كيف يمكنك التعامل مع عملية تقديم الرأي المهني غير الإيجابي لشخص من المؤكد أنه لن يقبله وسوف يتفاعل معه بشكل سيئ للغاية، خاصة إذا كان هذا الشخص من النوع الذي يلجأ إلى الصراخ، والانفجار بالبكاء، وتوجيه أصابع الاتهام، وشن الهجوم الشخصي، وفتح سجلات الماضي، والتلاعب بالكلام؟
دعونا هنا نأخذ مثالاً عملياً حول تقديم الرأي المهني عن سيدة سنفترض أن اسمها هو سميرة. لقد كانت سميرة تترأس فريقاً أنهى مؤخراً مشروعاً لم يكن تجربة رائعة لجميع المعنيين به. فبالنسبة لمعظم أعضاء الفريق، كان المشروع مخيباً للأمل منذ بدايته: فأعضاء الفريق كانوا قد كُلّفوا بالعمل عليه من قبل الإدارة، ولم يختاروا هم بأنفسهم المشاركة فيه؛ وكان الجميع يعرف بأن المشروع ليس مهماً كثيراً؛ ولم تكن محصلات المشروع مفيدة عملياً إلا بالنسبة لمدير سميرة المباشر، والذي كان يريد تلك النتائج لصالح بحث علمي يجريه. ولم يكن لسميرة دور قوي. فقد كانت الأعلى منصباً بين أقرانها والمسؤولة عن تنسيق المشروع مع الإدارة، لكن جعبتها كانت مليئة بالمسؤوليات أكثر من امتلائها بالسلطة أو الصلاحيات الفعلية. أما الجزرة التي لوّحت بها الإدارة لأعضاء الفريق فهي أن هذا المشروع كان عبارة عن جسر أو معبر. بمعنى إذا كانت النتائج مرضية، فإن أعضاء الفريق يمكنهم توقع الحصول على مشاريع أهم مستقبلاً.
من جهة أخرى لدينا سعد، وهو أحد أعضاء الفريق الذين يعملون انطلاقاً من موقع مختلف للشركة. لم يكن سعد يأخذ المشروع على محمل الجد، واعتبره أقل أولوية من أعماله الأخرى. لذلك كان ينجز المهام المطلوبة منه بخصوص المشروع في وقت متأخر غالباً، هذا إن أنجزها أصلاً. لكنّه كان يعلم بأن سميرة ستعوّض أي نقص يتسبب به، لأن مصلحة مديرها كانت تقتضي أن يقوم شخص ما بإنجاز هذه المهام الناقصة. وقد اعتبر سعد ذلك بمثابة حل عملي، فقد كانت جعبته مليئة بالأعمال والمهام أصلاً. لكن النقطة التي أخطأ في حسابها هي افتراضه بأن الإدارة ستنظر إلى عمل الفريق بأكمله فقط، وربما كانت نظرته هذه ساذجة نوعاً ما، أو ربما كانت محاولة منه لتبرير أفعاله أمام نفسه. لكن الذي حصل عملياً هو أنه عندما انتهى المشروع، طلبت الإدارة من سميرة اقتراح أفراد من الفريق للعمل على مشروع جديد أهم. ولم يكن سعد واحداً من الأسماء المقترحة، حيث إن سميرة حدّدت موعداً لجلسة معه مخصّصة لتقديم الرأي المهني بعمله، وإبلاغه بقرارها.
كانت سميرة تعلم تماماً بأن الحديث مع سعد لن يسير على ما يرام. فقد كان معروفاً عنه بأنه يصرخ في وجوه الناس، ويشوّه كلماتهم، ويتهمهم بالتآمر عليه بوصفه هو الضحية، إلى ما هنالك من هذه التصرفات. أما سميرة، فقد كانت تملك طبعاً مخالفاً لطبعه تماماً، لذلك، فإن مجرد فكرة إخبار سعد بنتائج تقييمها المهني لأدائه كانت مقلقة لها.
فكيف يجب أن تتعامل سميرة مع هذا الوضع؟ وكيف يمكنها تقديم الرأي المهني بطريقة صحيحة؟
عندما نخشى رد الفعل الذي سيبدر عن شخص ما، فإن معظمنا يحاول البحث عن تقنيات لجعل الشخص الآخر يتصرف بطريقة مختلفة. ولكن عندما يتلقى الناس آراء لا يوافقون عليها بخصوص أدائهم، فإنهم عموماً يكررون نفس التكتيكات التي طبقوها بنجاح في الماضي، وهذا ما يدفعهم إلى استعمالها مجدداً. عندما سيسمع سعد الرأي السلبي بأدائه، فإنه على الأغلب سيُفاجأ وسيستشيط غضباً. وسيعتقد على الأغلب بأن سميرة قد أساءت تمثيل المشروع، وبأنها تريد التضحية به على اعتباره كبش الفداء، مجردة إياه بذلك من المكسب الوحيد من 4 أشهر من العمل. فبحسب وجهة نظر سعد، أسلوبه في الرد عليها منطقي: فسميرة هي شخص غير موثوق، وهي ليست مديرته أصلاً، وتنوي إيقاع الأذى به. فلماذا يجب أن يتصرف بطريقة مختلفة؟ هو يريد أن يدفعها إلى التراجع عن موقفها.
سميرة تستشعر هذا السيناريو، لكن طبعها الهادئ يجعلها عرضة للوقوع في فخ ما يسمّيه صاحب النظريات في مجال الأعمال كريس أرغيريس "الاستراتيجيات الدفاعية"، وهي عبارة عن سلوك غامض وغير مفيد يختاره الشخص لتجنّب الشعور بعدم الارتياح في العلاقة مع شخص آخر. (من الأمثلة على ذلك، قد يكون استسلام سميرة أمام سعد، والاعتذار منه، وموافقته الرأي في أنه قد تعرّض إلى الإساءة، مع التأكيد على أنها مجرد رسول، وما على الرسول إلا البلاغ المبين. أو قد تبعث له الرسالة عبر البريد الإلكتروني، لتتركه بذلك يجيش بالغضب دون معالجة وضعه. أو قد تطلب من شخص آخر إخباره بالأمر. فأي من هذه الإجراءات سيحمي سميرة من الشعور الفوري بعدم الارتياح، لكنه يشير أيضاً إلى ضعف في الكفاءة لديها). وبحسب آرغيرس فإن الاستراتيجيات الدفاعية تصبح حالة من "البراعة في عدم الكفاءة"، حيث أننا نصبح بارعين فعلاً في تحاشي الأجزاء الصعبة، لكننا لا نستطيع الوصول إلى محصّلات جيدة ولن نتمكن البتة من إنجاز أهدافنا. لذلك فمن غير المنصوح به اتباع هذه المنهجية في تقديم آراء مهنية إلى الآخرين بخصوص أدائهم، حتى ولو بدت هذه المنهجية أفضل من المواجهة الصريحة والتناطح.
ولكن إذا حاولت سميرة أن تقسّي موقفها، وتجاري سعد في أسلوبه القائم على المواجهة، رغم أنها تعلم يقيناً بأن ذلك الأمر لن يحظى بالترحاب، فمن المؤكد أن يرتد عليها ذلك سلبياً. فالانفعالات ستزداد، وطرفا الحديث سوف ينحدران إلى الدرك الأسفل، الأمر الذي سيدمر علاقتهما، وربما يدمر سمعتيهما.
سميرة بحاجة إلى تجريب مقاربة مختلفة حول موضوع تقديم الرأي المهني بشكل أدق. وقد يكون أحد التكتيكات التي يمكن أن تتّبعها، هو التركيز على تحصين نفسها من الوقوع ضحية نتيجة لسلوك سعد الصعب. فهذا الأمر يشبه العالم الذي يركّز على الخلية وليس على الجرثومة، في أثناء دراسته للكيفية التي يدمّر بها جرثوم مُمْرِض خلية ما.
فكيف تحصّن سميرة نفسها ضد انفعالات سعد الشديدة؟ يمكنها تحصين نفسها من خلال إدراكها بأن تكتيكه لن ينجح ما لم تظهِر "هي نفسها" رد فعل معيّن. فعوضاً عن إبداء رد الفعل، يمكنها التجاوب بطريقة حيادية دون الاستسلام له أو التخلي عما تود قوله. وللوصول إلى هذا الهدف، يمكنها استعمال قاعدة متّبعة للحديث برباطة جأش في المواقف الصعبة وتتسم بثلاث صفات: المحتوى الواضح، والنبرة الحيادية، واستعمال عبارات معتدلة في صياغة الكلام (وهذا الأسلوب هو النقيض تماماً لكل من "البراعة في عدم الكفاءة" أو المواجهة).
المحتوى الواضح: دع كلماتك تنجز المهمة المطلوبة منك نيابة عنك. قل الشيء الذي تعنيه فعلياً. تخيّل بأنك مذيع في التلفزيون يتعيّن عليه أن يفهِم الناس المعلومات المطلوبة. فإذا شوّه الشخص الواقف أمامك ما تقوله، أعد كلامك تماماً كما قلته في المرة الأولى.
النبرة الحيادية: النبرة هي الجزء غير الملفوظ من الرسالة التي تحاول إيصالها. وهي تتجلّى في نبرة صوتك، وتعابير وجهك، ولغة جسدك الواعية وغير الواعية. فهذه الأشياء لها ثقل عاطفي في أثناء خوضك للنقاشات الصعبة. ومن الصعب عليك استعمال نبرة حيادية عندما تكون انفعالاتك عالية. لذلك أنت بحاجة إلى أن تتدرب على الأمر مسبقاً، بحيث تصبح معتاداً على سماعه. تذكر الحيادية الكلاسيكية التي تطبع عمليات التواصل في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في الأوضاع الصعبة، حيث إن ما يقولونه في تلك الحالة بسيط جداً: "هيوستن، لدينا مشكلة".
استعمال عبارات معتدلة في صياغة الكلام: هناك طرق كثيرة ومتعددة لتقول بها ما تريد قوله. بعضها معتدل؛ وبعضها الآخر يستفز الشخص الجالس قبالتك كثيراً نتيجة اللغة المشحونة المستعملة. فإذا كان نظيرك الواقف أمامك ينبذ كلماتك، أو يقاومها، أو يعيدها إليك، فإنه على الأغلب سيتمسك بالمحتوى الذي تقوله – لذلك، حاول اختيار كلماتك بمنتهى العناية والتأني.
المحتوى الواضح، والنبرة الحيادية، واستعمال العبارات المعتدلة هي 3 أشياء تأتي معاً كرزمة واحدة غير قابلة للتجزئة. فسميرة لن تحصل على نتائج جيدة، إذا استعملت عبارات معتدلة، لكنها خلطت رسالتها بالكثير من التناقضات في لغة الجسد. كما أن النجاح لن يحالفها إذا كانت تعتقد بأن كلامها فظّ لذلك تلجأ إلى التخفيف من وقعه. فالفظاظة هي سمة من سمات صياغة الكلام بأسلوب غير معتدل، وليست من سمات محتوى الكلام. لذلك، فإن التخفيف من وقع المحتوى لحل مشكلة الصياغة لن يوصلها إلى مقصدها.
فإذا قالت سميرة لسعد: "في فبراير/شباط، ومارس/آذار، وأبريل/نيسان، أنت لم تقدّم المحصلات التي التزمت بتقديمها في التواريخ التي وافقت عليها"، فإن محتوى كلامها واضح وصياغته معتدلة. ويجب أن نتخيل بأن نبرتها حيادية، لكن سميرة قادرة على فعلها. فإذا قالت: "بعد أن تأخرت في إنجاز هذه المهام المطلوبة، لا أستطيع أن أدعم تزكيتك للعمل في مشروع جديد"، فإنها تكون بذلك واضحة ومعتدلة مجدداً. نحن نعلم بأن هذه الأخبار غير سارّة، وبأن سميرة سيلجأ على الأرجح إلى ترسانته من التكتيكات الصعبة. لكن سميرة تقف على أرضية صلبة، وهي لا تبدّل رسالتها ولا تتجاوب مع تكتيكاته. ومع وجود هذه القاعدة الثلاثية المذكورة أعلاه، فإن التكرار قد يكون أفضل حلّ بين يديها: فإذا ما تحدّاها سعد أو شوّه رسالتها، فإن سميرة قادرة على تكرار ما قالته للتو، عوضاً عن اللحاق بسعد إلى جحر الأرنب تحت الأرض، كما يقول المثل الشائع. وعندما يحين موعد إنهاء الاجتماع، يمكنها أن تقول شيئاً بسيطاً من قبيل: "شكراً على حضورك للاجتماع بي. (وبعد وقفة قصيرة) أتمنّى لو أن الأمور كانت قد سارت بطريقة مختلفة".
هل سيكون سعد سعيداً بهذه المحادثة؟ لا أعتقد ذلك بسبب كيفية تقديم الرأي المهني بطريقة صحيحة. فلا أحد يحب سماع رأي غير جيد به. ولكن تذكر ما يلي: أثناء تقديمك لرأي مهني سلبي إلى شخص سيتخذ على الأرجح موقفاً دفاعياً، ليس واجبك هو أن تجعل ذلك الشخص يشعر بالارتياح، وإنما يتمثل واجبك في تقديم المعلومات بطريقة واضحة وحيادية ومعتدلة من خلال التمسك بالحقائق وبهذه القاعدة الثلاثية أيضاً.
اقرأ أيضاً: