كيف يدير الرؤساء التنفيذيون الناجحون المرحلة المتوسطة من فترة قيادتهم؟

14 دقيقة

يعي كل قائد أهمية الأيام المئة الأولى من عامه الأول في عمله كرئيس تنفيذي. وهي الفترة التي يجب عليه أثناءها أن يقيم ويشخص، ومن ثم يصيغ رؤية واستراتيجية، ويحقق النجاحات الأولية التي ستبني الثقة والمشروعية. تقدّم عشرات الكتب والمقالات التوجيه فيما يتعلق بكيفية تعامل الرؤساء التنفيذيين في الأشهر الأخيرة من قيادتهم مع مسؤوليتهم الأهمّ في المساعدة على تطوير واختيار خليفة له وتسليمه القيادة بسلاسة. 

ولكننا لا نجد تركيزاً كافياً على ما بين هاتين المرحلتين، وعلى الطرق التي يمكن للرؤساء التنفيذيين استغلال السنوات الوسطى لقيادتهم بأفضل ما يمكن. كيف يمكنهم العمل بناءً على نجاحاتهم السابقة؟ وكيف يمكنهم الاستمرار في تأثيرهم؟ وبأي الطرق ينبغي عليهم نقل أولوياتهم؟ وهل يجب عليهم قضاء وقت مع جهات معنية مختلفة؟ وهل يجب عليهم جعل المؤسسة تشارك بطرق مختلفة؟ وكيف ينبغي لهم أن يطوروا عقلياتهم وطرق عملهم؟ 

للإجابة عن هذه الأسئلة، حددنا 146 رئيساً تنفيذياً لشركات كبرى ممن غادروا وظائفهم في الفترة ما بين 2011 و2016 بعد قضاء أكثر من 6 سنوات في القيادة، وهي المدة الوسطية للرئيس التنفيذي في الشركات المسجلة لدى مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500) أي أن جميع الرؤساء التنفيذيين في مجموعتنا كانت فترة عملهم أطول من الفترة الاعتيادية. ثم قمنا بتحديد مجموعة فرعية من الرؤساء التنفيذيين الذين استطاعت شركاتهم خلال فترة عملهم أن تتفوق في أدائها على مثيلاتها، أو كان لديها أداء إجمالي مرتفع لعائدات حاملي الأسهم الكلية. وأجرينا مقابلات مفصّلة ومخططة مع 22 رئيساً منهم وطرحنا عليهم العديد من الأسئلة، من بينها أسئلة عن كيفية تطور أولوياتهم وعقلياتهم وأساليبهم في القيادة، وعن الخطوات الاستراتيجية والتنظيمية التي ركزوا عليها في منتصف فترة قيادتهم، وعن الأمور التي يتمنون لو أنهم قاموا بها بطريقة مختلفة. (شارك كل من إيتاي ميلر وهاريش ساونداراراجان في تحديد الرؤساء التنفيذيين وتحليل الإجابات).

فكرة المقالة باختصار

المشكلة

غالباً ما يركز الرؤساء التنفيذيون الجدد على تنفيذ جدول أعمال معين، وتحقيق بعض النجاحات الأولية. ولكن هذه الخطوات الافتتاحية غالباً ما تكون متبوعة بمرحلة ثانية تتميز بأسلوب عمل مختلف ومجموعة جديدة من الأهداف.

البحث

حدد المؤلفون 146 رئيساً تنفيذياً لشركات كبرى ممن غادروا القيادة خلال الفترة ما بين عامي 2011 و2016، وكانت فترة قيادتهم أطول من المعدّل. كما حددوا مجموعة فرعية من ذوي الأداء العالي وأجروا مقابلات ذات هيكلية معينة مع 22 قائد منهم.

النتائج

يعمل الرؤساء التنفيذيون الناجحون خلال المرحلة المتوسطة من عملهم على رفع مستوى طموح الشركة، ويهاجمون المجموعات المنفصلة والعمليات الرديئة، ويجددون المواهب، وينشئون آليات للتعامل مع الخلافات، ويستثمرون رأس المال السياسي في مبادرات طويلة الأمد. وبالإضافة إلى هذه الخصائص، غالباً ما يستفيد القادة من النظر إلى فترة عملهم على أنها سلسلة من المراحل لا فترة واحدة متواصلة.

أخبرنا الكثير ممن أجرينا المقابلات معهم أنهم لم يتعمّدوا التعامل مع فترات قيادتهم من منطلق المراحل، ولكن بعد التفكير بأسئلتنا أدركوا أنها كانت مقسّمة لمراحل منفصلة فعلاً. وأصبح واضحاً أنه، كما في المسرحيات، ليس بالضرورة أن يضمن نجاح المشهد الأول نجاح المشهد الثاني أيضاً. أخبرنا جون تشامبرز، الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة "سيسكو" (Cisco) من عام 1995 حتى 2015: "هناك اختلافات كبيرة بين المرحلة الأولى لفترة عمل الرئيس التنفيذي والمرحلة الوسطى والمرحلة الأخيرة، وقد تطور أسلوب إدارتي في كلّ واحدة من هذه المراحل، وكان عليّ أن أبتكر نفسي من جديد عند بداية كل منها." وتكرّر هذا الرأي لدى العديد من الرؤساء التنفيذيين الآخرين.

عند بداية المرحلة المتوسطة، والتي تكون عادة بعد عامين أو ثلاثة من بدء العمل، اتخذ الرؤساء التنفيذيون ذوو الأداء العالي قراراً متعمداً بالبدء من جديد عن طريق إعادة النظر في سياق الشركة، وإعادة تقييم جدول الأعمال، والاستمرار بتشكيل التنظيم والاستراتيجية بفعالية. قال فرانك بليك، الرئيس التنفيذي الأسبق في شركة "هوم ديبوت" (Home Depot) (2007 – 2014): "أصبحت المؤسسات اليوم عبارة عن غرف صدى لاتقبل النقد، ولن تستطيع تجاوز المرحلة المتوسطة من فترة قيادتك بصورة صحيحة إن لم تفكر صراحة بموضع خطئك، والأهمّ أن تفكر صراحة بسبب خطئك." 

توصلنا إلى وجود خمسة مواضيع أساسية في سنوات المرحلة المتوسطة لأي رئيس تنفيذي، وهي: 1- أهمية إعادة تحديد الطموحات لتجنب خسارة الزخم الموجود. 2- الحاجة إلى مهاجمة المجموعات المنفصلة والعمليات السابقة الرديئة. 3- ضرورة تجديد المواهب القيادية. 4- أهمية بناء آليات داخلية وخارجية للتعامل مع الخلافات والأفكار المزعزعة. و5- الحاجة لتوزيع رأسمال القيادة على الخطوات الجريئة التي يمكنها مساعدة الشركة في النجاح على المدى الطويل.

بالإضافة إلى التعرف على هذه المواضيع المحددة، يمكن للقادة إيجاد القيمة في شيء أبسط، وهو النظر لفترة خدمتهم على أنها سلسلة من المراحل وليست فترة زمنية واحدة متواصلة.

استمرّ برفع مستوى الطموح

يعمل الرؤساء التنفيذيون في فترة قد تكون مضطربة من بداية قيادتهم على حلّ المشاكل الطارئة وترك بصمتهم في الشركة. وبحلول المرحلة المتوسطة، عندما تستقر الأمور نوعاً ما، تواجه المؤسسة خطورة التراجع إلى ما تسميه إلين كولمان، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة "دوبونت" (DuPont): "القديم المعتاد". عندما تولت كولمان القيادة خلال فترة الأزمة المالية العالمية، قامت بإحداث تغييرات واسعة النطاق على العمل وعلى مجموعة المنتجات. ولكن ما أن انتهت الأزمة، بدأ سير التغييرات التنظيمية بالتراخي. لذلك، سافرت إلى مصانع ومكاتب حول العالم من أجل تعزيز الرؤية الجديدة، وشكلت مجموعة تخطيط مشترك لإجراء تقييم داخلي – خارجي لكل شركة. قالت لنا كولمان: "يجب عليك أن تشحن القادة في المرحلة المتوسطة من فترة عملهم بالعزيمة على استمرار التركيز على البيئة المتغيرة، وأن تقول لهم أنهم إن لم يتحركوا سيأتي من يتغلب عليهم".

وجد عدة رؤساء تنفيذيون صعوبة في الحفاظ على زخم السنوات الأولى. قال بول ساغان، الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة "أكاماي" (Akamai Technologies) (2005-2013): "أدركت أنني بدأت بأخذ موقف الدفاع. هناك خطورة في البقاء حذراً، لأنك كلما كنت ناجحاً أكثر، يزداد ما ستخسره نظرياً بسبب ثقتك المفرطة بنفسك". ولكن تجديد الابتكار بصورة مستمرة أمر هام، وبالأخص في الأقسام ذات النمو الكبير كأقسام التقنية، حيث يؤدي منتج سيئ واحد فقط إلى خسارة القيادة.

من المفيد أن تنظر إلى الشركة من زوايا جديدة باستمرار. من المعروف أن غوردون مور وآندي غروف اللذان قادا شركة "إنتل" (Intel) في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، تخيّلا أنهما خارج مجلس الإدارة وتساءلا عما سيفعله رئيس تنفيذي جديد. فكانت إجابتهما المدهشة صحيحة تماماً، وهي أنه سينسحب من صناعة رقاقات الذاكرة، التقنية التي عرفت بها الشركة. وفي مسار مشابه، يتذكر ستيف بورد، الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة "سيفوي" (Safeway) (1993-2013)، اقتراح مجلس الإدارة أن يأتي إلى مكتبه صباح الاثنين وكأنه في أول يوم له في الوظيفة. يقول: "دفعتني هذه الفكرة لإلغاء التوجيهات المعمول بها، وإخراج ورقة بيضاء جديدة ووضع الخطوة التالية من استراتيجية النمو". أنشأ بورد خطة جديدة تركّز على تجديد التصميم الداخلي لصالات البيع كي تناسب أسلوب حياة الزبائن بشكل أكبر، ومنح الشركة موقعاً جديداً بين منافسيها. كما أجرى عملية استحواذ كبيرة، وأطلق عدة مشاريع متفرعة.

ولكن يجب أن يحذر الرؤساء التنفيذيون من إرهاق مؤسساتهم عند توسيع طموحاتهم وطموحات موظفيهم. قال ساندي كاتلر، الرئيس التنفيذي السابق لشركة إدارة الطاقة "إيتون" (Eaton) (2000-2016)، مشبّهاً القادة والمدراء في المؤسسة بمسننات السرعة: "هناك مفهوم قديم يقول أنه إذا دار المسنن الكبير في قمة المؤسسة نصف دورة، فإن المسننات الأصغر في المستويات الأدنى ستدور أربع دورات. لذلك، يجب أن يحذر قادة المؤسسات من تغيير خطة العمل باستمرار". وحيث أن دورات الإنتاج في شركة إيتون طويلة، كان يتم ترخيص خطط عمل الوحدات فيها بصورة دورية وفق مجموعة مركزية من الإجراءات والنقاط المرجعية تدعى نظام إيتون للأعمال. يقول كاتلر: "كانوا يعلمون كم عام لديهم بين عملية الترخيص والأخرى، وكنا نطبق كل ذلك بدقة كي يتمكن الموظفون من التخطيط لعدة سنوات فيما يتعلق بفرص التحسين والموارد والنفقات الرأسمالية، بدلاً من العمل ضمن بيئة تتغير فيها القوانين كل 18 شهراً".

وباختصار، نقول أنّ التفكير بطموح أكبر يعني استمرار القيام بخطوات استراتيجية تحافظ على إلمام الشركة ببيئتها المتغيرة، وليس التحرك بصورة دائمة لمجرد التغيير.

انتقل العديد من الرؤساء التنفيذيين من الدور التوجيهي إلى الدور الداعم والإرشادي.

مهاجمة المجموعات المنفصلة والعمليات الرديئة. غالباً ما يدرك الرؤساء التنفيذيون الجدد المشاكل التنظيمية في وقت مبكر من فترة عملهم ويجرون تغييرات على الهيكلية والمواهب من أجل معالجتها. ووجدنا أنهم يخصصون وقتاً أكبر خلال المرحلة المتوسطة من فترة قيادتهم لمواجهة الممارسات الراسخة، التي تتمثل بأسلوب عمل الشركة الذي ينتشر في المؤسسة بصورة عميقة وواسعة.

يتذكر توم واتجين حين وصل إلى اجتماعات الإداريين رفيعي المستوى في شركة التأمين "أونوم" (Unum) التي قادها بين عامي 2003-2015، ووجد أن أهم 30 مديراً قد شكلوا مجموعات منغلقة مع زملائهم الإقليميين والتشغيليين، ويقول: "بدا الأمر كحفل المدرسة الثانوية الراقص". كان من الضروري أن يجعل هذه المجموعات تثق ببعضها، وتتشارك الأفكار فيما بينها، وأن تركز على المنافسة الخارجية بدلاً من المنافسة الداخلية، يقول: "ولكن لن يكون ذلك بمجرد إرسال مذكرة تقول ’مرحباً، يجب عليكم أن تتكلموا مع بعضكم البعض‘. بل عليك أن تجد أشخاصاً يكون العمل مع أعمال مختلفة طبيعة مكتسبة لديهم".

يرى بعض القادة أحياناً أنهم يحتاجون لمساعدين أقوياء من أجل إطلاق مبادرات لإجراء تغييرات كبيرة في سنواتهم الأولى. ولكن عندما ينجح هؤلاء المساعدين يمكن أن يحاولوا حماية مكتسباتهم ومناطقهم بإنشاء أساليب قد تولّد مشاعر عدم ثقة بين أجزاء مختلفة من المؤسسة وتشجّع المجموعات المنفصلة عند وصولهم إلى المرحلة المتوسطة من فترة قيادتهم. ومن أجل إزالة الحواجز والقضاء على الأهداف المتباينة، يستعين بعض القادة بآليات كهيكليات المكافآت التي تركز على أهداف الشركة الإجمالية بدلاً من نتائج الوحدات المفردة.

استخدم واتجين سنوات المرحلة المتوسطة من فترة قيادته في نقل الأفكار والخبرات بين الوحدات لتفكيك المجموعات المنفصلة التي تتسم بها الأعمال الثلاث الأساسية في أونوم. كما نقل المدراء بين الوحدات وعمل على ربط وظائف المؤسسة باحتياجات الأعمال الفاعلة. مثلاً، دفع القسم المالي إلى إنشاء مقاييس، كهيكليات النفقات وتخصيص رأس المال، كي تشجع وحدات الشركة على السّعي لرفع الكفاءة. وذكّر واتجين المدراء الماليين أن دورهم لا ينحصر في تقديم الأرقام فقط، وقال: "إن وظيفتكم هي مساعدة زملائكم  في الحصول على المعلومات اللازمة لفهم ما يحدث في أعمالهم".

من السهل إغفال القادة الجدد للعمليات الداخلية الرئيسية عندما يركزون على الصورة الكبيرة. ولذلك، عندما يدخل الرئيس التنفيذي المرحلة المتوسطة من فترة  قيادته، يجب أن يجعل أولويته في إصلاح مواطن الخلل في "النظام التشغيلي" عن طريق فعل أي شيء، بدءًا من وضع إجراءات متسقة لتقييم المواهب، وصولاً إلى التنظيم المنهجي للخطة المتبعة في وضع الميزانية. عمل جون لاندغرين، الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة "ستانلي بلاك آند ديكر" (Stanley Black & Decker) (2004-2016)، مع فريقه لتحسين النظام التشغيلي وإضفاء الصبغة الرسمية عليه، مع التركيز على قياس الأداء الفردي وربط المكافآت بالمقاييس الأساسية كنمو القيمة الهامشي والتحويل النقدي. قال لاندغرين: "أعطينا الإدارة الأدوات اللازمة. كان الأمر متعلقاً بالكفاءة التشغيلية والقضاء على التعقيد". احتاج ترسيخ الأنظمة لبعض الوقت، ويتذكر لاندغرين أن مديراً من مجلس الإدارة قال له: "ستعلم أن هذه الأنظمة فعالة عندما تسير على أرض المعمل وتسأل مشرف الخط الأول عن عائدات رأس المال المتداول لذاك الأسبوع، ويتمكن من الإجابة عن ذلك".

أشار جون تشامبرز إلى أن شركة سيسكو أنشأت خلال المرحلة المتوسطة من فترة قيادته "دليلاً توجيهياً" لبعض العمليات، كالاندماج والاستحواذ. يقول: "مكّننا  وجود إجراءات يمكن تكرارها بسرعة وسهولة من التحرك بسرعة وفي نطاق واسع". وهذا ما سمح لتشامبرز وأفضل فريق لديه بالبدء بإجراءات المعاملات دون التوقف عند نقاط كثيرة. يقول: "استطعنا القيام بالعمل بسرعة هائلة، كان بإمكاننا اتخاذ قرار بالاستحواذ على شركة يوم الخميس مساء وإعلان الأمر يوم الاثنين صباحاً. والآن، ليس على الرئيس التنفيذي أن يقوم بشيء سوى الاجتماع مع الرئيس التنفيذي الآخر".

على الرغم من أنّ هذا الضبط التشغيلي الدقيق أمر هام بالنسبة لأداء أي شركة، إلا أنه يكاد يكون غير مرئي بالنسبة للجهات المعنية الخارجية، بما فيها المستثمرين. كما أنّ أثره لا يظهر بسرعة في أسعار الأسهم، ولا يشكل ربحاً مرئياً، وهذا جزء من أسباب تأجيل الرؤساء التنفيذيين هذه المهمة إلى المرحلة المتوسطة من فترة قيادتهم.

تجديد المواهب

يقوم معظم الرؤساء التنفيذيون الجدد بإجراء تغييرات على فريق القيادة أو إعادة تشكيله. ويدرك القادة الناجحون على المدى الطويل وجوب استمرار التغييرات خلال المرحلة المتوسطة. وفي الحقيقة، أجرى بعض القادة الذين قابلناهم تغييرات إدارية خلال مراحلهم المتوسطة أكثر من تلك التي أجروها في بداياتهم.

يركز القائد في أول عام أو اثنين على بناء الفريق المناسب. يقول إدوارد برين (إد برين)، الرئيس التنفيذي الأسبق في شركة أنظمة الأمان "تايكو إنترناشونال" (Tyco International) (2002-2012): "إن التهاون في تقييم المواهب خطأ يرتكبه الكثيرون. وعندما يصل القائد إلى منتصف فترة عمله يكون قد عرف الجميع وتعرّف على عائلاتهم. ولكنّ الجميع يمرّون بمراحل مختلفة، ومن الممكن ألا يبقى الموقع بعد فترة مناسباً للشخص، أو ربما فقد الشخص طاقته". كان برين حريصاً على تقييم كبار القادة في الشركة سنوياً، طارحاً السؤال: "هل لدي فريق يستطيع الفوز في المباراة النهائية؟" أصبحت عملية التقييم هذه رسمية وتم نشرها في جميع أنحاء الشركة، وعمل القادة من جميع المستويات عليها كلّ عام. كما أجرت شركة تايكو مراجعات تشغيلية شهرية، كان يعتبرها برين وسيلة ممتازة لتقييم طموحات فريقه ومستوى طاقته.

كيف يمضي الرؤساء التنفيذيون وقتهم خلال المرحلة المتوسطة من عملهم؟

أعاد 22 رئيساً تنفيذياً ممن قابلناهم ترتيب أولوياتهم عندما وصلوا إلى منتصف فترة عملهم في القيادة. قال 90% منهم تقريباً أنهم أمضوا وقتاً على الإحلال الوظيفي أكثر من المرحلة السابقة. وأمضى ما يقارب 80% منهم وقتا أطول على تخطيط أوسع للمواهب. وركز حوالي 70% منهم بشكل أكبر على البحث والتطوير والاستثمارات طويلة المدى. والجدير بالملاحظة أن هؤلاء الرؤساء التنفيذيين ظلّوا حذرين بشأن تجديد الاستراتيجية والتركيز على الفرص. برغم أن الوقت الذي أمضوه على مراجعات أداء الشركة لم يتغير بصورة كبيرة، إلا أنهم قالوا أنهم ركزوا على أسئلة مختلفة خلال هذه المراجعات، وركزوا على الاتجاهات طويلة الأمد أكثر من الأداء الحالي.

قال الرئيس التنفيذي الأسبق لمجموعة "فنادق ومنتجعات ستاروود" (Starwood Hotels & Resorts) بين عامي 2007 و2015، فريتز فان باشن، أنه بعد مرور نحو عامين ونصف على توليه القيادة، شعر بالحاجة إلى إعادة النظر إلى فريق قيادته بعد تأسيسه تركيزاً عالمياً ورقمياً أكبر. كان الأمر نوعاً من "عملية إعادة تعيين" بحسب قوله، سأل نفسه خلالها: هل سيساعد هذا الشخص في استمرار سيرنا قدماً وفق الاستراتيجية الحالية؟ من الطبيعي أن يتردد القادة في نقل الموظفين من مناصبهم، ولكن كان العديد من القادة الذين قابلناهم نادمين على الانتظار لفترة أطول مما ينبغي قبل إجراء التغييرات.

أشار كثير من الرؤساء التنفيذيين إلى أهمية انتقالهم، خلال المرحلة المتوسطة من القيادة، من دور توجيهي بنسبة كبيرة، إلى دور داعم ومرشد من أجل إطلاق العنان لإمكانات فرقهم الكامنة. باختصار، انتقلوا من دور الكابتن إلى دور المرشد للفريق. مثلاً، كان فان باشن يلتقي كثيراً بالقادة الأصغر الذين يعملون على مشاريع طويلة الأمد، ليس لتقديم التوجيه فقط، وإنما ليبين لهم أنه يدعمهم. فبدأ بإرسال الموظفين ذوي الإمكانات العالية في رحلات إلى منشآت ستاروود حول العالم ليعرّضهم للعمليات الدائرة على أرض الواقع ويقدّم لهم فرصاً للتعامل غير الرسمي. كما قام بالتواصل معهم أكثر بصورة غير رسمية. يقول: "انتقلنا من مراجعات التقدم ومؤشرات الأداء الرئيسية إلى محادثات ذات طابع إرشادي وتوجيهي أكثر. وكنت أسألهم دوماً: كيف تجري الأمور؟ إلام تحتاجون؟".

تقول معظم مجالس الإدارة أنها تبدأ فور استلام رئيس تنفيذي جديد بتطوير خطة الإحلال الوظيفي، وهي جزء مهم من عملية تجديد المواهب. ولكن من خلال خبرتنا، ومن خلال خبرات الرؤساء التنفيذيين الذين قابلناهم، وجدنا أن هذا المجهود يكتسب زخماً أكبر أثناء المرحلة المتوسطة من فترة عمل الرئيس التنفيذي. خذ مثلاً آلان ويلسون في شركة البهارات والمنكهات "ماكورميك آند كومباني" (McCormick & Company) (2008-2016). حيث أجرى في المرحلة المتوسطة من قيادته تقييماً تفصيلياً للمواهب على مستوى الإدارة التي تلي القيادة مباشرة، يقول: "اعتبرتها عملية مستمرة على مدى خمسة أعوام. يجب أن تنظر على بعد خطوتين فيما يتعلق بالخبرات والمهارات التي يحتاج الموظفين لتطويرها. وليس بالضرورة أن يكون من تجده مناسباً في الأعوام الأولى هو من سيستمر حتى النهاية".

بناء آليات للتعامل مع الخلافات والأفكار المزعزعة

يقلق الرؤساء التنفيذيون في المرحلة المتوسطة من فترة قيادتهم بشأن كونهم قابلين للتنبؤ أو بشأن حجبهم عن الأفكار الجديدة. يقول الرئيس التنفيذي الأسبق في شركة "هوم ديبوت" ، فرانك بليك: "بعد ثلاثة أو أربعة أعوام، يصبح لدى الموظفين فهم لطريقة استجابتك في مختلف المواقف. ويصبح الجميع يعرفون ما تريد سماعه، وهو ما سيقولونه لك". وسعى بليك والعديد من القادة الذين تحدثنا إليهم لتجنب الوقوع في هذا المأزق. 

على سبيل المثال، أغلق بليك في بداية عمله كرئيس تنفيذي عدة مخازن كان أداؤها أدنى من المستوى المطلوب. واستمر الموظفون بطرح أفكار جديدة ولكنه كان يرفضها، وعندما وصل إلى المرحلة المتوسطة من فترة قيادته توقف الموظفون عن تقديم اقتراحاتهم. أدرك بليك أن هذه مشكلة، واتخذ إجراءات للتركيز على تقبله للأفكار بجميع أشكالها. وبدأ يخصص وقتاً أطول للتواصل الداخلي، وعقد اجتماعات مع الموظفين من غير الإداريين، وخرج مع موظفي مساعدة الزبائن في المخازن إلى وجبات عشاء عمل. وكي يشجع على الصراحة، كان يسأل: "أعلم أن ذلك الأمر لا يسير جيداً. ما هو السبب برأيك؟" وكان ذلك غالباً يدفع الشخص الآخر لتقديم آراء صريحة.

كما وجد رئيس تنفيذي آخر طرقاً للتواصل مع الموظفين في قاعدة المؤسسة. واعتمد أحد القادة على مدير مشاريع كان يبني علاقات بعيداً عن الصيغة الرسمية مع الموظفين. وفي شركة التقنيات الطبية "بيكتون" (Becton) في مدينة ديكنسون، جمع الرئيس التنفيذي الأسبق إدوارد لادويغ (2000-2011) حوالي 12 موظفاً موثوقاً من المستوى الذي يلي مرؤوسيه المباشرين، وأعطاهم ملخصاً من صفحتين عن استراتيجية الشركة وطلب آراءهم الصريحة حولها.

يقول: "يجب أن تحيط نفسك بأشخاص عازمين على إخبارك الحقيقة، وأن توفر آليات تمكنهم من إخبارك الحقيقة. عليك أن توضح لهم أنك تستطيع التصرف وفق آرائهم بذكاء وأنك لن تؤذيهم إذا كانوا صريحين معك". 

يُعد البحث عن مصادر جديدة للنصح أمر هام بالنسبة للرؤساء التنفيذيين في مراحل متعددة من عملهم. وفي الحقيقة، غيّر الكثير من القادة الذين قابلناهم الموظفين الذين كانوا يقدمون لهم الآراء والمعلومات خلال الفترة المتوسطة من عملهم، وذلك بهدف توسيع الرؤية الجانبية لديهم. يقول الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة "إيباي" (eBay) جون دوناهو (2008-2015): "يتعلق الأمر بالاختلاط بالموظفين والتعرف على الأنماط في مجالات جديدة. وكان دوناهو يقضي نصف يوم على الأقلّ كل أسبوع مع القادة خارج دائرته وقطاعه المباشرين. وتواصل تحديداً مع رياديي الأعمال واستفاد من أفكارهم في إيباي، في الوقت الذي قام فيه بمساعدتهم في مواجهة مشاكلهم في مجال القيادة. مثلاً، قدم برايان تشيسكي، المؤسس الشريك لشركة "إير بي أند بي" (Airbnb)، نصيحة لدوناهو في مجالات التصميم وتطوير المنتجات والابتكار، بينما ساعده دوناهو في بعض مشاكل الإدارة، وقال لنا الأخير: "كانت النتيجة إرشاداً متبادلاً".

طلب العديد من الرؤساء التنفيذيين آراء أشخاص مختلفين سعياً لتوسيع رؤاهم الجانبية.

ومع ذلك، يجب ألّا تعني الحاجة للرأي الخارجي والبحث عن الأفكار المزعزعة منح الضوء الأخضر لقضاء وقت أطول في الخارج. وحذّر عدة رؤساء تنفيذيون من السماح لهذا البحث الخارجي بإضعاف التركيز على الشركة. قال الرئيس التنفيذي الأسبق في "خطوط دلتا للطيران" (Delta Air Lines) ريتشارد أندرسون (2007-2016): "في كثير من الأوقات يجري القادة جولة انتصار. وما أن تضيف إلى التزاماتك اجتماعات المائدة المستديرة وغرف التجارة ومحللي قطاع البيع والمشاركة في الخطابات، ستجد نفسك تعمل في وظيفتك كرئيس تنفيذي بدوام جزئي فقط". طرح أندرسون سؤالين عندما كان عليه اختيار التزاماته الخارجية: كيف سيساعد هذا الأمر شركة دلتا؟ وما هي البدائل لكيفية قضاء وقتي؟ وكان يراجع التزاماته على مدى العام مع سكرتيرته أسبوعياً. يقول: "لديك أمران: ذكاؤك ووقتك. ولقد أصبحتُ أجيد  إدارة وقتي ومواعيدي".

إنفاق رأس مال القيادة على خطوات جريئة طويلة الأمد 

وحده القائد المحنك قادر على حشد الدعم الكافي فيما يتعلق ببعض المساعي الكبرى، كعملية استحواذ كبيرة تفتقد العائد السريع. فبعد قضاء السنوات الأولى من عمل الرئيس التنفيذي في بناء مصداقيته مع المجلس والمستثمرين والموظفين وكسب الثقة بقيادته، يستطيع الرئيس التنفيذي الناجح في المرحلة المتوسطة من عمله أن يقوم بهذه الخطوات الاستراتيجية الجريئة. يقول جون دوناهو: "مهمتك هي إنفاق رأس المال السياسي والقيادي الذي بنيته لتجازف بشكل أكبر. فكر وكأنه لم يعد لديك سوى ثلاثة أعوام في العمل. ما هي الأمور التي تريد إنجازها؟ وما هي الأمور التي تستطيع إنجازها بصورة فريدة؟". 

راهن الكثير من الرؤساء التنفيذيين على خطوات استراتيجية كبيرة أو أتموا صفقات تحويلية في المرحلة المتوسطة من عملهم. يتذكّر جو بابا، الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة الصناعات الدوائية "بيريغو" (Perrigo) (2006-2016)، مروره بلحظة إلهام أثناء قيادة سيارته إلى العمل في صباح أحد الأيام، حيث شاهد مركبة شحن تابعة للشركة متوجهة لموقع أحد الزبائن. يقول: "أدركت أن الأمر يتعلق بملء الشاحنة بالمزيد من المنتجات. وهذا ما أجبرني على التفكير بكيفية تحقيق ذلك." أدّت هذه الرؤيا إلى الاستحواذ على شركة "بي بي إم هولدنغز" (PBM Holdings) المصنّعة لحليب الرضّع، الأمر الذي يعتبره بابا أحد أنجح الصفقات التي قامت بها شركة بيريغو. يقول: "أصبحت قادراً على القيام بخطوات أكثر جرأة كهذه الصفقة بعد ثلاثة أعوام من عملي لأنني اكتسبت فهماً أفضل للمصدر الحقيقي لميزتنا التنافسية".

أما سوزان كاميرون، التي عملت كرئيسة تنفيذية في شركة "رينولدز أميركان" (Reynolds American) لفترتين منفصلتين (2004-2011) (2014-2017)، فقد استخدمت المرحلة المتوسطة من فترتها الأولى لتقديم منتجات كالسجائر معدومة الدخان، والاستحواذ على شركة مصنّعة للعلاج باستخدام بدائل النيكوتين. تقول: "تحظى في المرحلة المتوسطة بفرص لتصوّر شركة مختلفة، ثم للقيام ببعض عمليات التصرف بالأصول والاستحواذ لتدعم ذاك التصور. وما أن تكتسب ثقة بنفسك وبالفريق الأفضل لديك، وتشعر بالرضى عن خطة العمل ونموذج التشغيل، عليك أن تحلم بما يمكن أن يكون وأن تخطط له". 

وبالفعل، وجدنا أن الرئيس التنفيذي عندما تطول فترة عمله أكثر يحوّل الانتباه إلى القيام بخطوات تحمل عائدات على مدى أطول، و ولكنها تساعد الشركة كي تسبق التيارات وتتواصل مع مجموعة أوسع من الجهات المعنية. قال الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة "أكاماي" بول ساغان: "يتحدث جيفري مور عن الحرص على أن تعود الخطوات بعيدة المدى للشركة بعائدات أعلى". وشرح أنه حرص على أن يشرف هو شخصياً على المبادرات طويلة الأمد من أجل ضمان أن لا تضعها الأولويات قصيرة الأمد جانباً".

وصفت غايل شيهي في كتابها الإبداعي "ممرات" (Passages)  المراحل المختلفة التي يمر بها البالغون في حياتهم، وكذلك الأمر بالنسبة للرؤساء التنفيذيين، فهم يمرون في عملهم بمراحل بصورة مشابهة. يقول الرئيس التنفيذي الأسبق في شركة "كونسيومرز إنرجي" (Consumers Energy) (2010-2016) جون راسل: "عندما أفكر بالمرحلة المتوسطة، أجد أن الأولويات أصبحت أوضح مقارنة بالمرحلة الأولى. يجب عليك القيام بكثير من الأشياء فور استلام عملك كرئيس تنفيذي، وستعمل بجدّ على كل ما لديك من قوى محركة طوال الوقت. بالنسبة لي، أصبحت أرى بوضوح كبير مواضع هذه القوى وكيفية الاستفادة منها بفعالية بعد مرور عامين أو ثلاثة على عملي."  

أظهرت لنا المقابلات التي أجريناها أن المرحلة المتوسطة من عمل الرئيس التنفيذي لا تتعلق بجني ما غرسه في سنواته الأولى فحسب، ولا تتعلق بالاستمرار بفعل ما حقق النجاح آنذاك. إنما يجب على القادة النظر إلى المؤسسة والأسواق التي تمارس دورها فيها من زاوية جديدة، والاستمرار بتطوير استراتيجياتهم وأساليبهم مع فرقهم. يجب ألّا يتوقفوا، بل عليهم بذل جهد أكبر.

سيتمكن القادة الجدد غالباً من التقدم بطريقة منهجية إذا نظروا إلى عملهم في منصب الرئيس التنفيذي على أنه سلسلة من المراحل، وإذا عدّلوا أسلوب عملهم وفق كلّ مرحلة بشكل منفصل. يقول بريت وايت، الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة الوساطة العقارية "سي بي آر إي" (CBRE) (2005-2012): "في البداية انطوت وجهة نظري على وجوب القيام بكلّ شيء خلال عامين أو ثلاثة، ولكنني أدركت أنها رحلة أطول من ذلك بكثير. ولذلك استعنت بالمزيد من الصبر. فالعمل تطور وليس ثورة". سيجعل تحلّيك بهذا الصبر نجاح شركتك، الآن وبعد مغادرتك القيادة، أكبر من نجاح الشركات المنافسة التي تتعامل مع هذا المنصب على أنه فترة واحدة متواصلة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي