدث في شركات "جنرال إلكتريك" و"ويلز فارغو" و"بوينغ". في حين أن الرئيس التنفيذي الذي يعتزم الاعتراف بالحساسية واتباع الشفافية سيخلق ثقافة خصبة فريدة من نوعها تتقبل تمعن القائد في نقاطه العمياء ومتطلبات تطوير قدراته القيادية، بل وتشجع على ذلك وتكافئه.

ضرب براد سميث مثلاً عن هذه الحساسية عندما كان الرئيس التنفيذي لشركة "إنتويت" (Intuit). يقول: "أخبرت مجلس الإدارة أني أريد إجراء تقييم بطريقة (360 درجة) ومشاركة النتائج معه ومع الفريق التنفيذي ومن ثم مع الشركة بأكملها". وبالفعل، سجل سميث نتائج التقييم وألصقها على واجهة مكتبه كي يراها الجميع. تابع قائلاً: "كنت أضع كل عام أهدافاً تطويرية واضحة وأشاركها مع نجوم الموظفين الصاعدين على سلم القيادة، وهذا ما ساعد في خلق مساحة آمنة لهم من أجل زيادة التفكير والوعي الذاتي. فبدؤوا بالتخلي عن الغرور وطلب المساعدة".

شجع القادة المستقبليين على تقبل الحساسية

كانت إيلين موراي رئيسة تنفيذية مشاركة قادت على مدى عقد من الزمن مؤسسة "بريدج ووتر" (Bridgewater)، أحد أقوى صناديق التحوط في العالم. كانت ثقافة المؤسسة شديدة الضغط وتحمل مخاطر كبيرة، حيث يؤدي قرار خاطئ واحد إلى خسارة مئات ملايين الدولارات. ومن غير المفاجئ أن تضع هذه الثقافة ضغطاً وتشديداً كبيرين على أهم الكفاءات ونجوم الموظفين الصاعدين على سلم القيادة.

واجهت موراي معضلة، كحال جميع الرؤساء التنفيذيين في صناديق التحوط. كيف ستتمكن من تشجيع الموظفين العنيدين الذين يتمتعون بمواهب كبيرة على التحدث عما يثير قلقهم وخوفهم؟ لم تكن إيلين عازمة على السماح لنجوم الموظفين الصاعدين على سلم القيادة بتجاهل الأعباء النفسية التي يحملونها، آملين ألا تظهر مخاوفهم ونقاط ضعفهم في أسوأ الأوقات، أثناء عرض تقديمي موجه لأحد أهم العملاء أو قبل إجراء استثمار ضخم مثلاً. فهذه مجازفة غير مقبولة.

اتبعت إيلين أسلوباً مثيراً للاهتمام، إذ حددت مواعيد جلسات توجيه فردية منتظمة مع أصحاب المواهب ذات الإمكانات العالية من المرشحين لاستلام منصب الرئيس التنفيذي ونجوم الموظفين الأصغر، وبدأت كل جلسة بالتحدث عن مخاوفها وما يثير قلقها. مثلاً، كثيراً ما كانت تصف شعورها عندما دخلت أول مرة إلى مكتب الرئيس التنفيذي على اعتبارها واحدة من أوائل النساء في قيادة صندوق تحوط قوي. قالت: "يمكن أن تتخيل جميع المخاوف التي تدور في رأسي، الخوف من أن أبدو غبية، والخوف من أن أطرد بسبب اتخاذ قرار سيئ، والخوف من قول شيء تحرفه الصحافة على نحو سيئ، والخوف من أن أخذل مجلس إدارة شركتي. تحدثت عن خوفي بصراحة مع مرؤوسيّ، وكنت كالكتاب المفتوح، فالصراحة هي حجر الأساس في جميع العلاقات المبنية على الثقة، وكان من المفترض أن أبدأ بنفسي".

ومن منظور تطوير القدرات القيادية، كانت إيلين تؤمن بأن الهرب مما يسميه البعض "المحادثات الغريبة وغير المريحة" هو سلوك يأتي بنتائج عكسية. وعلى الرغم من أن أفضل قادتنا كانوا معتادين على تقدير الآخرين لهم وتحدثهم عن قدراتهم الفريدة، فقد رغبت إيلين في التحدث عن العكس تماماً. ما هي مخاوفهم؟ ما هي قيودهم؟ لماذا يشعرون بالخوف من طلب المساعدة؟ ولأن إيلين منحت نجوم الموظفين الصاعدين على سلم القيادة شعوراً بالأمان، أصبح لديهم استعداد لاستكشاف العوائق التي تحد نموهم الشخصي، والعمل معاً من أجل وضع خطة لتطوير القدرات القيادية. يرى كثيرون في شركة "بريدج ووتر" أن هذه النقاشات كان لها أثر مفيد في تأسيس ثقافة التعلم المستمر والشمولية.

تقبل المخاطر

هناك مفارقة جوهرية في القيادة في عالمنا الغامض المتقلب، فمن جهة، كان المسؤولون التنفيذيون في الشركات يتمتعون بنجاح كبير طوال حياتهم المهنية بسبب قيامهم بمراهنات منطقية على المستقبل. ومن الجهة المقابلة، يدرك المسؤولون التنفيذيون أن العالم يزداد تقلباً، وما يبدو اليوم رهاناً جيداً قد ينقلب فجأة ويبدو حماقة عندما يتغير العالم في الغد. وتؤدي عدم القدرة على وضع توقعات دقيقة إلى القلق والشلل في بعض الأحيان، وخصوصاً بين نجوم الموظفين الصاعدين على سلم القيادة. فلم يضرون بسمعتهم بسبب حركة خطيرة، وخصوصاً إذا كانوا في طريقهم إلى استلام منصب الرئيس التنفيذي؟ قد يعرض ذلك ترشحهم للخطر إذا ما ساءت الأمور. ومع ذلك، فإن الشركة تحتاج إلى رئيس تنفيذي مستقبلي يتمتع بالشجاعة ولا يخاف من القيام بمراهنات جريئة تضع المؤسسة على طريق النجاح المستقبلي.

يمكن للرئيس التنفيذي الحالي مساعدة القادة المستقبليين على تجاوز هذه المفارقة الزلقة عن طريق تعليمهم طريقة تفكيك الطبيعة الحقيقية لهذه المجازفات. قد يبدو منافياً للمنطق أن تؤدي محادثة عميقة مع مديرك حول المخاطر والغموض إلى تخفيف قلقك، إلا أنها إذا جرت على النحو الصحيح فستكون مريحة للغاية.

يقول بن براير، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "كندريد" (Kindred) للرعاية الصحية: "ما يسبب القلق عادة هو العواقب المتوقعة للرهان الذي ينطوي على المجازفة". فهو يرى القادة المستقبليين يطرحون أسئلة قلقة مثل: هل سأعتبر فاشلاً؟ هل سيتأثر راتبي؟ يؤكد بن قائلاً: "تتداعى هذه الأسئلة في الأذهان بصورة تلقائية" يتحاور بريير مع نجوم المسؤولين التنفيذيين حول المخاطر التي يتوقعونها، وآثارها السلبية المحتملة وما إذا كانوا يعتقدون أنهم سيقدرون على النهوض من الفشل في أسوأ التصورات. يقول: "ما نتعلمه جميعنا في هذه العملية هو أن هناك بضعة افتراضات خاطئة، ولن أقوم أنا أو مجلس الإدارة بمعاقبتهم إذا ما قاموا بمجازفة معقولة وفشلوا، بل سنستاء أكثر بسبب التراخي والشلل في الحقيقة. ففي قطاع الرعاية الصحية، سيفوتنا القطار إذا لم نتخذ خطوات جريئة وتعمدنا زعزعة الوضع الراهن".

ارفع يدك

في نهاية المطاف، مجلس الإدارة هو من سيختار الرئيس التنفيذي المقبل، فالتخطيط لتعاقب الموظفين هو إحدى أهم مسؤولياته. وفي أغلب الأحيان يكون الرئيس التنفيذي هو رئيس مجلس الإدارة، وهو يميل غالباً لإحكام قبضته على عملية اختيار الرئيس التالي. وقد يتسبب ذلك بأثر غير مقصود متمثل في دفع القادة المستقبليين المحتملين لتقليد أسلوب الرئيس الحالي، ما قد يؤدي إلى حرمان مجلس الإدارة من فرصة تقييم إمكانات القيادة بنفسه وفهم القيم الجوهرية للمرشحين لمنصب الرئيس التنفيذي.

لذا، من الأفضل أن يخفف الرئيس التنفيذي قبضته عن عملية التعاقب الوظيفي، وذلك يتطلب شجاعة وثقة، ولكن لا شك إطلاقاً في نتائجه. فهو أيضاً يخلق الأمان النفسي، ويمكّن المرشحين من التعبير عن آرائهم ورؤاهم حول الشركة من دون قيود، حتى وإن كانت تختلف كثيراً عن آراء الرئيس التنفيذي الحالي ورؤيته، كما ينشئ علاقات صادقة وأصيلة بين أعضاء مجلس الإدارة وكبار المسؤولين التنفيذيين. وبغض النظر عمن سيتم اختياره أخيراً كرئيس تنفيذي، فإن هذه العملية تزيد من احتمالات أن يعمل جميع من في مجلس الإدارة معاً كفريق منظم على نحو جيد بعد الانحسار المؤكد لموجة التقلب والغموض التي نعيشها اليوم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي